وما أرسلنا في قرية من نبي يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عمَّا هم فيه من الشرك، فكذَّبه قومه، إلا ابتليناهم بالبأساء والضراء، فأصبناهم في أبدانهم بالأمراض والأسقام، وفي أموالهم بالفقر والحاجة؛ رجاء أن يستكينوا، وينيبوا إلى الله، ويرجعوا إلى الحق.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وما أرسلنا في قرية من نبي» فكذبوا «إلا أخذنا» عاقبنا «أهلها بالبأساء» شدة الفقر «والضرَّاء» المرض «لعلهم يضَّرَّعون» يتذللون فيؤمنون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ ْ يدعوهم إلى عبادة اللّه، وينهاهم عن ما هم فيه من الشر، فلم ينقادوا له: إلا ابتلاهم الله بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ْ أي: بالفقر والمرض وأنواع البلايا لَعَلَّهُمْ ْ إذا أصابتهم، أخضعت نفوسهم فتضرعوا إلى الله واستكانوا للحق.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( وما أرسلنا في قرية من نبي ) فيه إضمار ، يعني : فكذبوه ، ( إلا أخذنا ) عاقبنا ( أهلها ) حين لم يؤمنوا ، ( بالبأساء والضراء ) قال ابن مسعود : البأساء : الفقر ، والضراء : المرض ، وهذا معنى قول من قال : البأساء في المال ، والضراء في النفس ، وقيل : البأساء البؤس وضيق العيش ، والضراء والضر سوء الحال . وقيل : البأساء في الحرب والضراء : الجدب ، ( لعلهم يضرعون ) لكي يتضرعوا فيتوبوا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
هذه هي الآيات التي جاءت في السورة الكريمة بعد حديثها المتنوع عن بعض الأنبياء مع أقوامهم، وقبل حديثها المستفيض- الذي سنراه بعد قليل عن قصة موسى مع فرعون ومع بنى إسرائيل.وقد بدئت بقوله- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ البأساء: الشدة والمشقة كالحرب والجدب وشدة الفقر. والضراء: ما يضر الإنسان في بدنه أو معيشته كالمرض والمصائب.والمعنى: ذلك الذي قصصناه عليك يا محمد شأن الرسل السابقين مع أقوامهم الهالكين وقد جرت سنتنا أننا ما أرسلنا في قرية من نبي كذبه أهلها إلا أخذناهم وأنزلنا بهم قبل إهلاكنا لهم ألوانا من الشدائد والمصائب لعلهم ينقادون لأمر الله، ويثوبون إلى رشدهم، ويكثرون من التضرع إليه والاستجابة لهديه.فالآية الكريمة إشارة إجمالية إلى بيان أحوال سائر الأمم، إثر بيان أحوال الأمم التي سبق الحديث عنها وهي أمة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب- عليهم السلام-.والمقصود منها التحذير والتخويف لكفار قريش وغيرهم، لينزجروا عن الضلال والعناد، ويستجيبوا لله ولرسوله.وإنما ذكر القرية لأنها مجتمع القوم الذين بعث إليهم، ويدخل تحت هذا اللفظ المدينة لأنها مجتمع الأقوام.وقوله: مِنْ نَبِيٍّ فيه حذف وإضمار والتقدير: من نبي كذبه قومه أو أهل القرية لأن قوله: إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها لا يترتب على الإرسال، وإنما يترتب على التكذيب والعصيان.ومِنْ لتأكيد النفي.والاستثناء في قوله: إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها مفرغ من أعم الأحوال، وأَخَذْنا في موضع نصب على الحال من فاعل أَرْسَلْنا أى: وما أرسلنا- في قرية من القرى المهلكة بسبب ذنوبها- نبيا من الأنبياء في حال من الأحوال إلا حال كوننا آخذين أهلها بالبأساء والضراء. قبل إنزال العقوبة المستأصلة لهم.وجملة لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ تعليلية. أى: فعلنا ما فعلنا لكي يتضرعوا ويتذللوا ويتوبوا من ذنوبهم.فما يأخذ الله به الغافلين من الشدائد والمحن ليس من أجل التسلية والتشفي- تعالى الله عن ذلك- وإنما من أجل أن ترق القلوب الجامدة، وتتعظ المشاعر الخامدة، ويتجه البشر الضعاف إلى خالقهم، يتضرعون إليه ويستغفرونه، عما فرط منهم من خطايا.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قول تعالى مخبرا عما اختبر به الأمم الماضية ، الذين أرسل إليهم الأنبياء بالبأساء والضراء ، يعني ) بالبأساء ) ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام . ) والضراء ) ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك ، ( لعلهم يضرعون ) أي : يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم .وتقدير الكلام : أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا ، فما فعلوا شيئا من الذي أراد الله منهم ، فقلب الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه ; ولهذا قال :
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى وما أرسلنا في قرية من نبي فيه إضمار ، وهو فكذب أهلها إلا أخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون تقدم القول فيه
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، معرِّفَه سنّته في الأمم التي قد خَلَت من قبل أمته، ومذكّرَ من كفر به من قريش ، لينزجروا عما كانوا عليه مقيمين من الشرك بالله ، والتكذيب لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( وما أرسلنا في قرية من نبي ) ، قبلك=( إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء ) ، وهو البؤس وشَظَف المعيشة وضِيقها= و " الضراء " ، وهي الضُّرُ وسوء الحال في أسباب دُنياهم=(لعلهم يضرعون ) ، يقول: فعلنا ذلك ليتضرّعوا إلى ربهم، ويستكينوا إليه، وينيبوا ، (32) بالإقلاع عن كفرهم، والتوبة من تكذيب أنبيائِهم.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك.14872-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( أخذنا أهلها بالبأساء والضراء ) ، يقول: بالفقر والجوع.* * *وقد ذكرنا فيما مضى الشواهدَ على صحّة القول بما قلنا في معنى: " البأساء " ، و " الضراء " ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (33)* * *وقيل: " يضرّعون "، والمعنى: يتضرعون، ولكن أدغمت " التاء " في" الضاد "، لتقارب مخرجهما.---------------الهوامش :(32) انظر تفسير"التضرع" فيما سلف 11: 345 ، 414/ 12: 485.(33) انظر تفسير"البأساء" فيما سلف 3: 349- 353/ 4: 288/11: 354= وتفسير"الضراء" فيما سلف 3: 349- 353/ 4: 288/ 7: 214/ 11: 355.
﴿ وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ﴾