لا يتساوى المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله -غير أصحاب الأعذار منهم- والمجاهدون في سبيل الله، بأموالهم وأنفسهم، فضَّل الله تعالى المجاهدين على القاعدين، ورفع منزلتهم درجة عالية في الجنة، وقد وعد الله كلا من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم والقاعدين من أهل الأعذار الجنة لِما بذلوا وضحَّوا في سبيل الحق، وفضَّل الله تعالى المجاهدين على القاعدين ثوابًا جزيلا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«لا يستوي القاعدون من المؤمنين» عن الجهاد «غير أولي الضرر» بالرفع صفة والنصب استثناء من زمانة أو عمى ونحوه «والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين» لضرر «درجة» فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهدين بالمباشرة «وكلاٌ» من الفريقين «وعد الله الحسنى» الجنة «وفضَّل الله المجاهدين على القاعدين» لغير ضرر «أجرا عظيما» ويبدل منه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: لا يستوي من جاهد من المؤمنين بنفسه وماله ومن لم يخرج للجهاد ولم يقاتل أعداء الله، ففيه الحث على الخروج للجهاد، والترغيب في ذلك، والترهيب من التكاسل والقعود عنه من غير عذر. وأما أهل الضرر كالمريض والأعمى والأعرج والذي لا يجد ما يتجهز به، فإنهم ليسوا بمنزلة القاعدين من غير عذر، فمن كان من أولي الضرر راضيًا بقعوده لا ينوي الخروج في سبيل الله لولا [وجود] المانع، ولا يُحَدِّث نفسه بذلك، فإنه بمنزلة القاعد لغير عذر. ومن كان عازمًا على الخروج في سبيل الله لولا وجود المانع يتمنى ذلك ويُحَدِّث به نفسه، فإنه بمنزلة من خرج للجهاد، لأن النية الجازمة إذا اقترن بها مقدورها من القول أو الفعل ينزل صاحبها منزلة الفاعل. ثم صرَّح تعالى بتفضيل المجاهدين على القاعدين بالدرجة، أي: الرفعة، وهذا تفضيل على وجه الإجمال، ثم صرح بذلك على وجه التفصيل، ووعدهم بالمغفرة الصادرة من ربهم، والرحمة التي تشتمل على حصول كل خير، واندفاع كل شر. والدرجات التي فصلها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الثابت عنه في "الصحيحين" أن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله. وهذا الثواب الذي رتبه الله على الجهاد، نظير الذي في سورة الصف في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إلى آخر السورة. وتأمل حسن هذا الانتقال من حالة إلى أعلى منها، فإنه نفى التسوية أولا بين المجاهد وغيره، ثم صرَّح بتفضيل المجاهد على القاعد بدرجة، ثم انتقل إلى تفضيله بالمغفرة والرحمة والدرجات. وهذا الانتقال من حالة إلى أعلى منها عند التفضيل والمدح، أو النزول من حالة إلى ما دونها، عند القدح والذم - أحسن لفظا وأوقع في النفس. وكذلك إذا فضَّل تعالى شيئا على شيء، وكل منهما له فضل، احترز بذكر الفضل الجامع للأمرين لئلا يتوهم أحد ذم المفضل عليه كما قال هنا: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وكما [قال تعالى] في الآيات المذكورة في الصف في قوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وكما في قوله تعالى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أي: ممن لم يكن كذلك. ثم قال: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وكما قال تعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا فينبغي لمن بحث في التفضيل بين الأشخاص والطوائف والأعمال أن يتفطن لهذه النكتة. وكذلك لو تكلم في ذم الأشخاص والمقالات ذكر ما تجتمع فيه عند تفضيل بعضها على بعض، لئلا يتوهم أن المفضَّل قد حصل له الكمال. كما إذا قيل: النصارى خير من المجوس فليقل مع ذلك: وكل منهما كافر. والقتل أشنع من الزنا، وكل منهما معصية كبيرة، حرمها الله ورسوله وزجر عنها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) الآية ، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد العزيز بن عبد الله ، ثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد الزهري ، حدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال : رأيت مروان بن الحكم جالسا في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه ، فأخبرنا أن زيد بن ثابت رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ) قال : فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي ، فقال : يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت ، وكان رجلا أعمى ، فأنزل الله تعالى عليه وفخذه على فخذي ، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ، ثم سري عنه فأنزل الله ( غير أولي الضرر ) .فهذه الآية في الجهاد والحث عليه ، فقال : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) عن الجهاد ( غير أولي الضرر ) قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب الراء ، أي : إلا أولي الضرر ، وقرأ الآخرون برفع الراء على نعت " القاعدين " يريد : لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر ، أي : غير أولي الزمانة والضعف في البدن والبصر ، ( والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ) غير أولي الضرر فإنهم يساوون المجاهدين ، لأن العذر أقعدهم .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحيم بن منيب ، أنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد الطويل ، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ، فدنا من المدينة قال : " إن في المدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه " ، قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال : " نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر "وروى القاسم عن ابن عباس قال : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) عن بدر والخارجون إلى بدر .قوله تعالى : ( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ) أي : فضيلة ، وقيل : أراد بالقاعدين هاهنا أولي الضرر ، فضل الله المجاهدين عليهم درجة لأن المجاهد باشر الجهاد مع النية وأولو الضرر كانت لهم نية ولكنهم لم يباشروا ، فنزلوا عنهم بدرجة ، ( وكلا ) يعني المجاهد والقاعد ( وعد الله الحسنى ) يعني : الجنة بإيمانهم ، وقال مقاتل : يعني المجاهد والقاعد المعذور ، ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) يعني : على القاعدين من غير عذر .