إعراب الآية 73 من سورة المائدة - إعراب القرآن الكريم - سورة المائدة : عدد الآيات 120 - - الصفحة 120 - الجزء 6.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا) إعرابها كسابقتها.
(إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) إن ولفظ الجلالة اسمها وثالث خبرها وثلاثة مضاف إليه. والجملة مقول القول (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) أي ما إله موجود إلا إله واحد وليس كما يزعمون (وَما مِنْ إِلهٍ) الواو حالية يقولون ذلك حال أنه لا إله إلا واحد. ما نافية. من حرف جر زائد.
(اللَّهَ) اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره موجود. إلا أداة حصر إله بدل من إله الأولى.
(واحِدٌ) صفة والجملة حالية أو مستأنفة إذا كانت الواو استئنافية (وَإِنْ) الواو وحرف استئناف وإن شرطية (لَمْ يَنْتَهُوا) مضارع مجزوم بلم والواو فاعله (عَمَّا يَقُولُونَ) عما متعلقان بينتهوا وجملة يقولون صلة الموصول أو المصدر المؤول من ما والفعل متعلقان بينتهوا أي ينتهوا عن قولهم. وجملة ينتهوا ابتدائية على تقدير الواو استئنافية أو واو القسم.
(لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يمسن مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة واسم الموصول بعده مفعوله و(عَذابٌ) فاعله. وجملة كفروا صلة الموصول لا محل لها (مِنْهُمْ) متعلقان بمحذوف حال من الواو قبلهما.
(أَلِيمٌ) صفة. وجملة ليمسن لا محل لها جواب القسم المقدر. وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم لأن القسم سبق الشرط فهو أحق بالجواب.
استئناف قصد منه الانتقال إلى إبطال مقالة أخرى من مقالات طوائف النّصارى ، وهي مقالة ( المَلْكَانِيَّةِ المُسَمَّيْن بالجِعاثليقِيَّة ) ، وعليها معظم طوائف النّصارى في جميع الأرض . وقد تقدّم بيانها عند قوله تعالى : { فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة } من سورة النّساء ( 171 ) ، وأنّ قوله فيها ولا تقولوا ثلاثة } يجمَع الردّ على طوائف النّصارى كلّهم . والمراد ب { قالوا } اعتقدوا فقالوا ، لأنّ شأن القول أن يكون صادراً على اعتقاد ، وقد تقدّم بيان ذلك .
ومعنى قولهم : { إنّ الله ثالث ثلاثة } أنّ ما يعرفُه النّاسُ أنّهُ اللّهُ هو مجموع ثلاثةِ أشياء ، وأنّ المستحقّ للاسم هو أحد تلك الثّلاثة الأشياء . وهذه الثّلاثة قد عبّروا عنها بالأقانِيم وهي : أقنوم الوجود ، وهو الذات المسمّى الله ، وسمّوه أيضاً الأبَ؛ وأقنوم العِلم ، وسمَّوه أيضاً الابنَ ، وهو الّذي اتّحد بعيسى وصار بذلك عيسى إلهاً؛ وأقنوم الحياة وسَمَّوه الرّوحَ القُدُس . وصار جمهورهم ، ومنهم الرَّكُوسية طائفة من نصارى العرب ، يقولون : إنّه لمّا اتّحد بمريم حينَ حمْلها بالكلمة تألَّهَتْ مريم أيضاً ، ولذلك اختلفوا هل هي أمّ الكلمة أم هي أمّ الله .
فقوله : { ثالث ثلاثة } معناه واحد من تلك الثّلاثة ، لأنّ العرب تصوغ من اسم العدد من اثنين إلى عشرة ، صيغة فاعِل مضافاً إلى اسم العدد المشتقّ هُو منه لإرادة أنّه جزء من ذلك العَدد نحو { ثاني اثنين } [ التوبة : 40 ] ، فإن أرادوا أنّ المشتقّ له وزنُ فاعل هو الّذي أكْمَلَ العدد أضافوا وزنَ فاعل إلى اسم العدد الّذي هو أرقَى منه فقالوا : رابِعُ ثلاثة ، أي جَاعل الثلاثة أربعة .
وقوله : { وما من إله إلاّ إله واحد } عطف على جملة { لقد كفر } لبيان الحقّ في الاعتقاد بعد ذكر الاعتقاد الباطل .
ويجوز جعل الجملة حالاً من ضمير { قالوا } ، أي قالوا هذا القول في حال كونه مخالفاً للواقع ، فيكون كالتّعليل لكفرهم في قولهم ذلك ، ومعناه على الوجهين نفي عن الإله الحقّ أن يكون غير واحد فإنّ ( مِن ) لتأكيد عموم النّفي فصار النّفي ب { ما } المقترنة بها مساوياً للنّفي ب ( لا ) النّافية للجنس في الدلالة على نفي الجنس نصّاً .
وعدل هنا عن النّفي بلا التبرئة فلم يُقل ( ولا إله إلاّ إله واحد ) إلى قوله : { وما من إله إلاّ إله واحد } اهتماماً بإبراز حرف ( مِن ) الدالّ بعد النّفي على تحقيق النّفي ، فإنّ النّفي بحرف ( لا ) ما أفاد نفي الجنس إلاّ بتقدير حرف ( من ) ، فلمّا قصدت زيادة الاهتمام بالنّفي هنا جيء بحرف ( مَا ) النّافية وأظهر بعده حرف ( من ) . وهذا ممّا لم يتعرّض إليه أَحدٌ من المفسّرين .
وقوله : { إلاّ إله واحد } يفيد حصر وصف الإلهيّة في واحد فانتفى التثليث المحكي عنهم . وأمّا تعيين هذا الواحد مَن هو ، فليس مقصوداً تعيينه هنا لأنّ القصد إبطال عقيدة التثليث فإذا بطل التثليث ، وثبتت الوحدانيّة تعيّن أنّ هذا الواحد هو الله تعالى لأنّه متّفق على إلهيّته ، فلمّا بطلت إلهيّة غيره معه تمحّضت الإلهيّة له فيكون قوله هنا
{ وما من إله إلاّ إله واحد } مساوياً لقوله في سورة آل عمران ( 62 ) { وما من إله إلاّ الله } ، إلاّ أنّ ذكر اسم الله تقدّم هنا وتقدّم قول المبطلين ( إنّه ثالث ثلاثة ) فاستغني بإثبات الوحدانيّة عن تعيينه . ولهذا صرّح بتعيين الإله الواحد في سورة آل عمران ( 62 ) في قوله تعالى : { وما من إله إلاّ الله } إذ المقام اقتضى تعيين انحصار الإلهيّة في الله تعالى دون عيسى ولم يجر فيه ذكر لتعدّد الآلهة .
وقوله : { وإن لم ينتهوا عمّا يقولون لَيَمَسَّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم } عطف على جملة { لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة } ، أي لقد كفروا كفراً إن لم ينتهوا عنه أصابهم عذاب أليم . ومعنى { عمّا يقولون } أي عن قولهم المذكور آنفاً وهو { إنّ الله ثالث ثلاثة } . وقد جاء بالمضارع لأنّه المناسب للانتهاء إذ الانتهاء إنّما يكون عن شيء مستمرّ كما ناسب قوله { قَالوا } قولَهُ { لقد كفر } ، لأنّ الكفر حصل بقولهم ذلك ابتداء من الزّمن الماضي . ومعنى { عمّا يقولون } عمّا يعتقدون ، لأنّهم لو انتهوا عن القول باللّسان وأضمروا اعتقاده لما نفعهم ذلك ، فلمّا كان شأن القول لا يصدر إلاّ عن اعتقاد كان صالحاً لأن يكون كناية عن الاعتقاد مع معناه الصّريح . وأكّد الوعيد بلام القسم في قوله { ليمسّنّ } ردّاً لاعتقادهم أنّهم لا تمسّهم النّار ، لأنّ صلب عيسى كان كفّارة عن خطايا بني آدم .
والمسّ مجاز في الإصابة ، لأنّ حقيقة المسّ وضع اليد على الجسم ، فاستعمل في الإصابة بجامع الاتّصال ، كقوله تعالى : { والّذين كذّبوا بآياتنا يمسّهم العذاب بما كانوا يفسقون } [ الأنعام : 49 ] ، فهو دالّ على مطلق الإصابة من غير تقييد بشدّة أو ضعف ، وإنّما يُرجع في الشدّة أو الضعف إلى القرينة ، مثل { أليم } هنا ، ومثل قوله { بما كانوا يفسقون } [ الأنعام : 49 ] في الآية الأخرى ، وقال يزيد بن الحكم الكلابي من شعراء الحماسة :
مَسِسْنَا من الآباء شيئاً وكُلُّنا ... إلى حسب في قومه غيرِ واضع
أي تتبّعنا أصول آبائنا .
والمراد ب { الّذين كفروا } عينُ المراد ب { الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة } فعُدل عن التّعبير عنهم بضميرهم إلى الصّلة المقرّرة لمعنى كفرهم المذكور آنفاً بقوله : { لقد كفر الّذين قالوا } إلخ ، لقصد تكرير تسجيل كفرهم وليكون اسم الموصول مومئاً إلى سبب الحكم المخبر به عنه . وعلى هذا يكون قوله { مِنْهم } بياناً للّذين كفروا قصد منه الاحتراس عن أن يتوهّم السامع أنّ هذا وعيد لكفّار آخرين .
المصدر : إعراب : لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا