ولقد آتينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا الأمم التي كانت من قبله -كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب "مدين"- فيها بصائر لبني إسرائيل، يبصرون بها ما ينفعهم وما يضرهم، وفيها رحمة لمن عمل بها منهم؛ لعلهم يتذكرون نِعَم الله عليهم، فيشكروه عليها، ولا يكفروه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ولقد آتينا موسى الكتاب» التوراة «من بعد ما أهلكنا القرون الأولى» قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم «بصائر للناس» حال من الكتاب جمع بصيرة وهي نور القلب أي أنوارا للقلوب «وهدى» من الضلالة لمن عمل به «ورحمةً» لمن آمن به «لعلهم يتذكرون» يتعظون بما فيه من المواعظ.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وهو التوراة مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى الذين كان خاتمتهم في الإهلاك العام، فرعون وجنوده. وهذا دليل على أنه بعد نزول التوراة، انقطع الهلاك العام، وشرع جهاد الكفار بالسيف. بَصَائِرَ لِلنَّاسِ أي: كتاب اللّه، الذي أنزله على موسى، فيه بصائر للناس، أي: أمور يبصرون بها ما ينفعهم، وما يضرهم، فتقوم الحجة على العاصي، وينتفع بها المؤمن، فتكون رحمة في حقه، وهداية له إلى الصراط المستقيم، ولهذا قال: وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ) يعني : قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم كانوا قبل موسى ، ( بصائر للناس ) أي : ليبصروا بذلك الكتاب ويهتدوا به ، ( وهدى ) من الضلالة لمن عمل به ، ( ورحمة ) لمن آمن به ، ( لعلهم يتذكرون ) بما فيه من المواعظ والبصائر .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ختم- سبحانه- قصة موسى ببيان جانب مما منحه- عز وجل- له من نعم فقال:وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ أى آتيناه التوراة لتكون هداية ونورا مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى أى: أنزلنا التوراة على موسى، من بعد إهلاكنا للقرون الأولى من الأقوام المكذبين، كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم.قال الآلوسى: «والتعرض لبيان كون إيتائها بعد إهلاكهم للإشعار بأنها نزلت بعد مساس الحاجة إليها، تمهيدا لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن الكريم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإن إهلاك القرون الأولى. من موجبات اندراس معالم الشرائع، وانطماس آثارها، المؤديين إلى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الأمم وكل ذلك يستدعى تشريعا جديدا.وقوله- تعالى- بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً منصوب على أنه مفعول لأجله أو حال أى: آتيناه التوراة من أجل أن تكون أنوارا لقلوبهم يبصرون بها الحقائق، كما يبصرون بأعينهم المرئيات، ومن أجل أن تكون هداية لهم إلى الصراط المستقيم، ورحمة لهم من العذاب.وقوله- سبحانه- لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ تعليل لهذا الإيتاء، وحض لهم على الشكر.أى آتيناهم الكتاب الذي عن طريقه يعرفون الحق من الباطل.. كي يكونوا دائما متذكرين لنعمنا، وشاكرين لنا على هدايتنا لهم ورحمتنا بهم.وإلى هنا نرى السورة الكريمة، قد حدثتنا عن جوانب متعددة من حياة موسى- عليه السلام-.حدثتنا عن رعاية الله- تعالى- له حيث أراد له أن يعيش في بيت فرعون وأن يحظى برعاية امرأته، وأن يعود بعد ذلك إلى أمه كي تقر عينها به، دون أن يصيبه أذى من فرعون الذي كان يذبح الذكور من بنى إسرائيل ويستحيى نساءهم.ثم حدثتنا عن رعاية الله- تعالى- له، بعد أن بلغ أشده واستوى، حيث نجاه من القوم الظالمين، بعد أن قتل واحدا منهم.ثم حدثتنا عن رعاية الله- تعالى- له، بعد أن خرج من مصر خائفا يترقب متجها إلى قرية مدين، التي قضى فيها عشر سنين أجيرا عند شيخ كبير من أهلها.ثم حدثتنا عن رعاية الله- تعالى- له، بعد أن قضى تلك المدة، وسار بأهله متجها إلى مصر، وكيف أن الله- تعالى- أمره بتبليغ رسالته إلى فرعون وقومه، وأنه- عليه السلام- قد لبى أمر ربه- سبحانه- وبلغ رسالته على أتم وجه وأكمله، فكانت العاقبة الطيبة له ولمن آمن به، وكانت النهاية الأليمة لفرعون وجنوده.وهكذا طوفت بنا السورة الكريمة مع قصة موسى- عليه السلام- ذلك التطواف الذي نرى فيه رعاية الله- تعالى- لموسى، وإعداده لحمل رسالته، كما نرى فيه نماذج متنوعة لأخلاقه الكريمة، ولهمته العالية، ولصبره على تكاليف الدعوة، ولسنن الله- تعالى- في خلقه، تلك السنن التي لا تتخلف في بيان أن العاقبة الحسنة للمتقين، والعاقبة القبيحة للكافرين والفاسقين.ثم بدأت السورة بعد ذلك في تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم، وفي بيان أن هذا القرآن من عند الله، وفي بيان جانب من شبهات المشركين، ثم تلقين الرسول صلّى الله عليه وسلّم الرد المزهق لها..لنستمع إلى الآيات الكريمة التي تحكى لنا بأسلوبها البليغ، هذه المعاني وغيرها فتقول:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم ، عليه من ربه الصلاة والتسليم ، من إنزال التوراة عليه بعدما أهلك فرعون وملأه .وقوله : ( من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ) يعني : أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة ، بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين ، كما قال : ( وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ) [ الحاقة : 9 ، 10 ] .وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد وعبد الوهاب قالا : حدثنا عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض بعدما أنزلت التوراة على وجه الأرض ، غير القرية التي مسخوا قردة ، ألم تر أن الله يقول : ( ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ) .ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، بنحوه . وهكذا رواه أبو بكر البزار في مسنده ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يحيى القطان ، عن عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد موقوفا . ثم رواه عن نصر بن علي ، عن عبد الأعلى ، عن عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد - رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض إلا قبل موسى " ، ثم قرأ : ( ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ) .وقوله : ( بصائر للناس ) أي : من العمى والغي ، ( وهدى ) إلى الحق ، ( ورحمة ) أي : إرشادا إلى الأعمال الصالحة ، ( لعلهم يتذكرون ) أي : لعل الناس يتذكرون به ، ويهتدون بسببه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
وله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون .قوله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب يعني التوراة ; قاله قتادة قال يحيى بن سلام : هو أول كتاب - يعني التوراة - نزلت فيه الفرائض والحدود والأحكام وقيل : الكتاب هنا ست من المثاني السبع التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ; قاله ابن عباس ، ورواه مرفوعا . من بعد ما أهلكنا القرون الأولى قال أبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل الله التوراة على موسى غير القرية التي مسخت قردة . ألم تر إلى قوله تعالى : ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى أي من بعد قوم نوح وعاد وثمود وقيل : أي من بعد ما أغرقنا فرعون وقومه وخسفنا بقارون ( بصائر للناس ) أي آتيناه الكتاب بصائر أي ليتبصروا ( وهدى ) أي من الضلالة لمن عمل بها ( ورحمة ) لمن آمن بها ( لعلهم يتذكرون ) أي ليذكروا هذه النعمة فيقيموا على إيمانهم في الدنيا ، ويثقوا بثوابهم في الآخرة
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)يقول تعالى ذكره: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ) التَّوْرَاةَ ( مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا ) الأمم التي كانت قبله, كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ( بَصَائِرَ لِلنَّاسِ ) يقول: ضياء لبني إسرائيل فيما بهم إليه الحاجة من أمر دينهم ( وَهُدًى ) يقول: وبيانا لهم ورحمة لمن عمل به منهم ( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) يقول: ليتذكروا نعم الله بذلك عليهم, فيشكروه عليها ولا يكفروا.وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا محمد وعبد الوهاب, قالا ثنا عوف, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد الخدريّ, قال: ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد ما أنزلت التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخوا قردة, ألم تر أن الله يقول: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ).
﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ﴾