القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 90 سورة النساء - إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم

سورة النساء الآية رقم 90 : سبع تفاسير معتمدة

سورة إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم - عدد الآيات 176 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 90 من سورة النساء عدة تفاسير - سورة النساء : عدد الآيات 176 - - الصفحة 92 - الجزء 5.

سورة النساء الآية رقم 90


﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا ﴾
[ النساء: 90]

﴿ التفسير الميسر ﴾

لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فلا تقاتلوهم، وكذلك الذين أتَوا إليكم وقد ضاقت صدورهم وكرهوا أن يقاتلوكم، كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم، فلم يكونوا معكم ولا مع قومهم، فلا تقاتلوهم، ولو شاء الله تعالى لسلَّطهم عليكم، فلقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكن الله تعالى صرفهم عنكم بفضله وقدرته، فإن تركوكم فلم يقاتلوكم، وانقادوا اليكم مستسلمين، فليس لكم عليهم من طريق لقتالهم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«إلا الذين يصلون» يلجئون «إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق» عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم هلال بن عويمر الأسلمي «أو» الذين «جاَءُوكم» وقد «حَصِرَتْ» ضاقت «صدورهم» عن «أن يقاتلوكم» مع قومهم «أو يقاتلوا قومهم» معكم أي ممسكين عن قتالكم وقتالهم فلا تتعرضوا إليهم بأخذ ولا قتل وهذا ما بعده منسوخ بآية السيف «ولو شاء الله» تسليطهم عليكم «لسلطهم عليكم» بأن يقّوي قلوبهم «فلقاتلوكم» ولكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب «فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلَمَ» الصلح أي انقادوا «فما جعل الله لكم عليهم سبيلا» طريقا بالأخذ والقتال.

﴿ تفسير السعدي ﴾

ثم إن الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فِرَق: فرقتين أمر بتركهم وحتَّم [على] ذلك، إحداهما من يصل إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال فينضم إليهم، فيكون له حكمهم في حقن الدم والمال.
والفرقة الثانية قوم حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ أي: بقوا، لا تسمح أنفسهم بقتالكم، ولا بقتال قومهم، وأحبوا ترك قتال الفريقين، فهؤلاء أيضا أمر بتركهم، وذكر الحكمة في ذلك في قوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فإن الأمور الممكنة ثلاثة أقسام: إما أن يكونوا معكم ويقاتلوا أعداءكم، وهذا متعذر من هؤلاء، فدار الأمر بين قتالكم مع قومهم وبين ترك قتال الفريقين، وهو أهون الأمرين عليكم، والله قادر على تسليطهم عليكم، فاقبلوا العافية، واحمدوا ربكم الذي كف أيديهم عنكم مع التمكن من ذلك.
فهؤلاء إن اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا الفرقة الثالثة: قوم يريدون مصلحة أنفسهم بقطع النظر عن احترامكم، وهم الذين قال الله فيهم:

﴿ تفسير البغوي ﴾

( إلا الذين يصلون إلى قوم ) وهذا الاستثناء يرجع إلى القتل لا إلى الموالاة ، لأن موالاة الكفار والمنافقين لا تجوز بحال ، ومعنى ( يصلون ) أي : ينتسبون إليهم ويتصلون بهم ويدخلون فيهم بالحلف والجوار ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريدون ويلجئون إلى قوم ، ( بينكم وبينهم ميثاق ) أي : عهد ، وهم الأسلميون ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر الأسلمي قبل خروجه إلى مكة على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن وصل إلى هلال من قومه وغيرهم ولجأ إليه فلهم من الجوار مثل ما لهلال ، .
وقال الضحاك عن ابن عباس : أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق بني بكر بن زيد بن مناة كانوا في الصلح والهدنة ، وقال مقاتل : هم خزاعة .
وقوله : ( أو جاءوكم ) أي : يتصلون بقوم جاءوكم ، ( حصرت صدورهم ) أي : ضاقت صدورهم ، قرأ الحسن ويعقوب " حصرة " ) منصوبة منونة أي : ضيقة صدورهم ، [ يعني القوم الذين جاءوكم وهم بنو مدلج ، كانوا عاهدوا أن لا يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قريشا أن لا يقاتلوهم ، حصرت : ضاقت صدورهم ] ، ( أن يقاتلوكم ) أي : عن قتالكم للعهد الذي بينكم ، ( أو يقاتلوا قومهم ) يعني : من أمن منهم ، ويجوز أن يكون معناه أنهم لا يقاتلونكم مع قومهم ولا يقاتلون قومهم معكم ، يعنيقريشا قد ضاقت صدورهم لذلك .
وقال بعضهم : أو بمعنى الواو ، كأنه يقول : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم ، أي : حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم ، وهم قوم هلال الأسلميون وبنو بكر ، نهى الله سبحانه عن قتال هؤلاء المرتدين إذا اتصلوا بأهل عهد للمسلمين ، لأن من انضم إلى قوم ذوي عهد فله حكمهم في حقن الدم .
قوله تعالى : ( ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ) يذكر منته على المسلمين بكف بأس المعاهدين ، يقول : إن ضيق صدورهم عن قتالكم لما ألقى الله في قلوبهم من الرعب وكفهم عن قتالكم ، ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم مع قومهم ، ( فإن اعتزلوكم ) أي : اعتزلوا قتالكم ، ( فلم يقاتلوكم ) ومن اتصل بهم ، ويقال : يوم فتح مكة يقاتلوكم مع قومهم ، ( وألقوا إليكم السلم ) أي : الصلح فانقادوا واستسلموا ( فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) أي : طريقا بالقتل والقتال .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

وقوله: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ استثناء من الضمير المنصوب في قوله فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ.
وقوله يَصِلُونَ بمعنى يلتجئون ويتصلون.
الميثاق العهد الموثق.
والمعنى: أن الله- تعالى- يأمركم- أيها المؤمنون- أن تأخذوا وتقتلوا أولئك المنافقين الذين أظهروا كفرهم وتمنوا أن تكونوا مثلهم، وامتنعوا عن الهجرة إلى دياركم، وينهاكم عن موالاتهم وعن الاستعانة بهم، لكنه- سبحانه- قد استثنى من هؤلاء الذين أمركم بأخذهم وقتلهم أناسا التجأوا واستندوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان، لأنهم بهذا الالتجاء قد صار حكمهم كحكم من لجئوا إليهم من حيث الأمان وعدم الاعتداء.
وقد ذكر العلماء أقوالا في المراد من القوم الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد أمان، فقيل:هم الأسلميون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقت خروجه إلى مكة قد وادع هلال بن عويمر الأسلمى على أن لا يعينه ولا يعين عليه، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال.
وقيل هم بنو بكر بن زيد.
وقيل هم خزاعة .
وقوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ عطف على صلة الذين وهو قوله يَصِلُونَ.
ومعنى حصرت: ضاقت وانقبضت ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلام على المتكلم.
ويقال حصر صدره يحصر أى ضاق.
أى: خذوا واقتلوا- أيها المؤمنون- المنافقين الذين أعلنوا كفرهم، ولا تأخذوا ولا تقتلوا الذين التجأوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان، ولا تأخذوا ولا تقتلوا كذلك الذين جاءوا إليكم وقد ضاقت نفوسهم، وانقبضت صدورهم عن قتالكم لأنكم مسلمون كما أنهم قد ضاقت نفوسهم عن قتال قومهم لأنهم منهم، أو لأنهم يخشون قتالهم خوفا على أموالهم أو على ذريتهم أو ذوى أرحامهم.
فأنت ترى أن الاستثناء في قوله إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ قد أخرج من الأخذ والقتل فريقين من الناس:الفريق الأول: هو الذي ترك المحاربين من الأعداء، والتجأ إلى القوم الذين بينهم وبين المسلمين عهد أمان، فإنه بهذا الالتجاء قد صار حكمه كحكم من التجأ إليهم في الأمان.
والفريق الثاني: هو الذي جاء إلى المؤمنين، مسالما وترك قومه، إلا أنه في الوقت نفسه يكره أن يقاتل المسلمين لحبه لهم.
ويكره أن يقاتل قومه لأنهم قومه وعشيرته وأهله أو لأنه لو قاتلهم للحقه الضرر في ماله أو ذريته.
وقوله: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ في موضع نصب على الحال بتقدير قد كما يرى بعضهم.
وبعضهم لا يرى حاجة لتقديرها، لأنه قد جاء الفعل الماضي حالا بغيرها كثيرا.
وقيل هو صفة لموصوف محذوف هو حال من فاعل جاؤ أى: جاءوكم حالة كونهم حصرت صدورهم.
وقوله: أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ مجرور بحرف جر مقدر أى: حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم.
أو هو في محل نصب على أنه مفعول لأجله.
أى حصرت صدورهم كراهة قتالكم أو قتال قومهم.
والمراد بالفريق الثاني بنو مدلج فقد أخرج ابن أبى حاتم عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم فقال: لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأسلم من حولهم، قال: بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بنى مدلج.
فأتيته فقلت: أنشدك النعمة.
بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي.
وأنا أريد أن توادعهم.
فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام.
وإن لم يسلموا لم يحسن تغليب قومك عليهم.
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد فقال: اذهب معه فافعل ما يريد.
فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم، فأنزل الله الآية .
وقوله وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ بيان لمظهر من مظاهر فضل الله ورعايته للمؤمنين.
أى: ولو شاء الله لسلط جميع المشركين عليكم بأن قوى قلوبهم، وجرأهم عليكم، وجعلهم يبرزون لقتالكم صفا واحدا، ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك، بل ألقى الرعب في صفوف أعدائكم، وجعل منهم من يسالمكم ويأتى إليكم موادعا.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف يجوز أن يسلط الله الكفرة على المؤمنين؟ قلت:ما كانت مكافتهم إلا لقذف الرعب في قلوبهم.
ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه.
فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين فذلك معنى التسليط .
وقال القرطبي: قوله- تعالى- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ تسليط الله المشركين على المؤمنين هو بأن يقدرهم على ذلك، ويقويهم إما عقوبة ونقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي.
وإما ابتلاء واختبارا كما قال- تعالى- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ وإما تمحيصا للذنوب كما قال- تعالى- وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا.
ولله أن يفعل ما يشاء ويسلط من يشاء على من يشاء إذا شاء.
ووجه النظم والاتصال بما قبل.
أى: اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إلا أن يهاجروا وإلا أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق فيدخلوا فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم، وإلا الذين جاءوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم فلا تقتلوهم» .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا.
أى: أن هؤلاء الذين استثناهم الله- تعالى- من الأخذ والقتل، اقبلوا مسالمتهم إن اعتزلوا قتالكم فلم يتعرضوا لكم بسوء، وكفوا عن قتالهم إذا ألقوا إليكم السلم، أى: إذا انقادوا للصلح والأمان ورضوا به.
وهم متى فعلوا ذلك فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا أى:فما أذن الله لكم في أخذهم وقتلهم بأى طريق من الطرق التي توصل إلى العدوان عليهم.
وعبر بقوله وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ بدل السلام، للإشارة إلى معنى التسليم لا مجرد الأمن والسلام، لأن السلم يفيد معنى التسليم، فهم ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لأمركم، ودخلوا في طاعتكم.
وفي نفى أن يكون هناك سبيل عليهم، مبالغه في عدم التعرض لهم بسوء لأنه إذا انتفى الوصول إليهم انتفى الاعتداء عليهم من باب أولى.
هذا، ويرى جمهور المفسرين أن الأحكام التي اشتملت عليها هذه الآية الكريمة منسوخة بآية سورة التوبة وهي قوله- تعالى- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ.
قال الجمل: معاهدة المشركين وموادعتهم في هذه الآية منسوخة بآية السيف- وهي قوله «فإذا انسلخ الأشهر الحرم.
الآية» وذلك لأن الله- تعالى- لما أعز الإسلام وأهله أمر أن لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو القتال» .

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

ثم استثنى الله ، سبحانه من هؤلاء فقال : ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) أي : إلا الذين لجئوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنة أو عقد ذمة ، فاجعلوا حكمهم كحكمهم . وهذا قول السدي ، وابن زيد ، وابن جرير .وقد روى ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن : أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال : لما ظهر - يعني صلى الله عليه وسلم - على أهل بدر وأحد ، وأسلم من حولهم قال سراقة : بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي - بني مدلج - فأتيته فقلت : أنشدك النعمة . فقالوا : صه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعوه ، ما تريد ؟ " . قال : بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي ، وأنا أريد أن توادعهم ، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام ، وإن لم يسلموا لم تخشن قلوب قومك عليهم . فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد بن الوليد فقال : " اذهب معه فافعل ما يريد " . فصالحهم خالد على ألا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم ، [ ومن وصل إليهم من الناس كانوا على مثل عهدهم ] فأنزل الله : ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء )ورواه ابن مردويه من طريق حماد بن سلمة ، وقال فأنزل الله : ( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) فكان وصل إليهم كانوا معهم على عهدهم وهذا أنسب لسياق الكلام .وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية فكان من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم ، ومن أحب أن يدخل في صلح محمد وأصحابه وعهدهم .وقد روي عن ابن عباس أنه قال : نسخها قوله : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين [ حيث وجدتموهم ] ) [ التوبة : 5 ] .وقوله : ( أو جاءوكم حصرت صدورهم [ أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ] ) الآية ، هؤلاء قوم آخرون من المستثنين عن الأمر بقتالهم ، وهم الذين يجيئون إلى المصاف وهم حصرة صدورهم أي : ضيقة صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم ، ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم ، بل هم لا لكم ولا عليكم . ( ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ) أي : من لطفه بكم أن كفهم عنكم ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم ) أي : المسالمة ( فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) أي : فليس لكم أن تقتلوهم ، ما دامت حالهم كذلك ، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين ، فحضروا القتال وهم كارهون ، كالعباس ونحوه ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قتل العباس وأمر بأسره .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

