إعراب الآية 72 من سورة الأنعام - إعراب القرآن الكريم - سورة الأنعام : عدد الآيات 165 - - الصفحة 136 - الجزء 7.
(وَأَنْ أَقِيمُوا) فعل أمر مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والمصدر المؤول من أن والفعل بعدها معطوف على المصدر المؤول من نسلم وأن قبلها والتقدير: أمرنا بالإسلام وإقامة الصلاة.
(الصَّلاةَ) مفعول به (وَاتَّقُوهُ) فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله والهاء مفعوله. والجملة معطوفة على ما قبلها.
(وَهُوَ) الواو استئنافية، هو ضمير رفع منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ واسم الموصول (الَّذِي) خبره. والجملة مستأنفة (إِلَيْهِ) جار ومجرور متعلقان بالفعل بعدهما.
(تُحْشَرُونَ) مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو نائب فاعله، والجملة صلة الموصول لا محل لها.
جملة : { قل إنّ هدى الله هو الهدى } مستأنفة استئنافَ تكرير لِما أمِر أن يقوله للمشركين حين يدعون المسلمين إلى الرجوع إلى ما كانوا عليه في الجاهلية ، وقد روي أنَّهم قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلم اعْبُد آلهتنا زمناً ونعبُدُ إلهك زمناً . وكانوا في خلال ذلك يزعمون أنّ دينهم هدى فلذلك خوطبوا بصيغة القصر . وهي { إنّ هدى الله هو الهدى } فجيء بتعريف الجزأيْن ، وضمير الفصل ، وحرف التوكيد ، فاجتمع في الجملة أربعة مؤكّدات ، لأنّ القصر بمنزلة مؤكِّدَيْن إذ ليس القصر إلاّ تأكيداً على تأكيد ، وضمير الفصل تأكيد ، و ( إنّ ) تأكيد ، فكانت مقتضَى حال المشركين المنكرين أنّ الإسلام هدى .
وتعريف المسند إليه بالإضافة للدلالة على الهدى الوارد من عند الله تعالى ، وهو الدين المُوصى به ، وهو هنا الإسلام ، بقرينة قوله { بعد إذْ هدانا الله }.وقد وصف الإسلام بأنَّه { هُدى الله } في قوله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتَّى تتّبع ملَّتهم قل إنّ هدى الله هو الهدى } في سورة [ البقرة : 120 ] ، أي القرآن هو الهدى لا كُتُبُهم .
وتعريف المسند بلام الجنس للدلالة على قصر جنس الهدى على دين الإسلام ، كما هو الغالب في تعريف المسند بلام الجنس ، وهو قصر إضافي لأنّ السياق لردّ دعوة المشركين إيَّاهم الرجوع إلى دينهم المتضمِّنة اعتقادهم أنَّه هدى ، فالقصر للقلب إذ ليسوا على شيء من الهدى ، فلا يكون قصر الهدى على هدى القرآن بمعنى الهدى الكامل ، بخلاف ما في سورة البقرة .
وجملة : وأمِرْنا لِنُسْلِم } عطف على المقول . وهذا مقابل قوله { قل إنِّي نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله } [ الأنعام : 56 ] ، وقوله { قل أندعو من دون الله } الآية .
واللام في { لِنُسْلِم } أصلها للتعليل وتنوسي منها معنى التعليل فصارت لمجرّد التأكيد . وهي اللام التي يكثر ورودها بعد مادّة الأمر ومادّة الإرادة . وسمَّاها بعضهم لام أنْ بفتح الهمزة وسكون النون قال الزجَّاج : العرب تقول : أمَرْتُك بأنْ تفعل وأمرتُك أن تفعل وأمرتك لِتَفعل . فالباء للإلصاق ، وإذا حذفوها فهي مقدّرة مع ( أنْ ). وأمَّا أمرتك لتفعل ، فاللام للتعليل ، فقد أخبر بالعلَّة التي لها وقَع الأمر . يعني وأغنت العلَّة عن ذكر المعلّل . وقيل : اللام بمعنى الباء ، وقيل : زائدة ، وعلى كلّ تقدير ف ( أنْ ) مضرة بعدها ، أي لأجل أن نُسْلِمَ . والمعنى : وأمرنا بالإسلام ، أي أمرنا أن أسلموا . وتقدّم الكلام على هذه اللام عند قوله تعالى : { يريد الله ليُبيّن لكم } في سورة [ النساء : 26 ].
واللام في قوله : لربّ العالمين } متعلِّقة ب { نسلم } لأنَّه معنى تخلّص له ، قال : { فقل أسلمت وجهي لله }.وقد تقدّم القول في معنى الإسلام عند قوله تعالى : { إذ قال له ربّه أسْلِم قال أسلمت لربّ العالمين } في سورة [ البقرة : 131 ].
وفي ذكر اسم الله تعالى بوصف الربوبية لجميع الخلق دون اسمه العَلَم إشارة إلى تعليل الأمر وأحقِّيّته .
وقوله : وأن أقيموا الصلاة } إنْ جُعلت ( أنْ ) فيه مصدرية على قول سيبويه ، إذ يسوّغ دخول ( أنْ ) المصدرية على فِعل الأمر فتفيد الأمر والمصدرية معاً لأنّ صيغة الأمر لم يؤت بها عبثاً ، فقول المعربين : إنَّه يتجرّد عن الأمرية ، مرادهم به أنَّه تجرّد عن معنى فعل الأمر إلى معنى المصدرية فهو من عطف المفردات . وهو إمّا عطف على { لنسلم } بتقدير حرف جرّ محذوف قبل ( أنْ ) وهو الباء . وتقدير الحرف المحذوف يدلّ عليه معنى الكلام ، وإمّا عطف على معنى { لنسلم } لأنَّه وقع في موقع بأن نسلم ، كما تقدّم عن الزجّاج . فالتقدير : أمرنا بأن نسلم ، ثم عطف عليه { وأن أقيموا } أي وأمرنا بأن أقيموا ، والعطف على معنى اللفظ وموقِعه استعمال عربي ، كقوله تعالى : { لولا أخَّرْتَنِي إلى أجل قريب فأصّدّقَ وأكُنْ } [ المنافقون : 10 ] إذ المعنى إنْ تُؤخّرني أصّدّقْ وأكُنْ .
وإن جُعلت ( أنْ ) فيه تفسيرية فهو من عطف الجمل . فيقدّر قوله : { أمرنا لنسلم } بأمِرْنا أن أسلموا لنُسلم { وأن أقيموا الصلاة } ، أي لنقيم فيكون في الكلام احتباك .
وأظهر من هذا أن تكون ( أنْ ) تفسيرية . وهي تفسير لما دلَّت عليه واوُ العطف من تقدير العامل المعطوف عليه ، وهو { وأمرنا } ، فإنّ { أمرنا } فيه معنى القول دون حروفه فناسب موقع ( أنْ ) التفسيرية .
وتقدّم معنى إقامة الصلاة في صدر سورة البقرة ( 3 ).
و { اتَّقوه } عطف على { أقيموا } ويجري فيه ما قُرّر في قوله { وأن أقيموا }.والضمير المنصوب عائد إلى { ربّ العالمين } وهو من الكلام الذي أمروا بمقتضاه بأن قال الله للمؤمنين : أسلموا لربّ العالمين وأقيموا الصلاة واتَّقُوه . ويجوز أن يكون محكياً بالمعنى بأن قال الله : اتَّقون ، فحُكي بما يوافق كلام النبي المأمور بأن يقوله بقوله تعالى : { قل إنّ هدى الله هو الهدى } ، كما في حكاية قول عيسى : { ما قلتُ لهم إلاّ مَا أمَرتني به أن اعبدوا الله ربِّي وربّكم } [ المائدة : 117 ].
وجَمع قوله : { واتَّقوه } جميعَ أمور الدين ، وتخصيصُ إقامة الصلاة بالذكر للاهتمام .
وجملة : { وهو الذي إليه تُحشرون } إمّا عطف على جملة { اتَّقُوه } عطف الخبر على الإنشاء فتكون من جملة المقول المأمور به بقوله : { قل إنّ هدى الله } ، أي وقل لهم وهو الذي إليه تحشرون ، أو عطف على { قل } فيكون من غير المقول . وفي هذا إثبات للحشر على منكريه وتذكير به للمؤمنين به تحريضاً على إقامة الصلاة والتقوى .
واشتملت جملة { وهو الذي إليه تحشرون } على عدّة مؤكّدات وهي : صيغة الحصر بتعريف الجزأين ، وتقديم معمول { تحشرون } المفيد للتقوّي لأنّ المقصود تحقيق وقوع الحشر على من أنكره من المشركين وتحقيق الوعد والوعيد للمؤمنين ، والحصر هنا حقيقي إذ هم لم ينكروا كون الحشر إلى الله وإنَّما أنكروا وقوع الحشر ، فسلك في إثباته طريق الكناية بقصره على الله تعالى المستلزم وقوعه وأنَّه لا يكون إلاّ إلى الله ، تعريضاً بأنّ آلهتهم لا تغني عنهم شيئاً .
المصدر : إعراب : وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون