﴿ ويقول الذين آمنوا لولا نـزلت سورة فإذا أنـزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا استعجالا ومبادرة للأوامر الشاقة: لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ أي: فيها الأمر بالقتال. فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ أي: ملزم العمل بها، وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ الذي هو أشق شيء على النفوس، لم يثبت ضعفاء الإيمان على امتثال هذه الأوامر، ولهذا قال: رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ من كراهتهم لذلك، وشدته عليهم.وهذا كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الإمام الرازي ما ملخصه: لما بين الله حال المنافق والكافر، والمهتدى المؤمن عند استماع الآيات العلمية، من التوحيد والحشر وغيرهما.. أتبع ذلك ببيان حالهم في الآيات العملية، فإن المؤمن كان ينتظر ورودها، ويطلب تنزيلها، وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول: هلا أمرت بشيء من العبادة.والمنافق كان إذا نزلت الآية أو السورة وفيها تكليف كره ذلك.. فذكر- سبحانه- تباين حال الفريقين في العلم والعمل. فالمنافق لا يفهم العلم ولا يريد العمل، والمؤمن يعلم ويحب العمل..فقوله- تعالى-: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ حكاية لتطلع المؤمنين الصادقين إلى نزول القرآن، وتشوقهم إلى الاستماع إليه، والعمل بأحكامه.أى: ويقول الذين آمنوا إيمانا حقا، لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هلا نزلت سورة جديدة من هذا القرآن الكريم، الذي نحبه ونحب العمل بما فيه من هدايات وآداب وأحكام وجهاد في سبيل الله- عز وجل-.قوله: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ، رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ.. بيان لموقف المنافقين من الجهاد في سبيل الله، وتصوير بديع لما انطوت عليه نفوسهم من جبن خالع.والمراد بقوله مُحْكَمَةٌ: أى: واضحة المعاني فيما سيقت له من الأمر بالجهاد في سبيل الله، بحيث لا يوجد مجال لتأويل معناها على الوجه الذي سيقت له.أى: هذا هو حال المؤمنين بالنسبة لحبهم للقرآن الكريم، أما حال المنافقين فإنك تراهم إذا ما أنزلت سورة فاصلة بينة تأمر أمرا صريحا بالقتال لإعلاء كلمة الله تراهم ينظرون إليك كنظر من حضره الموت فصار بصره شاخصا لا يتحرك من شدة الخوف والفزع.والمقصود أنهم يوجهون أبصارهم نحو النبي صلّى الله عليه وسلّم بحدة وهلع، لشدة كراهتهم للقتال معه، إذ في هذا القتال عز للإسلام، ونصر للمؤمنين، والمنافقون يبغضون ذلك.فالآية الكريمة ترسم صورة خالدة بليغة لكل نفس لئيمة خوارة، مبتوتة عن الإيمان، وعن الفطرة السليمة، متجردة عن الحياء الذي يستر مخازيها.وقوله- تعالى- فَأَوْلى لَهُمْ تهديد ووعيد لهم على جبنهم وخبث طويتهم.وقوله فَأَوْلى يرى بعضهم أنه فعل ماض بمعنى قارب، وفاعله ضمير يعود إلى الموت، أى: قاربهم ما يهلكهم وهو الموت الذي يرتعدون منه..ويرى آخرون أن قوله فَأَوْلى اسم تفضيل بمعنى أحق وأجدر، وأنه خبر لمبتدأ محذوف، واللام بمعنى الباء. أى: فالعقاب والهلاك أولى بهم وأحق وأجدر. ويكون قوله- تعالى- بعد ذلك طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ كلام مستأنف والخبر محذوف.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ويقول الذين آمنوا ) حرصا منهم على الجهاد : ( لولا نزلت سورة ) تأمرنا بالجهاد ( فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال ) قال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة ، وهي أشد القرآن على المنافقين ( رأيت الذين في قلوبهم مرض ) يعني المنافقين ( ينظرون إليك ) شزرا بتحديق شديد ، كراهية منهم للجهاد وجبنا عن لقاء العدو ( نظر المغشي عليه من الموت ) كما ينظر الشاخص بصره عند الموت ( فأولى لهم ) وعيد وتهديد ، ومعنى قولهم في التهديد : " أولى لك " أي : وليك وقاربك ما تكره .