القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 81 سورة هود - قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا

سورة هود الآية رقم 81 : سبع تفاسير معتمدة

سورة قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا - عدد الآيات 123 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 81 من سورة هود عدة تفاسير - سورة هود : عدد الآيات 123 - - الصفحة 230 - الجزء 12.

سورة هود الآية رقم 81


﴿ قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ ﴾
[ هود: 81]

﴿ التفسير الميسر ﴾

قالت الملائكة: يا لوط إنَّا رسل ربك أَرْسَلَنا لإهلاك قومك، وإنهم لن يصلوا إليك، فاخرج من هذه القرية أنت وأهلك ببقية من الليل، ولا يلتفت منكم أحد وراءه؛ لئلا يرى العذاب فيصيبه، لكنَّ امرأتك التي خانتك بالكفر والنفاق سيصيبها ما أصاب قومك من الهلاك، إن موعد هلاكهم الصبح، وهو موعد قريب الحلول.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك» بسوء «فأسرِ بأهلك بقطع» طائفة «من الليل ولا يلتفت منكم أحد» لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم «إلا امرأتُك» بالرفع بدل من أحد وفي قراءة بالنصب استثناء من الأهل أي فلا تسر بها «إنه مصيبها ما أصابهم» فقيل لم يخرج بها وقيل خرجت والتفتت فقالت واقوماه فجاءها حجر فقتلها، وسألهم عن وقت هلاكهم فقالوا «إن موعدهم الصبح» فقال أريد أعجل من ذلك قالوا «أليس الصبح بقريب».

﴿ تفسير السعدي ﴾

قَالُوا له: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ أي: أخبروه بحالهم ليطمئن قلبه، لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بسوء.
ثم قال جبريل بجناحه، فطمس أعينهم، فانطلقوا يتوعدون لوطا بمجيء الصبح، وأمر الملائكة لوطا، أن يسري بأهله بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ أي: بجانب منه قبل الفجر بكثير، ليتمكنوا من البعد عن قريتهم.
وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أي: بادروا بالخروج، وليكن همكم النجاة ولا تلتفتوا إلى ما وراءكم.
إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا من العذاب مَا أَصَابَهُمُ لأنها تشارك قومها في الإثم، فتدلهم على أضياف لوط، إذا نزل به أضياف.
إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ فكأن لوطا، استعجل ذلك، فقيل له: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ

﴿ تفسير البغوي ﴾

( قالوا يا لوط ) إن ركنك لشديد ، ( إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) فافتح الباب ودعنا وإياهم ، ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل ربه عز وجل في عقوبتهم ، فأذن له ، فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه وعليه وشاح من در منظوم ، وهو براق الثنايا ، أجلى الجبين ، ورأسه حبك مثل المرجان ، كأنه الثلج بياضا وقدماه إلى الخضرة ، فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم ، فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم ، فانصرفوا وهم يقولون : النجاء النجاء ، فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض سحرونا ، وجعلوا يقولون : يا لوط كما أنت حتى تصبح فسترى ما تلقى منا غدا .
يوعدونه ، فقال لوط للملائكة : متى موعد إهلاكهم؟ فقالوا : الصبح ، فقال : أريد أسرع من ذلك فلو أهلكتموهم الآن ، فقالوا ( أليس الصبح بقريب ) ثم قالوا ، ( فأسر ) يا لوط ، ( بأهلك ) .
قرأ أهل الحجاز " فاسر " و " أن اسر " بوصل الألف حيث وقع في القرآن من سرى يسري ، وقرأ الباقون بقطع الألف من أسرى يسري ، ومعناهما واحد وهو المسير بالليل .
( بقطع من الليل ) قال ابن عباس : بطائفة من الليل .
وقال الضحاك : ببقية .
وقال قتادة : بعد مضي أوله وقيل : إنه السحر الأول .
( ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو : " امرأتك " برفع التاء على الاستثناء من الالتفات ، أي : لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها تلتفت فتهلك ، وكان لوط قد أخرجها معه ونهى من تبعه ، ممن أسرى بهم أن يلتفت ، سوى زوجته ، فإنها لما سمعت هدة العذاب التفتت ، وقالت : يا قوماه ، فأدركها حجر فقتلها .
وقرأ الآخرون : بنصب التاء على الاستثناء من الإسراء ، أي : فأسر بأهلك إلا امرأتك فلا تسر بها وخلفها مع قومها ، فإن هواها إليهم ، وتصديقه قراءة ابن مسعود " فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك ولا يلتفت منكم أحد " .
( إنه مصيبها ما أصابهم ) من العذاب ، ( إن موعدهم الصبح ) أي : موعد هلاكهم وقت الصبح ، فقال لوط : أريد أسرع من ذلك ، فقالوا ( أليس الصبح بقريب ) .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وهنا- وبعد أن بلغ الضيق بلوط ما بلغ- كشف له الملائكة عن حقيقتهم، وبشروه بما يدخل الطمأنينة على قلبه قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ أى: إنا رسل ربك أرسلنا إليك لنخبرك بهلاكهم، فاطمئن فإنهم لن يصلوا إليك بسوء في نفسك أو فينا.
روى أن الملائكة لما رأوا ما لقيه لوط- عليه السلام- من الهم والكرب بسببهم قالوا له: يا لوط إن ركنك لشديد .
.
.
ثم ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم، فارتدوا على أدبارهم يقولون النجاء، وإليه الإشارة بقوله- تعالى- في سورة القمر: وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ.
وقوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ أى: فاخرج من هذه القرية مصحوبا بالمؤمنين من أهلك في جزء من الليل يكفى لابتعادك عن هؤلاء المجرمين.
قال القرطبي: قرئ «فاسر وفأسر بوصل الهمزة وقطعها لغتان فصيحتان.
قال- تعالى- وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ وقال سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ .
.
.
وقيل «فأسر» بالقطع تقال لمن سار من أول الليل.
.
وسرى لمن سار في آخره، ولا يقال في النهار إلا سار .
.
.
» .
وقوله: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ .
.
.
معطوف على ما قبله وهو قوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ.
.
.
.
أى: فأسر بأهلك في جزء من الليل، ولا يلتفت منكم أحد إلى ما وراءه، اتقاء لرؤية العذاب، إِلَّا امْرَأَتَكَ يا لوط فاتركها ولا تأخذها معك لأنها كافرة خائنة، ولأنها سيصيبها العذاب الذي سينزل بهؤلاء المجرمين.
فيهلكها معهم.
قال الإمام الرازي ما ملخصه: قوله إِلَّا امْرَأَتَكَ قرأ ابن كثير وأبو عمرو إِلَّا امْرَأَتَكَ بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.
قال الواحدي: من نصب فقد جعلها مستثناة من الأهل، على معنى: فأسر بأهلك إلا امرأتك أى فلا تأخذها معك .
.
.
وأما الذين رفعوا فالتقدير: ولا يلتفت منكم أحد لكن امرأتك تلتفت فيصيبها ما أصابهم.
روى عن قتادة أنه قال: إنها كانت مع لوط حين خرج من القرية، فلما سمعت العذاب التفتت وقالت وا قوماه فأصابها حجر فأهلكها» .
وقوله- سبحانه- إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ بشارة أخرى للوط- عليه السلام- الذي تمنى النصرة على قومه.
أى: إن موعد هلاك هؤلاء المجرمين يبتدئ من طلوع الفجر وينتهى مع طلوع الشمس، أليس الصبح بقريب من هذا الوقت الذي نحدثك فيه؟قال- تعالى- في سورة الحجر: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ أى: وهم داخلون في وقت الشروق.
فكان ابتداء العذاب عند طلوع الصبح وانتهاؤه وقت الشروق.
والجملة الكريمة إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ .
.
.
كالتعليل للأمر بالإسراء بأهله بسرعة، أو جواب عما جاش بصدره من استعجاله العذاب لهؤلاء المجرمين.
والاستفهام في قوله- سبحانه- أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ للتقرير أى: بلى إنه لقريب.
قال الآلوسى: روى أنه- عليه السلام- سأل الملائكة عن موعد هلاك قومه فقالوا له موعدهم الصبح.
فقال: أريد أسرع من ذلك.
فقالوا له أليس الصبح بقريب.
ولعله إنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ أفظع، ولأنه أنسب بكون ذلك عبرة للناظرين .

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

( قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل ، وأن يتبع أدبارهم ، أي : يكون ساقة لأهله ، ( ولا يلتفت منكم أحد ) أي : إذا سمعت ما نزل بهم ، ولا تهولنكم تلك الأصوات المزعجة ، ولكن استمروا ذاهبين [ كما أنتم ] .( إلا امرأتك ) قال الأكثرون : هو استثناء من المثبت وهو قوله : ( فأسر بأهلك ) تقديره ( إلا امرأتك ) وكذلك قرأها ابن مسعود ونصب هؤلاء امرأتك; لأنه من مثبت ، فوجب نصبه عندهم .وقال آخرون من القراء والنحاة : هو استثناء من قوله : ( ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ) فجوزوا الرفع والنصب ، وذكر هؤلاء [ وغيرهم من الإسرائيليات ] أنها خرجت معهم ، وأنها لما سمعت الوجبة التفتت وقالت واقوماه . فجاءها حجر من السماء فقتلها .ثم قربوا له هلاك قومه تبشيرا له; لأنه قال لهم : " أهلكوهم الساعة " ، فقالوا : ( إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) هذا وقوم لوط وقوف على الباب وعكوف قد جاءوا يهرعون إليه من كل جانب ، ولوط واقف على الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه ، وهم لا يقبلون منه ، بل يتوعدونه ، فعند ذلك خرج عليهم جبريل ، عليه السلام ، فضرب وجوههم بجناحه ، فطمس أعينهم ، فرجعوا وهم لا يهتدون الطريق ، كما قال تعالى : ( ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر [ ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر فذوقوا عذابي ونذر ] ) [ القمر : 37 - 39 ] .وقال معمر ، عن قتادة ، عن حذيفة بن اليمان قال : كان إبراهيم - عليه السلام - يأتي قوم لوط ، فيقول : أنهاكم الله أن تعرضوا لعقوبته ؟ فلم يطيعوه ، حتى إذا بلغ الكتاب أجله [ لمحل عذابهم وسطوات الرب بهم قال ] انتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له ، فدعاهم إلى الضيافة فقالوا : إنا ضيوفك الليلة ، وكان الله قد عهد إلى جبريل ألا يعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة ، ذكر ما يعمل قومه من الشر [ والدواهي العظام ] ، فمشى معهم ساعة ، ثم التفت إليهم فقال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض شرا منهم . أين أذهب بكم ؟ إلى قومي وهم [ من ] أشر خلق الله ، فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال : احفظوها هذه واحدة . ثم مشى معهم ساعة ، فلما توسط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم قال : أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض أشر منهم ، إن قومي أشر خلق الله . فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال : احفظوا ، هاتان اثنتان ، فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء منهم وشفقة عليهم فقال إن قومي أشر من خلق الله ؟ أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرا منهم . فقال جبريل للملائكة : احفظوا ، هذه ثلاث ، قد حق العذاب . فلما دخلوا ذهبت عجوز السوء فصعدت فلوحت بثوبها ، فأتاها الفساق يهرعون سراعا ، قالوا : ما عندك ؟ قالت : ضيف لوط قوما ما رأيت قط أحسن وجوها منهم ، ولا أطيب ريحا منهم . فهرعوا يسارعون إلى الباب ، فعالجهم لوط على الباب ، فدافعوه طويلا هو داخل وهم خارج ، يناشدهم الله ويقول : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) فقام الملك فلز بالباب - يقول فسده - واستأذن جبريل في عقوبتهم ، فأذن الله له ، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء ، فنشر جناحه . ولجبريل جناحان ، وعليه وشاح من در منظوم ، وهو براق الثنايا ، أجلى الجبين ، ورأسه حبك حبك مثل المرجان وهو اللؤلؤ ، كأنه الثلج ، ورجلاه إلى الخضرة . فقال يا لوط : ( إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) امض يا لوط عن الباب ودعني وإياهم ، فتنحى لوط عن الباب ، فخرج إليهم ، فنشر جناحه ، فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم ، فصاروا عميا لا يعرفون الطريق [ ولا يهتدون بيوتهم ] ثم أمر لوط فاحتمل بأهله في ليلته قال : ( فأسر بأهلك بقطع من الليل ) .وروي عن محمد بن كعب [ القرظي ] وقتادة ، والسدي نحو هذا .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : قالوا يا لوط إنا رسل ربك لما رأت الملائكة حزنه واضطرابه ومدافعته عرفوه بأنفسهم ، فلما علم أنهم رسل مكن قومه من الدخول ، فأمر جبريل - عليه السلام - يده على أعينهم فعموا ، وعلى أيديهم فجفت .
" لن يصلوا إليك " أي بمكروه" فأسر بأهلك " قرئ " فاسر " بوصل الألف وقطعها ; لغتان فصيحتان .
قال الله تعالى : " والليل إذا يسر " وقال : " سبحان الذي أسرى " وقال النابغة : فجمع بين اللغتين :أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البردوقال الآخر :حي النضيرة ربة الخدر أسرت إليك ولم تكن تسريوقد قيل : " فأسر " بالقطع إذا سار من أول الليل ، وسرى إذا سار من آخره ; ولا يقال في النهار إلا سار .
وقال لبيد :إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه قضى عملا والمرء ما عاش عاملوقال عبد الله بن رواحة :عند الصباح يحمد القوم السرى وتنجلي عنهم غيابات الكرى" بقطع من الليل " قال ابن عباس : بطائفة من الليل .
الضحاك : ببقية من الليل .
قتادة : بعد مضي صدر من الليل .
الأخفش : بعد جنح من الليل .
ابن الأعرابي : بساعة من الليل .
وقيل : بظلمة من الليل .
وقيل : بعد هدء من الليل .
وقيل : هزيع من الليل .
وكلها متقاربة ; وقيل : إنه نصف الليل ; مأخوذ من قطعه نصفين ; ومنه قول الشاعر :ونائحة تنوح بقطع ليل على رجل بقارعة الصعيدفإن قيل : السرى لا يكون إلا بالليل ، فما معنى بقطع من الليل ؟ فالجواب : أنه لو لم يقل : بقطع من الليل جاز أن يكون أوله .
" ولا يلتفت منكم أحد " أي لا ينظر وراءه منكم أحد ; قاله مجاهد .
ابن عباس : لا يتخلف منكم أحد .
علي بن عيسى لا يشتغل منكم أحد بما يخلفه من مال أو متاع .
" إلا امرأتك " بالنصب ; وهي القراءة الواضحة البينة المعنى ; أي فأسر بأهلك إلا امرأتك .
وكذا في قراءة ابن مسعود فأسر بأهلك إلا امرأتك فهو استثناء من الأهل .
وعلى هذا لم يخرج بها معه .
وقد قال الله - عز وجل - : كانت من الغابرين أي من الباقين .
وقرأ أبو عمرو وابن كثير : " إلا امرأتك " بالرفع على البدل من أحد .
وأنكر هذه القراءة جماعة منهم أبو عبيد ; وقال : لا يصح ذلك إلا برفع " يلتفت " ويكون نعتا ; لأن المعنى يصير - إذا أبدلت وجزمت - أن المرأة أبيح لها الالتفات ، وليس المعنى كذلك .
قال النحاس : وهذا الحمل من أبي عبيد وغيره على مثل أبي عمرو مع جلالته ومحله من العربية لا يجب أن يكون ; والرفع على البدل له معنى صحيح ، والتأويل له على ما حكىمحمد بن الوليد عن محمد بن يزيد أن يقول الرجل لحاجبه : لا يخرج فلان ; فلفظ النهي لفلان ومعناه للمخاطب ; أي لا تدعه يخرج ; ومثله قولك : لا يقم أحد إلا زيد ; يكون معناه : انههم عن القيام إلا زيدا ; وكذلك النهي للوط ولفظه لغيره ; كأنه قال : انههم لا يلتفت منهم أحد إلا امرأتك ، ويجوز أن يكون استثناء من النهي عن الالتفات لأنه كلام تام ; أي لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها تلتفت وتهلك ، وأن لوطا خرج بها ، ونهى من معه ممن أسرى بهم ألا يلتفت ، فلم يلتفت منهم أحد سوى زوجته ; فإنها لما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت : واقوماه ! فأدركها حجر فقتلها .
" إنه مصيبها " أي من العذاب ، والكناية في " إنه " ترجع إلى الأمر والشأن ; أي فإن الأمر والشأن والقصةمصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح لما قالت الملائكة : إنا مهلكو أهل هذه القرية قال لوط : الآن الآن .
استعجلهم بالعذاب لغيظه على قومه ; فقالوا : " أليس الصبح بقريب " وقرأ عيسى بن عمر " أليس الصبح " بضم الباء وهي لغة .
ويحتمل أن يكون جعل الصبح ميقاتا لهلاكهم ; لأن النفوس فيه أودع ، والناس فيه أجمع .
وقال بعض أهل التفسير : إن لوطا خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر ; وأن الملائكة قالت له : إن الله قد وكل بهذه القرية ملائكة معهم صوت رعد ، وخطف برق ، وصواعق عظيمة ، وقد ذكرنا لهم أن لوطا سيخرج فلا تؤذوه ; وأمارته أنه لا يلتفت ، ولا تلتفت ابنتاه فلا يهولنك ما ترى .
فخرج لوط وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا ووصل إلى إبراهيم .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت الملائكة للوط، لما قال لوط لقومه لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، ورأوا ما لقي من الكرب بسببهم منهم: (يا لوط إنا رسل ربك) ، أرسلنا لإهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه، فهوّن عليك الأمر ، (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، يقول: فاخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل.
(45)* * *يقال منه: " أسرى " و " سرى "، وذلك إذا سار بليل ، (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك).
* * *واختلفت القراءة في قراءة قوله: (فأسر) .
فقرأ ذلك عامة قراء المكيين والمدنيين: " فَاسْرِ"، وصلٌ بغير همز الألف ، من " سرى ".
* * *وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة: (فَأَسْرِ) بهمز الألف ، من " أسرى " .
* * *قال أبو جعفر: والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان، قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة، وهما لغتان مشهورتان في العرب ، معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك.
* * *وأما قوله: (إلا امرأتك) ، فإن عامَّة القراء من الحجاز والكوفة، وبعض أهل البصرة، قرأوا بالنصب (إلا امْرَأَتَكَ) ، بتأويل: فأسر بأهلك إلا امرأتك، وعلى أن لوطًا أمر أن يسري بأهله سوى زوجته، فإنه نهي أن يسري بها، وأمر بتخليفها مع قومها.
* * *وقرأ ذلك بعض البصريين: (إلا امْرَأَتُكَ) ، رفعًا ، بمعنى: ولا يلتفت منكم أحد ، إلا امرأتك ، فإن لوطًا قد أخرجها معه، وإنه نهي لوط ومن معه ممن أسرى معه أن يلتفت سوى زوجته، وأنها التفتت فهلكت لذلك.
* * *وقوله: (إنه مصيبها ما أصابهم) ، يقول: إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب ، (إن موعدهم الصبح) ، يقول: إن موعد قومك الهلاك الصبح.
فاستبطأ ذلك منهم لوط وقال لهم: بلى عجِّلوا لهم الهلاك ! فقالوا: (أليس الصبح بقريب) أي عند الصبح نزولُ العذاب بهم، كما:-18407- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (أليس الصبح بقريب) ، أي : إنما ينزل بهم من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك :-18408- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: فمضت الرُّسُل من عند إبراهيم إلى لوط، فلما أتوا لوطًا، وكان من أمرهم ما ذكر الله، قال جبريل للوط: يا لوط ، إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ، فقال لهم لوط: أهلكوهم الساعة ! فقال له جبريل عليه السلام: (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) ؟ فأنزلت على لوط: (أليس الصبح بقريب) ، قال: فأمره أن يسري بأهله بقطع من الليل، ولا يلتفت منهم أحد إلا امرأته، قال: فسار، فلما كانت الساعة التي أهلكوا فيها ، أدخل جبريل جناحَه فرفعها ، حتى سمع أهلُ السماء صياح الديكة ونباحَ الكلاب، فجعل عاليها سافلَها، وأمطر عليها حجارة من سجِّيل.
قال: وسمعت امرأة لوط الهَدَّة، فقالت: واقوماه ! فأدركها حَجَرٌ فقتَلها.
(46)18409- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية قال: كان لوط أخذ على امرأته أن لا تذيع شيئًا من سرّ أضيافه.
قال: فلما دخل عليه جبريل ومن معه، رأتهم في صورة لم تر مثلها قطُّ ، فانطلقت تسعى إلى قومها، فأتت النادي فقالتْ بيدها هكذا، وأقبلوا يهرعون مشيا بين الهرولة والجمز، فلما انتهوا إلى لوط ، قال لهم لوطٌ ما قال الله في كتابه.
قال جبريل: (يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) ، قال: فقال بيده، (47) فطمس أعينهم، فجعلوا يطلبونهم، يلمسون الحيطان وهم لا يبصرون.
(48)18410- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حذيفة قال: لما بَصُرت بهم ، يعني بالرسل ، عجوزُ السَّوء امرأتُه، انطلقت فأنذرتهم، فقالت: قد تضيَّف لوطًا قوم، (49) ما رأيت قومًا أحسن وجوهًا ! ، قال: ولا أعلمه إلا قالت: ولا أشد بياضًا وأطيبَ ريحًا ! قال: فأتوه يُهْرعون إليه، كما قال الله، فأصْفق لوط البابَ.
قال: فجعلوا يعالجونه.
قال: فاستأذن جبريل ربَّه في عقوبتهم، فأذن له، فصفقهم بجناحه، فتركهم عميانًا يتردَّدون في أخبث ليلة أتت عليهم قطُّ .
(50)فأخبروه : (إنا رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، قال: ولقد ذكر لنا أنه كانت مع لوط حين خرج من القرية امرأته، ثم سمعت الصوت، فالتفتت، وأرسل الله عليها حجرًا فأهلكها.
وقوله: (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) ، فأراد نبيُّ الله ما هو أعجل من ذلك، فقالوا : (أليس الصبح بقريب )؟ (51)18411- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا الحكم بن بشير قال ، حدثنا عمرو بن قيس الملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة قال: انطلقت امرأته ، يعني امرأة لوط ، حين رأتهم ، يعني حين رأت الرسل ، إلى قومها فقالت: إنه قد ضافه الليلة قوم ما رأيت مثلَهم قط، أحسنَ وجوهًا ولا أطيبَ ريحًا ! فجاؤوا يُهرعون إليه، فبادرهم لوط إلى أن يزحمهم على الباب، (52) فقال: هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ، فقالوا: أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ، (53) فدخلوا على الملائكة، فتناولتهم الملائكة وطمست أعينهم، فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة سحرونا، كما أنت حتى تصبح ! قال: واحتمل جبريل قَرْيات لوط الأربع، في كل قرية مائة ألف، فرفعهم على جناحه بين السماء والأرض، حتى سمع أهل السماء الدنيا أصواتَ ديكتهم، ثم قلبَهم، فجعل الله عاليها سافَلها.
(54)18412- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال حذيفة: لما دخلوا عليه، ذهبت عَجُوزه عجوزُ السوء، فأتت قومها فقالت: لقد تضيَّف لوطًا الليلة قومٌ ما رأيت قومًا قطُّ أحسنَ وجوهًا منهم ! قال: فجاؤوا يسرعون، (55) فعاجلَهم إلى لوط، (56) فقام ملك فلزَّ الباب ، يقول: فسدّه ، واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن له، فضربهم جبريل بجناحه، فتركهم عميانًا، فباتوا بشرّ ليلة، ثم قالوا (إنا رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) ، قال: فبلغنا أنها سمعت صوتًا، فالتفتت فأصابها حجر، وهى شاذَّة من القوم معلومٌ مكانها.
(57)18413- حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن حذيفة بنحوه، إلا أنه قال: فعاجلهم لوط.
(58)18414- حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط، عن السدي قال، لما قال لوط: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، بسط حينئذ جبريل عليه السلام جناحيه، ففقأ أعينهم، وخرجوا يدوس بعضُهم في أدبار بعض عميانًا يقولون: " النَّجَاءَ النجاء! فإن في بيت لوط أسحرَ قوم في الأرض " ! فذلك قوله: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ، [سورة القمر: 37] .
وقالوا للوط: (إنا رسل ربِّك لن يصلوا إليك فأسرْ بأهْلكَ بقطع منَ اللَّيْل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها)، وَاتبع أدبارَ أهلك (59) ، يقول: سرْ بهم ، وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ، فأخرجهم الله إلى الشام.
وقال لوط: أهلكوهم الساعة! فقالوا: إنا لم نؤمر إلا بالصُّبح، أليس الصبح بقريب؟ فلما أن كان السَّحَر ، خرج لوط وأهله معه امرأته، (60) فذلك قوله: إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ، [سورة القمر: 34].
(61)18415- حدثني المثني قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد : أنه سمع وهب بن منبه يقول: كانَ أهل سدوم الذين فيهم لوط ، قومًا قد استغنوا عن النساء بالرجال ، فلما رأى الله ذلك [منهم]، (62) بعث الملائكة ليعذبوهم، فأتوا إبراهيم، وكان من أمره وأمرهم ما ذكر الله في كتابه.
فلما بشروا سارَة بالولد، قاموا وقام معهم إبراهيم يمشي، قال: أخبروني لم بعثتم ؟ وما خطبكم؟ قالوا: إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمرها، وإنهم قوم سَوء قد استغنوا بالرجال عن النساء.
قال إبراهيم: [أرأيتم] إن كان فيهم خمسون رجلا صالحًا؟ (63) قالوا: إذًا لا نعذبهم! فجعل ينقص حتى قال أهل بَيْت ؟ (64) قالوا: فإن كان فيها بيت صالح! قال: فلوط وأهل بيته؟ قالوا: إن امرأته هَوَاها معهم! فلما يَئس إبراهيم انصرف .
ومضوا إلى أهل سدوم، فدخلوا على لوط ، فلما رأتهم امرأته أعجبها حسنهم وجمالهم، فأرسلت إلى أهل القرية إنه قد نزل بنا قومٌ لم يُرَ قومٌ قطُّ أحسن منهم ولا أجمل ! (65) فتسامعوا بذلك، فغشُوا دار لُوط من كل ناحية وتسوَّروا عليهم الجدران.
(66) فلقيهم لوط فقال: يا قوم لا تفضحون في ضيفي، وأنا أزوّجكم بناتي ، فهن أطهر لكم ! فقالوا: لو كنَّا نُريد بناتك ، لقد عرفنا مكانهن! فقال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ! فوجد عليه الرسل وقالوا: إن ركنك لشديد، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ! فمسح أحدهم أعينهم بجناحيه، فطمس أبصارَهم فقالوا: سُحِرْنا، انصرفوا بنا حتى نرجع إليه ! فكان من أمرهم ما قد قصَّ الله تعالى في القرآن.
(67) فأدخل ميكائيل ، وهو صاحبُ العذاب ، جناحه حتى بلغ أسفل الأرض، فقلبها، ونزلت حجارة من السماء، فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانُوا، فأهلكهم الله، ونجّى لوطًا وأهله، إلا امرأته.
(68)18416- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، وعن أبي بكر بن عبد الله ، وأبو سفيان، عن معمر ، عن قتادة، عن حذيفة، دخل حديث بعضهم في بعض قال: كان إبراهيم عليه السلام يأتيهم فيقول: ويحكم أنهاكم عن الله أن تعرَّضوا لعقوبته! فلم يطيعوا ، حتى إذا بلغ الكتاب أجلَه ، لمحل عذابهم وسطوات الرّبّ بهم.
قال: فانتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له، فدعاهم إلى الضيافة، فقالوا: إنَّا مُضيِّفوك الليلة ! وكان الله تعالى عهد إلى جبريل عليه السلام أن لا يُعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات .
فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة، ذكر ما يعمل قومه من الشَّرّ والدواهي العظام، فمشى معهم ساعةً، ثم التفت إليهم، فقال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرضِ شرًّا منهم! أين أذهب بكم ؟ إلى قومي وهم شرُّ من خَلَقَ الله ! (69) فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال: احفظوا هذه واحدة ! ثم مشى ساعةً ، فلما توسَّط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم، قال: أما تعلمون ما يعملُ أهل هذه القرية؟ وما أعلم على وجه الأرض شرًّا منهم، إن قومي شر خلق الله ! فالتفت جبريل إلى الملائكة، فقال: احفظوا ، هاتان ثنتان ! فلما انتهى إلى باب الدار بكَى حياءً منهم وشفقة عليهم ، وقال: إن قومي شرُّ خلق الله، أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرا منهم ! فقال جبريل للملائكة: احفظوا هذه ثلاثٌ، قد حُقَّ العذاب! فلما دخلوا ذهبت عجوزُه، عجُوز السَّوء، فصعدت فلوحت بثوبها، فأتاها الفساق يهرعون سراعًا، قالوا: ما عندك؟ قالت: ضيَّف لوطًا الليلة قومٌ ما رأيت أحسنَ وجوهًا منهم ولا أطيب ريحًا منهم ! فهُرِعوا يسارعون إلى الباب، (70) فعاجلهم لوط على الباب، فدافعوه طويلا هو داخل وهم خارج، يناشدهم الله ويقول: هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ، فقام الملك فلزَّ الباب ، يقول: فسَدّه ، واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن الله له، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء، فنشر جناحه، ولجبريل جناحان، وعليه وشاح من درّ منظوم، وهو براق الثنايا أجلَى الجبين، ورأسه حُبُك، مثل المرجان ، (71) وهو اللؤلؤ، كأنه الثلج، وقدماه إلى الخضرة ، فقال: يا لوط ، (إنَّا رسل ربك لن يصلوا إليك) ، أمِطْ ، يا لوط ، من الباب ودعني وإياهم .
(72) فتنحى لوط عن الباب، فخرج عليهم ، فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربةً شَدَخ أعينهم ، (73) فصاروا عميًا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم.
ثم أمر لوطًا فاحتمل بأهله من ليلته، قال: (فأسر بأهلك بقطع من الليل).
18417- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قال لوط لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، والرسل تسمع ما يقول وما يُقال له ، ويرون ما هو فيه من كرْب ذلك.
فلما رأوا ما بلغه قالوا : (يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) ، أي : بشيء تكرهه ، (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) ، أي إنما ينزل بهم العذاب من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.
18418-.
.
.
.
قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدَّث.
أن الرسل عند ذلك سَفَعُوا في وجوه الذين جاؤوا لوطًا من قومه يراودونه عن ضيفه، (74) فرجعوا عميانًا.
قال: يقول الله: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ [سورة القمر: 37].
18419- حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (بقطع من الليل)، قال: بطائفة من الليل.
18420- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بقطع من الليل)، بطائفة من الليل.
18421- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس قوله: ( بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ) ، قال: جوف الليل ، وقوله: وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ ، يقول: واتبع أدبار أهلك ، ( وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ) (75) [سورة الحجر: 65] .
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-18422- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ولا يلتفت منكم أحد) ، قال: لا ينظر وراءَه أحد ، (إلا امرأتك).
* * *وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلَ إلا امْرَأَتَكَ).
* * *18423- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا حجاج، عن هارون، قال في حرف ابن مسعود: ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلَ إلا امْرَأَتَكَ).
* * *قال أبو جعفر: وهذا يدل على صحة القراءة بالنصب.
------------------------الهوامش:(45) انظر تفسير " القطع " فيما سلف ص : 76 .
(46) الأثر : 18408 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 155 .
(47) " قال بيده " ، أشار بيده وأومأ .
(48) الأثر : 18409 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 155 .
(49) في المطبوعة فقال " إنه تضيف لوطا " ، وفي المخطوطة : " رب تضيف لوط قوم " ، وهو خطأ من الناسخ لا شك فيه وأثبت ما في التاريخ .
(50) في المطبوعة : " في أخبث ليلة ما أتت عليهم .
.
.
" ، كأنه أراد تصويبها ، فأفسدها .
والصواب ما في المخطوطة والتاريخ .
(51) الأثر : 18410 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 155 ، ولم ترد فيه الجملة الأخيرة من الخبر .
(52) في المطبوعة : " يزجهم على الباب " والصواب ما في المخطوطة والتاريخ .
(53) تضمين آيات سورة الحجر : 70 ، 71 .
(54) الأثر : 18411 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 155 ، 156 .
(55) في التاريخ " فجاؤوا يهرعون إليه " .
(56) في المطبوعة : " فعاجلهم لوط " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وأنا في ريب منه ، لأن أبا جعفر لم يرو هذه الجملة في تاريخه ، ولا أدري لم ؟ ولم أشأ أن أغيره ، للخبر الذي يليه ، وهو في التاريخ جمع الإسنادين جميعًا ، وساق هذه الجملة كلها غير هذا السياق .
(57) الأثر : 18412 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 156 ، جمع هذا الإسناد والذي يليه فقال : " .
.
.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال حدثنا محمد بن ثور ، وحدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرازق ، جميعًا ، عن معمر .
.
.
".
(58) الأثر : 18413 - انظر التعليق السالف ، وإن كانت هذه الجملة ، لم ترد في نص روايته في التاريخ .
(59) هذا تضمين للآيات من هذه السورة ، والتي في سورة الحجر : 65 .
(60) في التاريخ : " وأهله معه إلا امرأته " .
(61) الأثر : 18414 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 157 ، مع اختلاف ذكرته آنفا .
وذكر إسناده تامًا غير مختصر ، إلى ابن عباس ، وابن مسعود ، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وهو إسناد دائر في التفسير ، في أوله ، ثم اختصره أبو جعفر بعد .
(62) الزيادة بين القوسين ، من التاريخ .
(63) الزيادة بين القوسين ، من التاريخ .
(64) في المطبوعة والمخطوطة : " أهل البيت " ، والصواب من التاريخ .
(65) في التاريخ : " لم ذر قومًا " .
(66) في التاريخ : " الجدارات " ، وفي المخطوطة : " الجدرات " ، والذي في التاريخ صالح .
(67) في المطبوعة وحدها : " في كتابة " .
(68) الأثر : 18415 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 156 ، 157 ، وانظر التعليق على رقم : 18406 .
(69) في المطبوعة : " شر خلق الله " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(70) في المطبوعة : " مسارعين إلى الباب " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(71) هكذا في المطبوعة ، بأنه يعني " حبك الشعر " ، وهو الجعد المتكسر منه ، وفي المخطوطة " حبل حبل " غير منقوطة ، كأنها " حبل ، حبل " ، يعني الذي ينظم في اللؤلؤ كالتاج .
أو تقرأ " جثل ، جثل " ، وهو من الشعر الكثير الملتف .
والله أعلم .
(72) في المطبوعة : " امض يا لوط " ، غير ما في المخطوطة ، وهو الصواب المحض .
يقال : "ماط عن المكان ، وأماط عنه " ، إذا تنحى .
وفي حديث خيبر أنه أخذ الراية فهزها ، فقال : من يأخذها بحقها ؟ فجاء فلان ، فقال : أنا ! فقال : أمط ! ثم جاء آخر ، فقال : أمط ، أي : تنح أنت واذهب .
(73) هكذا في المطبوعة والمخطوطة : " شدخ أعينهم " ، كأنه من " شدخت الغرة "، إذا غشيت الوجه من أصل الناصية إلى الأنف ، في الفرس .
هذا ، وإلا فإني لا أدري ما هو ؟ .
(74) " سفع وجهه بيده سفعا " لطمه بكفه مبسوطة .
(75) الأثر : 18421 - هذا من تفسير آية سورة الحجر : 65 ، ولم يذكره هناك .

﴿ قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ﴾

قراءة سورة هود

المصدر : تفسير : قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا