وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه: يا ربِّ إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه، متمادين في إعراضهم عنه وتَرْكِ تدبُّره والعمل به وتبليغه. وفي الآية تخويف عظيم لمن هجر القرآن فلم يعمل به.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وقال الرسول» محمد «يا رب إن قومي» قريشا «اتخذوا هذا القرآن مهجورا» متروكا قال تعالى.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَقَالَ الرَّسُولُ مناديا لربه وشاكيا له إعراض قومه عما جاء به، ومتأسفا على ذلك منهم: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم، اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا أي: قد أعرضوا عنه وهجروه وتركوه مع أن الواجب عليهم الانقياد لحكمه والإقبال على أحكامه، والمشي خلفه
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وقال الرسول ) يعني : ويقول الرسول في ذلك اليوم : ( يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) أي : متروكا فأعرضوا عنه ، ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه . وقيل : جعلوه بمنزلة الهجر وهو الهذيان ، والقوي السيء ، فزعموا أنه شعر وسحر ، وهو قول النخعي ومجاهد . وقيل : قال الرسول يعني : محمدا - صلى الله عليه وسلم - يشكوا قومه إلى الله يا رب : إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا فعزاه الله تعالى فقال : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: وَقالَ الرَّسُولُ ... معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك:وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ....وما بينهما اعتراض مسوق لاستعظام قبح ما قالوه ولبيان ما يحل بهم بسببه من عذاب.أى: وقال الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم متضرعا وشاكيا لربه «يا رب إن قومي» الذين أرسلتنى إليهم قد «اتخذوا هذا القرآن» المشتمل على ما يهديهم إلى الرشد وعلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم، قد اتخذوه «مهجورا» أى: متروكا فقد تركوا تصديقه، وتركوا العمل به وتركوا، التأثر بوعيده.. من الهجر- بفتح الهاء بمعنى الترك، أو المعنى: قد اتخذوا هذا القرآن مادة لسخريتهم وتهكمهم، من الهجر- بضم الهاء- بمعنى الهذيان والقول الباطل، ومنه قوله- تعالى-: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ .وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على التخويف العظيم لمن يهجر القرآن الكريم. فلم يحفظه أو لم يحفظ شيئا منه، ولم يعمل بما فيه من حلال وحرام، وأوامر ونواه..قال بعض العلماء هجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه وقراءته. وثانيها: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه.. وثالثها: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.. ورابعها: هجر تدبره وتفهمه.. وكل هذا دخل في هذه الآية، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض .وقوله- سبحانه-: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ.. تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه، وتصريح بأن ما أصابه قد أصاب الرسل من قبله، والبلية إذا عمت هانت. أى: كما جعلنا قومك- أيها الرسول الكريم- يعادونك ويكذبونك، جعلنا لكل نبي سابق عليك عدوا من المجرمين، فاصبر- أيها الرسول- كما صبر إخوانك السابقون.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد - صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين - أنه قال : ( يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) ، وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يسمعونه ، كما قال تعالى : ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) [ فصلت : 26 ] وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره ، حتى لا يسمعوه . فهذا من هجرانه ، وترك [ علمه وحفظه أيضا من هجرانه ، وترك ] الإيمان به وتصديقه من هجرانه ، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه ، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه ، والعدول عنه إلى غيره - من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره - من هجرانه ، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء ، أن يخلصنا مما يسخطه ، ويستعملنا فيما يرضيه ، من حفظ كتابه وفهمه ، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار ، على الوجه الذي يحبه ويرضاه ، إنه كريم وهاب .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراقوله تعالى : وقال الرسول يا رب يريد محمدا صلى الله عليه وسلم ، يشكوهم إلى الله تعالى إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا أي قالوا فيه غير الحق من أنه سحر وشعر ; عن مجاهد والنخعي . وقيل : معنى مهجورا أي متروكا ;
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: وقال الرسول يوم يعضّ الظالم على يديه: يا ربّ إن قومي الذين بعثتني إليهم لأدعوهم إلى توحيدك اتخذوا هذا القرآن مهجورا.واختلف أهل التأويل في معنى اتخاذهم القرآن مهجورا, فقال بعضهم: كان اتخاذهم ذلك هجرا, قولهم فيه السييء من القول, وزعمهم أنه سحر, وأنه شعر.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: ( اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) قال: يهجُرون فيه بالقول, يقولون: هو سحر.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: ( وَقَالَ الرَّسُولُ ) ... الآية: يهجرون فيه بالقول. قال مجاهد: وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ قال: مستكبرين بالبلد سامرا مجالس تهجرون, قال: بالقول السييء في القرآن غير الحقّ.حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال, ثنا هشيم, عن مغيرة, عن إبراهيم, في قول الله: ( إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) قال: قالوا فيه غير الحقّ، ألم تر إلى المريض إذا هذي قال غير الحق.وقال آخرون: بل معنى ذلك: الخبر عن المشركين أنهم هجروا القرآن وأعرضوا عنه ولم يسمعوا له.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبّ إِنَّ َ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) لا يريدون أن يسمعوه, وإن دعوا إلى الله قالوا لا. وقرأ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ قال: ينهون عنه, ويبعدون عنه.قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بتأويل ذلك, وذلك أن الله أخبر عنهم أنهم قالوا: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ , وذلك هجرهم إياه.
﴿ وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ﴾