قل - أيها الرسول -: يا أيها الناس ما أنا إلا منذر لكم مبلِّغ عن الله رسالته. فالذين آمنوا بالله ورسوله، واستقر ذلك في قلوبهم، وعملوا الأعمال الصالحة، لهم عند الله عفو عن ذنوبهم ومغفرة يستر بها ما صدر عنهم من معصية، ورزق حسن لا ينقطع وهو الجنة. والذين اجتهدوا في الكيد لإبطال آيات القرآن بالتكذيب مشاقين مغالبين، أولئك هم أهل النار الموقدة، يدخلونها ويبقون فيها أبدًا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«والذين سعوْا في آياتنا» القرآن بإبطالها «معجِّزين» من اتبع النبي أي ينسبونهم إلى العجز، ويثبطونهم عن الإيمان أو مقدرين عجزنا عنهم، وفي قراءة معاجزين: مسابقين لنا، أي يظنون أن يفوتونا بإنكارهم البعث والعقاب «أولئك أصحاب الجحيم» النار.
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيتين 50 و51 :ثم ذكر تفصيل النذارة والبشارة فقال: فَالَّذِينَ آمَنُوا بقلوبهم إيمانا صحيحا صادقا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بجوارحهم في جنات النعيم أي: الجنات التي يتنعم بها بأنواع النعيم من المآكل والمشارب والمناكح والصور والأصوات والتنعم برؤية الرب الكريم وسماع كلامه والذين كفروا أي: جحدوا نعمة ربهم وكذبوا رسله وآياته فأولئك أصحاب الجحيم أي: الملازمون لها، المصاحبون لها في كل أوقاتهم، فلا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتر عنهم لحظة من عقابها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( والذين سعوا في آياتنا ) أي عملوا في إبطال آياتنا ، ( معاجزين ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو : " معجزين " بالتشديد هاهنا وفي سورة سبإ أي : مثبطين الناس عن الإيمان ، وقرأ الآخرون : " معاجزين " بالألف أي : معاندين مشاقين . وقال قتادة : معناه ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا بزعمهم أن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ، ومعنى يعجزوننا ، أي : يفوتوننا فلا نقدر عليهم . وهذا كقوله تعالى : ( أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ) ( العنكبوت : 4 ) ، ( أولئك أصحاب الجحيم ) وقيل : " معاجزين " مغالبين ، يريد كل واحد أن يظهر عجز صاحبه .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أى: والذين بذلوا كل جهودهم في إبطال آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق رسلنا، وأسرعوا في تكذيبها وغالبوا المؤمنين وعارضوهم ليظهروهم بمظهر العاجز عن الدفاع عن دينهم وعن عقيدتهم.أُولئِكَ الموصوفون بهذا السعى الأثيم أَصْحابُ الْجَحِيمِ أى: الملازمون للنار المتأججة ملازمة المالك لما يملكه.ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك الى الحديث عن فضل الله- تعالى- على أنبيائه ورسله حيث عصمهم من كيد الشيطان ووسوسته وحفظ دعوتهم من تكذيب المكذبين، وعبث العابثين.. فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) : قال مجاهد : يثبطون الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم . وكذا قال عبد الله بن الزبير : مثبطين .وقال ابن عباس : ( معاجزين ) : مراغمين .( أولئك أصحاب الجحيم ) : وهي النار الحارة الموجعة الشديد عذابها ونكالها ، أجارنا الله منها .قال الله تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ النحل : 88 ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
والذين سعوا في آياتنا أي في إبطال آياتنا . ( معاجزين ) أي مغالبين مشاقين ؛ قال ابن عباس . الفراء : معاندين . وقال عبد الله بن الزبير : مثبطين عن الإسلام . وقال الأخفش : معاندين مسابقين . الزجاج : أي ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أن لا بعث ، وظنوا أن الله لا يقدر عليهم ؛ وقاله قتادة . وكذلك معنى قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ( معجزين ) بلا ألف مشددا . ويجوز أن يكون معناه أنهم يعجزون المؤمنين في الإيمان بالنبي - عليه السلام - وبالآيات ؛ قاله السدي . وقيل : أي ينسبون من اتبع محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى العجز ؛ كقولهم : جهلته وفسقته . أولئك أصحاب الجحيم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) يقول: والذين عملوا في حججنا فصدّوا عن اتباع رسولنا، والإقرار بكتابنا الذي أنزلناه، وقال في آياتنا فأدخلت فيه في كما يقال: سعى فلان في أمر فلان.واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (مُعاجِزينَ) فقال بعضهم: معناه: مشاقين.*ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد بن يوسف, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا حجاج, عن عثمان بن عطاء, عن أبيه, عن ابن عباس, أنه قرأها: (معاجزين) في كل القرآن, يعني بألف, وقال: مشاقين.وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم ظنوا أنهم يعجزون الله فلا يقدر عليهم.*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: ( فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) قال: كذبوا بآيات الله فظنوا أنهم يعجزون الله, ولن يعجزوه.حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.وهذان الوجهان من التأويل في ذلك على قراءة من قرأه: ( فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) بالألف, وهي قراءة عامة قرّاء المدينة والكوفة. وأما بعض قرّاء أهل مكة والبصرة، فإنه قرأه: " مُعَجِّزِينَ" بتشديد الجيم بغير ألف, بمعنى أنهم عجزوا الناس وثبطوهم عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالقرآن.*ذكر من قال ذلك كذلك من قراءته:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: " مُعَجِّزِينَ" قال: مبطِّئين يبطِّئون الناس عن اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله.والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, متقاربتا المعنى; وذلك أن من عجز عن آيات الله، فقد عاجز الله, ومن معاجزة الله التعجيز عن آيات الله، والعمل بمعاصيه وخلاف أمره، وكان من صفة القوم الذين أنزل الله هذه الآيات فيهم أنهم كانوا يبطِّئون الناس عن الإيمان بالله، واتباع رسوله، ويغالبون رسول الله صلى الله عليه وسلم, يحسبون أنهم يعجزونه ويغلبونه, وقد ضمن الله له نصره عليهم, فكان ذلك معاجزتهم الله. فإذ كان ذلك كذلك, فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك.وأما المعاجزة فإنها المفاعلة من العجز, ومعناه: مغالبة اثنين، أحدهما صاحبه أيهما يعجزه فيغلبه الآخر ويقهره.وأما التعجيز: فإنه التضعيف وهو التفعيل من العجز.وقوله: ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان جهنم يوم القيامة وأهلها الذين هم أهلها.
﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