فلما رأى الكفار عذاب الله قريبًا منهم وعاينوه، ظهرت الذلة والكآبة على وجوههم، وقيل توبيخًا لهم: هذا الذي كنتم تطلبون تعجيله في الدنيا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فلما رأوه» أي العذاب بعد الحشر «زلفة» قريبا «سيئت» اسودت «وجوه الذين كفروا وقيل» أي قال الخزنة لهم «هذا» أي العذاب «الذي كنتم به» بإنذاره «تدعون» أنكم لا تبعثون وهذه حكاية حال تأتي عبر عنها بطريق المضي لتحقق وقوعها.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يعني أن محل تكذيب الكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا، فإذا كان يوم الجزاء، ورأوا العذاب منهم زُلْفَةً أي: قريبًا، ساءهم ذلك وأفظعهم، وقلقل أفئدتهم، فتغيرت لذلك وجوههم، ووبخوا على تكذيبهم، وقيل لهم هذا الذي كنتم به تكذبون، فاليوم رأيتموه عيانًا، وانجلى لكم الأمر، وتقطعت بكم الأسباب ولم يبق إلا مباشرة العذاب.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فلما رأوه ) يعني : العذاب في الآخرة - على قول أكثر المفسرين - وقال مجاهد : يعني العذاب ببدر ( زلفة ) أي قريبا وهو [ اسم يوصف به المصدر يستوي فيه ] المذكر والمؤنث والواحد والاثنان [ والجميع ] ( سيئت وجوه الذين كفروا ) اسودت وعليها كآبة ، والمعنى قبحت وجوههم بالسواد ، يقال : ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح ، وسيء يساء إذا قبح ( وقيل ) لها أي قال الخزنة ( هذا ) أي هذا العذاب ( الذي كنتم به تدعون ) تفتعلون من الدعاء تدعون وتتمنون أنه يعجل لكم ، وقرأ يعقوب تدعون بالتخفيف ، وهي قراءة قتادة ومعناهما واحد مثل تذكرون وتذكرون .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- حالهم عند ما يرون العذاب الذي استعجلوه فقال: فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ.والفاء في قوله: فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ... هي الفصيحة. وفَلَمَّا ظرف بمعنى حين.ورَأَوْهُ مستعمل في المستقبل وجيء به بصيغة الماضي لتحقق الوقوع، كما في قوله- تعالى-: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ...وزُلْفَةً اسم مصدر لأزلف إزلافا، بمعنى القرب. ومنه قوله- تعالى-: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ ... أى: قربت للمتقين، وهو حال من مفعول رَأَوْهُ.والمعنى: لقد حل بالكافرين العذاب الذي كانوا يستعجلونه، ويقولون: متى هذا الوعد.فحين رأوه نازلا بهم، وقريبا منهم سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أى: ساءت رؤيته وجوههم، وحلت عليها غبرة ترهقها قترة.وَقِيلَ لهم على سبيل التوبيخ والتأنيب هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ أى: هذا هو العذاب الذي كنتم تتعجلون وقوعه في الدنيا، وتستهزءون بمن يحذركم منه.فقوله تَدَّعُونَ من الدعاء بمعنى الطلب، أو من الدعوى.وسِيئَتْ فعل مبنى للمجهول. وأسند- سبحانه- حصول السوء إلى الوجوه، لتضمينه معنى كلحت وقبحت واسودت، لأن الخوف من العذاب قد ظهرت آثاره على وجوههم.وقال- سبحانه- سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالإظهار، ولم يقل وجوههم، لذمهم بصفة الكفر، التي كانت السبب في هلاكهم.ومفعول تَدَّعُونَ محذوف. والتقدير: وقيل لهم هذا الذي كنتم تدعون عدم وقوعه.قد وقع، وها أنتم تشاهدونه أمام أعينكم.والجار والمجرور في قوله بِهِ متعلق بتدعون لأنه مضمن معنى تكذبون.والقائل لهم هذا القول: هم خزنة النار، على سبيل التبكيت لهم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال الله تعالى : ( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ) أي : لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ، ورأوا أن الأمر كان قريبا ; لأن كل ما هو آت آت وإن طال زمنه ، فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك ، لما يعلمون ما لهم هناك من الشر ، أي : فأحاط بهم ذلك ، وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب ، ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) [ الزمر : 47 ، 48 ] ; ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ : ( هذا الذي كنتم به تدعون ) أي : تستعجلون .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعونقوله تعالى : فلما رأوه زلفة مصدر بمعنى مزدلفا أي قريبا ; قاله مجاهد . الحسن : عيانا . وأكثر المفسرين على أن المعنى : فلما رأوه يعني العذاب ، وهو عذاب الآخرة . وقال مجاهد : يعني عذاب بدر . وقيل : أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريبا منهم . ودل عليه تحشرون . وقال ابن عباس : لما رأوا عملهم السيئ قريبا .سيئت وجوه الذين كفروا أي فعل بها السوء . وقال الزجاج : تبين فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم ; كقوله تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . وقرأ نافع وابن محيصن وابن عامر والكسائي " سئت " بإشمام الضم . وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفة . ومن ضم لاحظ الأصل .وقيل هذا الذي كنتم به تدعون قال الفراء : تدعون تفتعلون من الدعاء وهو قول أكثر العلماء أي تتمنون وتسألون . وقال ابن عباس : تكذبون ; وتأويله : هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث ; قاله الزجاج . وقراءة العامة " تدعون " بالتشديد ، وتأويله ما ذكرناه . وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق والضحاك ويعقوب " تدعون " مخففة . قال قتادة : هو قولهم " ربنا عجل لنا " قطنا . وقال الضحاك : هو قولهم : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية . وقال أبو العباس : تدعون تستعجلون ; يقال : دعوت بكذا إذا طلبته ; وادعيت افتعلت منه . النحاس : " تدعون وتدعون " بمعنى واحد ; كما يقال : قدر واقتدر ، وعدا واعتدى ; إلا أن في " افتعل " معنى شيء بعد شيء ، و " فعل " يقع على القليل والكثير .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)وقوله: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يقول تعالى ذكره: فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله زلفة، يقول: قريبا، وعاينوه، ( سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يقول: ساء الله بذلك وجوه الكافرين.وبنحو الذي قلنا في قوله: ( زُلْفَةً ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ ) قال: لما عاينوه.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن أبي بكير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن، عن قوله: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ) قال: معاينة.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ) قال: قد اقترب.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) لما عاينت من عذاب الله.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ) قال: لما رأوا عذاب الله زلفة، يقول: سيئت وجوههم حين عاينوا من عذاب الله وخزيه ما عاينوا.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ ) قيل: الزلفة حاضر قد حضرهم عذاب الله عزّ وجلّ.: ( وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ )يقول: وقال الله لهم: هذا العذاب الذي كنتم به تذكرون ربكم أن يعجله لكم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) قال: استعجالهم بالعذاب.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) بتشديد الدال بمعنى تفتعلون من الدعاء.وذكر عن قتادة والضحاك أنهما قرءا ذلك ( تَدَّعُونَ ) بمعنى تفعلون في الدنيا.حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: أخبرنا أبان العطار وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أنه قرأها( الذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) خفيفة ؛ ويقول: كانوا يدعون بالعذاب، ثم قرأ: وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ .والصواب من القراءة في ذلك، ما عليه قراء الأمصار لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
﴿ فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ﴾