الذين صدَّقوا بالله ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحات لهم فرح وقرة عين، وحال طيبة، ومرجع حسن إلى جنة الله ورضوانه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«الذين آمنوا وعملوا الصالحات» مبتدأ خبره «طوبى» مصدر من الطيب أو شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها «لهم وحسن مآب» مرجع.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أي: آمنوا بقلوبهم بالله وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وصدقوا هذا الإيمان بالأعمال الصالحة، أعمال القلوب كمحبة الله وخشيته ورجائه، وأعمال الجوارح كالصلاة ونحوها، طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ أي: لهم حالة طيبة ومرجع حسن.وذلك بما ينالون من رضوان الله وكرامته في الدنيا والآخرة، وأن لهم كمال الراحة وتمام الطمأنينة، ومن جملة ذلك شجرة طوبى التي في الجنة، التي يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها، كما وردت بها الأحاديث الصحيحة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ابتداء ( طوبى لهم ) خبره .واختلفوا في تفسير ( طوبى ) .روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : فرح لهم وقرة عين .وقال عكرمة : نعم مالهم .وقال قتادة : حسنى لهم .وقال معمر عن قتادة : هذه كلمة عربية ، يقول الرجل للرجل : طوبى لك ، أي : أصبت خيرا .وقال إبراهيم : خير لهم وكرامة .وقال الفراء : [ أصله من الطيب ، والواو فيه لضمة الطاء ، وفيه لغتان ، تقول العرب : طوباك وطوبى لك أي : لهم الطيب ] .( وحسن مآب ) أي : حسن المنقلب .قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : طوبى اسم الجنة بالحبشية .قال الربيع : هو البستان بلغة الهند .وروي عن أبي أمامة ، وأبي هريرة ، وأبي الدرداء قالوا : [ طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها . وقال عبيد بن عمير ] : هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لونا ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد ، ولم يخلق الله تعالى فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ، تنبع من أصلها عينان : الكافور ، والسلسبيل .قال مقاتل : كل ورقة منها تظل أمة ، عليها ملك يسبح الله عز وجل بأنواع التسبيح .وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طوبى ؟ قال : " شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " .وعن معاوية بن قرة ، عن أبيه يرفعه : " طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده ، ونفخ فيها من روحه ، تنبت الحلي والحلل ، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة " .أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زياد مولى بني مخزوم ، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها اقرءوا إن شئتم : ( وظل ممدود ) ( الواقعة - 30 ) فبلغ ذلك كعبا فقال : صدق والذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ، إن الله تعالى غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ، ما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة .وبهذا الإسناد عن عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يقول الله عز وجل لها : تفتقي لعبدي عما شئت ، فتنفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء ، يفتق له عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء وعن الثياب .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- تعالى- الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ بيان للثواب الجزيل الذي أعده- سبحانه- للمؤمنين الصادقين.وطوبى: مصدر كبشرى وزلفى من الطيب، وأصله طيبي، فقلبت الياء واوا لوقوعها ساكنة إثر ضمة، كما قلبت في موقن وموسر وهو من اليقين واليسر.وقيل: طوبى، اسم شجرة في الجنة.قال ابن كثير ما ملخصه: قوله طُوبى لَهُمْ قال ابن عباس: أى فرح وقرة عين لهم.وقال الضحاك: أى غبطة لهم. وقال إبراهيم النخعي: أى خير لهم.وقال قتادة: طوبى: كلمة عربية. يقول الرجل لغيره: طوبى لك أى: أصبت خيرا.وقال سعيد جبير عن ابن عباس «طوبى لهم» قال: هي أرض الجنة بالحبشية.وقال سعيد بن مشجوج «طوبى» اسم الجنة بالهندية.وروى ابن جرير عن شهر بن حوشب قال: «طوبى» : شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها ...وهكذا روى عن ابن عباس وأبى هريرة وغير واحد من السلف، أن طوبى شجرة في الجنة، في كل دار في الجنة غصن منها» .والمآب: المرجع والمنقلب من الأوب وهو الرجوع. يقال: آب يئوب أوبا وإيابا ومآبا إذا رجع.والمعنى: الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات لهم في آخرتهم، عيش طيب. وخير كامل، ومرجع حسن يرجعون به إلى ربهم وخالقهم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فرح وقرة عين . وقال عكرمة : نعم ما لهم .وقال الضحاك : غبطة لهم . وقال إبراهيم النخعي : خير لهم .وقال قتادة : هي كلمة عربية يقول الرجل : " طوبى لك " ، أي : أصبت خيرا . وقال في رواية : ( طوبى لهم ) حسنى لهم .( وحسن مآب ) أي : مرجع .وهذه الأقوال شيء واحد لا منافاة بينها .وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( طوبى لهم ) قال : هي أرض الجنة بالحبشية .وقال سعيد بن مسجوح : طوبى اسم الجنة بالهندية . وكذا روى السدي ، عن عكرمة : ( طوبى لهم ) أي : الجنة . وبه قال مجاهد .وقال العوفي ، عن ابن عباس : لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال : ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) وذلك حين أعجبته .وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن شهر بن حوشب قال : ( طوبى ) شجرة في الجنة ، كل شجر الجنة منها ، أغصانها من وراء سور الجنة .وهكذا روي عن أبي هريرة ، وابن عباس ، ومغيث بن سمى ، وأبي إسحاق السبيعي وغير واحد من السلف : أن طوبى شجرة في الجنة ، في كل دار منها غصن منها .وذكر بعضهم أن الرحمن ، تبارك وتعالى ، غرسها بيده من حبة لؤلؤة ، وأمرها أن تمتد ، فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى ، وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة ، من عسل وخمر وماء ولبن .وقد قال عبد الله بن وهب : حدثنا عمرو بن الحارث ، أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - [ مرفوعا : " طوبى : شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " .وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، سمعت عبد الله بن لهيعة ، حدثنا دراج أبو السمح ، أن أبا الهيثم حدثه ، عن أبي سعيد الخدري ] عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قال : يا رسول الله ، طوبى لمن رآك وآمن بك . قال : " طوبى لمن رآني وآمن بي ، ثم طوبى ، ثم طوبى ، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " . قال له رجل : وما طوبى ؟ قال : " شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " .وروى البخاري ومسلم جميعا ، عن إسحاق بن راهويه ، عن مغيرة المخزومي ، عن وهيب ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " قال : فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي ، فقال : حدثني أبو سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها " .وفي صحيح البخاري ، من حديث يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قول الله : ( وظل ممدود ) [ الواقعة : 30 ] قال : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " .وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة اقرءوا إن شئتم ( وظل ممدود ) أخرجاه في الصحيحين .وقال [ الإمام ] أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج ، قالا حدثنا شعبة ، سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين - أو : مائة - سنة هي شجرة الخلد " .وقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر سدرة المنتهى ، قال : " يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة ، أو قال : يستظل في الفنن منها مائة راكب ، فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القلال " . رواه الترمذي .وقال إسماعيل بن عياش ، عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام الأسود قال : سمعت أبا أمامة الباهلي قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى ، فتفتح له أكمامها ، فيأخذ من أي ذلك شاء ، إن شاء أبيض ، وإن شاء أحمر ، وإن شاء أصفر ، وإن شاء أسود ، مثل شقائق النعمان ، وأرق وأحسن " .وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : طوبى شجرة في الجنة ، يقول الله لها : " تفتقي لعبدي عما شاء; فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإبل بأزمتها ، وعما شاء من الكسوة " .وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرا غريبا عجيبا ، قال وهب ، رحمه الله : إن في الجنة شجرة يقال لها : " طوبى " ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة ، فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا ووبرها كخز المرعزى من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها ويقولون : إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال : فيركبونها ، فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفراش ، نجيا من غير مهنة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأخرى ، ولا برك راحلة برك الأخرى ، حتى إن شجرة لتتنحى عن طريقهم ، لئلا تفرق بين الرجل وأخيه . قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : اللهم ، أنت السلام ومنك السلام ، وحق لك الجلال والإكرام . قال : فيقول تعالى [ عند ذلك ] أنا السلام ومني السلام ، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري " .قال : فيقولون : ربنا لم نعبدك حق عبادتك ، ولم نقدرك حق قدرك ، فأذن لنا في السجود قدامك قال : فيقول الله : " إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ، ولكنها دار ملك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته " فيسألونه ، حتى إن أقصرهم أمنية ليقول : رب ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ، رب فآتنى مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا . فيقول الله تعالى : " لقد قصرت بك أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني ، [ وسأتحفك بمنزلتي ] ; لأنه ليس في عطائي نكد ولا تصريد " . قال : ثم يقول : " اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ، ولم يخطر لهم على بال " . قال : فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة ، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، على كل سرير منها قبة من ذهب مفرغة ، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة متظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما ولا ريح طيبة إلا قد عبقتا به ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة ، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة ، يرى مخهما من فوق سوقهما ، كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو لهما مثل ذلك ، ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعتنقانه به ، ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك . ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة ، حتى ينتهى بكل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له .وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده ، عن وهب بن منبه ، وزاد : فانظروا إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم ، فإذا هو بقباب في الرفيق الأعلى ، وغرف مبنية من الدر والمرجان ، وأبوابها من ذهب ، وسررها من ياقوت ، وفرشها من سندس وإستبرق ، ومنابرها من نور ، يفور من أبوابها وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء ، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها ، فلولا أنه مسخر ، إذا لالتمع الأبصار ، فما كان من تلك القصور من الياقوت [ الأبيض ، فهو مفروش بالحرير الأبيض ، وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر ، وما كان منها من الياقوت الأخضر ] فهو مفروش بالسندس الأخضر ، وما كان منها من الياقوت الأصفر ، فهو مفروش بالأرجوان الأصفر منزه بالزمرد الأخضر ، والذهب الأحمر ، والفضة البيضاء ، قوائمها وأركانها من الجوهر ، وشرفها قباب من لؤلؤ ، وبروجها غرف من المرجان . فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم ، قربت لهم براذين من ياقوت أبيض ، منفوخ فيها الروح ، تجنبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين ، ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء ، منظومة بالدر والياقوت ، سروجها سرر مرضونة ، مفروشة بالسندس والإستبرق . فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم ببطن رياض الجنة . فلما انتهوا إلى منازلهم ، وجدوا الملائكة قعودا على منابر من نور ، ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامة ربهم . فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم وما سألوا وتمنوا ، وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان ، [ جنتان ] ذواتا أفنان ، وجنتان مدهامتان ، وفيهما عينان نضاختان ، وفيهما من كل فاكهة زوجان ، وحور مقصورات في الخيام ، فلما تبينوا منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم : هل وجدتم ما وعدتكم حقا ؟ قالوا : نعم وربنا . قال : هل رضيتم ثواب ربكم ؟ قالوا : ربنا رضينا فارض عنا قال : برضاي عنكم حللتم داري ، ونظرتم إلى وجهي ، وصافحتكم ملائكتي ، فهنيئا هنيئا لكم ، ( عطاء غير مجذوذ ) [ هود : 108 ] ليس فيه تنغيص ولا تصريد . فعند ذلك قالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، وأدخلنا دار المقامة من فضله ، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ، إن ربنا لغفور شكور .وهذا سياق غريب ، وأثر عجيب ولبعضه شواهد ، ففي الصحيحين : أن الله تعالى يقول لذلك الرجل الذي يكون آخر أهل الجنة دخولا الجنة : تمن " ، فيتمنى حتى إذا انتهت به الأماني يقول الله تعالى : " تمن من كذا وتمن من كذا " ، يذكره ، ثم يقول : " ذلك لك ، وعشرة أمثاله " .وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله ، عز وجل يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " الحديث بطوله .وقال خالد بن معدان : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، لها ضروع ، كلها ترضع صبيان أهل الجنة ، وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة ، يتقلب فيه حتى تقوم القيامة ، فيبعث ابن أربعين سنة . رواه ابن أبي حاتم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب قوله تعالى : الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم ابتداء وخبره . وقيل : معناه لهم طوبى ، ف " طوبى " رفع بالابتداء ، ويجوز أن يكون موضعه نصبا على تقدير : جعل لهم طوبى ، ويعطف عليه " وحسن مآب " على الوجهين المذكورين ، فترفع أو تنصب . وذكر عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن أبي يزيد البكالي عن عتبة بن عبد السلمي قال : ( جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الجنة وذكر الحوض فقال : فيها فاكهة ؟ قال : نعم شجرة تدعى طوبى قال : يا رسول الله ! أي شجر أرضنا تشبه ؟ قال لا تشبه شيئا من شجر أرضك ، أأتيت الشام هناك شجرة تدعى الجوزة تنبت على ساق ويفترش أعلاها . قال : يا رسول الله ! فما عظم أصلها ؟ ! قال : لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما . وذكر الحديث ، وقد كتبناه بكماله في أبواب الجنة من كتاب " التذكرة " ، والحمد لله . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا معمر عن الأشعث عن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : في الجنة شجرة يقال لها طوبى ; يقول الله تعالى لها : تفتقي لعبدي عما شاء ; فتفتق له عن فرس بسرجه ولجامه وهيئته كما شاء ، وتفتق عن الراحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما شاء ، وعن النجائب والثياب . وذكر ابن وهب من حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلي قال : طوبى شجرة في الجنة ليس منها دار إلا وفيها غصن منها ، ولا طير حسن إلا هو فيها ، ولا ثمرة إلا هي منها ; وقد قيل : إن أصلها في قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة ، ثم تنقسم فروعها على منازل أهل الجنة ، كما انتشر منه العلم والإيمان على جميع أهل الدنيا . وقال ابن عباس : طوبى لهم فرح لهم وقرة عين ; وعنه أيضا أن طوبى اسم الجنة بالحبشية ; وقاله سعيد بن جبير . الربيع بن أنس : هو البستان بلغة الهند ; قال القشيري : إن صح هذا فهو وفاق بين اللغتين . وقال قتادة : طوبى لهم حسنى لهم . عكرمة : نعمى لهم . إبراهيم النخعي : خير لهم ، وعنه أيضا كرامة من الله لهم . الضحاك : غبطة لهم . النحاس : وهذه الأقوال متقاربة ; لأن طوبى فعلى من الطيب ; أي العيش الطيب لهم ; وهذه الأشياء ترجع إلى الشيء الطيب . وقال الزجاج : طوبى فعلى من الطيب ، وهي الحالة المستطابة لهم ; والأصل طيبى ، فصارت الياء واوا لسكونها وضم ما قبلها ، كما قالوا : موسر وموقن . قلت : والصحيح أنها شجرة ; للحديث المرفوع الذي ذكرناه ، وهو صحيح على ما ذكره السهيلي ; ذكره أبو عمر في التمهيد ، ومنه نقلناه ; وذكره أيضا الثعلبي في تفسيره ; وذكر أيضا المهدوي والقشيري عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : طوبى شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة ومن أراد زيادة على هذه الأخبار فليطالع الثعلبي . وقال ابن عباس : طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار علي ، وفي دار كل مؤمن منها غصن . وقال أبو جعفر محمد بن علي : ( سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى : طوبى لهم وحسن مآب قال : شجرة أصلها في داري وفروعها في الجنة ثم سئل عنها مرة أخرى فقال : شجرة أصلها في دار علي وفروعها في الجنة . فقيل له : يا رسول الله ! سئلت عنها فقلت : أصلها في داري وفروعها في الجنة ثم سئلت عنها فقلت : أصلها في دار علي وفروعها في الجنة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن داري ودار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد وعنه - صلى الله عليه وسلم - : هي شجرة أصلها في داري وما من دار من دوركم إلا مدلى فيها غصن منها وحسن مآب آب إذا رجع . وقيل : تقدير الكلام الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله وعملوا الصالحات طوبى لهم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ، الصالحات من الأعمال, وذلك العمل بما أمرهم ربهم(طوبى لهم) .* * *و " طوبى " في موضع رفع ب" لهم ".وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول: ذلك رفع, كما يقال في الكلام: " ويلٌ لعمرو ".* * *قال أبو جعفر: وإنما أوثر الرفع في (طوبى) لحسن الإضافة فيه بغير " لام ", وذلك أنه يقال فيه " طوباك ", كما يقال: " ويلك "، و " ويبك ", ولولا حسن الإضافة فيه بغير لام، لكان النصب فيه أحسنَ وأفصح, كما النصب في قولهم: " تعسًا لزيد، وبعدًا له وسُحقًا " أحسن, إذ كانت الإضافة فيها بغير لام لا تحسن .* * *وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طوبى لهم) .فقال بعضهم: معناه: نِعْم ما لهم .ذكر من قال ذلك:20363- حدثني جعفر بن محمد البروري من أهل الكوفة قال: حدثنا أبو زكريا الكلبي, عن عمر بن نافع قال: سئل عكرمة عن " طوبى لهم " قال: نعم ما لهم . (1)20364- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عمرو بن نافع, عن عكرمة في قوله: (طوبى لهم) قال: نعم ما لهم .20365- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثني عمرو بن نافع قال: سمعت عكرمة, في قوله: (طوبى لهم) قال: نِعْم مَا لهم .* * *وقال آخرون: معناه: غبطة لهم .*ذكر من قال ذلك:20366- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: (طوبى لهم) قال: غبطةٌ لهم .20367- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء, عن جويبر, عن الضحاك, مثله .20368-... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك, مثله .* * *وقال آخرون: معناه: فرحٌ وقُرَّةُ عين .*ذكر من قال ذلك:20369- حدثني علي بن داود والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا عبد الله قال . حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (طوبى لهم) ، يقول: فرحٌ وقُرَّة عين .* * *وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم .*ذكر من قال ذلك:20370- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (طوبى لهم) ، يقول: حسنى لهم, وهي كلمة من كلام العرب .20371- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة .(طوبى لهم) ، هذه كلمة عربية, يقول الرجل: طوبى لك: أي أصبتَ خيرًا .* * *وقال آخرون: معناه: خير لهم .ذكر من قال ذلك:20372- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم قال: خير لهم .20373- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم, في قوله: (طوبى لهم) ، قال: الخير والكرامة التي أعطاهم الله .* * *وقال آخرون: (طوبى لهم) ، اسم من أسماء الجنة, ومعنى الكلام، الجنة لهُم .*ذكر من قال ذلك:20374- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: (طوبى لهم) قال: اسم الجنة، بالحبشية .20375- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (طوبى لهم)، قال: اسم أرض الجنة، بالحبشية .20376- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن مشجوج في قوله: (طوبى لهم) قال: (طوبى): اسم الجنة بالهندية .20377- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا داود بن مهران قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن مشجوج قال: اسم الجنة بالهندية: (طوبى) . (2)20378- حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان, عن السدي, عن عكرمة: (طوبى لهم) قال: الجنة .20379- ... قال: حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: (طوبى لهم) قال: الجنة .20380- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, مثله .20381- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثنى عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) قال: لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) ، وذلك حين أعجبته .20382- حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك, عن ليث, عن مجاهد: (طوبى لهم) ، قال الجنة .* * *وقال آخرون: (طوبى لهم) : شجرة في الجنة .*ذكر من قال ذلك:20383- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا قرة بن خالد, عن موسى بن سالم قال: قال ابن عباس: (طوبى لهم) ، شجرة في الجنة . (3)20384- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الأشعث بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة: (طوبى لهم) : شجرة في الجنة يقول لها: " تَفَتَّقي لعبدي عما شاء " ! فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمها, وعن الإبل بأزمّتها, وعما شاء من الكسوة . (4)20385- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن شهر بن حوشب قال: (طوبى): شجرة في الجنة, كل شجر الجنة منها, أغصانُها من وراء سور الجنة .20386- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن الأشعث بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبي هريرة قال: في الجنة شجرة يقال لها(طوبى), يقول اللهُ لها: تفَتَّقِي فذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى, عن ابن ثور . (5)20387- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الجبار قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا العلاء, عن شمر بن عطية, في قوله: (طوبى لهم) قال: هي شجرة في الجنة يقال لها(طوبى) .20388- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن منصور, عن حسان أبي الأشرس, عن مغيث بن سُمَيّ قال: (طوبى): شجرة في الجنة, ليس في الجنة دارٌ إلا فيها غصن منها, فيجيء الطائر فيقع، فيدعوه, فيأكل من أحد جنبيه قَدِيدًا ومن الآخر شِوَاء, ثم يقول: " طِرْ" ، فيطير . (6)20389- ... قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية, عن بعض أهل الشأم قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها على راحتيه, ثم دملجها بين كفيه, (7) ثم غرسها وسط أهل الجنة, ثم قال لها: امتدّي حتى تبلغي مَرْضاتي". ففعلت, فلما استوت تفجَّرت من أصولها أنهار الجنة, وهي" طوبى " .20390- حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: حدثني عبد الصمد بن معقل, أنه سمع وهبًا يقول: إن في الجنة شجرة يقال لها: " طوبى ", يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ; زهرها رِيَاط, (8) وورقها بُرود (9) وقضبانها عنبر, وبطحاؤها ياقوت, وترابها كافور, ووَحَلها مسك, يخرج من أصلها أنهارُ الخمر واللبن والعسل, وهي مجلسٌ لأهل الجنة . فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربِّهم, يقودون نُجُبًا مزمومة بسلاسل من ذهب, وجوهها كالمصابيح من حسنها, وبَرَها كخَزّ المِرْعِزَّى من لينه, (10) عليها رحالٌ ألواحها من ياقوت, ودفوفها من ذهب, وثيابها من سندس وإستبرق, فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلِّموا عليه . قال: فيركبونها، قال: فهي أسرع من الطائر, وأوطأ من الفراش نُجُبًا من غير مَهنَة, (11) يسير الرَّجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه, لا تصيب أذُنُ راحلة منها أذُنَ صاحبتها, ولا بَرْكُ راحلة بركَ صاحبتها, (12) حتى إن الشجرة لتتنحَّى عن طرُقهم لئلا تفرُق بين الرجل وأخيه . قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم, فيُسْفِر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه, فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام ومنك السلام, وحُقَّ لك الجلال والإكرام ". قال: فيقول تبارك وتعالى عند ذلك: " أنا السلام, ومنى السلام, وعليكم حقّت رحمتي ومحبتي, مرحبًا بعبادي الذين خَشُوني بغَيْبٍ وأطاعوا أمري" .قال: فيقولون: " ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك, فأذن لنا بالسجود قدَّامك " قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نَصَب ولا عبادة, ولكنها دارُ مُلْك ونعيم, وإني قد رفعت عنكم نَصَب العبادة, فسلوني ما شئتم, فإن لكل رجل منكم أمنيّته ". فيسألونه، حتى إن أقصرهم أمنيةً ليقول: ربِّ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها, رب فآتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا " فيقول الله: لقد قصّرت بك اليوم أمنيتُك, ولقد سألت دون منزلتك, هذا لك مني, وسأتحفك بمنزلتي, لأنه ليس في عطائي نكَد ولا تَصْريدٌ" (13) . قال: ثم يقول: " اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم، ولم يخطر لهم على بال ". قال: فيعرضون عليهم حتى يَقْضُوهم أمانيهم التي في أنفسهم, فيكون فيما يعرضون عليهم بَرَاذين مقرَّنة, على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة, على كل سرير منها قبة من ذهب مُفْرَغة, في كل قبة منها فُرُش من فُرُش الجنة مُظَاهَرة, في كل قبة منها جاريتان من الحور العين, على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة, ليس في الجنة لونٌ إلا وهو فيهما, ولا ريح طيبة إلا قد عَبِقتَا به, ينفذ ضوء وجوههما غِلَظ القبة, حتى يظن من يراهما أنهما من دُون القُبة, يرى مخهما من فوق سوقهما كالسِّلك الأبيض من ياقوتة حمراء, يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة، أو أفضل, ويرى هولُهما مثل ذلك. ثم يدخل إليهما فيحييانه ويقبّلانه ويعانقانه, ويقولان له: " والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك "، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفًّا في الجنة، حتى ينتهي كل رجُل منهم إلى منزلته التي أعدّت له . (14)20391- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير, عن حماد قال: شجرة في الجنة في دار كل مؤمن غصن منها .20392- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن حسان بن أبي الأشرس, عن مغيث بن سمي قال: " طوبى "، شجرة في الجنة، لو أن رجلا ركب قلوصًا جَذَعا أو جَذَعَة, ثم دار بها، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هَرمًا . وما من أهل الجنة منزل إلا فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلٍّ عليهم, فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلّى إليهم فيأكلون منه ما شاؤوا, ويجيء الطير فيأكلون منه قديدًا وشواءً ما شاءوا, ثم يطير . (15)* * *وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بنحو ما قال من قال هي شجرة .*ذكر الرواية بذلك:20393- حدثني سليمان بن داود القومسي قال، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا معاوية بن سلام, عن زيد: أنه سمع أبا سَلام قال: حدثنا عامر بن زيد البكالي: أنه سمع عتبة بن عبد السلمِيّ يقول: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, في الجنة فاكهة؟ (16) قال: نعم, فيها شجرة تدعى " طوبى ", هي تطابق الفردوس . قال: أيّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئًا من شجر أرضك, ولكن أتيتَ الشام؟ فقال: لا يا رسول الله. فقال: فإنها تشبه شجرة تدعى الجَوْزة, تنبت على ساق واحدة، ثم ينتشر أعلاها. قال: ما عِظَم أصلها؟ قال: لو ارتحلتَ جَذَعةً من إبل أهلك، ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر تَرْقُوتَاهَا هَرَمًا (17) .20394- حدثنا الحسن بن شبيب قال: حدثنا محمد بن زياد الجزريّ, عن فرات بن أبي الفرات, عن معاوية بن قرة, عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لهم وحسن مآب) : ، شجرة غرسها الله بيده, ونفخ فيها من روحه، نبتتْ بالحَلْيِ والحُلل, (18) وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة . (19)20395- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث, أن درّاجًا حدّثه أن أبا الهيثم حدثه, عن أبي سعيد الخدري, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال له: يا رسول الله، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها . (20)* * *قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرواية به, يجب أن يكون القولُ في رفع قوله: (طوبى لهم) خلافُ القول الذي حكيناه عن أهل العربية فيه . وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن " طوبى " اسم شجرة في الجنة, فإذْ كان كذلك، فهو اسم لمعرفة كزيد وعمرو . وإذا كان ذلك كذلك, لم يكن في قوله: (وحسن مآب) إلا الرفع، عطفًا به على " طوبى " .