وإن هذا القرآن لَشرف لك ولقومك من قريش؛ حيث أُنزل بلغتهم، فهم أفهم الناس له، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به، وأعملهم بمقتضاه، وسوف تُسألون أنت ومَن معك عن الشكر لله عليه والعمل به.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإنه لذكر» لشرف «لك ولقومك» لنزوله بلغتهم «وسوف تُسألون» عن القيام بحقه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَإِنَّهُ أي: هذا القرآن الكريم لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ أي: فخر لكم، ومنقبة جليلة، ونعمة لا يقادر قدرها، ولا يعرف وصفها، ويذكركم أيضا ما فيه الخير الدنيوي والأخروي، ويحثكم عليه، ويذكركم الشر ويرهبكم عنه، وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ عنه، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم، أم لم تقوموا به فيكون حجة عليكم، وكفرا منكم بهذه النعمة؟
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإنه ) يعني القرآن ( لذكر لك ) لشرف لك ( ولقومك ) من قريش ، نظيره : " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم " ( الأنبياء 10 ) ، أي شرفكم ( وسوف تسألون ) عن حقه وأداء شكره ، روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك ؟ لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية ، فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا ؟ قال : لقريش .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث عن معاوية قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " .وقال مجاهد : القوم هم العرب ، فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب ، حتى يكون [ الأكثر لقريش ولبني هاشم .وقيل : " ذكر ذلك " : شرف لك بما أعطاك من الحكمة ، " ولقومك " المؤمنين بما هداهم ] الله به ، وسوف تسألون عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وَإِنَّهُ أى: هذا القرآن لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ أى: لشرف عظيم لك ولشرف عظيم لأهل مكة الذين بعثت فيهم بصفة خاصة، ولغيرهم ممن آمن بك بصفة عامة كما قال- تعالى-: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ... أى: عزكم وشرفكم.وقوله: وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ تحذير من مخالفة ما اشتمل عليه هذا القرآن من أحكام وآداب وتشريعات.أى: وسوف تسألون يوم القيامة عنه، وعن القيام بحقه، وعن مقدار تمسككم بأوامره ونواهيه وعن شكركم لله- تعالى- على منحكم لهذه النعمة.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) قيل : معناه لشرف لك ولقومك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد . واختاره ابن جرير ، ولم يحك سواه .وأورد البغوي هاهنا حديث الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن معاوية قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " . رواه البخاري .و [ قيل ] معناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم ، فهم أفهم الناس له ، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه ، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ، ومن شابههم وتابعهم .وقيل : معناه : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) أي : لتذكير لك ولقومك ، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم ، كقوله : ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون ) [ الأنبياء : 10 ] ، وكقوله : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214 ] .( وسوف تسألون ) أي : عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
وإنه لذكر لك ولقومك يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش ، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم ، نظيره : لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أي : شرفكم . فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب ، فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك فصاروا عيالا عليهم ; لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عني به من الأمر ، والنهي وجميع ما فيه من الأنباء ، فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا . وقيل : بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة . وقيل : تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به . وقيل : وإنه لذكر لك ولقومك يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم . وقال مالك : هو قول الرجل حدثني أبي عن أبيه ، حكاه ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فيما ذكر الماوردي والثعلبي وغيرهما . قال ابن العربي : ولم أجد في الإسلام هذه المرتبة لأحد إلا ببغداد فإن بني التميمي بها يقولون : حدثني أبي قال حدثني أبي ، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبذلك شرفت أقدارهم ، وعظم الناس شأنهم ، وتهممت الخلافة بهم . ورأيت بمدينة السلام ابني أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب أبي الفرج بن عبد العزيز بن الحارث بن الأسد بن الليث بن سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي وكانا يقولان : سمعنا أبانا رزق الله يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول وقد سئل عن الحنان المنان فقال : الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه ، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال . والقائل سمعت عليا : أكينة بن عبد الله جدهم الأعلى . والأقوى أن يكون المراد بقوله : وإنه لذكر لك ولقومك يعني القرآن ، فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير ، والله أعلم .قال الماوردي : ولقومك فيهم قولان : أحدهما : من اتبعك من أمتك ، قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن . الثاني : لقومك من قريش ، فيقال ممن هذا ؟ فيقال من العرب ، فيقال من أي العرب ؟ فيقال من قريش ، قاله مجاهد .قلت : والصحيح أنه شرف لمن عمل به ، كان من قريش أو من غيرهم . روى ابن عباس قال : أقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - من سرية أو غزاة فدعا فاطمة فقال : يا فاطمة اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئا وقال مثل ذلك لنسوته ، وقال مثل ذلك لعترته ، ثم قال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : ما بنو هاشم بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا قريش بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا الأنصار بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا الموالي بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون . إنما أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجمام الصاع ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى .وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكونون شرا عند الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها ، كلكم بنو آدم وآدم من تراب ، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ؛ الناس مؤمن تقي وفاجر شقي . خرجهما الطبري . وسيأتي لهذا مزيد بيان في الحجرات إن شاء الله تعالى . ( وسوف تسألون ) أي عن الشكر عليه ، قال مقاتل والفراء . وقال ابن جريج : أي : تسألون أنت ومن معك على ما أتاك . وقيل : تسألون عما عملتم فيه ، والمعنى متقارب .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش ( وَسَوْفَ تُسْأَلُون ) يقول: وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه, وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه, وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه؟.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: قوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) يقول: إن القرآن شرف لك.حدثني عمرو بن مالك, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) قال: يقول للرجل: من أنت؟ فيقول: من العرب, فيقال: من أيّ العرب؟ فيقول: من قريش.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) وهو هذا القرآن.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) قال: شرف لك ولقومك, يعني القرآن.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) قال: أولم تكن النبوّة والقرآن الذي أنزل على نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذكرا له ولقومه.