قل -أيها الرسول- لليهود الذين يدَّعون أن الجنة خاصة بهم؛ لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه: إن كان الأمر كذلك فادْعُوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت، إن كنتم صادقين في دعواكم هذه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قل» لهم «إن كانت لكم الدار الآخرة» أي الجنة «عند الله خالصة» خاصة «من دون الناس» كما زعمتم «فتمنوا الموت إن كنتم صادقين» تعلق بتمنوا الشرطان على أن الأول قيد في الثاني أي إن صدقتم في زعمكم أنها لكم ومن كانت له يؤثرها والموصل إليها الموت فتمنوه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: قُلْ لهم على وجه تصحيح دعواهم: إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ يعني الجنة خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ كما زعمتم, أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى, وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، فإن كنتم صادقين بهذه الدعوى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ وهذا نوع مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس بعد هذا الإلجاء والمضايقة لهم بعد العناد منهم, إلا أحد أمرين: إما أن يؤمنوا بالله ورسوله، وإما أن يباهلوا على ما هم عليه بأمر يسير عليهم, وهو تمني الموت الذي يوصلهم إلى الدار التي هي خالصة لهم, فامتنعوا من ذلك. فعلم كل أحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ولرسوله, مع علمهم بذلك، ولهذا قال تعالى
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى: قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله وذلك أن اليهود ادعوا دعاوى باطلة مثل قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة [80-البقرة]، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى [111-البقرة]، وقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه [18-المائدة]، فكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال: قل لهم يا محمد (إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله) يعني الجنة عند الله:خالصة أي خاصة.من دون الناس فتمنوا الموت أي فأريدوه واسألوه لأن من علم أن الجنة مأواه حن إليها ولا سبيل إلى دخولها إلا بعد الموت فاستعجلوه بالتمني.وقيل: فتمنوا الموت أي ادعوا بالموت على الفرقة الكاذبة. وروي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو تمنوا الموت لغص كل إنسان منهم بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات".إن كنتم صادقين في قولكم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمر الله- تعالى- نبيه «صلّى الله عليه وسلّم» أن يرد على اليهود في دعواهم أن الجنة لن يدخلها إلا من كان على ملتهم فقال- تعالى-:( قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة . . . )ومعنى الآيات الكريمة إجمالا:قل- يا محمد- لأولئك اليهود الذين ادعوا أن الجنة لن يدخلها إلا من كان هودا: إن كانت الجنة مختصة بكم، وسالمة لكم دون غيركم، وليس لأحد سواكم فيها حق. فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في دعواكم، لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وأحب الوصول إليها.ثم أخبر الله أن هذا التمني لن يحصل منهم فقال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً أى الموت بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أى بسبب ما ارتكبوه من كفر ومعصية وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ الذين وضعوا الأمور في غير موضعها، فادعوا ما ليس لهم، ونفوه عمن هو لهم.ثم أخبر القرآن بأن حرصهم على الحياة لا نظير له ولا مثيل فقال: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ متطاولة وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أى: وأحرص عليها- أيضا- من الذين أشركوا الذين لا يعرفون إلا الحياة الدنيا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ أى يتمنى الواحد من هؤلاء اليهود أن يعيش السنين الكثيرة ولو تجاوزت الحدود المعقولة لعمر الإنسان والحال أنه ما أحد منهم بمزحزحه ومنجيه تعميره من العذاب وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ أى: لا يخفى عليه أعمالهم، فهو محاسبهم عليها، ومجازيهم بما يستحقونه من عقاب.وقوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ رد على زعمهم الباطل أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا، والمراد بالدار الآخرة: الجنة ونعيمها، ومعنى «خالصة» سالمة لكم مختصة بكم، لا يشارككم فيها أحد من الناس.قال الإمام ابن جرير: «يقال: خلص لي فلان بمعنى صار لي وحدي وصفا لي، ويقال منه خلص هذا الشيء، فهو يخلص خلوصا وخالصة، والخالصة مصدر مثل العافية..»وقوله تعالى: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ التمني هو ارتياح النفس ورغبتها القوية في الشيء. بحيث توده وتحب المصير إليه، وهو يستعمل في المعنى القائم بالقلب كما بينا، ويستعمل في اللفظ الدال على هذا المعنى، كأن يقول الإنسان بلسانه، ليتني أحصل على كذا.والاستعمال الثاني هو المراد بقوله تعالى: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أى اذكروا بألسنتكم لفظا يدل على أنكم تحبون الموت وترغبون فيه. وإنما قلنا إن ذلك هو المراد من الآية لأن المعنى الكائن بالقلب لا يعرفه أحد سوى الله- تعالى- والتحدي لا يقع بتحصيل المعاني القائمة بالضمائر والقلوب.ومعنى الآية الكريمة. قل يا محمد لليهود: إن كانت الجنة خاصة بكم، ولا منازع لكم فيها ولا مزاحم كما تزعمون، فتمنوا الموت بألسنتكم لكي تظفروا بنعيمها الدائم، إن كنتم صادقين في دعواكم أنها خالصة لكم، وإلا فإنكم لا تكونون صادقين في دعواكم، إذ لا يعقل أن يرغب الإنسان عن السعادة المحضة الدائمة المضمونة له في الآخرة، إلى سعادة ممزوجة بالشقاء في الدنيا.قال الإمام الرازي: (وبيان هذه الملازمة أن نعم الدنيا قليلة حقيرة بالقياس إلى نعم الآخرة. ثم إن نعم الدنيا على قلتها كانت منغصة عليهم بسبب ظهور محمد صلّى الله عليه وسلّم ومنازعته معهم، بالجدال والقتال، ومن كان في النعم القليلة المنغصة. ثم تيقن أنه بعد الموت لا بد أن ينتقل إلى تلك النعم العظيمة، فإنه لا بد أن يكون راغبا في الموت، لأن تلك النعم العظيمة مطلوبة ولا سبيل إليها إلا بالموت وحيث كان الموت يتوقف عليه المطلوب وجب أن يكون هذا الإنسان راضيا بالموت متمنيا له، فثبت أن الدار الآخرة لو كانت خالصة لهم، لوجب أن يتمنوا الموت. ثم إن الله- تعالى- أخبر أنهم ما تمنوا الموت، بل لن يتمنوه أبدا، وحينئذ يلزم قطعا بطلان ادعائها في قولهم: «إن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس» .وتحديهم بتمني الموت يكون بأن يقولوا بألسنتهم ليتنا نموت، أو يقولوا ما في معنى هذه الكلمة كما أشرنا إلى ذلك سابقا، وهذا رأى جمهور المفسرين.وروى عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن ذلك يكون عن طريق المباهلة، بأن يحضروا مع المؤمنين في صعيد واحد، ثم يدعو الفريقان بالموت على الكاذب منهما.ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح لأنه أقرب إلى موافقة اللفظ الذي نطقت به الآية وأقرب أيضا إلى معناها. إذ ليس في الآية إشارة ما إلى طلب المباهلة، والقرآن حينما دعا إليها نصارى نجران، جاء اللفظ بها صريحا في قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) أي : ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب . فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين لما ادعت اليهود دعاوى باطلة حكاها الله عز وجل عنهم في كتابه ، كقوله تعالى : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، وقوله : وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه أكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال قل لهم يا محمد : إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنة . فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في أقوالكم ; لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا ، لما يصير إليه من نعيم الجنة ، ويزول عنه من أذى الدنيا ، فأحجموا عن تمني ذلك فرقا من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكفرهم في قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه وحرصهم على الدنيا ، ولهذا قال تعالى مخبرا عنهم بقوله الحق : ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين تحقيقا لكذبهم . وأيضا لو تمنوا الموت لماتوا ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقامهم من النار . وقيل : إن الله صرفهم عن إظهار التمني ، وقصرهم على الإمساك ليجعل ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فهذه ثلاثة أوجه في تركهم التمني . وحكى عكرمة عن ابن عباس في قوله : فتمنوا الموت أن المراد ادعوا بالموت على أكذب الفريقين منا ومنكم ، فما دعوا لعلمهم بكذبهم .فإن قيل : فالتمني يكون باللسان تارة وبالقلب أخرى ، فمن أين علم أنهم لم يتمنوه بقلوبهم ؟ قيل له : نطق القرآن بذلك بقوله ولن يتمنوه أبدا ولو تمنوه بقلوبهم لأظهروه بألسنتهم ردا على النبي صلى الله عليه وسلم وإبطالا لحجته ، وهذا بين .قوله تعالى : خالصة نصب على خبر كان ، وإن شئت كان حالا ويكون عند الله في موضع الخبر . أبدا ظرف زمان يقع على القليل والكثير ، كالحين والوقت ، وهو هنا من أول العمر إلى الموت . وما في قوله بما بمعنى الذي والعائد محذوف ، والتقدير قدمته ، وتكون مصدرية ولا تحتاج إلى عائد . وأيديهم في موضع رفع ، حذفت الضمة من الياء لثقلها مع الكسرة ، وإن كانت في موضع نصب حركتها ; لأن النصب خفيف ، ويجوز إسكانها في الشعر . والله عليم بالظالمين ابتداء وخبر .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)قال أبو جعفر: وهذه الآية مما احتج الله بها لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره, وفضح بها أحبارهم وعلماءهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف. كما أمره الله أن يدعو الفريق الآخر من النصارى - إذ خالفوه في عيسى صلوات الله عليه وجادلوا فيه - إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة. (1) وقال لفريق اليهود: إن كنتم محقين فتمنوا الموت, فإن ذلك غير ضاركم، إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة من الله. بل إن أعطيتم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم، فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها، والفوز بجوار الله في جنانه, إن كان الأمر كما تزعمون: من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا. وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا، وانكشف أمرنا وأمركم لهم. فامتنعت اليهود من إجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، لعلمها أنها تمنت الموت هلكت، فذهبت دنياها، وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها. كما امتنع فريق النصارى - الذين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى ، إذْ دعوا إلى المباهلة - من المباهلة.فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار. ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا ".1566 - حدثنا بذلك أبو كريب قال، حدثنا زكريا بن عدي قال، حدثنا عبيد الله بن عمرو, عن عبد الكريم, عن عكرمة, عن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)1567 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام بن علي, عن الأعمش, عن ابن عباس في قوله: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه. (3)1568 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن عبد الكريم الجزري, عن عكرمة في قوله: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، قال: قال ابن عباس: لو تمنى اليهود الموت لماتوا. (4)1569 - حدثني موسى قال، أخبرنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي, عن ابن عباس مثله.1570 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد - قال أبو جعفر: فيما أروي: أنبأنا - عن سعيد، أو عكرمة, عن ابن عباس قال: لو تمنوه يوم قال ذلك لهم, ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات. (5)قال أبو جعفر: فانكشف - لمن كان مشكلا عليه أمر اليهود يومئذ - كذبهم وبهتهم وبغيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وظهرت حجة رسول الله وحجة أصحابه عليهم, ولم تزل والحمد لله ظاهرة عليهم وعلى غيرهم من سائر أهل الملل.وإنما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: (تمنوا الموت إن كنتم صادقين)، لأنهم -فيما ذكر لنا- قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: 18]، وقالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة: 111]. فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم إن كنتم صادقين فيما تزعمون، فتمنوا الموت. فأبان الله كذبهم بامتناعهم من تمني ذلك, وأفلج حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.* * *وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو اليهود أن يتمنوا الموت, وعلى أي وجه أمروا أن يتمنوه. فقال بعضهم: أمروا أن يتمنوه على وجه الدعاء على الفريق الكاذب منهما.* ذكر من قال ذلك:1571 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد, عن سعيد، أو عكرمة, عن ابن عباس قال: قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، أي: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب. (6)* * *وقال آخرون بما:-1572 - حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس)، وذلك أنهم قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة: 111]، وقالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة: 18] فقيل لهم: (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين).1573 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية قال: قالت اليهود: (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)، وقالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فقال الله: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، فلم يفعلوا.1574 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني ابن أبي جعفر, عن أبيه، عن الربيع قوله: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة) الآية, وذلك بأنهم قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ، وقالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ . (7)* * *وأما تأويل قوله: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة)، فإنه يقول: قل يا محمد: إن كان نعيم الدار الآخرة ولذاتها لكم يا معشر اليهود عند الله. فاكتفى بذكر " الدار "، من ذكر نعيمها، لمعرفة المخاطبين بالآية معناها. وقد بينا معنى " الدار الآخرة ". فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (8)* * *وأما تأويل قوله: (خالصة)، فإنه يعني به: صافية. كما يقال: " خلص لي فلان " بمعنى صار لي وحدي وصفا لي. يقال منه: " خلص لي هذا الشيء فهو يخلص خلوصا وخالصة, و " الخالصة " مصدر مثل " العافية ". ويقال للرجل: " هذا خُلْصاني", يعني خالصتي من دون أصحابي.* * *وقد روي عن ابن عباس أنه كان يتأول قوله: (خالصة): خاصة. وذلك تأويل قريب من معنى التأويل الذي قلناه في ذلك.1575 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك، عن ابن عباس: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة)، قال: " قل " يا محمد لهم - يعني اليهود -: إن كانت لكم الدار الآخرة " - يعني: الجنة (9) -(عند الله خالصة)، يقول: خاصة لكم.* * *وأما قوله: (من دون الناس)، فإن الذي يدل عليه ظاهر التنزيل أنهم قالوا: لنا الدار الآخرة عند الله خالصة من دون جميع الناس. ويبين أن ذلك كان قولهم - من غير استثناء منهم من ذلك أحدا من بني آدم - إخبار الله عنهم أنهم قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ، إلا أنه روي عن ابن عباس قول غير ذلك:1576 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس: (من دون الناس)، يقول: من دون محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين استهزأتم بهم, وزعمتم أن الحق في أيديكم, وأن الدار الآخرة لكم دونهم.* * *وأما قوله: (فتمنوا الموت) فإن تأويله: تشهوه وأريدوه. وقد روي عن ابن عباس أنه قال في تأويله: فسلوا الموت. ولا يعرف " التمني" بمعنى " المسألة " في كلام العرب. ولكن أحسب أن ابن عباس وجه معنى " الأمنية " - إذ كانت محبة النفس وشهوتها - إلى معنى الرغبة والمسألة, إذْ كانت المسألة، هي رغبة السائل إلى الله فيما سأله.1577 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس: (فتمنوا الموت)، فسلوا الموت، (إن كنتم صادقين).-------------------الهوامش :(1) وذلك ما جاء في سورة آل عمران : 61 ، وانظر خبره في التفسير والسير .(2) الحديث : 1566 - إسناده صحيح . أبو كريب : هو محمد بن العلاء . زكريا بن عدي ابن زريق التيمي الكوفي : ثقة جليل ورع قال ابن سعد : " كان رجلا صالحا صدوقا" . وهو مترجم في التهذيب ، وفي الكبير للبخاري 2 /1 / 387 - 388 ، والصغير : 232 ، وابن سعد 6 : 284 ، وابن أبي حاتم 1/2/600 ، ووقع هنا في المطبوعة"أبو زكريا" وزيادة"أبو" خطأ من ناسخ أو طابع ، عبيد الله بن عمرو : هو أبو وهب الجزري الرقي ، ثقة معروف أخرج له أصحاب الكتب الستة ، وترجمته في التهذيب ، وابن سعد 7 /2 /182 ، والصغير للبخاري : 203 ، وابن أبي حاتم 2 /2 / 328 - 329 . عبد الكريم : هو ابن مالك الجزري الحراني ، وهو ثقة ثبت صاحب سنة ، من شيوخ ابن جريج ومالك والثوري وأضرابهم . ترجمته في التهذيب ، والصغير للبخاري : 148 ، وابن أبي حاتم 3 / 1 /58 - 59 .والحديث رواه أحمد في المسند : 2226 ، عن أحمد بن عبد الملك الحراني ، عن عبيد الله ، وهو ابن عمرو ، بهذا الإسناد ، ولكن لم يذكر لفظه ، أحاله على الرواية قبله : 2225 ، من طريق فرات بن سلمان الحضرمي ، عن عبد الكريم ، به ، بزيادة في أوله . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8 : 228 ، عن الرواية المطولة ، وقال : "في الصحيح طرف من أوله" ، ثم قال : "رواه أحمد ، أبو يعلى ، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح" . أقول : ورجال أحمد في الإسناد : 2226 - رجال الصحيح أيضًا . وذكر السيوطي 1 : 89 بعضه ، ونسبه أيضًا إلى الشيخين ، والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، وأبي نعيم .(3) الخبر : 1567 - هو موقوف على ابن عباس ، في معنى الحديث قبله . ولكن إسناده هذا منقطع . الأعمش : لم يدرك ابن عباس .(4) الخبر : 1568- هو بعض الحديث السابق : 1566 ، وإسناده صحيح . وظاهره هنا أنه موقوف على ابن عباس ، ولكنه مرفوع بالروايات الأخر .(5) الأثر : 1570 - في ابن هشام 2 : 191 .(6) الأثر : 1571 - في سيرة ابن هشام 2 : 191 ، وفيها : "أكذب عند الله" ، وانظر رقم : 1578 .(7) الأثر : 1574 - في المطبوعة" . . حدثنا إسحاق قال حدثني أبو جعفر عن الربيع" وهذا إسناد فاسد ، وهو كثير الدوران في التفسير ، وأقرب ذلك رقم : 1563(8) انظر ما سلف 1 : 245 .
﴿ قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ﴾