* * *وأما قوله: (وحسن مآب) ، فإنه يقول: وحسن منقلب ; (21) كما:-20396- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم, عن جويبر, عن الضحاك: (وحسن مآب) ، قال: حسن منقلب . (22)------------------الهوامش :(1) الأثر : 20363 -" جعفر بن محمد البروري ، من أهل الكوفة" شيخ الطبري ، هكذا جاء في المخطوطة ، وهو ما لا أعرف . وقد مضى برقم : 9800 ، وذكرت هناك أني لم أجده ، وكان فيما سلف :" جعفر بن محمد الكوفي المروزي" ، وذكرت أنه روى عنه في التاريخ 5 : 18 ، وصح عندي أنه هو هو في المواضع الثلاثة ، لأنه روى عنه في التاريخ قال :" حدثني جعفر بن محمد الكوفي وعباس بن أبي طالب قالا ، حدثنا أبو زكريا يحيي بن مصعب الكلبي ، قال حدثنا عمر بن نافع" . فهذا هو بعض إسنادنا هذا .و" أبو زكريا الكلبي" ، هو" يحيي بن مصعب الكلبي الكوفي" ، وهو" جار الأعمش" . روى عن الأعمش حكايات ، وروى عن عمر بن نافع ، وهو صدوق . مترجم في الكبير 4 / 2 / 306 ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 190 .و" عمر بن نافع الثقفي" ، متكلم فيه ، مضى قريبًا برقم : 20229 ، وكان في المخطوطة هنا :" عمرو بن نافع" ، وهو فيها على الصواب في الإسناد التالي ، أما المطبوعة فقد تبع خطأ المخطوطة الأول ، وترك صوابها الثاني !! .(2) الأثران : 20376 ، 20377 -" سعيد بن مشجوج" أو" بن مسجوح" ، أو و" ابن مسجوع" ، وهكذا جاء مختلفًا في المخطوطة ، ثم في تفسير ابن كثير 4 : 523 ، والدر المنثور 4 : 59 ، ونسبه لابن جرير ، وأبي الشيخ . ولم أجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال ، مع مراجعته على وجوه التصحيف والتحريف .ولكني وجدت في لسان العرب مادة ( كرم ) و ( كسا )، وفيهما قال :" سعيد بن مسحوح الشيباني" ، وفي شرح القاموس" ابن مشجوج" ونسب إليه السيرافي وابن بري شعر أبي خالد القناني الخارجي ، الذي يقول في أوله :لَقَدْ زَادَ الحَيَاة إلّي حبًّابَنَاتِي إنَّهن مِنَ الضعَافِوانظر الكامل 2 : 107 ، هذا غاية ما وجدته ، ولا أدري علاقة ما بين هذين الاسمين ، وفوق كل ذي علم عليم .(3) الأثر : 20383 -" موسى بن سالم" ، مولى آل العباس ، ثقة ، حديثه عن ابن عباس مرسل ، وروى عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس . مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 284 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 143 .(4) الأثر : 20384 -" أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني ، الحملي" الأعمى ، وينسب إلى جده فيقال :" أشعث بن جابر" ، وهو ثقة ، يعتبر بحديثه . وقال العقيلي : في حديثه وهم . ووثقه ابن معين والنسائي وابن حبان . مضى برقم : 8358 ، وهو مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 429 في" أشعث بن جابر" ثم فيه 1 / 1 / 433 في" أشعث أبو عبد الله الحملي" ، وفي ابن أبي حاتم 1 / 1 / 273 .و" شهر بن حوشب" ، مضى مرارًا ، وثقوه ، وتكلموا فيه .وهذا خبر موقوف على أبي هريرة . وسيأتي من طريق أخرى برقم : 20386 .(5) الأثر : 20386 - هو مكرر الأثر السالف رقم : 20384 .(6) الأثر : 20388 -" منصور" ، هو" منصور بن المعتمر" ، مضى مرارًا .و"حسان أبو الأشرس" ، هو" حسان بن أبي الأشرس بن عمار الكاهلي" ، وهو" حسان بن المنذر" كنيته وكنية أبيه" أبو الأشرس" ، ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1 / 32 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 235 .و" مغيث بن سمى الأوزاعي" ، تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 2 / 24 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 391وسيأتي هذا الخبر مطولا بإسناد آخر رقم : 20392 .(7) " دملج الشيء دملجة" ، إذ سواه وأحسن صنعته ، كما يدملج السوار .(8) " الرياط" جمع" ريطة" ، وهي كل ثوب لين رقيق .(9) " برود" ، جمع" برد" ، هو من ثياب الوشي .(10) " المرعزي" ( بكسر الميم وسكون الراء ، وكسر العين وتشديد الزاي المفتوحة ) ، هو الزغب الذي تحت شعر العنز، وهو ألين الصوف وميم" المرعزي" زائدة ، ومادته ( رعز ) .(11) " المهنة" ( بفتحات ) جمع" ماهن" ، ويجمع على" مهان" ، نحو" كاتب ، وكتبة ، وكتاب" ، وهو الخادم .(12) هكذا في المخطوطة ، وفي تفسير ابن كثير" برك" ، وفي الدر المنثور" لا تزل راحلة بزل صاحبتها" ، وأنا أرجح أن الصواب :" ولا ورك راحلة ورك صاحبتها" ولكن الناسخ الأول وصل الواو بالراء ، فأتى ناسخنا هذا فوصل بغير بيان ولا معرفة .(13) في المطبوعة :" ولا قصر يد" ، وهو كلام غث بل هو عين الغثاثة . و" التصريد" في العطاء تقليله .(14) الأثر : 20390 - : الفضل بن الصباح البغدادي" ، شيخ الطبري ثقة ، مضى برقم : 2252 ، 3958 .و" إسماعيل بن الكريم بن معقل الصنعاني" ، ثقة ، مضى برقم : 995 ، 5598 .و" عبد الصمد بن معقل بن منبه اليماني" ، ثقة ، روى عن عمه وهب بن منبه ، مضى برقم : 995 .وقد رواه ابن كثير في التفسير 4 : 524 ، وقال قبله :" روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا" ، ثم أتم الخبر من طريق ابن أبي حاتم ، ثم قال :" وهذا سياق غريب ، وأثر عجيب ، ولبعضه شواهد" .(15) الأثر : 20392 -" حسان بن أبي الأشرس" ، سلف برقم : 20388 . و" مغيث بن سمى" ، سلف برقم 20388 .وهو مطول الأثر السالف : 20388 .(16) في المطبوعة :" إن في الجنة ..." ، وأثبت ما في المخطوطة .(17) الأثر : 20393 -" سليمان بن داود القومسي" ، شيخ الطبري ، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب .و" أبو توبة" ،" الربيع بن نافع" ، ثقة مضى برقم : 3833 . و" معاوية بن سلام بن أبي سلام" ، ثقة ، روى له الجماعة ، روى عن أبيه وجده ، وأخيه زيد ، مضى برقم : 16557 .وأخوه" زيد بن سلام بن أبي سلام" ثقة ، روى عن جده" أبي سلام" ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1 / 361 ، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 564 .و" أبو سلام" ، هو" ممطور" الأسود الحبشي ، ثقة ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 16557 .و" عامر بن زيد البكالي" ، تابعي ، ثقة ، مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 320 .و" عتبة بن عبد السلمى" ،" أبو الوليد" ، له صحبة ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم . مترجم في الإصابة ، وأسد الغابة ، والاستيعاب، والتهذيب ، وابن أبي حاتم 3 / 371 ، وابن سعد 7 / 2 / 132 .فهذا إسناد جيد ، ورواه أحمد في مسنده 4 : 183 ، 184 ، مطولا ، من طريق" علي بن بحر ، عن هشام بن يوسف ، عن يحيي بن أبي كثير ، عن عامر بن زيد البكالي" ، وهو إسناد صحيح أيضًا ، ونقله عن المسند، ابن القيم في حادي الأرواح 1 : 263 ، 264 .(18) في المطبوعة ، أسقط قوله" نبتت" وأثبتها من المخطوطة .(19) الأثر : 20394 -" الحسن بن شبيب بن راشد" ، شيخ الطبري ، سلف برقم : 9642 ، 11383 ، قال ابن عدي،" حدث عن الثقات بالبواطيل ، ووصل أحاديث هي مرسلة" .و" محمد بن زياد الجزري" ، لعله هو" الرقي" ، لأن الرقة معددة من الجزيرة . وهو" محمد بن زياد اليشكري الطحان ، الميمون الرقي" ، وهو كذاب خبيث يضع الحديث ، روى عن شيخه الميمون بن مهران وغيره الموضوعات . مترجم في التهذيب ، وتاريخ بغداد 5 : 279 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 258 ، وميزان الاعتدال 3 : 60 ، وكان في المطبوعة" الجريري" ، غير ما في المخطوطة .و" فرات بن أبي الفرات" ، قال ابن أبي حاتم :" صدوق ، لا بأس به" ، وذكره ابن حبان في الثقات قال :" هو حسن الاستقامة والروايات" ، ولم يذكر البخاري فيه جرحًا" ولكن قال يحيي بن معين :" ليس بشيء" ، وقال ابن عدي :" الضعف بيّن على رواياته" ، وقال الساجي" ضعيف ، يحدث بأحاديث فيها بعض المناكير" . مترجم في الكبير 4 / 1 / 129 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 80 ، وميزان الاعتدال 2 : 316 ، ولسان الميزان 4 : 432 .و" معاوية بن إياس المزني" ، تابعي ثقة ، مضى برقم : 11211 ، 11409 . وأبوه" قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني" ، له صحبة مترجم في التهذيب ، والكبير 4 / 1 / 180 .وهذا خبر هالك الإسناد ، وحسبه ما فيه من أمر" محمد بن زياد" ، ولم أجده عند غير الطبري .(20) الأثر : 20395 -" عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري" ، ثقة ، روى له الجماعة ، سلف مرارًا ، آخرها رقم : 17429 .و" دراج" ، هو" دراج بن سمعان" ،" أبو السمح" ، متكلم فيه ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 17754 .و" أبو الهيثم" ، هو" سليمان بن عمرو العتواري المصري" ثقة ، مضى برقم : 1387 ، 5518 .وقد سلف مثل هذا الإسناد برقم 1387 ، وصحح هذا الإسناد أخي السيد أحمد رحمه الله . هذا، وقد نقل ابن عدي عن أحمد بن حنبل :" أحاديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، فيها ضعف" وقال ابن شاهين :" ما كان بهذا الإسناد فليس به بأس" ، ومقالة أحمد في دراج شديدة فقد نقل عنه عبد الله بن أحمد :" حديثه منكر" . وعندي أن تصحيح مثل هذا الإسناد فيه بعض المجازفة ، وأحسن حاله أن يكون مما لا بأس به ومما يعتبر به .وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 3 : 71 من طريق ابن لهيعة . عن دراج أبي السمح ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه 4 : 91 ، من طريق أسد بن موسى ، عن ابن لهيعة ، مطولا ، وصدره" أن رجلا قال له : يا رسول الله ، طوبي لمن رآك وآمن بك ! قال : طوبى لمن رآني وآمن بي ، ثم طوبى ، ثم طوبى ، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ، فقال له رجل : وما طوبى ؟" ، الحديث .(21) انظر تفسير" المآب" فيما سلف 6 : 258 ، 259 .(22) انظر تفسير" المآب" فيما سلف 6 : 258 ، 259 .