﴿ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يخبر تعالى عن هول يوم القيامة، وما في ذلك اليوم، من المزعجات والمقلقات، وأنه إذا نفخ في الصور نفخة البعث، فحشر الناس أجمعون، لميقات يوم معلوم، أنه يصيبهم من الهول ما ينسيهم أنسابهم، التي هي أقوى الأسباب، فغير الأنساب من باب أولى، وأنه لا يسأل أحد أحدا عن حاله، لاشتغاله بنفسه، فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها؟ أو يشقى شقاوة لا سعادة بعدها؟ قال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن ما ينفع الناس يوم القيامة إنما هو إيمانهم وعملهم، لا أحسابهم ولا أنسابهم. فقال- تعالى-: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ.والأنساب: جمع نسب. والمراد به القرابة، والمراد بالنفخ في الصور: النفخة الثانية التي يقع عندها البعث والنشور. وقيل: النفخة الأولى التي عندها يحيى الله الموتى.والمراد بنفي الأنساب: انقطاع آثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا، من التفاخر بها، والانتفاع بهذه القرابة في قضاء الحوائج.أى: فإذا نفخ إسرافيل- عليه السلام- في الصور- وهو آلة نفوض هيئتها إلى الله- تعالى-، فلا أنساب ولا أحساب بين الناس نافعة لهم في هذا الوقت، إذ النافع في ذلك الوقت هو الإيمان والعمل الصالح.ولا هم يتساءلون فيما بينهم لشدة الهول، واستيلاء الفزع على النفوس ولا تنافى بين هذه الآية، وبين قوله- تعالى-: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ فإن كل آية تحكى حالة من الحالات، ويوم القيامة له مواقف متعددة، فهم لا يتساءلون من شدة الهول في موقف. ويتساءلون في آخر عند ما يأذن الله- تعالى- لهم بذلك.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ) اختلفوا في هذه النفخة ، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنها النفخة الأولى " ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض " ( الزمر - 68 ) ، ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " ( الزمر - 68 ) ، " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " ( الصافات - 27 ) .وعن ابن مسعود : أنها النفخة الثانية ، قال : يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصب على رءوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد : هذا فلان ابن فلان ، فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه ، فيفرح المرء أن [ يكون له ] الحق على والده وولده أو زوجته أو أخيه فيأخذ منه ، ثم قرأ ابن مسعود فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون .وفي رواية عطاء عن ابن عباس : أنها الثانية فلا أنساب بينهم أي : لا يتفاخرون بالأنساب يومئذ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا ، ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا : من أنت ومن أي قبيلة أنت؟ ولم يرد أن الأنساب تنقطع .فإن قيل : أليس قد جاء في الحديث : " كل سبب ونسب ينقطع إلا نسبي وسببي " .قيل : معناه لا يبقى يوم القيامة سبب ولا نسب إلا نسبه وسببه ، وهو الإيمان والقرآن .فإن قيل : قد قال هاهنا ( ولا يتساءلون ) وقال في موضع آخر : " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " ( الصافات - 27 ) .الجواب : ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن للقيامة أحوالا ومواطن ، ففي موطن يشتد عليهم الخوف ، فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل فلا يتساءلون ، وفي موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون .