ألم ترَ- أيها النبي- أن الله أنزل من السماء مطرًا، فتصبح الأرض مخضرة بما ينبت فيها من النبات؟ إن الله لطيف بعباده باستخراج النبات من الأرض بذلك الماء، خبير بمصالحهم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ألم تر» تعلم «أن الله أنزل من السماء ماءً» مطرا «فتصبح الأرض مخضرة» بالنبات وهذا من أثر قدرته «إن الله لطيف» بعباده في إخراج النبات بالماء «خبير» بما في قلوبهم عند تأخير المطر.
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا حث منه تعالى، وترغيب في النظر بآياته الدالات على وحدانيته، وكماله فقال: أَلَمْ تَرَ أي: ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وهو: المطر، فينزل على أرض خاشعة مجدبة، قد أغبرت أرجاؤها، ويبس ما فيها، من شجر ونبات، فتصبح مخضرة قد اكتست من كل زوج كريم، وصار لها بذلك منظر بهيج، إن الذي أحياها بعد موتها وهمودها لمحيي الموتى بعد أن كانوا رميما. إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء، وخفياتها، وسرائرها، الذي يسوق إلى عبده الخير، ويدفع عنه الشر بطرق لطيفة تخفى على العباد، ومن لطفه، أنه يري عبده، عزته في انتقامه وكمال اقتداره، ثم يظهر لطفه بعد أن أشرف العبد على الهلاك، ومن لطفه، أنه يعلم مواقع القطر من الأرض، وبذور الأرض في باطنها، فيسوق ذلك الماء إلى ذلك البذر، الذي خفي على علم الخلائق فينبت منه أنواع النبات، خَبِيرٌ بسرائر الأمور، وخبايا الصدور، وخفايا الأمور.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ) بالنبات ، ( إن الله لطيف ) بأرزاق عباده واستخراج النبات من الأرض ، ( خبير ) بما في قلوب العباد واستخراج النبات من الأرض ، إذا تأخر المطر عنهم .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والاستفهام في قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً..للتقرير.وقوله: مُخْضَرَّةً أى: ذات خضرة بسبب النبات الذي ينبته الله فيها بعد نزول المطر عليها.والمعنى: لقد رأيت ببصرك وعلمت ببصيرتك أيها المخاطب أن الله- تعالى- قد أنزل من السماء ماء، فتصير الأرض بسببه ذات خضرة، وفي ذلك أعظم الأدلة على كمال قدرته، وعظيم رحمته بعباده.وقال- سبحانه- فَتُصْبِحُ بصيغة المضارع، لاستحضار صورة الاخضرار، الذي اتصفت به الأرض بعد نزول المطر عليها، وصيغة الماضي لا تفيد دوام استحضارها، لأن الفعل الماضي يفيد انقطاع الشيء.ولم ينصب هذا الفعل المضارع في جواب الاستفهام، لأن الاستفهام تقريرى فهو في معنى الخبر، والخبر لا جواب له، فكأنه قيل: لقد رأيت، ولأن السببية هنا غير متحققة، إذ الرؤية لا يتسبب عنها اخضرار الأرض، وإنما اخضرارها يكون بسبب نزول المطر.وقد أشار صاحب الكشاف إلى ذلك فقال: فإن قلت: هلا قيل: فأصبحت؟ ولم صرف إلى لفظ المضارع؟.قلت: لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان، كما تقول: أنعم علىّ فلان عام كذا، فأروح وأغدو شاكرا له. ولو قلت: فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع. فإن قلت: فما له رفع ولم ينصب جوابا للاستفهام؟.قلت: لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض، لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفى الاخضرار. مثاله أن تقول لصاحبك ألم تر أنى أنعمت عليك فتشكر. إن نصبته فأنت ناف لشكره. شاك تفريطه فيه، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله. .وقال بعض العلماء ما ملخصه: فإن قيل: كيف قال فتصبح مع أن اخضرار الأرض قد يتأخر عن صبيحة المطر.فالجواب: أن تصبح هنا بمعنى تصير، والعرب تقول: فلان أصبح غنيا، أى: صار غنيا، أو أن الفاء للتعقيب، وتعقيب كل شيء بحسبه، كقوله- تعالى-: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً ... مع أن بين كل شيئين أربعين يوما، كما جاء في الحديث الصحيح.. .ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ أى: إن الله- تعالى- لطيف بعباده.ومن مظاهر لطفه بهم، إنزاله المطر على الأرض للانتفاع بما تنبته من كل زوج بهيج، وهو- تعالى- خبير بأحوال عباده، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة من هذه الأحوال.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وهذا أيضا من الدلالة على قدرته وعظيم سلطانه ، فإنه يرسل الرياح ، فتثير سحابا ، فيمطر على الأرض الجرز التي لا نبات فيها ، وهي هامدة يابسة سوداء قحلة ، ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) [ الحج : 5 ] .وقوله : ( فتصبح الأرض مخضرة ) ، الفاء هاهنا للتعقيب ، وتعقيب كل شيء بحسبه ، كما قال : ( خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ) [ المؤمنون : 14 ] ، وقد ثبت في الصحيحين : " أن بين كل شيئين أربعين يوما " ومع هذا هو معقب بالفاء ، وهكذا هاهنا قال : ( فتصبح الأرض مخضرة ) أي : خضراء بعد يبسها ومحولها .وقد ذكر عن بعض أهل الحجاز : أنها تصبح عقب المطر خضراء ، فالله أعلم .وقوله : ( إن الله لطيف خبير ) أي : عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب وإن صغر ، لا يخفى عليه خافية ، فيوصل إلى كل منه قسطه من الماء فينبته به ، كما قال لقمان : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ) [ لقمان : 16 ] ، وقال : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ) [ النمل : 25 ] ، وقال تعالى : ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) [ الأنعام : 59 ] ، وقال ( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ) الآية [ يونس : 61 ] ; ولهذا قال أمية بن [ أبي ] الصلت أو : زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته :وقولا له : من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا؟ ويخرج منه حبه في رءوسهففي ذاك آيات لمن كان واعيا
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبيرقوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة دليل على كمال قدرته ؛ أي من قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت ؛ كما قال الله - عز وجل - : فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت . ومثله كثير . ( فتصبح ) ليس بجواب فيكون منصوبا ، وإنما هو خبر عند الخليل وسيبويه . قال الخليل : المعنى انتبه ! أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا ؛ كما قال [ جميل بن عبد الله ] :ألم تسأل الربع القواء فينطق وهل تخبرنك اليوم بيداء سملقمعناه قد سألته فنطق . وقيل استفهام تحقيق ؛ أي قد رأيت ، فتأمل كيف تصبح ! أو عطف لأن المعنى ألم تر أن الله ينزل . وقال الفراء : ( ألم تر ) خبر ؛ كما تقول في الكلام : اعلم أن الله - عز وجل - ينزل من السماء ماء . فتصبح الأرض مخضرة أي ذات خضرة ؛ كما تقول : مبقلة ومسبعة ؛ أي ذات بقل وسباع . وهو عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة . قال ابن عطية : وروي عن عكرمة أنه قال : هذا لا يكون إلا بمكة وتهامة . ومعنى هذا : أنه أخذ قوله : ( فتصبح ) مقصودا به صباح ليلة المطر وذهب إلى أن ذلك الاخضرار يتأخر في سائر البلاد ، وقد شاهدت هذا السوس الأقصى نزل المطر ليلا بعد قحط أصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف رقيق . إن الله لطيف خبير قال ابن عباس : ( خبير ) بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر . ( لطيف ) بأرزاق عباده . وقيل : لطيف باستخراج النبات من الأرض ، خبير بحاجتهم وفاقتهم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: ( أَلَمْ تَرَ ) يا محمد ( أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) يعني مطرا( فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً ) بما ينبت فيها من النبات ( إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ ) باستخراج النبات من الأرض بذلك الماء وغير ذلك من ابتداع ما شاء أن يبتدعه (خَبِيرٌ) بما يحدث عن ذلك النبت من الحبّ، وبه قال: ( فَتُصْبِحُ الأرْضُ ) فرفع, وقد تقدمه قوله: ( أَلَمْ تَرَ ) وإنما قيل ذلك كذلك لأن معنى الكلام الخبر, كأنه قيل: اعلم يا محمد أن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض; ونظير ذلك قول الشاعر:أَلَمْ تَسْأَلِ الرّبْعَ القَدِيمَ فيَنْطِقُوهلْ تُخْبِرَنْكَ اليوْمَ بَيْداءُ سَمْلَقُ (1)لأن معناه: قد سألته فنطق.------------------------الهوامش:(1) البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذري ( خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 3 : 602 ) وهو شاهد عند النحاة ، على أن ما بعد الفاء قد يبقى على رفعه قليلا ، وهو مستأنف . قال : وأنشد سيبويه هذا البيت وقال : لم يجعل الأول سبب الآخر ، ولكنه جعله ينطلق على كل حال ، كأنه قال : وهو مما ينطق . وقال أبو جعفر النحاس : عن أبي إسحاق ، قال : إنه تقرير ، معناه إنك سألته ، فيقبح النصب . قلت : أي لأن الاستفهام قبله ليس محضا ، وإنما هو للتقرير ، فيشبه الخبر ، وهو نحو ما قال المؤلف : معناه : قد سألته فنطق . ورواية البيت في الخزانة : " القواء " في موضع القديم ، وهو الذي خلا ممن يسكنه . ورفع الفعل ينطق نظير الفعل تصبح في قوله تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ) .
﴿ ألم تر أن الله أنـزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير ﴾