إعراب الآية 36 من سورة النور - إعراب القرآن الكريم - سورة النور : عدد الآيات 64 - - الصفحة 354 - الجزء 18.
(فِي بُيُوتٍ) متعلقان بفعل محذوف (أَذِنَ اللَّهُ) ماض وفاعله والجملة صفة لبيوت (أَنْ تُرْفَعَ) أن ناصبة ومضارع مبني للمجهول منصوب بأن ونائب الفاعل مستتر (وَيُذْكَرَ) معطوف على ترفع (فِيهَا) متعلقان بيذكر (اسْمُهُ) نائب الفاعل ليذكر (يُسَبِّحُ) مضارع مرفوع (لَهُ فِيها) متعلقان بيسبح (بِالْغُدُوِّ) متعلقان بحال محذوفة والجملة صفة ثانية لبيوت (وَالْآصالِ) معطوف على الغدو
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) تردد المفسرون في تعلق الجار والمجرور من قوله : { في بيوت } الخ . فقيل قوله : { في بيوت } من تمام التمثيل ، أي فيكون { في بيوت } متعلقاً بشيء مما قبله . فقيل يتعلق بقوله : { يوقد } [ النور : 35 ] أي يوقد المصباح في بيوت . وقيل هو صفة لمشكاة ، أي مشكاة في بيوت وما بينهما اعتراض؛ وإنما جاء بيوت بصيغة الجمع مع أن { مشكاة } و { مصباح } [ النور : 35 ] مفردان لأن المراد بهما الجنس فتساوى الإفراد والجمع .
ثم قيل : أريد بالبيوت المساجد . ولا يستقيم ذلك إذ لم يكن في مساجد المسلمين يومئذٍ مصابيح وإنما أحدثت المصابيح في المساجد الإسلامية في خلافة عمر بن الخطاب فقال له علي : نوّر الله مضجعك يا بن الخطاب كما نورت مسجدنا . وروي أن تميماً الداري أسرج المسجد النبوي بمصابيح جاء بها من الشام ولكن إنما أسلم تميم سنة تسع ، أي بعد نزول هذه الآية . وقيل البيوت مساجد بيت المقدس وكانت يومئذٍ بِيَعاً للنصارى . ويجوز عندي على هذا الوجه أن يكون المراد بالبيوت صوامع الرهبان وأديرتهم وكانت معروفة في بلاد العرب في طريق الشام يمرون عليها وينزلون عندها في ضيافة رهبانها . وقد ذكر صاحب «القاموس» عدداً من الأديرة . ويرجح هذا قوله : { أن ترفع } فإن الصوامع كانت مرفوعة والأديرة كانت تبنى على رؤوس الجبال . أنشد الفراء :
لو أبصرت رهبان دَير بالجبل ... لانحدر الرهبان يسعى ويصل
والمراد بإذن الله برفعها أنه ألهم متّخذيها أن يجعلوها عالية وكانوا صالحين يقرأون الإنجيل فهو كقوله تعالى : { لهدمت صوامع وبيع } إلى قوله : { يذكر فيها اسم الله كثيراً } [ الحج : 40 ] . وعبر بالإذن دون الأمر لأن الله لم يأمرهم باتخاذ الأديرة في أصل النصرانية ولكنهم أحدثوها للعون على الانقطاع للعبادة باجتهاد منهم ، فلم ينههم الله عن ذلك إذ لا يوجد في أصل الدين ما يقتضي النهي عنها فكانت في قسم المباح ، فلما انضم إلى إباحة اتخاذها نية العون على العبادة صارت مرضية لله تعالى . وهذا كقوله تعالى : { ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله } [ الحديد : 27 ] . وقد كان اجتهاد أحبار الدين في النصرانية وإلهامُهم دلائل تشريع لهم كما تقتضيه نصوص من الإنجيل . والمقصد من ذكر هذا على هذه الوجوه زيادة إيضاح المشبه به كقول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جهنم : " فإذا لها كلاليبُ مثلُ حَسَك السَّعدان هل رأيتم حسك السَّعْدان؟ " . وفيه مع ذلك تحسين المشبه به ليسري ذلك إلى تحسين المشبه كما في قول كعب بن زهير :
شجت بذي شبَم من ماء محنيَةِ ... صاففٍ بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه ... من صوب سارية بيضٌ يعاليل
لأن ما ذكر من وصف البيوت وما يجري فيها مما يكسبها حسناً في نفوس المؤمنين .
وتخصيص التسبيح بالرجال لأن الرهبان كانوا رجالاً .
المصدر : إعراب : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها