إعراب الآية 142 من سورة النساء - إعراب القرآن الكريم - سورة النساء : عدد الآيات 176 - - الصفحة 101 - الجزء 5.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ) إن واسمها والجملة الفعلية بعدها خبرها (وَ هُوَ خادِعُهُمْ) مبتدأ وخبر والجملة في محل نصب حال (وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) جملة قاموا الأولى في محل جر بالإضافة لأنها وليت إذا وجملة قاموا الثانية لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم كسالى حال منصوبة بالفتحة المقدرة (يُراؤُنَ النَّاسَ) فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة في محل نصب حال (وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) عطف على ما قبله قليلا مفعول مطلق وإلا أداة حصر.
استئناف ابتدائي ، فيه زيادة بيان لمساويهم . والمناسبةُ ظاهرة . وتأكيد الجملة بحرف ( إنّ ) لتحقيق حالتهم العجيبة وتحقيق ما عقبها من قوله : { وهو خادعهم } .
وتقدّم الكلام على معنى مخادعة المنافقين الله تعالى في سورة البقرة ( 9 ) عند قوله : { يخادعون الله والذين آمنوا } وزادت هذه الآية بقوله : وهو خادعهم } أي فقابلهم بمثل صنيعهم ، فكما كان فعلهم مع المؤمنين المتبعين أمر الله ورسوله خداعاً لله تعالى ، كان إمْهال الله لهم في الدنيا حتى اطمأنّوا وحسبوا أن حيلتهم وكيدهم راجَا على المسلمين وأنّ الله ليس ناصرهم ، وإنذارهُ المؤمنين بكيدهم حتّى لا تنطلي عليهم حيلهم ، وتقديرُ أخذه إيّاهم بأخَرَة ، شبيهاً بفعل المخادع جزءاً وفاقاً . فإطلاق الخداع على استدراج الله إيّاهم أستعارة تمثيلية ، وحسنَّتَهْا المشاكلة؛ لأنّ المشاكلة لا تعدو أن تكون استعارة لفظ لغير معناه مع مزيد مناسبة مع لفظ آخر مثل اللفظ المستعار . فالمشاكلة ترجع إلى التلميح ، أي إذا لم تكن لإطلاق اللفظ على المعنى المراد علاقةٌ بين معنى اللفظ والمعنى المراد إلاّ محاكاة اللفظ ، سميّت مشاكلة كقول أبي الرقَعْمَق .
قالوا :
اقترْحْ شيئاً نجد لك طبخه ... قلتُ : أطبخوا لي جُبَّةً وقَميصاً
و«كُسالى» جمع كسلان على وزن فُعالى ، والكَسلان المتّصف بالكسل ، وهو الفتور في الأفعال لسآمةٍ أو كراهية . والكسل في الصلاة مؤذن بقلّة اكتراث المصلّي بها وزهده في فعلها ، فلذلك كان من شيم المنافقين . ومن أجل ذلك حذّرت الشريعة من تجاوز حدّ النشاط في العبادة خشية السآمة ، ففي الحديث " عليكم من الأعمال بما تطيقون فإنّ الله لا يَمَلُّ حتّى تَمَلّوا " . ونهى على الصلاة والإنسان يريد حاجته ، وعن الصلاة عند حضور الطعام ، كلّ ذلك ليكون إقبال المؤمن على الصلاة بَشَرهٍ وعزم ، لأنّ النفس إذا تطرّقتها السآمة من الشيء دبّت إليها كراهيته دبيباً حتّى تتمكّن منها الكراهِية ، ولا خطَر على النفس مثلُ أن تكره الخير .
و«كسالى» حال لازمة من ضمير { قاموا } ، لأنّ قاموا لا يصلح أن يقع وحده جواباً ل«إذا» التي شرطها «قاموا» ، لأنّه لو وقع مجرّداً لكان الجواب عين الشرط ، فلزم ذكر الحال ، كقوله تعالى : { وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراماً } [ الفرقان : 72 ] وقول الأحوص الأنصاري :
فإذا تَزُولُ تَزُولُ عن مُتَخَمِّطٍ ... تُخْشَى بَوادره على الأقران
وجملة { يراءَون الناس } حال ثانية ، أو صفة ل ( كسالى ) ، أو جملة مستأنفة لبيان جواب من يسأل : ماذا قَصْدُهم بهذا القيام للصلاة وهلاّ تركوا هذا القيام من أصله ، فوقع البيان بأنّهم يُراءون بصلاتهم الناس . { ويُراءون } فعل يقتضي أنّهم يُرون الناس صلاتهم ويُريهم الناس . وليس الأمر كذلك ، فالمفاعلة هنا لمجرد المبالغة في الإراءة ، وهذا كثير في باب المفاعلة .
وقوله : { ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً } معطوف على { يُراءُون } إن كان { يراءون } حالاً أو صفة ، وإن كان { يراءون } استئناف فجملة { ولا يذكرون } حال ، والواو واو الحال ، أي : ولا يذكرون الله بالصلاة ألاّ قليلاً .
فالاستثناء إإمّا من أزمنة الذكر ، أي إلاّ وقتاً قليلاً ، وهو وقت حضورهم مع المسلمين إذ يقومون إلى الصلاة معهم حينئذٍ فيذكرون الله بالتكبير وغيره ، وإمّا من مصدر { يذكرون } ، أي إلاّ ذكراً قليلاً في تلك الصلاة التي يُراءون بها ، وهو الذكر الذي لا مندوحة عن تركه مثل : التأمين ، وقول ربنا لك الحمد ، والتكبير ، وما عدا ذلك لا يقولونه من تسْبيححِ الركوع ، وقراءةِ ركعات السرّ . ولك أن تجعل جملة { ولا يذكرون } معطوفة على جملة { وإذا قاموا } ، فهي خبر عن خصالهم ، أي هم لا يذكرون الله في سائر أحوالهم إلاّ حالا قليلاً أو زمناً قليلاً وهو الذكر الذي لا يخلو عنه عبد يحتاج لربّه في المنشط والمكره ، أي أنّهم ليسوا مثل المسلمين الذين يذكرون الله على كلّ حال ، ويكثرون من ذكره ، وعلى كلّ تقدير فالآية أفادت عبوديتهم وكفرَهم بنعمة ربّهم زيادة على كفرهم برسوله وقرآنه .
المصدر : إعراب : إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى