القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 32 سورة الأعراف - قل من حرم زينة الله التي أخرج

سورة الأعراف الآية رقم 32 : سبع تفاسير معتمدة

سورة قل من حرم زينة الله التي أخرج - عدد الآيات 206 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 32 من سورة الأعراف عدة تفاسير - سورة الأعراف : عدد الآيات 206 - - الصفحة 154 - الجزء 8.

سورة الأعراف الآية رقم 32


﴿ قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ﴾
[ الأعراف: 32]

﴿ التفسير الميسر ﴾

قل -أيها الرسول- لهؤلاء الجهلة من المشركين: مَن الذي حرم عليكم اللباس الحسن الذي جعله الله تعالى زينة لكم؟ ومَن الذي حرَّم عليكم التمتع بالحلال الطيب من رزق الله تعالى؟ قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إنَّ ما أحله الله من الملابس والطيبات من المطاعم والمشارب حق للذين آمنوا في الحياة الدنيا يشاركهم فيها غيرهم، خالصة لهم يوم القيامة. مثل ذلك التفصيل يفصِّل الله الآيات لقوم يعلمون ما يبيِّن لهم، ويفقهون ما يميز لهم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«قل» إنكارا عليهم «من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده» من اللباس «والطيبات» المستلذات «من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا» بالاستحقاق وإن فيها غيرهم «خالصةٌ» خاصة بهم بالرفع والنصب حال «يوم القيامة كذلك نفصِّل الآيات» نبينها مثل ذلك التفصيل «قوم يعلمون» يتدبَّرون فإنهم المنتفعون بها.

﴿ تفسير السعدي ﴾

يقول تعالى منكرا على من تعنت، وحرم ما أحل اللّه من الطيبات قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ من أنواع اللباس على اختلاف أصنافه، والطيبات من الرزق، من مأكل ومشرب بجميع أنواعه، أي: مَن هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم اللّه بها على العباد، ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسَّعه اللّه؟".
وهذا التوسيع من اللّه لعباده بالطيبات، جعله لهم ليستعينوا به على عبادته، فلم يبحه إلا لعباده المؤمنين، ولهذا قال: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: لا تبعة عليهم فيها.
ومفهوم الآية أن من لم يؤمن باللّه، بل استعان بها على معاصيه، فإنها غير خالصة له ولا مباحة، بل يعاقب عليها وعلى التنعم بها، ويُسأل عن النعيم يوم القيامة.
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ أي: نوضحها ونبينها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ لأنهم الذين ينتفعون بما فصله اللّه من الآيات، ويعلمون أنها من عند اللّه، فيعقلونها ويفهمونها.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله - عز وجل - : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ) يعني لبس الثياب في الطواف ، ( والطيبات من الرزق ) يعني اللحم والدسم في أيام الحج .
وعن ابن عباس وقتادة : والطيبات من الرزق ما حرم أهل الجاهلية من البحائر والسوائب .
( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) فيه حذف تقديره : هي للذين آمنوا وللمشركين في الحياة الدنيا فإن أهل الشرك يشاركون المؤمنين في طيبات الدنيا ، وهي في الآخرة خالصة للمؤمنين لا حظ للمشركين فيها .
وقيل : هي خالصة يوم القيامة من التنغيص والغم للمؤمنين ، فإنها لهم في الدنيا مع التنغيص والغم .
قرأ نافع ( خالصة ) رفع ، أي : قل هي للذين آمنوا مشتركين في الدنيا ، وهي في الآخرة خالصة يوم القيامة للمؤمنين .
وقرأ الآخرون بالنصب على القطع ، ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

أى: قل يا محمد لأولئك الذين يطوفون بالبيت عرايا، ويمتنعون عن أكل الطيبات: من أين أتيتم بهذا الحكم الذي عن طريقه حرمتم على أنفسكم بعض ما أحله الله لعباده؟ فالاستفهام لإنكار ما هم عليه بأبلغ وجه.
ثم أمر رسوله أن يرد عليهم بأبلغ رد فقال: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ.
أى: قل أيها الرسول لأمتك: هذه الزينة والطيبات من الرزق ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا، ويشاركهم فيها المشركون أيضا، أما في الآخرة فهي خالصة للمؤمنين ولا يشاركهم فيها أحد ممن أشرك مع الله آلهة أخرى.
وقوله- تعالى-: كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ معناه: مثل تفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الأحكام لقوم يعلمون ما في تضاعيفها من توجيهات سامية، وآداب عالية.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ألوانا من المحرمات التي نهى عباده عن اقترافها فقال تعالى:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى ردا على من حرم شيئا من المآكل أو المشارب ، والملابس ، من تلقاء نفسه ، من غير شرع من الله : ( قل ) يا محمد ، لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم : ( من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) الآية ، أي : هي مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا ، وإن شركهم فيها الكفار حسا في الدنيا ، فهي لهم خاصة يوم القيامة ، لا يشركهم فيها أحد من الكفار ، فإن الجنة محرمة على الكافرين .قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أبو حصين محمد بن الحسين القاضي ، حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة ، يصفرون ويصفقون . فأنزل الله : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ) فأمروا بالثياب .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمونفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى قل من حرم زينة الله بين أنهم حرموا من تلقاء أنفسهم ما لم يحرمه الله عليهم .
والزينة هنا الملبس الحسن ، إذا قدر عليه صاحبه .
وقيل : جميع الثياب ; كما روي عن عمر : إذا وسع الله عليكم فأوسعوا .
وقد تقدم .
وروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب شيخ مالك رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خز بخمسين دينارا ، يلبسه في الشتاء ، فإذا كان في الصيف تصدق به ، أو باعه فتصدق بثمنه ، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع مصر ممشقين ويقول : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق .
الثانية : وإذا كان هذا فقد دلت الآية على لباس الرفيع من الثياب ، والتجمل بها في الجمع والأعياد ، وعند لقاء الناس ومزاورة الإخوان .
قال أبو العالية : كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا .
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب أنه رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد ، فقال : يا رسول الله ، لو اشتريتها ليوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة .
فما أنكر عليه ذكر التجمل ، وإنما أنكر عليه كونها سيراء .
وقد اشترى تميم الداري حلة بألف درهم كان يصلي فيها .
وكان مالك بن دينار يلبس الثياب العدنية الجياد .
وكان ثوب أحمد بن حنبل يشترى بنحو الدينار .
أين هذا ممن يرغب عنه ويؤثر لباس الخشن من الكتان والصوف من الثياب .
ويقول : ولباس التقوى ذلك خير هيهات ! أترى من ذكرنا تركوا لباس التقوى ، لا والله ! بل هم أهل التقوى وأولو المعرفة والنهى ، وغيرهم أهل دعوى ، وقلوبهم خالية من التقوى .
قال خالد بن شوذب : شهدت الحسن وأتاه فرقد ، فأخذه الحسن بكسائه فمده إليه وقال : يا فريقد ، يا بن أم فريقد ، إن البر ليس في هذا الكساء ، إنما البر ما وقر في الصدر وصدقه العمل .
ودخل أبو محمد ابن أخي معروف الكرخي على أبي الحسن بن يسار وعليه جبة صوف ، فقال له أبو الحسن : يا أبا محمد ، صوفت قلبك أو جسمك ؟ صوف قلبك والبس القوهي على القوهي .
وقال رجل للشبلي : قد ورد جماعة من أصحابك وهم في الجامع ، فمضى فرأى عليهم المرقعات والفوط ، فأنشأ يقول :أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي غير نسائهقال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله : وأنا أكره لبس الفوط والمرقعات لأربعة أوجه : أحدها : أنه ليس من لبس السلف ، وإنما كانوا يرقعون ضرورة .
والثاني : أنه يتضمن ادعاء الفقر ، وقد أمر الإنسان أن يظهر أثر نعم الله عليه .
والثالث : إظهار التزهد ; وقد أمرنا بستره .
والرابع : أنه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة .
ومن تشبه بقوم فهو منهم وقال الطبري : ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان مع وجود السبيل إليه من حله .
ومن أكل البقول والعدس واختاره على خبز البر .
ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض شهوة النساء .
وسئل بشر بن الحارث عن لبس الصوف ، فشق عليه وتبينت الكراهة في وجهه ثم قال : لبس الخز والمعصفر أحب إلي من لبس الصوف في الأمصار .
وقال أبو الفرج : وقد كان السلف يلبسون الثياب المتوسطة ، لا المترفعة ولا الدون ، ويتخيرون أجودها للجمعة والعيد وللقاء الإخوان ، ولم يكن تخير الأجود عندهم قبيحا .
وأما اللباس الذي يزري بصاحبه فإنه يتضمن إظهار الزهد وإظهار الفقر ، وكأنه لسان شكوى من الله تعالى ، ويوجب احتقار اللابس ; وكل ذلك مكروه منهي عنه .
فإن قال قائل : تجويد اللباس هوى النفس وقد أمرنا بمجاهدتها ، وتزين للخلق وقد أمرنا أن تكون أفعالنا لله لا للخلق .
فالجواب ليس كل ما تهواه النفس يذم ، وليس كل ما يتزين به للناس يكره ، وإنما ينهى عن ذلك إذا كان الشرع قد نهى عنه أو على وجه الرياء في باب الدين .
فإن الإنسان يحب أن يرى جميلا .
وذلك حظ للنفس لا يلام فيه .
ولهذا يسرح شعره وينظر في المرآة ويسوي عمامته ويلبس بطانة الثوب الخشنة إلى داخل وظهارته الحسنة إلى خارج .
وليس في شيء من هذا ما يكره ولا يذم .
وقد روى مكحول عن عائشة قالت : كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب ، فخرج يريدهم ، وفي الدار ركوة فيها ماء ; فجعل ينظر في الماء ويسوي لحيته وشعره .
فقلت : يا رسول الله ، وأنت تفعل هذا ؟ قال : نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر .
فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة .
قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، تدل كلها على النظافة وحسن الهيئة .
وقد روى محمد بن سعد أخبرنا الفضل بن دكين قال حدثنا مندل عن ثور عن خالد بن معدان قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر بالمشط والمرآة والدهن والسواك والكحل .
وعن ابن جريج : مشط عاج يمتشط به .
قال ابن سعد : وأخبرنا قبيصة بن عقبة قال حدثنا سفيان عن ربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه ويسرح لحيته بالماء .
أخبرنا يزيد بن هارون حدثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل بها عند النوم ثلاثا في كل عين .
الثالثة : قوله تعالى : والطيبات من الرزق الطيبات اسم عام لما طاب كسبا وطعما .
قال ابن عباس وقتادة : يعني بالطيبات من الرزق ما حرم أهل الجاهلية من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي .
وقيل : هي كل مستلذ من الطعام .
وقد اختلف في ترك الطيبات والإعراض عن اللذات ; فقال قوم : ليس ذلك من القربات ، والفعل والترك يستوي في المباحات .
وقال آخرون : ليس قربة في ذاته ، وإنما هو سبيل إلى الزهد في الدنيا ، وقصر الأمل فيها ، وترك التكلف لأجلها ; وذلك مندوب إليه ، والمندوب قربة .
وقال آخرون : ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : لو شئنا لاتخذنا صلاء وصلائق وصنابا ، ولكني سمعت الله تعالى يذم أقواما فقال : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا .
ويروى " صرائق " بالراء ، وهما جميعا الجرادق .
والصلائق " باللام " : ما يصلق من اللحوم والبقول .
والصلاء " بكسر الصاد والمد " : الشواء : والصناب : الخردل بالزبيب .
وفرق آخرون بين حضور ذلك كله بكلفة وبغير كلفة .
قال أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي شيخ أشياخنا : وهو الصحيح إن شاء الله عز وجل ; فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امتنع من طعام لأجل طيبه قط ، بل كان يأكل الحلوى والعسل والبطيخ والرطب ، وإنما يكره التكلف لما فيه من التشاغل بشهوات الدنيا عن مهمات الآخرة .
والله تعالى أعلم .
قلت : وقد كره بعض الصوفية أكل الطيبات ; واحتج بقول عمر رضي الله عنه : إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر .
والجواب أن هذا من عمر قول خرج على من خشي منه إيثار التنعم في الدنيا ، والمداومة على الشهوات ، وشفاء النفس من اللذات ، ونسيان الآخرة والإقبال على الدنيا ، ولذلك كان يكتب عمر إلى عماله : إياكم والتنعم وزي أهل العجم ، واخشوشنوا .
ولم يرد رضي الله عنه تحريم شيء أحله الله ، ولا تحظير ما أباحه الله تبارك اسمه .
وقول الله عز وجل أولى ما امتثل واعتمد عليه .
قال الله تعالى : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق .
وقال عليه السلام : سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم .
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطبيخ بالرطب ويقول : يكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حر هذا .
والطبيخ لغة في البطيخ ، وهو من المقلوب .
وقد مضى في " المائدة " الرد على من آثر أكل الخشن من الطعام .
وهذه الآية ترد عليه وغيرها ، والحمد لله .
الرابعة : قوله تعالى قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا يعني بحقها من توحيد الله تعالى والتصديق له ; فإن الله ينعم ويرزق ، فإن وحده المنعم عليه وصدقه فقد قام بحق النعمة ، وإن كفر فقد أمكن الشيطان من نفسه .
وفي صحيح الحديث لا أحد أصبر على أذى من الله يعافيهم ويرزقهم وهم يدعون له الصاحبة والولد .
وتم الكلام على الحياة الدنيا .
ثم قال ( خالصة ) بالرفع وهي قراءة ابن عباس ونافع .
" ( خالصة يوم القيامة ) أي يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا ، وليس للمشركين فيها شيء كما كان لهم في الدنيا من الاشتراك فيها .
ومجاز الآية : قل هي للذين آمنوا مشتركة في الدنيا مع غيرهم ، وهي للمؤمنين خالصة يوم القيامة .
ف ( خالصة ) مستأنف على خبر مبتدأ مضمر .
وهذا قول ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة والسدي وابن جريج وابن زيد .
وقيل : المعنى أن هذه الطيبات الموجودات في الدنيا هي خالصة يوم القيامة ، للمؤمنين في الدنيا ; وخلوصها أنهم لا يعاقبون عليها ولا يعذبون فقوله : في الحياة الدنيا متعلق ب آمنوا وإلى هذا يشير تفسير سعيد بن جبير .
وقرأ الباقون بالنصب على الحال والقطع ; لأن الكلام قد تم دونه .
ولا يجوز الوقف على هذه القراءة على الدنيا لأن ما بعده متعلق بقوله للذين آمنوا حالا منه ; بتقدير : قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة ; قاله أبو علي .
وخبر الابتداء للذين آمنوا والعامل في الحال ما في اللام من معنى الفعل في قوله للذين واختار سيبويه النصب لتقدم الظرف .
كذلك نفصل الآيات أي كالذي فصلت لكم الحلال والحرام أفصل لكم ما تحتاجون إليه .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت, ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: من حرَّم، أيها القوم، عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزيَّنوا بها وتتجملوا بلباسها, والحلال من رزق الله الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم.
(12)* * *واختلف أهل التأويل في المعنيّ: ب" الطيبات من الرزق "، بعد إجماعهم على أن " الزينة " ما قلنا.
فقال بعضهم: " الطيبات من الرزق " في هذا الموضع، اللحم.
وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم.
* ذكر من قال ذلك منهم:14534- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، وهو الودَك.
(13)14535- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، الذي حرموا على أنفسهم.
قال: كانوا إذا حجُّوا أو اعتمروا، حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها.
14536- وحدثني به يونس مرة أخرى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله) إلى آخر الآية, قال: كان قوم يحرِّمون ما يخرج من الشاة، لبنها وسمنها ولحمها, فقال الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، قال: والزينة من الثياب.
14537- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان, عن رجل, عن الحسن قال: لما بعث محمدًا فقال: " هذا نبيي، هذا خياري, استنّوا به "، خذوا في سَنَنه وسبيله، (14) لم تغلق دونه الأبواب، ولم تُقَمْ دونه الحَجَبَة, (15) ولم يُغْدَ عليه بالجفان، ولم يُرْجع عليه بها، (16) وكان يجلس بالأرض, ويأكل طعامه بالأرض, ويلعق يده, ويلبس الغليظ, ويركب الحمار, ويُرْدِف بعده, (17) وكان يقول: " مَنْ رغب عن سنتي فليس مني".
قال الحسن: فما أكثر الراغبين عن سنته، التاركين لها! ثم إنّ عُلُوجًا فُسَّاقًا, أكلة الربا والغُلول, (18) قد سفَّههم ربي ومقتهم, زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا، وزخرفوا هذه البيوت, يتأوّلون هذه الآية: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان, قد جعلها ملاعبَ لبطنه وفرجه (19) = من كلام لم يحفظه سفيان.
(20)* * *وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرم من البحائر والسوائب.
* ذكر من قال ذلك:14538- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، وهو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة, والسائبة, والوصيلة, والحام.
14539- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي, عن ابن عباس قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها, وهو قول الله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا ، [سورة يونس: 59]، وهو هذا, فأنزل الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)* * *القول في تأويل قوله : قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِقال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد = لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ، إذ عَيُّوا بالجواب، (21) فلم يدروا ما يجيبونك = : زينة الله التي أخرج لعباده, وطيبات رزقه، للذين صدّقوا الله ورسوله, واتبعوا ما أنزل إليك من ربك، في الدنيا, وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه, وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة, لا يشركهم في ذلك يومئذ أحدٌ كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه.
(22)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:14540- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات, فأكلوا من طيبات طعامها, ولبسوا من خِيار ثيابها, ونكحوا من صالح نسائها, وخلصوا بها يوم القيامة.
14541- وحدثني به المثنى مرة أخرى بهذا الإسناد بعينه, عن ابن عباس فقال: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا)، يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا, ثم يُخْلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا, وليس للمشركين فيها شيء.
14542- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، يقول: قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا, لا يشركهم فيها أحدٌ في الآخرة.
(23) وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم, فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة.
14543- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سلمة بن نبيط, عن الضحاك: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، قال: اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا, وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة.
14544- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، خالصةً للمؤمنين في الآخرة، لا يشاركهم فيها الكفار.
فأما في الدنيا فقد شاركوهم.
14545- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، مَنْ عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة, ومَنْ ترك الإيمان في الدنيا قَدِم على ربّه لا عذرَ له.
14546- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السديّ: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا)، يشترك فيها معهم المشركون =(خالصة يوم القيامة)، للذين آمنوا.
14547- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب, ويوم القيامة يَخْلُص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين, وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيبٌ.
14548- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر, ويخلص خيرُ الآخرة للمؤمنين, وليس للكافر فيها نصيب.
14549- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، قال: هذه يوم القيامة للذين آمنوا, لا يشركهم فيها أهل الكفر، ويشركونهم فيها في الدنيا.
وإذا كان يوم القيامة، فليس لهم فيها قليل ولا كثير.
* * *وقال سعيد بن جبير في ذلك بما:-14550- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن أبان، وحبويه الرازي أبو يزيد، عن يعقوب القمي, عن سعيد بن جبير: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، قال: ينتفعون بها في الدنيا، ولا يتبعهم إثمها.
(24)* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله: " خالصة ".
فقرأ ذلك بعض قرأة المدينة: " خَالِصَةٌ"، برفعها, بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا.
* * *وقرأه سائر قرأة الأمصار: (خَالِصَةً)، بنصبها على الحال من " لهم ", وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاءً منها بدلالة الظاهر عليها, على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة, وهي لهم في الآخرة خالصة.
ومن قال ذلك بالنصب، جعل خبر " هي" في قوله: (للذين آمنوا) (25)* * *قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة، قراءة من قرأ نصبًا, لإيثار العرب النصبَ في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة، (26) وإن كان الرفع جائزًا, غير أن ذلك أكثر في كلامهم.
* * *القول في تأويل قوله : كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما بينت لكم الواجب عليكم في اللباس والزينة، والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها, وميزت بين ذلك لكم، أيها الناس, كذلك أبيِّن جميع أدلتي وحججي، وأعلامَ حلالي وحرامي وأحكامي، (27) لقوم يعلمون ما يُبَيَّن لهم، ويفقهون ما يُمَيَّز لهم.
--------------------الهوامش :(12) انظر تفسير (( الزينة )) فيما سلف قريبًا ص : 389 ، وما بعدها .
= وتفسير (( الطيبات )) فيما سلف من فهارس اللغة ( طيب ) .
(13) (( الودك )) سلف تفسيره في ص : 395 ، تعليق : 1 .
(14) في المطبوعة : (( في سنته )) ، وقراءتها في المخطوطة ما أثبت .
(( السنن )) ( بفتحتين ) الطريقة : يقال : (( امض على سننك )) ، و (( استقام فلان على سننه )) ، أي طريقته .
(15) (( الحجبة )) جمع (( حاجب )) ، وهو الذي يحول بين الناس والملك أن يدخلوا عليه .
(16) في المطبوعة : (( ولم يغد عليه بالجبار )) ، علق عليها أنه في نسخة (( بالجباب )) ، وفي المخطوطة : (( بالجبان )) غير منقوطة ، وهي خطأ ، وصواب قراءتها ما أثبت ، كما وردت على الصواب في حلية الأولياء لأبي نعيم 2 : 153 .
و (( الجفان )) جمع (( جفنة )) ، وهي قصعة الطعام العظيمة .
ونص أبي نعيم : (( أما والله ما كان يغدي عليه بالجفان ولا يراح )) ، وهو أجود .
(17) في المطبوعة : (( ويردف عبده )) ، غير ما في المخطوطة ، وفي أبي نعيم : (( ويردف خلفه )) ، وهو بمعنى ما رواه الطبري .
أي : يردف خلفه على الدابة رديفًا .
(18) في المطبوعة والمخطوطة : (( ثم علوجًا )) بإسقاط (( إن )) ، والصواب من حلية الأولياء .
و (( الغلول )) : هو الخيانة في المغنم ، والسرقة من الغنيمة .
(19) يعني قد جعل الآية بما تأولها به ، لعبًا يلعب بتأويله ، ليفتح الباب لكل شهوة من شهوات بطنه وفرجه .
(20) الأثر : 14537 - الذي لم يحفظه سفيان ، حفظه غيره ، رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 2 : 153 ، 154 من طريق محمد بن محمد ، عن الحسن بن أحمد بن محمد ، عن أبي زرعة ، عن مالك بن إسماعيل ، عن مسلمة بن جعفر ، عن الحسن ، بنحو هذا اللفظ ، وهي صفة تحفظ ، وموعظة تهدى إلى طغاتنا في زماننا ، من الناطقين بغير معرفة ولا علم في فتوى الناس بالباطل الذي زخرفته لهم شياطينهم(21) (( عي بالجواب )) : إذا عجز عنه ، وأشكل عليه ، ولم يهتد إلى صوابه .
(22) انظر تفسير (( خالصة )) فيما سلف 2 : 365 /12 : 148 ، 149 .
(23) أسقطت المطبوعة : (( في الآخرة )) من آخر هذه الجملة .
(24) الأثر : 14550 - (( إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي ، أبو إسحاق )) ، شيعي ، ثقة صدوق في الرواية .
مترجم في التهذيب ، والكبير 1 /1 / 347 ، وابن أبي حاتم 1 /1 / 160 .
و (( حبويه الرازي )) ، أبو يزيد ، مضت ترجمته برقم : 14365 .
(25) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 376 ، 377 .
(26) (( الفعل )) ، يعني المصدر .
و (( الاسم )) ، هو المشتق .
و (( الصفة )) ، حرف الجر والظرف .
انظر فهارس المصطلحات .
وقد أسلف أبو جعفر في 2 : 365 أن (( خالصة )) مصدر مثل (( العافية ))(27) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف ص : 237 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
= وتفسير (( آية )) فيما سلف من فهرس اللغة ( أيي ) .

﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ﴾

قراءة سورة الأعراف

المصدر : تفسير : قل من حرم زينة الله التي أخرج