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الآلوسى: قوله- تعالى- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ. شروع في الحث على الجهاد ليأنفوا عن تركه، وليرغبوا عما يوجب خللا فيه. والمراد بالقاعدين: الذين أذن لهم في القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم. وروى البخاري عن ابن عباس: هم القاعدون عن بدر وهو الظاهر الموافق للتاريخ على ما قيل. وقال أبو حمزة: إنهم المتخلفون عن تبوك. وروى أن الآية نزلت في كعب بن مالك من بنى سلمة ومرارة بن الربيع من بنى عمرو بن عوف. وهلال بن أمية من بنى واقف حين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة»وقوله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ جملة معترضة جيء بها لبيان أنهم غير مقصودين بعدم المساواة مع المجاهدين في الأجر.والضرر: مصدر ضرر مثل مرض. وهذه الزنة تجيء- غالبا- في العاهات ونحوها، مثل عمى وحصر وعرج ورمد.والمراد بقوله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ أى: غير أصحاب العلل والأمراض التي تحول بينهم وبين الجهاد في سبيل الله من عمى أو عرج أو ضعف أو غير ذلك من الأعذار.وقد روى المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى- غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ روايات منها ما أخرجه البخاري عن البراء قال: لما نزلت لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته. فأنزل الله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ.وقال القرطبي: روى الأئمة- واللفظ لأبى داود عن زيد بن ثابت قال: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سرى عنه فقال: «اكتب» فكتبت في كتف- أى في عظم عريض كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. الآية.فقام ابن أم مكتوم- وكان رجلا أعمى- لما سمع فضيلة المجاهدين فقال: يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله السكينة فوقعت فخذه على فخذي. ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ يا زيد. فقرأت: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ الآية كلها.قال زيد: فأنزلها الله وحدها فألحقتها. والذي نفسي بيده لكأنى أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف.والمعنى: لا يستوي عند الله- تعالى- الذين قعدوا عن الجهاد لإعلاء كلمة الحق دون أن يكون عندهم من الأعذار ما يمنعهم من ذلك، لا يستوي هؤلاء مع الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. أما الذين قعدوا عن الجهاد لأعذار تمنعهم عن مباشرته، فإن نيتهم الصادقةسترفع منزلتهم عند الله- تعالى-، وستجعلهم في مصاف المجاهدين بأموالهم وأنفسهم أو قريبين منهم.ويشهد لذلك ما رواه البخاري وأبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو يسير إلى تبوك: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من سير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه. قالوا:يا رسول الله، وهم بالمدينة قال: نعم حبسهم العذر» .قال ابن كثير: وفي هذا المعنى قال الشاعر:يا راحلين إلى البيت العتيق لقد ... سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحاإنا أقمنا على عذر وعن قدر ... ومن أقام على عذر كمن راحاوقوله: لا يَسْتَوِي نفى لاستواء المجاهدين والقاعدين، والمقصود بهذا النفي التعريض بالمفضول لتفريطه وزهده في الخير، وحض على الاقتداء بمن هو أفضل منه، إذ من المعروف أن القاعد عن الجهاد لا يساوى المجاهد في الفضل والثواب. فتعين أن يكون المراد بهذا التعبير التعريض بالقاعدين ليتأسوا بالمجاهدين، وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله:فإن قلت: معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان فما فائدة نفى الاستواء؟ قلت:معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم، والبون البعيد، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته. فيهتز للجهاد ويرغب فيه، وفي ارتفاع طبقته، ونحوه: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أريد به التحريك من الجهل إلى التعلم. ولينهض الشخص بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم.وقوله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من القاعدين.وفائدة قوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الإيذان من أول الأمر بأن قعودهم عن الجهاد لم يمنعهم عن الوصف بالإيمان، لأن قعودهم عن الجهاد لم يكن عن نفاق أو عن ضعف في دينهم، وإنما كان عن تراخ أو اشتغال ببعض الأمور الدنيوية.قال الجمل وقوله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم غَيْرُ بالرفع: وقرأ الباقون بالنصب. وقرأ الأعمش بالجر.فالرفع على وجهين:أظهرهما أنه على البدل من الْقاعِدُونَ. وإنما كان هذا أظهر لأن الكلام نفى والبدل معه أرجح.والثاني: أنه رفع على أنه صفة لقوله الْقاعِدُونَ لأنهم لما لم يكونوا أناسا بأعيانهم بل أريد بهم الجنس أشبهوا النكرة فوصفوا بها.وأما النصب فعلى: الاستثناء من الْقاعِدُونَ وهو الأظهر، لأنه المحدث عنه.وأما الجر فعلى أنه صفة للمؤمنين.وقوله: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى بيان لمزية المجاهدين على غيرهم.والمراد بالقاعدين هنا- الذين قعدوا عن الجهاد لسبب مانع من مباشرته أى: فضل الله- تعالى- المجاهدين بأموالهم وأنفسهم من أجل إعزاز دينه، فضلهم درجة على القاعدين بأعذار، لأن المجاهدين قد عرضوا أنفسهم للمخاطر والأهوال، وبذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله.والدرجة هنا مستعارة للعلو المعنوي أى أن المراد بها هو الفضل، ووفرة الأجر وزيادة الثواب. والتنوين فيها للتعظيم.قال ابن جرير: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من أولى الضرر درجة واحدة، يعنى فضيلة واحدة. وذلك بفضل جهادهم بأنفسهم فأما فيما سوى ذلك فهما مستويان».وقوله وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى جملة معترضة جيء بها تداركا لما عسى أن يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول.أى: وكل واحد من فريقى المجاهدين والقاعدين من أهل الضرر وعده الله المثوبة الحسنى وهي الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم، وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضى لمزيد الثواب.وقوله كُلًّا مفعول أول لما يعقبه قدم عليه لإفادة القصر تأكيدا للوعد وتنوينه عوض عن المضاف إليه. وقوله الْحُسْنى مفعول ثان.ثم بين- سبحانه- أنه قد فضل المجاهدين على القاعدين بغير عذر بدرجات عظيمة فقال وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً.أى: وفضل الله- تعالى- المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين دون أن يكون هناك عذر يمنعهم عن الجهاد، فضل الله المجاهدين على هؤلاء القاعدين بالأجر العظيم والثواب الجزيل، والمنزلة الرفيعة.وقوله أَجْراً عَظِيماً منصوب على النيابة عن المفعول المطلق المبين للنوع، لأن الأجر هو ذلك التفضيل. أو على نزع الخافض أى فضلهم بأجر عظيم. أو على أنه مفعول ثان بتضمين فضل معنى أعطى أى أعطاهم أجرا تفضلا منه.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال البخاري : حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لما نزلت : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها ، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله [ عز وجل ] ( غير أولي الضرر )حدثنا محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لما نزلت : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ادع فلانا " فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف فقال : " اكتب : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ، فقال : يا رسول الله ، أنا ضرير فنزلت مكانها : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله )وقال البخاري أيضا : حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، حدثني سهل بن سعد الساعدي : أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد ، قال : فأقبلت حتى جلست إلى جنبه ، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى علي : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " . فجاءه ابن أم مكتوم ، وهو يمليها علي ، قال : يا رسول الله ، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان أعمى - فأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفخذه على فخذي ، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ، ثم سري عنه ، فأنزل الله : ( غير أولي الضرر )انفرد به البخاري دون مسلم ، وقد روي من وجه آخر عن زيد فقال الإمام أحمد :حدثنا سليمان بن داود ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد قال : قال زيد بن ثابت : إني قاعد إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أوحي إليه ، قال : وغشيته السكينة ، قال : فوقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة . قال زيد : فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سري عنه فقال : " اكتب يا زيد " . فأخذت كتفا فقال : " اكتب : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون ) إلى قوله ( أجرا عظيما ) فكتبت ذاك في كتف ، فقام حين سمعها ابن أم مكتوم - وكان رجلا أعمى - فقام حين سمع فضيلة المجاهدين فقال : يا رسول الله ، وكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى ، وأشباه ذلك ؟ قال زيد : فوالله ما مضى كلامه - أو ما هو إلا أن قضى كلامه - حتى غشيت النبي صلى الله عليه وسلم السكينة ، فوقعت فخذه على فخذي ، فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى ، ثم سري عنه فقال : " اقرأ " . فقرأت عليه : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( غير أولي الضرر ) قال زيد : فألحقتها ، فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف .ورواه أبو داود ، عن سعيد بن منصور ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، به نحوه .وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن زيد بن ثابت ، قال : كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " فجاء عبد الله ابن أم مكتوم فقال : يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي من الزمانة ما قد ترى ، قد ذهب بصري . قال زيد : فثقلت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، حتى خشيت أن ترضها ثم سري عنه ، ثم قال : " اكتب : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله )ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال عبد الرزاق : أخبرني ابن جريج ، أخبرني عبد الكريم - هو ابن مالك الجزري - أن مقسما مولى عبد الله بن الحارث - أخبره أن ابن عباس أخبره : لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر ، والخارجون إلى بدر .انفرد به البخاري دون مسلم . وقد رواه الترمذي من طريق حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الكريم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضر عن بدر ، والخارجون إلى بدر ، لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم : إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة ؟ فنزلت : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ) وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجة ، فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر .هذا لفظ الترمذي ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .فقوله [ تعالى ] ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) كان مطلقا ، فلما نزل بوحي سريع : ( غير أولي الضرر ) صار ذلك مخرجا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد - من العمى والعرج والمرض - عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم .ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين ، قال ابن عباس : ( غير أولي الضرر ) وكذا ينبغي أن يكون لما ثبت في الصحيح عند البخاري من طريق زهير بن معاوية ، عن حميد ، عن أنس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه " قالوا : وهم بالمدينة يا رسول الله ؟ قال : " نعم حبسهم العذر " .وهكذا رواه الإمام أحمد عن محمد بن أبي عدي عن حميد ، عن أنس ، به وعلقه البخاري مجزوما . ورواه أبو داود عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن موسى بن أنس بن مالك ، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ، ولا أنفقتم من نفقة ، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه " . قالوا : يا رسول الله ، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة ؟ قال : " حبسهم العذر " .لفظ أبي داود وفي هذا المعنى قال الشاعر :يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا إنا أقمنا على عذر وعن قدرومن أقام على عذر فقد راحاوقوله : ( وكلا وعد الله الحسنى ) أي : الجنة والجزاء الجزيل . وفيه دلالة على أن الجهاد ليس بفرض عين بل هو فرض على الكفاية .ثم قال تعالى : ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) ثم أخبر تعالى بما فضلهم به من الدرجات ، في غرف الجنان العاليات ، ومغفرة الذنوب والزلات ، وحلول الرحمة والبركات ، إحسانا منه وتكريما ; ولهذا قال تعالى :
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله : لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيمافيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى : لا يستوي القاعدون من المؤمنين قال ابن عباس : لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها . ثم قال : غير أولي الضرر والضرر الزمانة . روى الأئمة واللفظ لأبي داود عن زيد بن ثابت قال : كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سري عنه فقال : اكتب فكتبت في كتف " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " إلى آخر الآية ؛ فقام ابن أم مكتوم - وكان رجلا أعمى - لما سمع فضيلة المجاهدين فقال : يا رسول الله ، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين ؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي ، ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ، ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اقرأ يا زيد فقرأت لا يستوي القاعدون من المؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غير أولي الضرر الآية كلها . قال زيد : فأنزلها الله وحدها فألحقتها ؛ والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف . وفي البخاري عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث أنه سمع ابن عباس يقول : لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون إلى بدر . قال العلماء : أهل الضرر هم أهل الأعذار إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد . وصح وثبت في الخبر أنه عليه السلام قال - وقد قفل من بعض غزواته : إن بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا كانوا معكم أولئك قوم حبسهم العذر . فهذا يقتضي أن صاحب العذر يعطى أجر الغازي ؛ فقيل : يحتمل أن يكون أجره مساويا وفي فضل الله متسع ، وثوابه فضل لا استحقاق ؛ فيثيب على النية الصادقة ما لا يثيب على الفعل . وقيل : يعطى أجره من غير تضعيف فيفضله الغازي بالتضعيف للمباشرة . والله أعلم .قلت : والقول الأول أصح - إن شاء الله - للحديث الصحيح في ذلك إن بالمدينة رجالا ولحديث أبي كبشة الأنماري قوله عليه السلام إنما الدنيا لأربعة نفر . الحديث وقد تقدم في سورة " آل عمران " . ومن هذا المعنى ما ورد في الخبر ( إذا مرض العبد قال الله تعالى اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي ) .الثانية : وقد تمسك بعض العلماء بهذه الآية بأن أهل الديوان أعظم أجرا من أهل التطوع ؛ لأن أهل الديوان لما كانوا متملكين بالعطاء ، ويصرفون في الشدائد ، وتروعهم البعوث والأوامر ، كانوا أعظم من المتطوع ؛ لسكون جأشه ونعمة باله في الصوائف الكبار ونحوها . قال ابن محيريز : أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة لما يروعون . قال مكحول : روعات البعوث تنفي روعات القيامة .الثالثة : وتعلق بها أيضا من قال : إن الغنى أفضل من الفقر ؛ لذكر الله تعالى المال الذي يوصل به إلى صالح الأعمال . وقد اختلف الناس في هذه المسألة مع اتفاقهم أن ما أحوج من الفقر مكروه ، وما أبطر من الغنى مذموم ؛ فذهب قوم إلى تفضيل الغني ، لأن الغني مقتدر والفقير عاجز ، والقدرة أفضل من العجز . قال الماوردي : وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة . وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر ، لأن الفقير تارك والغني ملابس ، وترك الدنيا أفضل من ملابستها . قال الماوردي : وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة . وذهب آخرون إلى تفضيل التوسط بين الأمرين بأن يخرج عن حد الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة الأمرين ، وليسلم من مذمة الحالين . قال الماوردي : وهذا مذهب من يرى تفضيل الاعتدال وأن ( خير الأمور أوسطها ) . ولقد أحسن الشاعر الحكيم حيث قال :ألا عائذا بالله من عدم الغنى ومن رغبة يوما إلى غير مرغبالرابعة : قوله تعالى : غير أولي الضرر قراءة أهل الكوفة وأبو عمرو " غير " بالرفع ؛ قال الأخفش : هو نعت للقاعدين ؛ لأنهم لم يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير ؛ والمعنى لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر ؛ أي لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر . والمعنى لا يستوي القاعدون الأصحاء ؛ قاله الزجاج . وقرأ أبو حيوة " غير " جعله نعتا للمؤمنين ؛ أي من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر من المؤمنين الأصحاء . وقرأ أهل الحرمين " غير " بالنصب على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين ؛ أي إلا أولي الضرر فإنهم يستوون مع المجاهدين . وإن شئت على الحال من القاعدين ؛ أي لا يستوي القاعدون من الأصحاء أي في حال صحتهم ؛ وجازت الحال منهم ؛ لأن لفظهم لفظ المعرفة ، وهو كما تقول : جاءني زيد غير مريض . وما ذكرناه من سبب النزول يدل على معنى النصب ، والله أعلم .الخامسة : فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وقد قال بعد هذا : درجات منه ومغفرة ورحمة فقال قوم : التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد . وقيل : فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة ، وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير عذر درجات ؛ قال ابن جريج والسدي وغيرهما . وقيل : إن معنى درجة علو ، أي أعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح والتقريظ . فهذا معنى درجة ، و ( درجات ) يعني في الجنة . قال ابن محيريز : سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرس الجواد سبعين سنة . ودرجات بدل من أجر وتفسير له ، ويجوز نصبه أيضا على تقدير الظرف ؛ أي فضلهم بدرجات ، ويجوز أن يكون توكيدا لقول " أجرا عظيما " لأن الأجر العظيم هو الدرجات والمغفرة والرحمة ، ويجوز الرفع ؛ أي ذلك درجات . وأجرا نصب ب فضل وإن شئت كان مصدرا وهو أحسن ، ولا ينتصب ب " فضل " لأنه قد استوفى مفعوليه وهما قوله : ( المجاهدين ) وعلى القاعدين ؛ وكذا درجة . فالدرجات منازل بعضها أعلى من بعض . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين الدرجتين كما بين السماء والأرض . وكلا وعد الله الحسنى كلا منصوب ب " وعد " والحسنى الجنة ؛ أي وعد الله كلا الحسنى . ثم قيل : المراد ( بكل ) المجاهدون خاصة . وقيل : المجاهدون وأولو الضرر . والله أعلم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون "، لا يعتدل المتخلِّفون عن الجهاد في سبيل الله من أهل الإيمان بالله وبرسوله، المؤثرون الدعةَ والخَفْض وَالقُعودَ في منازلهم على مُقاساة حُزُونة الأسفار والسير في الأرض، ومشقة ملاقاة أعداء الله بجهادهم في ذات الله، وقتالهم في طاعة الله، إلا أهل العذر منهم بذَهَاب أبصارهم، وغير ذلك من العِلل التي لا سبيل لأهلها -للضَّرَر الذي بهم- إلى قتالهم وجهادهم في سبيل الله=" والمجاهدون في سبيل الله "، ومنهاج دينه، (1) لتكون كلمة الله هي العليا، المستفرغون طاقَتهم في قتال أعداءِ الله وأعداءِ دينهم= بأموالهم، إنفاقًا لها فيما أوهَن كيد أعداء أهل الإيمان بالله - وبأنفسهم، مباشرة بها قتالهم، بما تكون به كلمة الله العالية، وكلمة الذين كفروا السافلة.* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله: " غير أولي الضرر ".* * *فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة ومكة والشأم ( غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ ) ، نصبًا، بمعنى: إلا أولي الضرر.وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة والبصرة: (2) ( غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ) برفع " غير "، على مذهب النّعت " للقاعدين ".قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: ( غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ ) بنصب " غير "، لأن الأخبار متظاهرة بأن قوله: " غير أولي الضرر "، نزل بعد قوله: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم "، استثناءً من قوله: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون ".* * *ذكر بعض الأخبار الواردة بذلك:10233- حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ائتوني بالكتف والَّلوح، فكتب (3) " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون "، وعمرو بن أم مكتوم خلف ظَهره، فقال: هل لي من رُخصة يا رسول الله؟ فنزلت: " غير أولي الضرر ". (4)10234- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما نزلت: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين "، جاء ابن أم مكتوم وكان أعمى، فقال: يا رسول الله، كيف وأنا أعمى؟ فما برح حتى نزلت: " غير أولي الضرر ". (5)10235- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب في قوله: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر "، قال: لما نزلت، جاء عمرو ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ضريرَ البصر، فقال: يا رسول الله، ما تأمرني، فإني ضرير البصر؟ فأنزل الله هذه الآية، فقال: ائتوني بالكتف والدواة، أو: اللوح والدواة. (6)10236- حدثني إسماعيل بن إسرائيل الدلال الرَّملي قال، حدثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة قال، حدثنا مسعر، عن أبي إسحاق، عن البراء: أنه لما نزلت: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين "، كلمه ابن أم مكتوم، فأنزلت: " غير أولي الضرر ". (7)10237- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، أنه سمع البراء يقول في هذه الآية: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله "، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا فجاء بكتف فكتبها. قال: فشكا إليه ابن أم مكتوم ضَرَارته، فنزلت: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ".= قال شعبة، وأخبرني سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن رجل، عن زيد في هذه الآية: " لا يستوي القاعدون "، مثل حديث البراء. (8)10238- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان الشيباني، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم قال: لما نزلت: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله "، جاء ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله، ما لي رخصة؟ قال: لا! قال ابن أم مكتوم: اللهم إني ضرير فرخِّص! فأنزل الله: " غير أولي الضرر "، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبها= يعني: الكاتب. (9)10239- حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سهل بن سعد قال: رأيت مروان بن الحكم جالسًا، فجئت حتى جلست إليه، فحدَّثنا عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل عليه: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله "، قال: فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدتُ! قال: فأنزل عليه وفخذُه على فخذي، فثقلت، فظننتُ أن تُرَضَّ فخذي، ثم سُرِّي عنه، فقال: " غير أولي الضرر ". (10)10240- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اكتب: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله "، فجاء عبد الله بن أم مكتوم فقال: يا رسول الله، إني أحبُّ الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الزَّمَانة ما قد ترى، قد ذهب بصري! قال زيد: فثقلت فخِذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي حتى خشيت أن يَرُضَّها، ثم قال: اكتب: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ". (11)10241- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني عبد الكريم: أن مقسمًا مولى عبد الله بن الحارث أخبره: أن ابن عباس أخبره قال: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين "، عن بدر، والخارجون إلى بدر. (12)10242- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، أخبرني عبد الكريم: أنه سمع مقسمًا يحدث عن ابن عباس، أنه سمعه يقول: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين " عن بدر، والخارجون إلى بدر، لما نزل غزو بدر. (13) قال عبد الله ابن أم مكتوم وأبو أحمد بن جحش بن قيس الأسدي: يا رسول الله، إنا أعميان، فهل لنا رخصة؟ فنزلت: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ". (14)10243- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم "، فسمع بذلك عبد الله بن أم مكتوم الأعمى، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قد أنزل الله في الجهاد ما قد علمت، وأنا رجل ضرير البصر لا أستطيع الجهاد، فهل لي من رخصة عند الله إن قعدت؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أمرت في شأنك بشيء، وما أدري هل يكون لك ولأصحابك من رخصة! فقال ابن أم مكتوم: اللهم إني أنشدك بصري! فأنزل الله بعد ذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله " إلى قوله: عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً .10244- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد قال: نزلت: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله "، فقال رجل أعمى: يا نبي الله، فأنا أحب الجهادَ ولا أستطيع أن أجاهد! فنزلت: " غير أولي الضرر ".10245- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن عبد الله بن شداد قال: لما نزلت هذه الآية في الجهاد: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين "، قال عبد الله ابن أم مكتوم: يا رسول الله، إنّي ضرير كما ترى! فنزلت: " غير أولي الضرر ". (15)10246- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر "، عذرَ الله أهل العذر من الناس فقال: " غير أولي الضرر "، كان منهم ابن أم مكتوم=" والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ".10247- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله " إلى قوله: وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ، لما ذكر فضلَ الجهاد، قال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، إنّي أعمى ولا أطيق الجهاد! فأنزل الله فيه: " غير أولي الضرر ".10248- حدثني المثنى قال، حدثنا محمد بن عبد الله النفيلي قال، حدثنا زهير بن معاوية قال، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ادع لي زيدًا، وقل له يأتي= أو: يجيء= بالكتف والدواة= أو: اللوح والدواة= الشك من زهير= اكتب: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله "، فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، إن بعيني ضررًا! فنزلت قبل أن يبرَح: " غير أولي الضرر ". (16)10249- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البَرَاء بنحوه= إلا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي زيدًا، وليجئني معه بكتف ودواة= أو: لوح ودواة. (17)10250- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل، عن زياد بن فياض، عن أبي عبد الرحمن قال: لما نزلت: " لا يستوي القاعدون "، قال عمرو ابن أم مكتوم: يا رب، ابتليتني فكيف أصنع؟ قال: فنزلت: " غير أولي الضرر ". (18)وكان ابن عباس يقول في معنى: " غير أولي الضرر " نحوًا مما قلنا.10251- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " غير أولي الضرر "، قال: أهل الضرر.* * *القول في تأويل قوله : فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةًقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، على القاعدين من أولي الضرر، درجة واحدة= يعني: فضيلة واحدة (19) = وذلك بفضل جهاده بنفسه، فأما فيما سوى ذلك، فهما مستويان، كما:-10252- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك: أنه سمع ابن جريج يقول في: " فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة "، قال: على أهل الضرر.* * *القول في تأويل قوله : وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: " وكلاًّ وعد الله الحسنى "، وعد الله الكلَّ من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، (20) والقاعدين من أهل الضرر=" الحسنى "، ويعني جل ثناؤه: ب " الحسنى "، الجنة، كما:-10253- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وكلاًّ وعد الله الحسنى "، وهي الجنة، والله يؤتي كل ذي فضل فضلَه.10254- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: " الحسنى "، الجنة.وأما قوله: " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا "، فإنه يعني: وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين من غير أولي الضرر، أجرًا عظيمًا، كما:-10255- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جريج: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً ، قال: على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر.-----------------الهوامش :(1) انظر تفسير"في سبيل الله" فيما سلف ... ، والمراجع هناك.(2) في المطبوعة: "قرأة أهل العراق والكوفة والبصرة" ، وأثبت ما في المخطوطة.(3) في المطبوعة"فكتب" ، وأثبت ما في المخطوطة.(4) الحديث: 10233 - هذا حديث البراء بن عازب ، في شأن نزول قوله تعالى (غير أولي الضرر) - وقد رواه الطبري هنا بسبعة أسانيد. خمسة منها في نسق: 10233 - 10237 ، ثم: 10248 ، 10249.وأبو إسحاق -فيها كلها-: هو أبو إسحاق السبيعي.فهذا الحديث أولها ، "عن نصر بن علي الجهضمي" - رواه الترمذي 3: 19 ، عن نصر بن علي ، بهذا الإسناد.وكذلك رواه النسائي 2 : 54 ، عن نصر بن علي.وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه ، رقم: 40 - بتحقيقنا- عن محمد بن عمر بن يوسف ، عن نصر بن علي.وقوله: "فكتب: لا يستوي" - إلخ: يعني أمر بالكتابة. وهذا هو الثابت في المطبوعة"فكتب" بالفاء. وهو الموافق لما في الترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، وفي المخطوطة"وكتب" بالواو. فأثبتنا الموافق دون المخالف ، وإن كان المعنى واحدًا.(5) الحديث: 10234 - هو تكرار للحديث قبله ، على ما في سفيان بن وكيع من ضعف. ولكنه سمع من أبي بكر بن عياش ، أبو بكر سمع من أبي إسحاق السبيعي.والحديث في ذاته صحيح من هذا الوجه:فقد رواه النسائي 2: 54 ، عن محمد بن عبيد ، عن أبي بكر بن عياش ، به.(6) الحديث: 10235 - سفيان بن وكيع لم ينفرد بروايته عن أبيه عن سفيان الثوري: فقد رواه أحمد في المسند 4 : 290 ، 299 (حلبي) ، عن وكيع ، عن الثوري - بهذا الإسناد. وكذلك رواه الترمذي 4 : 90-91 ، عن محمود بن غيلان ، عن وكيع ، به. وقال: "هذا حديث حسن صحيح. ويقال: عمرو بن أم مكتوم. ويقال: عبد الله بن أم مكتوم. وهو عبد الله بن زائدة. وأم مكتوم: أمه".(7) الحديث: 10236- إسماعيل بن إسرائيل الدلال الرملي ، أبو محمد: ثقة من شيوخ ابن أبي حاتم ، ترجمه في 1 / 1 / 158 ، وقال: "كتبنا عنه ، وهو صدوق". ولكن عنده"السلال" بدل"الدلال" - ولم نجد مرجحًا ، فأثبتنا ما ثبت هنا في المخطوطة والمطبوعة. ولكن فيه خطأ في المطبوعة: "محمد بن إسماعيل" بزياة"محمد بن" وليست في المخطوطة ، فحذفناها. ويؤيد ذلك أن الطبري نفسه روى عنه في التاريخ 2 : 273 ، بهذا الإسناد ، عن البراء في عدة أصحاب طالوت ، وسماه هناك"إسماعيل بن إسرائيل الرملي". وحديث البراء في عدة أصحاب طالوت ، مضى بأسانيد: 5724 - 5729 ، ولكن ليس فيها هذا الإسناد الذي في التاريخ.عبد الله بن محمد بن المغيرة الكوفي ، سكن مصر: ترجمه ابن أبي حاتم 2 / 2 / 158 ، وروى عن أبيه ، قال: "ليس بالقوي". ولم يذكر أنه يروي عن مسعر ، ولكن روايته عنه ثابتة في تهذيب الكمال للحافظ المزي ، ص : 1322 (مخطوط مصور) ، في ترجمة مسعر ، في الرواة عنه ، وكذلك ثبت في ترجمته هو في لسان الميزان 3 : 332 - 333 أنه يروي عن مسعر. وفي ترجمته هذه ما يدل على جرحه جرحًا شديدًا ، يسقط روايته.والحديث من رواية مسعر - ثابت صحيح ، من غير رواية عبد الله بن محمد بن المغيرة هذا. فرواه مسلم 2 : 101 ، عن أبي كريب ، عن ابن بشر ، وهو محمد بن بشر بن الفرافصة العبدي الحافظ ، عن مسعر ، به.(8) الحديث: 10237 - إبو إسحاق: هو السبيعي ، كما قلنا آنفًا. ووقع في المطبوعة"عن ابن إسحاق" ، وهو خطأ يقينًا. وثبت على الصواب في المخطوطة.والحديث رواه أحمد في المسند 4 : 282 (حلبي) ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، به. ورواه مسلم 2 : 100-101 ، عن محمد بن المثنى (شيخ الطبري هنا) ، وعن محمد بن بشار - كلاهما عن محمد بن جعفر ، به.ورواه أبو داود الطيالسي: 705 ، عن شعبة ، به.ورواه أحمد أيضا 4: 284 ، عن عفان و299-300 ، عن عبد الرحمن (وهو ابن مهدي) - كلاهما عن شعبة.ورواه البخاري 6: 34 (فتح) ، والدارمي 2 : 209 - كلاهما عن أبي الوليد الطيالسي ، عن شعبة.وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه ، رقم: 41 (بتحقيقنا) ، عن أبي خليفة ، عن أبي الوليد الطيالسي ، به.ورواه البخاري أيضًا 8: 196 (فتح) ، عن حفص بن عمر ، عن شعبة.وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى 9 : 23 ، بإسنادين ، من طريق حفص بن عمر. وهذا كله عن أصل الحديث ، حديث البراء. وأما الإسناد الآخر الملحق به هنا: "شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن رجل ، عن زيد" - وهو ابن ثابت: فإنه في الحقيقة حديث آخر بإسناد آخر ، فيه رجل مبهم. فيكون إسناده ضعيفًا. وحديث زيد بن ثابت -في نفسه- صحيح ، وسيأتي: 10239 ، 10240.وأما من هذا الوجه الضعيف ، فقد رواه مسلم أيضًا ، تبعًا لحديث البراء هذا ، كمثل صنيع الطبري هنا. وبالضرورة ليس هذا الإسناد على شرط الصحيح عند مسلم. وإنما ساقه تمامًا للرواية عن شعبة ، كما سمعه.ومن العجب أن لم يتحدث عنه النووي في شرحه 13 : 42 ، ولم يذكر علته.ومن عجب أيضًا أن لم يذكره الحافظ المزي في باب (المبهمات) من تهذيب الكمال ، ولا ذكره أحد من فروعه - مع أنه في صحيح مسلم بروايتين: "عن سعد بن إبراهيم ، عن رجل ، عن زيد" ، و"عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن رجل ، عن زيد".ثم لما نعرف هذا الرجل المبهم.وسعد: هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. وأبوه: من كبار التابعين ، فمن المحتمل جدًا أن يكون شيخه الرجل المبهم هنا صحابيًا. ولكنا لا نستطيع ترجيح ذلك.(9) الحديث: 10238 - إسحاق بن سليمان الرازي العبدي: مضى توثيقه في: 6456 . أبو سنان الشيباني: هو الأصغر الكوفي ، واسمه"سعيد بن سنان البرجمي". وهو ثقة ، تكلم فيه من أجل بعض خطئه. وقد مضت ترجمته في: 175.وقد وهم الحافظ في الفتح 8: 196 وهمًا شديدًا ، حين أشار إلى هذا الحديث من رواية الطبراني -كما سيأتي- فزعم أنه"ضرار بن مرة"! وهو أبو سنان الشيباني الأكبر. والذي يروي عن أبي إسحاق السبيعي ويروي عنه إسحاق بن سليمان الرازي - هو"أبو سنان الشيباني الأصغر ، سعيد بن سنان" ، كما هو بين من تهذيب الكمال وفروعه. فلم يذكر الحافظ المزي في ترجمتيهما إلا ما قلنا.وأبو إسحاق: هو السبيعي ، كما ذكرنا آنفًا. ووقع في المطبوعة"عن ابن إسحاق". وهو خطأ ، صوابه ما أثبتنا عن المخطوطة. وهو الثابت في الرواية.والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص9 ، وقال: "رواه الطبراني ، ورجاله ثقات".وأشار إليه الحافظ في الفتح 8 : 196 -كما قلنا آنفًا. وذكر أنه عند الطبراني ، وعلله بأن"المحفوظ: عن أبي إسحاق عن البراء. كذا اتفق الشيخان عليه من طريق شعبة ..." ، ثم أشار إلى كثير من الروايات التي ذكرها الطبري هنا وفيما يأتي.ولسنا نرى هذا علة لذاك ، ولا ذاك علة لهذا ، فالقصة مشهورة وقد رواها أيضًا زيد بن ثابت ، كما سيأتي: 10239 ، 10240.ورواها أيضًا الفلتان بن عاصم الجرمي الصحابي ، مطولة. ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص9. وقال: "رواه أبو يعلى ، والبزار بنحوه ، والطبراني بنحوه... ورجال أبي يعلى ثقات".وذكره الحافظ في الإصابة 5: 213 في ترجمة الفلتان ، من رواية الحسن بن سفيان في مسنده ، ثم ذكر أنه رواه ابن أبي شيبة ، وأبو يعلى ، وابن حبان في صحيحه.وذكره السيوطي 2 : 203-204 ، وزاد نسبته لعبد بن حميد.ورواها ابن عباس ، كما سيأتي: 10242.(10) الحديث: 10239 - رواه النسائي 2 : 54 ، عن محمد بن عبد الله بن بزيع ، أحد شيخي الطبري هنا - بهذا الإسناد.ورواه أحمد في المسند 5: 184 (حلبي) ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح ، عن الزهري ، به ، ولم يذكر لفظه كاملا ، أحاله على رواية قبيصة بن ذؤيب قبله. وهي الرواية التي ستأتي هنا عقب هذا.ورواه البخاري 8: 195-196 (فتح) ، من طريق إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، به. ورواه الترمذي 4: 92 ، والنسائي 2 : 54 ، وابن الجارود ، ص: 460 - كلهم من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه.ورواه البيهقي 9 : 23 ، من طريق إبراهيم بن سعد.وذكره السيوطي 2 : 202-203 ، وزاد نسبته لابن سعد ، وعبد بن حميد ، وأبي داود ، وابن المنذر ، وأبي نعيم في الدلائل."رض الشيء يرضه رضا": كسره. و"سُري عنه" (بالبناء للمجهول): أي كشف عنه وتجلى ما كان يأخذه من الكرب عند نزول الوحي.(11) الحديث: 10240 - هو في معنى الحديث السابق عن زيد بن ثابت ، ولكنه من رواية قبيصة بن ذؤيب عنه.وقبيصة بن ذؤيب بن حلحلة: تابعي كبير ثقة ، كما مضى في: 5471 وهو مترجم في التهذيب وغيره ، وفي الإصابة 5: 271-272.والحديث في تفسير عبد الرزاق ، ص: 48 (مخطوط مصور).ورواه أحمد في المسند 5: 184 (حلبي) ، عن عبد الرزاق.وذكره ابن كثير 2 : 549 ، من تفسير عبد الرزاق ، ثم قال: "رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير.وأشار إليه الحافظ في الفتح 8: 195 ، ونسبه لأحمد فقط.(12) الحديث: 10241 - هذا الحديث ليس في تفسير عبد الرزاق ، فلعله في المصنف. ولم يروه أحمد في المسند ، فيما وصل إليه تتبعي.وقد رواه البخاري 8: 196-197 ، هكذا مختصرًا ، من طريق هشام ، عن ابن جريج ، ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج.وذكره ابن كثير 2: 549 ، وقال: "انفرد به البخاري دون مسلم".وذكره السيوطي 2: 203 ، وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم. وسيأتي عقيب هذا ، بأطول منه.(13) في المطبوعة: "لما نزلت غزوة بدر" ، وأثبت ما في المخطوطة.(14) الحديث: 10242 - هذا هو السياق المطول للحديث السابق ، وفيه قصة ابن أم مكتوم ، التي مضت مرارًا من حديث البراء بن عازب ، ومن حديث زيد بن أرقم ، ومن حديث زيد بن ثابت - مع بعض زيادات أخر في القصة.والحديث -من هذا الوجه- رواه الترمذي 4 : 91 ، وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس".وقد نقله الحافظ في الفتح 8 : 197 ، من رواية الترمذي ، وأشار إلى رواية الطبري هنا ، كما سيأتي.ونقله ابن كثير أيضا 2 : 549-550 ، عن رواية الترمذي.ونقله السيوطي 2: 203 ، وزاد نسبته للنسائي ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه.ووقع في رواية الترمذي ومن نقل عنه: "وعبد الله بن جحش". بدل"وأبو أحمد بن جحش". وجزم الحافظ في الفتح بأن الصواب ما في رواية الطبري"وأبو أحمد بن جحش" ، قال: "فإن عبد الله أخوه. وأما هو فاسمه: "عبد" ، بغير إضافة. وهو مشهور بكنيته".و"عبد الله بن جحش" لم يكن أعمى. وقد قتل شهيدًا في غزوة أحد.وأخوه"أبو أحمد": مترجم في الإصابة 7: 3-4 ، وابن سعد 7 / 1 / 76-77. وجزم الحافظ في الإصابة بأن اسمه"عبد" بدون إضافة ، كما قال في الفتح. وفي ابن سعد أن اسمه"عبد الله". وأخشى أن يكون خطأ طابع أو ناسخ.وقال الحافظ في الإصابة: "وكان أبو أحمد ضريرًا ، يطوف بمكة أعلاها وأسفلها بغير قائد ، وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب ، وشهد بدرًا والمشاهد".(15) الحديث: 10245 - حصين: هو ابن عبد الرحمن السلمي.وهذا الحديث مرسل ، لأن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي: تابعي من كبار التابعين وثقاتهم. ولكنه لم يذكر عمن رواه. وإن كان أصل الحديث في ذاته صحيحًا ، بما ثبت في الروايات السابقة. والحديث ذكره السيوطي 2: 204 - هكذا مرسلا. ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد.(16) الحديث: 10248 - هو والذي بعده من روايات حديث البراء ، الذي مضى بالأسانيد: 10233-10237 ، كما أشرنا إليهما هناك.وهو من هذا الوجه -رواه أحمد في المسند 4: 301 (حلبي) ، عن هاشم بن القاسم ، عن زهير ، وهو ابن معاوية ، بهذا الإسناد.(17) الحديث: 10249 - إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، راوية جده أبي إسحاق.والحديث رواه البخاري 8 : 196 ، عن محمد بن يوسف ، عن إسرائيل.ورواه البخاري أيضًا 9 : 19 (فتح) ، عن عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل.وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه ، رقم: 39 (بتحقيقنا) ، من طريق محمد بن عثمان العجلي ، عن عبيد الله بن موسى.(18) الحديث: 10250 - زياد بن فياض الخزاعي الكوفي: مضت ترجمته وتوثيقه في: 1382.وشيخه"أبو عبد الرحمن": لم أعرف من هو ، ولم أجد قرينة تعين شيخًا بعينه؟ و"أبو عبد الرحمن": كنيته واسعة فيها كثرة كثيرة.وأيا ما كان فهو -على الأكثر- من التابعين ، لأن زياد بن فياض لا يرتفع في روايته فوق التابعين. فيكون الحديث مرسلا غير موصول.وهكذا ذكره السيوطي 2 : 204 ، على هذا الوجه من الإرسال ، ونسبه لابن سعد ، وعبد بن حميد ، والطبري.(19) انظر تفسير"الدرجة" فيما سلف 4 : 533-536 / 7: 368 .(20) انظر ما قاله في"كل" فيما سلف 3: 195 / 5 : 509 / 6: 210.
﴿ لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ﴾