إعراب الآية 18 من سورة الأحزاب - إعراب القرآن الكريم - سورة الأحزاب : عدد الآيات 73 - - الصفحة 420 - الجزء 21.
(قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ) قد حرف تكثير ومضارع وفاعله (الْمُعَوِّقِينَ) مفعول به (مِنْكُمْ) متعلقان بما قبلهما والجملة مستأنفة لا محل لها.
(وَالْقائِلِينَ) معطوف على المعوقين (لِإِخْوانِهِمْ) متعلقان بما قبلهما (هَلُمَّ) اسم فعل أمر (إِلَيْنا) متعلقان بما قبلهما والجملة مقول القول. والواو حالية (لا يَأْتُونَ) لا نافية ومضارع مرفوع والواو فاعله (الْبَأْسَ) مفعول به (إِلَّا) حرف حصر (قَلِيلًا) صفة مفعول مطلق محذوف والجملة حال.
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) استئناف بياني ناشىء عن قوله { من ذا الذي يعصمكم من الله } [ الأحزاب : 17 ] لأن ذلك يثير سؤالاً يهجس في نفوسهم أنهم يُخفون مقاصدهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يشعر بمرادهم من الاستئذان ، فأُمر أن يقول لهم { قد يعلم الله المعوِّقين منكم } أي : فالله ينبىء رسوله بكم بأن فِعْل أولئك تعويق للمؤمنين . وقد جعل هذا الاستئناف تخلصاً لذكر فريق آخر مِن المعوّقين .
و { قد } مفيد للتحقيق لأنهم لنفاقهم ومَرض قلوبهم يشكّون في لازم هذا الخبر وهو إنباء الله رسوله عليه الصلاة والسلام بهم ، أو لأنهم لجهلهم الناشىء عن الكفر يظنون أن الله لا يعلم خفايا القلوب . وذلك ليس بعجيب في عقائد أهل الكفر . ففي «صحيح البخاري» عن ابن مسعود : «اجتمع عند البيت قُرشيان وثقفيّ أو ثقفيان وقرشي كثيرةٌ شُحمُ بطونهم قليلةٌ فِقهُ قلوبهم ، فقال أحدهم : أتُرَوْنَ أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر : يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا . وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله تعالى : { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جُلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون } [ فصلت : 22 ] فللتوكيد بحرف التحقيق موقع . ودخول { قد } على المضارع لا يخرجها عن معنى التحقيق عند المحققين من أهل العربية ، وأن ما توهموه من التقليل إنما دل عليه المقام في بعض المواضع لا من دلالة { قد ، } ومثله إفادة التكثير ، وتقدم ذلك عند قوله تعالى { قد نرى تقلب وجهك في السماء } في سورة البقرة ( 144 ) ، وقوله تعالى : { قد يعلم ما أنتم عليه } في آخر سورة النور ( 64 ) .
والمعوِّق : اسم فاعل من عَوّق الدال على شدة حصول العَوْق . يقال : عاقه عن كذا ، إذا منعه وثبطه عن شيء ، فالتضعيف فيه للشدة والتكثير مثل : قطَّع الحبل ، إذا قطعه قطعاً كبيرة ، { وغلَّقَت الأبواب } [ يوسف : 23 ] ، أي : أحكمت غلقها . ويكون للتكثير في الفعل القاصر مثل : مَوَّت المال ، إذ كثر الموت في الإبل ، وطوَّف فلان ، إذا أكثر الطواف ، والمعنى : يعلم الله الذين يحرصون على تثبيط الناس عن القتال . والخطاب بقوله { منكم } للمنافقين الذين خوطبوا بقوله { لن ينفعكم الفرار } [ الأحزاب : 16 ] .
ويجوز أن يكون القائلون لإخوانهم { هلمّ إلينا هم المعوِّقين أنفسهم فيكون من عطف صفات الموصوف الواحد ، كقوله :
إلى الملك القرْم وابننِ الهمام ... ويجوز أن يكونوا طائفة أخرى وإخوانهم هم الموافقون لهم في النفاق ، فالمراد : الأخوة في الرأي والدين . وذلك أن عبد الله بن أُبَيّ ، ومعتِّب بن قُشير ، ومن معهما من الذين انخذلوا عن جيش المسلمين يوم أُحُد فرجعوا إلى المدينة كانوا يرسلون إلى من بقي من المنافقين في جيش المسلمين يقولون لهم هلمّ إلينا } أي : ارجعوا إلينا . قال قتادة : هؤلاء ناس من المنافقين يقولون لهم : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رَأس أي نفر قليل يأكلون رأس بعير ولو كانوا لَحْماً لالتهمهم أبو سفيان ومن معه تمثيلاً بأنهم سهل تغلب أبي سفيان عليهم .
و { هلمّ } اسم فعللِ أمر بمعنى أقْبِل في لغة أهل الحجاز وهي الفصحى ، فلذلك تلزم هذه الكلمة حالة واحدة عندهم لا تتغير عنها ، يقولون : هلمّ ، للواحد والمتعدد المذكّر والمؤنّث ، وهي فعل عند بني تميم فلذلك يُلحقونها العلامات يقولون : هَلمّ وهلمّي وهَلُما وهَلمُّوا وهلْمُمْن . وتقدم في قوله تعالى { قل هلمّ شهداءكم } في سورة الأنعام ( 150 ) . والمعنى : انخذلوا عن جيش المسلمين وأقبلوا إلينا .
وجملة ولا يأتون البأس إلا قليلاً } كلام مستقل فيجوز أن تكون الجملة حالاً من القائلين لإخوانهم { هلمّ إلينا . } ويجوز أن تكون عطفاً على المعوّقين والقائلين لأن الفعل يعطف على المشتق كقوله تعالى { فالمغيرات صُبحاً فأثَرْنَ } [ العاديات : 3 ، 4 ] وقوله : { إنّ المصَّدِّقين والمصَّدِّقات وأقرضوا الله } [ الحديد : 18 ] ، فالتقدير هنا : قد يعلم الله المعوّقين والقائلين وغيرَ الآتين البأس ، أو والذين لا يأتون البأس . وليس في تعدية فعل العلم إلى { لا يأتون } إشكال لأنه على تأويل كما أن عمل الناسخ في قوله { وأقرضوا } [ الحديد : 18 ] على تأويل ، أي : يعلم الله أنهم لا يأتون البأس إلا قليلاً ، أي : يعلم أنهم لا يقصدون بجمع إخوانهم معهم الاعتضادَ بهم في الحرب ولكن عزلهم عن القتال .
ومعنى { إلا قليلاً } إلا زماناً قليلاً ، وهو زمان حضورهم مع المسلمين المرابطين ، وهذا كقوله { فلا يؤمنون إلا قليلاً } [ النساء : 46 ] ، أي : إيماناً ظاهراً ، ومثل قوله تعالى : { أم بظاهر من القول } [ الرعد : 33 ] . و { قليلاً } صفة لمصدر محذوف ، أي : إتياناً قليلاً ، وقلّته تظهر في قلة زمانه وفي قلة غنائه .
و { البأس : الحرب وتقدم في قوله تعالى { لِيُحصِنَكُم من بأسكم } في سورة الأنبياء ( 80 ) . وإتيان الحرب مراد به إتيان أهل الحرب أو موضعها . والمراد : البأس مع المسلمين ، أي : مكراً بالمسلمين لا جبْناً .
المصدر : إعراب : قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس