القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 6 سورة التوبة - وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى

سورة التوبة الآية رقم 6 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى - عدد الآيات 129 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 6 من سورة التوبة عدة تفاسير - سورة التوبة : عدد الآيات 129 - - الصفحة 187 - الجزء 10.

سورة التوبة الآية رقم 6


﴿ وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ ﴾
[ التوبة: 6]

﴿ التفسير الميسر ﴾

وإذا طلب أحد من المشركين الذين استبيحت دماؤهم وأموالهم الدخول في جوارك -أيها الرسول- ورغب في الأمان، فأجبه إلى طلبه حتى يسمع القرآن الكريم ويطَّلع على هدايته، ثم أَعِدْه من حيث أتى آمنًا؛ وذلك لإقامة الحجة عليه؛ ذلك بسبب أن الكفار قوم جاهلون بحقائق الإسلام، فربما اختاروه إذا زال الجهل عنهم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«وإن أحد من المشركين» مرفوع بفعل يفسره «استجارك» استأمنك من القتل «فأجره» أمِّنه «حتى يسمع كلام الله» القرآن «ثم أبلغه مأمنه» وهو دار قومه إن لم يؤمن لينظر في أمره «ذلك» المذكور «بأنهم قوم لا يعلمون» دين الله فلا بد لهم من سماع القرآن ليعلموا.

﴿ تفسير السعدي ﴾

لما كان ما تقدم من قوله ‏‏فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ‏‏ أمرا عاما في جميع الأحوال، وفي كل الأشخاص منهم، ذكر تعالى، أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم جاز، بل وجب ذلك فقال‏:‏ ‏‏وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ‏‏ أي‏:‏ طلب منك أن تجيره، وتمنعه من الضرر، لأجل أن يسمع كلام اللّه، وينظر حالة الإسلام‏.
‏ ‏‏فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ‏‏ ثم إن أسلم، فذاك، وإلا فأبلغه مأمنه، أي‏:‏ المحل الذي يأمن فيه، والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر اللّه رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه‏.
‏ وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم‏:‏ أن القرآن مخلوق‏.
‏ وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول، ليس هذا محل ذكرها‏.


﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك ) أي : وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم ، أي : استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله .
( فأجره ) فأعذه وآمنه ، ( حتى يسمع كلام الله ) فيما له وعليه من الثواب والعقاب ، ( ثم أبلغه مأمنه ) أي : إن لم يسلم أبلغه مأمنه ، أي : الموضع الذي يأمن فيه وهو دار قومه ، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله ، ( ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) أي : لا يعلمون دين الله تعالى وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كلام الله .
قال الحسن : وهذه الآية محكمة إلى يوم القيامة .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله: استجارك، أى، طلب جوارك وحمايتك من الاعتداء عليه، وقد كان من الأخلاق الحميدة المتعارف عليها حماية الجار والدفاع عنه، حتى سمى النصير جارا، وعلى هذا المعنى جاء قوله، تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ «2» أى: نصير لكم.
وإِنْ شرطية وأَحَدٌ مرفوع بفعل مضمر يفسره الفعل الظاهر وهو اسْتَجارَكَ والمعنى: وإن استأمنك- يا محمد- أحد من المشركين، وطلب جوارك وحمايتك بعد انقضاء مدة الأمان المحددة له، فَأَجِرْهُ أى: فأمنه وأجبه إلى طلبه، حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ أى: لكي يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه من تعاليم مقنعة للعقول السليمة بأن الشرك ظلم عظيم.
.
واقتصر على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم، لأنهم من أهل الفصاحة والبلاغة، وقد كان سماع بعضهم لشيء من كلام الله سببا في هدايته.
وقوله: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ بيان لما يجب على المسلمين نحو هذا المشرك المستجير إذا ما استمع إلى كلام الله ثم بقي على شركه.
أى: عليك- يا محمد- أن تجيره حتى يسمع كلام الله ويتدبره ولا يبقى له عذر في الإصرار على شركه، فإن آمن بعد سماعه صار من أتباعك، وإن بقي على شركه وأراد الرجوع إلى جماعته، فعليك أن تحافظ عليه حتى يصل إلى مكان أمنه واستقراره، وهو ديار قومه: ثم بعد ذلك يصبح حكمه كحكم المصرين على الشرك، ويعامل بما يعاملون به.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ يعود إلى الأمر بالإجارة وإبلاغ المأمن.
أى: ذلك الذي أمرناك به من إجارة المستجير من المشركين وإبلاغه مأمنه إذا لم يسلم، بسبب أنهم قوم لا يعلمون الإسلام ولا حقيقة ما تدعوهم إليه أى قوم يحتاجون إلى فترة من الوقت يسمعون كلام الله فيها وهم آمنون، وبهذا السماع منك ومن أصحابك لا يبقى لهم عذر أصلا في استمرارهم على الباطل.
عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من المشركين إلى على بن أبى طالب فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله أو لحاجة: قتل؟فقال له على لا، لأن الله يقول وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ الآية .
هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من الآية ما يأتى:1- أن المستأمن لا يؤذى، بل يجب على المسلمين حمايته في نفسه وماله وعرضه مادام في دار الإسلام، وقد حذر الإسلام أتباعه من الغدر أشد تحذير، ومن ذلك ما رواه البخاري والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برىء من القاتل وإن كان المقتول كافرا» .
وروى الشيخان وأحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة» .
2- يلحق بالمستجير الطالب لسماع كلام الله من كان طالبا لسماع الأدلة على كون الإسلام حقا، ومن كان طالبا للجواب على الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام، لأن هؤلاء وأمثالهم يطرقون باب الفهم والمعرفة ويبحثون عن الحق فعلينا أن نحميهم، وأن نبذل أقصى الجهود في تعليمهم وإرشادهم وإزالة الشبهات عنهم، لعل الله أن يشرح صدورهم للإسلام بسبب هذا التعليم والإرشاد.
قال ابن كثير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى الأمان لمن جاءه مسترشدا أو في رسالة، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة بن مسعود، ومكرز بن حفص، وسهيل بن عمرو وغيرهم واحدا بعد واحد، يترددون في القضية بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين لرسولهم صلى الله عليه وسلم ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم، وأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم .
3- على الإمام أو من يقوم مقامه أن يعطى المستأمن المهلة التي يراها كافية لفهمه حقائق الإسلام وأن يبلغه مأمنه بعد انقضاء حاجته، وأن لا يمكنه من الإقامة في دار الإسلام إلا بمقدار قضاء حاجته.
قال الإمام الرازي: ليس في الآية ما يدل على أن مقدار هذه المهلة كم يكون، ولعله لا يعرف مقدارها إلا بالعرف، فمتى ظهر على المشرك علامات كونه طالبا للحق باحثا عن وجه الاستدلال أمهل وترك ومتى ظهر عليه كونه معرضا عن الحق دافعا للزمان بالأكاذيب لم يلتفت إليه «3» .
4- أخذ العلماء من هذه الآية وجوب التفقه في الدين، وعدم الاكتفاء بالظنون والتقليد للغير، وقد وضح الإمام الرازي هذا المعنى فقال:دلت الآية على أن التقليد غير كاف في الدين، وأنه لا بد من النظر والاستدلال، وذلك لأنه لو كان التقليد كافيا، لوجب أن لا يمهل هذا الكافر، بل يقال له: إما أن تؤمن وإما أن نقتلك.
فلما لم يقل له ذلك- بل أمهل وأزيل الخوف عنه ووجب تبليغه مأمنه- علم أن ذلك لأجل عدم كفاية التقليد في الدين، وأنه لا بد من الحجة والدليل: فلذا أمهل ليحل له النظر والاستدلال» .
5- تكلم العلماء عمن له حق إعطاء الأمان للمستأمن فقال القرطبي: «ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز لأنه مقدم النظر والمصلحة.
نائب عن الجميع في جلب المصالح ودفع المضار.
واختلفوا في أمان غير الخليفة، فالحر يمضى أمانه عند كافة العلماء.
وأما العبد فله الأمان في مشهور مذهب المالكية وبه قال الشافعى وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لا أمان له.
والأول أصح لقوله صلى الله عليه وسلم «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم» .
قالوا: فلما قال «أدناهم» جاز أمان العبد .
.
.
.
وقال بعض العلماء: هذه الآية كانت أصلا عند الفقهاء في إباحة تأمين المشرك، وقد توسع الإسلام في باب الأمان فقرر به عصمة المستأمن، وأوجب على المسلمين حمايته مادام في دار الإسلام، وجعل للمسلمين حق إعطاء ذلك الأمان، ولم يشترط في ذلك إلا ما يضمن على المسلمين سلامتهم، بأن لا تظهر على المستأمن مظاهر الركون إلى التجسس على المسلمين.
ولا ينسى الإسلام- وهو يعطى هذا الحق للأفراد- حق الإمام المهيمن على شئون المسلمين، بل جعل له بمقتضى هيمنته العامة، وتقديره لوجوه المصلحة، حق إبطال أى أمان لم يصادف محله، أو لم يستوف شروطه، كما له أن ينتزع ذلك الحق من الأفراد متى رأى المصلحة في ذلك.
والإسلام يبيح بهذا الأمان التبادل التجارى والصناعى والثقافى، وفي سائر الشئون ما لم يتصل شيء منها بضرر الدولة «2» .
6- هذه الآية الكريمة تشهد بسمو تعاليم الإسلام وسماحتها وحرصها على هداية الناس إلى الحق، وعلى صيانة دمائهم وأموالهم وأعراضهم من العدوان عليها.
.
حتى ولو كان هؤلاء الناس من أعداء الإسلام.
وقد بسط هذا المعنى بعض العلماء فقال ما ملخصه: إن هذه الآية تعنى أن الإسلام حريص على كل قلب بشرى أن يهتدى وأن يثوب، وأن المشركين الذين يطلبون الجوار والأمان في دار الإسلام يجب أن يعطوا الجوار والأمان ذلك أنه في هذه الحالة آمن حربهم وتجمعهم وتألبهم عليه، فلا ضير إذن من إعطائهم فرصة سماع القرآن ومعرفة هذا الدين، لعل قلوبهم أن تتفتح وتستجيب وحتى إذا لم تستجب فقد أوجب الله لهم على أهل دار الإسلام أن يحرسوهم بعد إخراجهم حتى يصلوا إلى بلد يأمنون فيه على أنفسهم.
ولقد كانت قمة عالية تلك الإجارة والأمان لهم في دار الإسلام.
.
ولكن قمة القمم هذه الحراسة للمشرك- عدو الإسلام والمسلمين- حتى يبلغ مأمنه خارج حدود دار الإسلام.
إنه منهج الهداية لا منهج الإبادة، حتى وهو يتصدى لتأمين قاعدة الإسلام.
إن هذا الدين إعلام لمن لا يعلمون، وإجارة لمن يستجيرون، حتى من أعدائه الذين شهروا عليه السيف وحاربوه وعاندوه.
.
.
وبعد أن صرحت السورة الكريمة ببراءة الله ورسوله من عهود المشركين الخائنين، وأمرت المؤمنين بإعطائهم مهلة يسيحون فيها في الأرض، ويتدبرون خلالها أمرهم، ثم بعد ذلك على المؤمنين أن يقتلوهم حيث وجدوهم، وأن يستعملوا معهم كل الوسائل المشروعة لإذلالهم، وأن يؤمنوا المشرك الذي يريد أن يسمع كلام الله، وأن يحافظوا عليه حتى يصل إلى مكان استقراره.
.
بعد كل ذلك أخذت السورة الكريمة في بيان الأسباب التي أوجبت البراءة من عهود المشركين، والحكم التي من أجلها أمر الله بقتالهم والتضييق عليهم فقال- تعالى-:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

يقول تعالى لنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه : ( وإن أحد من المشركين ) الذين أمرتك بقتالهم ، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم ، ( استجارك ) أي : استأمنك ، فأجبه إلى طلبته ( حتى يسمع كلام الله ) أي : [ القرآن ] تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من [ أمر ] الدين تقيم عليه به حجة الله ، ( ثم أبلغه مأمنه ) أي : وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه ، ( ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) أي : إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله ، وتنتشر دعوة الله في عباده .وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في تفسير هذه الآية ، قال : إنسان يأتيك يسمع ما تقول وما أنزل عليك ، فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله ، وحتى يبلغ مأمنه ، حيث جاء .ومن هذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي الأمان لمن جاءه ، مسترشدا أو في رسالة ، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش ، منهم : عروة بن مسعود ، ومكرز بن حفص ، وسهيل بن عمرو ، وغيرهم واحدا بعد واحد ، يترددون في القضية بينه وبين المشركين ، فرأوا من إعظام المسلمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر ، فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك ، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم .ولهذا أيضا لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : أتشهد أن مسيلمة رسول الله ؟ قال : نعم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقك وقد قيض الله له ضرب العنق في إمارة ابن مسعود على الكوفة ، وكان يقال له : ابن النواحة ، ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنه يشهد لمسيلمة بالرسالة ، فأرسل إليه ابن مسعود فقال له : إنك الآن لست في رسالة ، وأمر به فضربت عنقه ، لا رحمه الله ، ولعنه .والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة أو تجارة ، أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية ، أو نحو ذلك من الأسباب ، فطلب من الإمام أو نائبه أمانا ، أعطي أمانا ما دام مترددا في دار الإسلام ، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه . لكن قال العلماء : لا يجوز أن يمكن من الإقامة في دار الإسلام سنة ، ويجوز أن يمكن من إقامة أربعة أشهر ، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولان ، عن الإمام الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله.

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمونفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : وإن أحد من المشركين أي من الذين أمرتك بقتالهم .
استجارك أي سأل جوارك ، أي أمانك وذمامك ، فأعطه إياه ليسمع القرآن ، أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه .
فإن قبل أمرا فحسن ، وإن أبى فرده إلى مأمنه .
وهذا ما لا خلاف فيه .
والله أعلم .
قال مالك : إذا وجد الحربي في طريق بلاد المسلمين فقال : جئت أطلب الأمان .
قال مالك : هذه أمور مشتبهة ، وأرى أن يرد إلى مأمنه .
وقال ابن قاسم : وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجرا بساحلنا فيقول : ظننت ألا تعرضوا لمن جاء تاجرا حتى يبيع .
وظاهر الآية إنما هي في من يريد سماع القرآن والنظر في الإسلام ، فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين والنظر فيما تعود عليهم به منفعته .
الثانية : ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز ؛ لأنه مقدم للنظر والمصلحة ، نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضار .
واختلفوا في أمان غير الخليفة ، فالحر يمضي أمانه عند كافة العلماء .
إلا أن ابن حبيب قال : ينظر الإمام فيه .
وأما العبد فله الأمان في مشهور المذهب ، وبه قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق والأوزاعي والثوري وأبو ثور وداود ومحمد بن الحسن .
وقال أبو حنيفة : لا أمان له ، وهو القول الثاني لعلمائنا .
والأول أصح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم .
قالوا : فلما قال أدناهم جاز أمان العبد ، وكانت المرأة الحرة أحرى بذلك ، ولا اعتبار بعلة " لا يسهم " له .
وقال عبد الملك بن الماجشون : لا يجوز أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام ، فشذ بقوله عن الجمهور .
وأما الصبي فإذا أطاق القتال جاز أمانه ؛ لأنه من جملة المقاتلة ، ودخل في الفئة الحامية .
وقد ذهب الضحاك والسدي إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله : فاقتلوا المشركين .
وقال الحسن : هي محكمة ، سنة إلى يوم القيامة ، وقاله مجاهد .
وقيل : هذه الآية إنما كان حكمها باقيا مدة الأربعة الأشهر التي ضربت لهم أجلا ، وليس بشيء .
وقال سعيد بن جبير : جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء الأربعة الأشهر فيسمع كلام الله أو يأتيه بحاجة قتل ؟ فقال علي بن أبي طالب : لا ؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله .
وهذا هو الصحيح .
والآية محكمة .
الثالثة : قوله تعالى : وإن أحد أحد مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده .
وهذا حسن في " إن " وقبيح في أخواتها .
ومذهب سيبويه في الفرق بين " إن " وأخواتها ، أنها لما كانت أم حروف الشرط خصت بهذا ، ولأنها لا تكون في غيره .
وقال محمد بن يزيد : أما قوله - لأنها لا تكون في غيره - فغلط ؛ لأنها تكون بمعنى - ما - ومخففة من الثقيلة ولكنها مبهمة ، وليس كذا غيرها .
وأنشد سيبويه :لا تجزعي إن منفسا أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعيالرابعة : قال العلماء : في قوله تعالى : حتى يسمع كلام الله دليل على أن كلام الله عز وجل مسموع عند قراءة القارئ ، قاله الشيخ أبو الحسن والقاضي أبو بكر وأبو العباس القلانسي وابن مجاهد وأبو إسحاق الإسفراييني وغيرهم ، لقوله تعالى : حتى يسمع كلام الله فنص على أن كلامه مسموع عند قراءة القارئ لكلامه .
ويدل عليه إجماع المسلمين على أن القارئ إذا قرأ فاتحة الكتاب أو سورة قالوا : سمعنا كلام الله .
وفرقوا بين أن يقرأ كلام الله تعالى وبين أن يقرأ شعر امرئ القيس .
وقد مضى في سورة ( البقرة ) معنى كلام الله تعالى ، وأنه ليس بحرف ولا صوت ، والحمد لله .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن استأمنك، يا محمد، من المشركين، الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، أحدٌ ليسمع كلام الله منك = وهو القرآن الذي أنزله الله عليه =(فأجره)، يقول: فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه =(ثم أبلغه مأمنه)، يقول: ثم رُدَّه بعد سماعه كلام الله إن هو أبَي أن يسلم، ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن = " إلى مأمنه ", يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك، حتى يلحق بداره وقومه من المشركين (75) =(ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)، يقول: تفعل ذلك بهم، من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن, وردِّك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم, من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا، وما عليهم من الوِزْر والإثم بتركهم الإيمان بالله.
* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:16481- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (وإن أحد من المشركين استجارك)، أي: من هؤلاء الذين أمرتك بقتالهم,(فأجره).
(76)16482- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (فأجره حتى يسمع كلام الله)، أما " كلام الله "، فالقرآن.
16483- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره)، قال: إنسان يأتيك فيسمع ما تقول، ويسمع ما أنزل عليك، فهو آمنٌ حتى يأتيك فيسمع كلام الله, وحتى يبلغ مأمنه، حيث جاءه.
(77)16484- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, بنحوه.
16485- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد قال: خرج رسوله الله صلى الله عليه وسلم غازيًا, فلقي العدوَّ, وأخرج المسلمون رجلا من المشركين وأشرعوا فيه الأسنّة, فقال الرجل: ارفعوا عني سلاحكم, وأسمعوني كلام الله ! فقالوا: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وتخلع الأنداد، وتتبرأ من اللات والعزى! فقال: فإنّي أشهدكم أني قد فعلت.
16486- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ثم أبلغه مأمنه)، قال: إن لم يوافقه ما تتلو عليه وتحدثه, (78) فأبلغه.
قال: وليس هذا بمنسوخ.
* * *واختلفت في حكم هذه الآية, وهل هو منسوخ أو هو غير منسوخ؟فقال بعضهم: هو غير منسوخ.
وقد ذكرنا قول من قال ذلك.
* * *وقال آخرون: هو منسوخ.
* ذكر من قال ذلك:16487- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن جويبر, عن الضحاك: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ، نسختها: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ،.
[سورة محمد: 4]16488-.
.
.
.
.
.
قال، حدثنا سفيان, عن السدي, مثله.
* * *وقال آخرون: بل نسخ قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ، قوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ .
* ذكر من قال ذلك:16489- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان, عن ابن أبي عروبة, عن قتادة: حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ، [سورة محمد : 4 ] نسخها قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ،* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، قولُ من قال: " ليس ذلك بمنسوخ ".
وقد دللنا على أن معنى " النسخ "، هو نفي حكم قد كان ثبت بحكم آخر غيره.
(79) ولم تصحّ حجةٌ بوجوب حكم الله في المشركين بالقتل بكل حال، ثم نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء، ولا على وجه المنّ عليهم.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان الفداء والمنّ والقتل لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم, (80) وذلك من يوم بدر = كان معلومًا أن معنى الآية: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم, وخذوهم للقتل أو المنِّ أو الفداء، واحصروهم.
وإذا كان ذلك معناه، صحّ ما قلنا في ذلك دون غيره.
-----------------------الهوامش :(75) انظر تفسير " الأمن " فيما سلف 13 : 420 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
(76) الأثر : 16481 - سيرة ابن هشام 4 : 189 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 16480 .
(77) في المطبوعة : " حيث جاء " ، والصواب من المخطوطة .
(78) في المخطوطة والمطبوعة : " ما تقول عليه وتحدثه " ، وفي المخطوطة فوق " تقول " حرف ( ط ) دلالة على الخطأ ، والصواب ما أثبت .
(79) انظر ما قاله أبو جعفر في " النسخ " مرارا في فهارس الكتاب .
(80) في المطبوعة: "فكان الفداء"، وهو خطأ، لم يحسن قراءة المخطوطة.

﴿ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ﴾

قراءة سورة التوبة

المصدر : تفسير : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى