﴿ ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والاستفهام في قوله أَلَمْ تَرَ ... للتقرير. والرؤية هنا بمعنى العلم وذلك لأن سجود هذه الكائنات لله- تعالى- آمنا به عن طريق الإخبار دون أن نرى كيفيته.والسجود في اللغة: التذلل والخضوع مع انخفاض بانحناء وما يشبهه. وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة.والمراد به هنا: دخول الأشياء جميعها تحت قبضة الله- تعالى- وتسخيره وانقيادها لكل ما يريده منا انقيادا تاما، وخضوعها له- عز وجل- بكيفية هو الذي يعلمها. فنحن نؤمن بأن هذه الكائنات تسجد لله- تعالى- ونفوض كيفية هذا السجود له- تعالى-.والمعنى: لقد علمت- أيها العاقل- أن الله- تعالى- يسجد له، ويخضع لسلطانه جميع من في السموات وجميع من في الأرض.وقوله: وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ عطف خاص على قوله: مَنْ فِي السَّماواتِ.ونص- سبحانه- عليها مفردا إياها بالذكر، لشهرتها، ولاستبعاد بعضهم حدوث السجود منها، ولأن آخرين كانوا يعبدون هذه الكواكب، فبين- سبحانه- أنها عابدة وساجدة لله، وليست معبودة.وقوله- تعالى-: وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ عطف خاص على مَنْ فِي الْأَرْضِ ونص- سبحانه- عليها- أيضا- لأن بعضهم كان يعبدها، أو يعبد ما يؤخذ منها كالأصنام.وقوله- تعالى- وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بيان الذين اهتدوا إلى طريق الحق.أى: ويسجد له- كذلك- كثير من الناس، وهم الذين خلصت عقولهم من شوائب الشرك والكفر، وطهرت نفوسهم من الأدناس والأوهام.وقوله: وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ بيان لحال الذين استحبوا العمى على الهدى.أى: وكثير من الناس حق وثبت عليهم العذاب، بسبب إصرارهم على الكفر، وإيثارهم الغي على الرشد.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على نفاذ قدرته، وعموم مشيئته فقال: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ. إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ.و «من» شرطية، وجوابها: «فما له من مكرم» ومكرم اسم فاعل من أكرم.أى: ومن يهنه الله ويخزه، فما له من مكرم يكرمه، أو منقذ ينقذه مما هو فيه من شقاء، إن الله- تعالى- يفعل ما يشاء فعله بدون حسيب يحاسبه، أو معقب يعقب على حكمه .قال- تعالى-: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ.ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك صورة فيها ما فيها من وجوه المقارنات بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين. لكي ينحاز كل ذي عقل سليم إلى فريق الإيمان لا الكفر، فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
ألم تر ) ألم تعلم وقيل : ( ألم تر ) تقرأ بقلبك ( أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ) قال مجاهد : سجودها تحول ظلالها وقال أبو العالية : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدا حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه . وقيل سجودها بمعنى الطاعة فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله خاشع له مسبح له كما أخبر الله تعالى عن السموات والأرض ( قالتا أتينا طائعين ) ( فصلت 11 ) ، وقال في وصف الحجارة ( وإن منها لما يهبط من خشية الله ) ( البقرة 74 ) ، وقال تعالى ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) ( الإسراء 44 ) ، وهذا مذهب حسن موافق لقول أهل السنةقوله : ( وكثير من الناس ) أي من هذه الأشياء كلها تسبح الله عز وجل " وكثير من الناس " يعني المسلمين . ( وكثير حق عليه العذاب ) وهم الكفار لكفرهم وتركهم السجود وهم مع كفرهم تسجد ظلالهم لله عز وجل والواو في قوله : ( وكثير حق عليه العذاب ) واو الاستئناف( ومن يهن الله ) أي يهنه الله ( فما له من مكرم ) أي من يذله الله فلا يكرمه أحد ( إن الله يفعل ما يشاء ) أي يكرم ويهين فالسعادة والشقاوة بإرادته ومشيئته .