إعراب الآية 3 من سورة ص - إعراب القرآن الكريم - سورة ص : عدد الآيات 88 - - الصفحة 453 - الجزء 23.
(كَمْ) خبرية في محل نصب مفعول به مقدم لأهلكنا (أَهْلَكْنا) ماض وفاعله (مِنْ قَبْلِهِمْ) متعلقان بأهلكنا (مِنْ قَرْنٍ) تمييز لكم (فَنادَوْا) الفاء حرف عطف وماض والواو فاعله (وَلاتَ) الواو حالية ولات حرف مشبه بليس يعمل عملها واسمها محذوف تقديره ليس الحين (حِينَ) خبرها منصوب (مَناصٍ) مضاف إليه وجملة نادوا معطوفة على ما قبلها لا محل لها وجملة الفعل الناقص في محل نصب حال.
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
استئناف بياني لأن العزة عن الحق والشقاقَ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم مما يثير في خاطر السامع أن يسأل عن جزاء ذلك فوقع هذا بياناً له ، وهذه الجملة معترضة بين جملة { بل الذين كفروا في عزَّةٍ وشقاق } [ ص : 2 ] ، وبين جملة { وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم } [ ص : 4 ] .
وكان هذا البيان إخبَاراً مُرفَقاً بحجة من قبيل قياس تمثيل ، لأن قوله : { مِن قبلهم } يؤذن بأنهم مثلهم في العزة والشقاق ومتضمناً تحذيراً من التريث عن إجابة دعوة الحق ، أي ينزل بهم العذاب فلا ينفعهم ندم ولا متاب كما لم ينفع القرون من قبلهم . فالتقدير : سيجازَوْن على عزتهم وشقاقهم بالهلاك كما جُوزِيَتْ أمم كثيرة من قبلهم في ذلك فليحذروا ذلك فإنهم إن حقت عليهم كلمة العذاب لم ينفعهم متاب كما لم ينفع الذين من قبلهم متاب عند رؤية العذاب .
و { كم } اسم دال على عدد كثير . و { مِن قَرنٍ } تمييز لإِبهام العدد ، أي عدداً كثيراً من القرون ، وهي في موضع نصب بالمفعولية ل { أهْلَكنا } .
والقرن : الأمة كما في قوله تعالى : { ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين } [ المؤمنون : 42 ] . و { من قبلهم } يجوز أن يكون ظرفاً مستقراً جعل صفة ل { قَرْنٍ } مقدمة عليه فوقعت حالاً ، وإنما قدم للاهتمام بمضمونه ليفيد الاهتمامُ إيماء إلى أنهم أسوة لهم في العِزّة والشقاق وأن ذلك سبب إهلاكهم . ويجوز أن يكون متعلقاً ب { أهلكنا } على أنه ظرف لغو ، وقدم على مفعول فعله مع أن المفعول أولى بالسبق من بقية معمولات الفعل ليكون تقديمه اهتماماً به إيماء إلى الإِهلاك كما في الوجه الأول .
وفرع على الإِهلاك أنهم نادوا فلم ينفعهم نداؤهم ، تحذيراً من أن يقع هؤلاء في مثل ما وقعت فيه القرون من قبلهم إذ أضاعوا الفرصة فنادوا بعد فواتها فلم يفدهم نداؤهم ولا دعاؤهم . والمراد بالنداء في { فنَادوا } نداؤهم الله تعالى تَضرعاً ، وهو الدعاء كما حكي عنهم في قوله تعالى : { ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } [ الدخان : 12 ] . وقوله : { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون } [ المؤمنون : 64 ] .
وجملة { ولاَتَ حينَ منَاصٍ } في موضع الحال ، والواو واو الحال ، أي نادوا في حال لا حين مناص لهم .
و { لات } حرف نفي بمعنى ( لا ) المشبهة ب ( ليس ) و { لات } حرف مختص بنفي أسماء الأزمان وما يتضمن معنى الزمان من إشارة ونحوها . وهي مركبة من ( لا ) النافية وصُلت بها تاء زائدة لا تفيد تأنيثاً لأنها ليست هاء وإنما هي كزيادة التاء في قولهم : رُبَّت وثُمَّت . والنفي بها لغير الزمان ونحوه خطَأ في اللغة وقع فيه أبو الطيب إذ قال
: ... لقد تَصبرت حتى لاتَ مصطبَر
والآن أقحم حتى لات مقتحم ... وأغفل شارحو ديوانه كلُّهم وقد أدخل { لات على غير اسم زمان . وأيًّا مَّا كان فقد صارت ( لا ) بلزوم زيادة التاء في آخرها حرفاً مستقلاً خاصاً بنفي أسماء الزمان فخرجت عن نحو : رُبَّت وثَمَّتَ .
وزعم أبو عبيد القاسم بن سلام أن التاء في ولاَتَ حينَ مناصٍ } متصلة ب { حِينَ } وأنه رآها في مصحف عثمان متصلة ب { حين } وزعم أن هذه التاء تدخل على : حين وأوان وآن يريد أن التاء لاحقة لأول الاسم الذي بعد ( لا ) ولكنه لم يفسر لدخولها معنى . وقد اعتذر الأيمة عن وقوع التاء متصلة ب { حين } في بعض نسخ المصحف الإِمام بأن رسم المصحف قد يخالف القياس ، على أن ذلك لا يوجد في غير المصحف الذي رآه أبو عبيد من المصاحف المعاصرة لذلك المصحف والمرسومة بعده . والمناص : النجاء والفوت ، وهو مصدر ميمي ، يقال : ناصه ، إذا فاته .
والمعنى : فنادَوا مبتهلين في حال ليس وقت نجاء وفَوت ، أي قد حق عليهم الهلاك كما قال تعالى : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة اللَّه التي قد خلت في عباده } [ غافر : 85 ] .
المصدر : إعراب : كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص