هؤلاء الأنبياء جميعًا دينهم واحد، الإسلام، وهو الاستسلام لله بالطاعة وإفراده بالعبادة، والله سبحانه وتعالى رب الخلق فاعبدوه - أيها الناس - وحده لا شريك له.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«إن هذه» أي ملة الإسلام «أمتكم» دينكم أيها المخاطبون أي يجب أن تكونوا عليها «أمة واحدة» حال لازمة «وأنا ربكم فاعبدون» وحدون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ولما ذكر الأنبياء عليهم السلام، قال مخاطبا للناس: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً أي: هؤلاء الرسل المذكورون هم أمتكم وائمتكم الذين بهم تأتمون، وبهديهم تقتدون، كلهم على دين واحد، وصراط واحد، والرب أيضا واحد.ولهذا قال: وَأَنَا رَبُّكُمْ الذي خلقتكم، وربيتكم بنعمتي، في الدين والدنيا، فإذا كان الرب واحدا، والنبي واحدا، والدين واحدا، وهو عبادة الله، وحده لا شريك له، بجميع أنواع العبادة كان وظيفتكم والواجب عليكم، القيام بها، ولهذا قال: فَاعْبُدُونِ فرتب العبادة على ما سبق بالفاء، ترتيب المسبب على سببه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( إن هذه أمتكم ) أي ملتكم ودينكم ، ( أمة واحدة ) أي دينا واحدا وهو الإسلام فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماع أهلها على مقصد واحد ونصب أمة على القطع ( وأنا ربكم فاعبدون )
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ولفظ الأمة يطلق بإطلاقات متعددة. يطلق على الجماعة كما في قوله- تعالى- وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ.. . ويطلق على الرجل الجامع للخير، كما في قوله- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً.. . ويطلق على الحين والزمان، كما في قوله- سبحانه-: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ. أى وتذكر بعد حين من الزمان.والمراد بالأمة هنا: الدين والملّة. كما في قوله- تعالى-: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ.. أى: على دين وملة معينة.والمعنى: إن ملة التوحيد التي جاء بها الأنبياء جميعا. هي ملتكم ودينكم أيها الناس، فيجب عليكم أن تتبعوا هؤلاء الأنبياء، وأن تخلصوا لله- تعالى- العبادة والطاعة، فهو- سبحانه- ربكم ورب كل شيء، فاعبدوه حق العبادة لتنالوا رضاه ومحبته.ثم بين- سبحانه- بعد ذلك حال الناس من الدين الواحد الذي جاء به الرسل، وعاقبة من اتبع الرسل وعاقبة من خالفهم فقال:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) يقول : دينكم دين واحد .وقال الحسن البصري; في هذه الآية : بين لهم ما يتقون وما يأتون ثم قال : ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) أي : سنتكم سنة واحدة . فقوله : ( إن هذه ) إن واسمها ، و ) أمتكم ) خبر إن ، أي : هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم ، وقوله : ( أمة واحدة ) نصب على الحال; ولهذا قال : ( وأنا ربكم فاعبدون ) ، كما قال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) [ المؤمنون : 51 ، 52 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " ، يعني : أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له بشرائع متنوعة لرسله ، كما قال تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) [ المائدة : 48 ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدونقوله تعالى : إن هذه أمتكم أمة واحدة لما ذكر الأنبياء قال : هؤلاء كلهم مجتمعون على التوحيد ؛ فالأمة هنا بمعنى الدين الذي هو الإسلام ؛ قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما . فأما المشركون فقد خالفوا الكل . وأنا ربكم أي إلهكم وحدي . فاعبدون أي أفردوني بالعبادة . وقرأ عيسى بن عمرو وابن أبي إسحاق : ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) ورواها حسين عن أبي عمرو . الباقون ( أمة واحدة ) بالنصب على القطع بمجيء النكرة بعد تمام الكلام ؛ قاله الفراء . الزجاج : انتصب أمة على الحال ؛ أي في حال اجتماعها على الحق ؛ أي هذه أمتكم ما دامت أمة واحدة واجتمعتم على التوحيد ؛ فإذا تفرقتم وخالفتم فليس من خالف الحق من جملة أهل الدين الحق ؛ وهو كما تقول : فلان صديقي عفيفا أي ما دام عفيفا فإذا خالف العفة لم يكن صديقي . وأما الرفع فيجوز أن يكون على البدل من ( أمتكم ) أو على إضمار مبتدأ ؛ أي إن هذه أمتكم ، هذه أمة واحدة . أو يكون خبرا بعد خبر . ولو نصبت ( أمتكم ) على البدل من ( هذه ) لجاز ويكون ( أمة واحدة ) خبر ( إن ) .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: إن هذه ملتكم ملة واحدة ، وأنا ربكم أيها الناس فاعبدون دون الآلهة والأوثان وسائر ما تعبدون من دوني.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يقول: دينكم دين واحد.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قال مجاهد ، في قوله ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: دينكم دين واحد ، ونصبت الأمة الثانية على القطع ، وبالنصب قرأه جماعة قرّاء الأمصار ، وهو الصواب عندنا ، لأن الأمة الثانية نكرة، والأولى معرفة .وإذ كان ذلك كذلك ، وكان الخبر قبل مجيء النكرة مستغنيا عنها كان وجه الكلام النصب ، هذا مع إجماع الحجة من القراء عليه ، وقد ذكر عن عبد الله بن أبي إسحاق رفع ذلك أنه قرأه (أُمَّة وَاحِدَةٌ) بنية تكرير الكلام ، كأنه أراد: إن هذه أمتكم هذه أمة واحدة.