إعراب الآية 16 من سورة نوح - إعراب القرآن الكريم - سورة نوح : عدد الآيات 28 - - الصفحة 571 - الجزء 29.
(وَجَعَلَ) ماض فاعله مستتر (الْقَمَرَ) مفعول به أول (فِيهِنَّ) حال (نُوراً) مفعول به ثان والجملة معطوفة على ما قبلها وما بعده معطوف عليه.
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
وقوله : { وجعل القمر فيهن نوراً } صالح لاعتبار القمر من السماوات ، أي الكواكب على الاصطلاح القديم المبني على المشاهدة ، لأن ظرفية ( في ) تكون لوقوع المحوي في حاويه مثل الوعاء ، وتكون لوقوع الشيء بين جماعته ، كما في حديث الشفاعة « وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها » ، وقول النميري :
تَضوَّعَ مسكاً بطن نَعْمَانَ أنْ مشتْ
به زينب في نِسْوَةٍ خَفِرَاتِ
و { القمر } كائن في السماء المماسة للأرض وهي المسماة بالسماء الدنيا ، والله أعلم بأبعادها .
وقوله : { وجعل الشمس سراجاً } هو بتقدير : وجعل الشمس فيهن سراجاً ، والشمس من الكواكب .
والإِخبار عن القمر بأنه نور مبالغة في وصفه بالإِنارة بمنزلة الوصف بالمصدر . والقمر ينير ضوؤُه الأرضَ إنارة مفيدة بخلاف غيره من نجوم الليل فإن إنارتها لا تجدي البشر .
والسراج : المصباح الزاهر نورُه الذي يوقد بفتيلة في الزيت يُضيء التهابُها المعدَّلُ بمقدار بقاء مادة الزيت تغمرها .
والإِخبار به عن الشمس من التشبيه البليغ وهو تشبيه ، والقصد منه تقريب المشبه من إدراك السامع ، فإن السراج كان أقصى ما يستضاء به في الليل وقلّ من العرب من يتخذه وإنما كانوا يرونه في أديرة الرُهبان أو قصور الملوك وأضرابهم ، قال امرؤ القيس
يضي سناه أو مصابيح راهبٍ ... أمال الذُّبَال بالسليط المفتل
ووصفوا قصر غُمْدان بالإِضاءة على الطريق ليلاً .
ولم يخبر عن الشمس بالضياء كما في آية سورة يونس ( 5 ) { هو الذي جعل الشمس ضياء } ، والمعنى واحد وهو الإضاءة ، فلعل إيثار السراج هنا لمقاربة تعبير نوح في لغته ، مع ما فيه من الرعاية على الفاصلة ، لأن الفواصل التي قبلها جاءت على حروف صحيحة ولو قيل : ضياء لصارت الفاصلة همزة والهمزة قريبة من حروف العلة فيثقل الوقف عليها .
وفي جعل القمر نوراً إيماء إلى أن ضوء القمر ليس من ذاته فإن القمر مظلم وإنما يستضيء بانعكاس أشعة الشمس على ما يستقبلها من وجهه بحسب اختلاف ذلك الاستقبال من تبعُّض وتمام هو أثر ظهوره هلالاً ثم اتساع استنارته إلى أن يصير بدراً ، ثم ارتجاع ذلك ، وفي تلك الأحوال يضيء على الأرض إلى أن يكون المحاق . وبعكس ذلك جعلت الشمس سراجاً لأنها ملتهبة وأنوارها ذاتية فيها صادرة عنها إلى الأرض وإلى القمر مثل أنوار السراج تملأ البيت وتُلمع أوانيَ الفضة ونحوها مما في البيت من الأشياء المقابلة .
وقد اجتمع في قوله : وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً } استدلال وامتنان .