ذلك الأمر الذي قصصنا عليك من إدخال المهاجرين الجنة، ومن اعتُدِي عليه وظُلم فقد أُذِن له أن يقابل الجاني بمثل فعلته، ولا حرج عليه، فإذا عاد الجاني إلى إيذائه وبغى، فإن الله ينصر المظلوم المعتدى عليه؛ إذ لا يجوز أن يُعْتَدى عليه بسبب انتصافه لنفسه. إن الله لعفوٌ غفور، يعفو عن المذنبين فلا يعاجلهم بالعقوبة، ويغفر ذنوبهم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
الأمر «ذلك» الذي قصصناه عليك «ومن عاقب» جازي من المؤمنين «بمثل ما عوقب به» ظلما من المشركين: أي قاتلهم كما قاتلوه في الشهر الحرام «ثم بغي عليه» منهم أي ظلم بإخراجه من منزله «لينصرنه الله إن الله لعفوٌ» عن المؤمنين «غفور» لهم عن قتالهم في الشهر الحرام.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ذلك بأن من جني عليه وظلم، فإنه يجوز له مقابلة الجاني بمثل جنايته، فإن فعل ذلك، فليس عليه سبيل، وليس بملوم، فإن بغي عليه بعد هذا، فإن الله ينصره، لأنه مظلوم، فلا يجوز أن يبغي عليه، بسبب أنه استوفى حقه، وإذا كان المجازي غيره، بإساءته إذا ظلم بعد ذلك، نصره الله، فالذي بالأصل لم يعاقب أحدا إذا ظلم وجني عليه، فالنصر إليه أقرب. إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ أي: يعفو عن المذنبين، فلا يعاجلهم بالعقوبة، ويغفر ذنوبهم فيزيلها، ويزيل آثارها عنهم، فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي، ومعاملته لعباده في جميع الأوقات بالعفو والمغفرة، فينبغي لكم أيها المظلومون المجني عليهم، أن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ليعاملكم الله كما تعاملون عباده فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ذلك ) أي : الأمر ذلك الذي قصصنا عليكم ، ( ومن عاقب بمثل ما عوقب به ) جازى الظالم بمثل ظلمه . قال الحسن : يعني قاتل المشركين كما قاتلوه ، ( ثم بغي عليه ) أي : ظلم بإخراجه من منزله يعني : ما أتاه المشركون من البغي على المسلمين حتى أحوجوهم إلى مفارقة أوطانهم ، نزلت في قوم من المشركين أتوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام فأبى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم قال الله تعالى : ( لينصرنه الله ) والعقاب الأول بمعنى الجزاء ، ( إن الله لعفو غفور ) عفا عن مساوئ المؤمنين وغفر لهم ذنوبهم .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
واسم الإشارة ذلك، في قوله- تعالى- ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ.يعود إلى ما ذكره- سبحانه- قبل ذلك من أن الملك له يوم القيامة، ومن الرزق الحسن الذي منحه للمهاجرين في سبيله ثم قتلوا أو ماتوا.والعقاب: مأخوذ من التعاقب، وهو مجيء الشيء بعد غيره. والمراد به هنا: مجازاة الظالم بمثل ظلمه.قال القرطبي: قال مقاتل: نزلت هذه الآية في قوم من مشركي مكة. لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم: فقالوا: إن أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام. فأبى المشركون إلا القتال، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين، وحصل في أنفس المسلمين شيء من القتال في الشهر الحرام، فأنزل الله الآية.فمعنى مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ أى: من جازى الظالم بمثل ما ظلمه، فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة فهي مثل: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها .وقوله ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ أى: أن الظالم المبتدئ بالظلم عاد مرة أخرى فبغى على المظلوم وآذاه.وقوله لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ وعد مؤكد منه- سبحانه- بنصرة المظلوم، والجملة جواب قسم محذوف. أى والله لينصرن- سبحانه- المظلوم على الظالم في الحال أو المآل.قوله: إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ تعليل للنصرة، وبيان بأن المظلوم عند ما ترك العفو عن الظالم، لا يؤاخذه- سبحانه- على ذلك، مادام لم يتجاوز في رد العدوان الحدود المشروعة، وهي الانتصار على القصاص بالمثل.أى: إن الله- تعالى- لكثير العفو عن عباده، وكثير المغفرة لذنوبهم وخطاياهم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ) ، ذكر مقاتل بن حيان وابن جريج أنها نزلت في سرية من الصحابة ، لقوا جمعا من المشركين في شهر محرم ، فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام ، فأبى المشركون إلا قتالهم وبغوا عليهم ، فقاتلهم المسلمون ، فنصرهم الله عليهم ، [ و ] ) إن الله لعفو غفور )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفورقوله تعالى : ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ( ذلك ) في موضع رفع ؛ أي ذلك الأمر الذي قصصنا عليك . قال مقاتل : نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا : إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم ؛ فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام ؛ فأبى المشركون إلا القتال ، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين ؛ وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء ؛ فنزلت هذه الآية . وقيل : نزلت في قوم من المشركين ، مثلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد فعاقبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثله . فمعنى من عاقب بمثل ما عوقب به أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه ؛ فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة ؛ فهو مثل وجزاء سيئة سيئة مثلها . ومثل فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . وقد تقدم . ثم بغي عليه أي بالكلام والإزعاج من وطنه ؛ وذلك أن المشركين كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به وأخرجوه وأخرجوهم من مكة ، وظاهروا على إخراجهم . لينصرنه الله أي لينصرن الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ؛ فإن الكفار بغوا عليهم . إن الله لعفو غفور أي عفا عن المؤمنين ذنوبهم وقتالهم في الشهر الحرام وستر .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يعني تعالى ذكره بقوله: (ذلكَ) لهذا لهؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله, ثم قُتلوا أو ماتوا, ولهم مع ذلك أيضا أن الله يعدهم النصر على المشركين الذين بغوا عليهم فأخرجوهم من ديارهم.كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: ( ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ) قال: هم المشركون بغَوْا على النبي صلى الله عليه وسلم, فوعده الله أن ينصره, وقال في القصاص أيضا. وكان بعضهم يزعم أن هذه الآية نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم, وكان المسلمون يكرهون القتال يومئذ في الأشهر الحرم, فسأل المسلمون المشركين أن يكفوا عن قتالهم من أجل حرمة الشهر, فأبى المشركون ذلك, وقاتلوهم فبغَوْا عليهم, وثبت المسلمون لهم فنُصروا عليهم, فأنزل الله هذه الآية: ( ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ) بأن بدئ بالقتال وهو له كاره,( لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ ).وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله لذو عفو وصفح لمن انتصر ممن ظلمه من بعد ما ظلمه الظالم بحقّ, غفور لما فعل ببادئه بالظلم مثل الذي فعل به غير معاقبه عليه.
﴿ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ﴾