فقال إلا الذين يصلون أي يتصلون بهم ويدخلون فيما بينهم من الجوار والحلف ؛ المعنى : فلا تقتلوا قوما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد فإنهم على عهدهم ثم انتسخت العهود فانتسخ هذا .
هذا قول مجاهد وابن زيد وغيرهم ، وهو أصح ما قيل في معنى الآية .
قال أبو عبيد : يصلون ينتسبون ؛ ومنه قول الأعشى :إذا اتصلت قالت لبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغميريد إذا انتسبت .
قال المهدوي : وأنكره العلماء ؛ لأن النسب لا يمنع من قتال الكفار وقتلهم .
وقال النحاس : وهذا غلط عظيم ؛ لأنه يذهب إلى أن الله تعالى حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب ، والمشركون قد كان بينهم وبين السابقين الأولين أنساب ، وأشد من هذا الجهل بأنه كان ثم نسخ ؛ لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له " براءة " وإنما نزلت " براءة " بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب .
وقال معناه الطبري .
قلت : حمل بعض العلماء معنى ينتسبون على الأمان ؛ أي إن المنتسب إلى أهل الأمان آمن إذا أمن الكل منهم ، لا على معنى النسب الذي هو بمعنى القرابة .
واختلف في هؤلاء الذين كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق ؛ فقيل : بنو مدلج .
عن الحسن : كان بينهم وبين قريش عقد ، وكان بين قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد .
وقال عكرمة : نزلت في هلال بن عويمر وسراقة بن جعشم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد .
وقيل : خزاعة .
وقال الضحاك عن ابن عباس : أنه أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق بني بكر بن زيد بن مناة ، كانوا في الصلح والهدنة .
الثالثة : في هذه الآية دليل على إثبات الموادعة بين أهل الحرب وأهل الإسلام إذا كان في الموادعة مصلحة للمسلمين ، على ما يأتي بيانه في " الأنفال " " وبراءة " إن شاء الله تعالى .
الرابعة : أو جاءوكم حصرت صدورهم أي ضاقت .
وقال لبيد :أسهلت وانتصبت كجذع منيفة جرداء يحصر دونها جرامهاأي تضيق صدورهم من طول هذه النخلة ؛ ومنه الحصر في القول وهو ضيق الكلام على المتكلم .
والحصر الكتوم للسر ؛ قال جرير :ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا حصرا بسرك يا أميم ضنيناومعنى " حصرت " " قد حصرت " فأضمرت " قد " ، قال الفراء : وهو حال من المضمر المرفوع في جاءوكم كما تقول : جاء فلان ذهب عقله ، أي قد ذهب عقله .
وقيل : هو خبر بعد خبر قاله الزجاج .
أي جاءوكم ثم أخبر فقال : حصرت صدورهم فعلى هذا يكون حصرت بدلا من جاءوكم كما قيل : حصرت في موضع خفض على النعت لقوم .
وفي حرف أبي " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم " ليس فيه أو جاءوكم .
وقيل : تقديره أو جاءوكم رجالا أو قوما حصرت صدورهم ؛ فهي صفة موصوف منصوب على الحال .
وقرأ الحسن " أو جاءوكم حصرة صدورهم " نص على الحال ، ويجوز رفعه على الابتداء والخبر .
وحكى " أو جاءوكم حصرات صدورهم " ، ويجوز الرفع .
وقال محمد بن يزيد : حصرت صدورهم هو دعاء عليهم ؛ كما تقول : لعن الله الكافر ؛ وقاله المبرد .
وضعفه بعض المفسرين وقال : هذا يقتضي ألا يقاتلوا قومهم ؛ وذلك فاسد ؛ لأنهم كفار وقومهم كفار .
وأجيب بأن معناه صحيح ، فيكون عدم القتال في حق المسلمين تعجيزا لهم ، وفي حق قومهم تحقيرا لهم .
وقيل : أو بمعنى الواو ؛ كأنه يقول : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وجاءوكم ضيقة صدورهم عن قتالكم والقتال معكم فكرهوا قتال الفريقين .
ويحتمل أن يكونوا معاهدين على ذلك فهو نوع من العهد ، أو قالوا نسلم ولا نقاتل ؛ فيحتمل أن يقبل ذلك منهم في أول الإسلام حتى يفتح الله قلوبهم للتقوى ويشرحها للإسلام .
والأول أظهر .
والله أعلم .
أو يقاتلوا في موضع نصب ؛ أي عن أن يقاتلوكم .
الخامسة : قوله تعالى : ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم تسليط الله تعالى المشركين على المؤمنين هو بأن يقدرهم على ذلك ويقويهم إما عقوبة ونقمة عند إذاعة المنكر وظهور المعاصي ، وإما ابتلاء واختبارا كما قال تعالى : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ، وإما تمحيصا للذنوب كما قال تعالى : وليمحص الله الذين آمنوا ولله أن يفعل ما يشاء ويسلط من يشاء على من يشاء إذا شاء .
ووجه النظم والاتصال بما قبل أي اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إلا أن يهاجروا ، وإلا أن يتصلوا بمن بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون فيما دخلوا فيه فلهم حكمهم ، وإلا الذين جاءوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم فلا تقتلوهم .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، فإن تولىَّ هؤلاء المنافقون الذين اختلفتم فيهم عن الإيمان بالله ورسوله، وأبوا الهجرة فلم يهاجروا في سبيل الله، فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، سوى من وَصل منهم إلى قوم بينكم وبينهم مُوادعة وعهد وميثاق، (35) فدخلوا فيهم، وصاروا منهم، ورضوا بحكمهم، فإن لمن وصل إليهم فدخل فيهم من أهل الشرك راضيًا بحكمهم في حقن دمائهم بدخوله فيهم: أن لا تسبى نساؤهم وذراريهم، ولا تغنم أموالهم، كما: -10069- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، يقول: إذا أظهروا كفرهم فاقتلوهم حيث وجدتموهم، فإن أحدٌ منهم دخل في قوم بينكم وبينهم ميثاق، فأجروا عليه مثل ما تجرُون على أهل الذمة.
10070- حدثني يونس، عن ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، يصلون إلى هؤلاء الذين بينكم وبينهم ميثاق من القوم، لهم من الأمان مثل ما لهؤلاء.
10071- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، قال نزلت في هلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك بن جعشم، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف.
(36)* * *وقد زعم بعض أهل العربية، (37) أن معنى قوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم "، إلا الذين يتَّصلون في أنسابهم لقوم بينكم وبينهم ميثاق، من قولهم: " اتّصل الرجل "، بمعنى: انتمى وانتسب، كما قال الأعشى في صفة امرأة انتسبت إلى قوم:إذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ: أَبَكْرَ بنَ وَائِلٍ!وَبَكْرٌ سَبَتْهَا وَالأنُوفُ رَوَاغِمُ! (38)يعني بقوله: " اتصلت "، انتسبت.
* * *قال أبو جعفر: ولا وجه لهذا التأويل في هذا الموضع، لأن الانتساب إلى قوم من أهل الموادعة أو العهد، لو كان يوجب للمنتسبين إليهم ما لهم، إذا لم يكن لهم من العهد والأمان ما لهم، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيقاتل قريشًا وهم أنسباءُ السابقين الأوَّلين.
ولأهل الإيمان من الحق بإيمانهم، أكثر مما لأهل العهد بعهدهم.
وفي قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي قريش= بتركها الدخول فيما دخل فيه أهل الإيمان منهم، مع قرب أنسابهم من أنساب المؤمنين منهم - الدليلُ الواضح أنّ انتساب من لا عهد له إلى ذي العهد منهم، لم يكن موجبا له من العهد ما لذي العهد من انتسابه.
فإن ظن ذو غفلة أن قتال النبيّ صلى الله عليه وسلم من قاتل من أنسباء المؤمنين من مشركي قريش، إنما كان بعد ما نُسخ قوله: " إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق "، فإن أهل التأويل أجمعوا على أن ناسخ ذلك " براءة "، و " براءة " نزلت بعد فتح مكة ودخول قريش في الإسلام.
(39)* * *القول في تأويل قوله : أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " أو جاءوكم حَصِرَت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم "، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ = إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ = أو: إلا الذين جاءوكم منهم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم فدخلوا فيكم.
ويعني بقوله: " حصرت صدورهم "، ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو أن يقاتلوا قومهم.
والعرب تقول لكل من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام: " قد حَصِرَ"، ومنه " الحَصَرُ" في القراءة.
(40)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:10072- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أو جاءوكم حصرت صدورهم "، يقول: رجعوا فدخلوا فيكم=" حصرت صدورهم "، يقول: ضاقت صدورهم=" أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ".
* * *وفي قوله: " أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم "، متروكٌ، ترك ذكره لدلالة الكلام عليه.
وذلك أن معناه: أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، فترك ذكر " قد "، لأن من شأن العرب فعل مثل ذلك: تقول: " أتاني فلان ذَهَب عقله "، بمعنى: قد ذهب عقله.
ومسموع منهم: " أصبحت نظرتُ إلى ذات التَّنانير "، بمعنى: قد نظرت.
(41) ولإضمار " قد " مع الماضي، جاز وضع الماضي من الأفعال في موضع الحال، لأن " قد " إذا دخلت معه أدْنته من الحال، وأشبهت الأسماء.
(42)* * *وعلى هذه القراءة= أعني" حَصِرَت "، قراءة القرأة في جميع الأمصار، وبها يقرأ لإجماع الحجة عليها.
* * *وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: ( أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَةً صُدُورُهُمْ )، نصبًا، (43) وهي صحيحة في العربية فصيحة، غير أنه غير جائزة القراءة بها عندي، لشذوذها وخروجها عن قراءة قرأة الإسلام.
* * *القول في تأويل قوله : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا (90)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: " ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم "، ولو شاء الله لسلّط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون في جوارهم وذمتهم، والذين يجيئونكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم= عليكم، (44) أيها المؤمنون، فقاتلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكن الله تعالى ذكره كفَّهم عنكم.
يقول جل ثناؤه: فأطيعوا الذي أنعم عليكم بكفِّهم عنكم مع سائر ما أنعم به عليكم، فيما أمركم به من الكفِّ عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو جاؤوكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم.
ثم قال جل ثناؤه: " فإن اعتزلوكم "، يقول: فإن اعتزلكم هؤلاء الذين أمرتكم بالكف عن قتالهم من المنافقين، بدخولهم في أهل عهدكم، أو مصيرهم إليكم حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم=" فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلَم "، يقول: وصالحوكم.
* * *و " السَّلَم "، هو الاستسلام.
(45) وإنما هذا مثلٌ، كما يقول الرجل للرجل: " أعطيتك قِيادي"، و " ألقيت إليك خِطَامي"، إذا استسلم له وانقاد لأمره.
فكذلك قوله: " وألقوا إليكم السلم "، إنما هو: ألقوا إليكم قيادَهم واستسلموا لكم، صلحًا منهم لكم وسَلَمًا.
ومن " السَّلم " قول الطرمَّاح:وَذَاكَ أَنَّ تَمِيمًا غَادَرَتْ سَلَمًالِلأسْدِ كُلَّ حَصَانٍ وَعْثَةِ اللِّبَدِ (46)يعني بقوله: " سلمًا "، استسلامًا.
* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:10073- حدثني المثنى قال، حدثنا ابن أبي جعفر: عن أبيه، عن الربيع: " فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم "، قال: الصلح.
* * *وأما قوله: " فما جعل الله لكم عليهم سبيلا "، فإنه يقول: إذا استسلم لكم هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم، صلحًا منهم لكم=" فما جعل الله لكم عليهم سبيلا "، أي: فلم يجعل الله لكم على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم طريقًا إلى قتل أو سباء أو غنيمة، بإباحةٍ منه ذلك لكم ولا إذْنٍ، فلا تعرَّضوا لهم في ذلك= إلا سبيل خير* * *ثم نسخ الله جميع حكم هذه الآية والتي بعدها بقوله تعالى ذكره:فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إلى قوله: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة التوبة: 5].
ذكر من قال في ذلك مثل الذي قلنا:10074- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن قالا قال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ إلى قوله: وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا وقال في" الممتحنة ": لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، وقال فيها: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ إلى فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [سورة الممتحنة: 8 ، 9].
فنسخ هؤلاء الآيات الأربعة في شأن المشركين فقال: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ [سورة التوبة: 1، 2].
فجعل لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض، وأبطل ما كان قبل ذلك.
وقال في التي تليها: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، ثم نسخ واستثنى فقال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ إلى قوله: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [سورة التوبة: 5 ، 6].
10075- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " فإن اعتزلوكم "، قال: نسختها: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .
10076- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا همام بن يحيى قال، سمعت قتادة: يقول في قوله: إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ إلى قوله: " فما جعل الله لكم عليهم سبيلا "، ثم نسخ ذلك بعد في براءة، وأمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقاتل المشركين بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ .
10077- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال، قال ابن زيد في قوله: إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ، الآية، قال: نسخ هذا كله أجمع، نسخه الجهاد، ضرب لهم أجل أربعة أشهر: إما أن يسلموا، وإما أن يكون الجهاد.

﴿ إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ﴾

قراءة سورة النساء

المصدر : تفسير : إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم