وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا أي: وقد أضل الكبار والرؤساء بدعوتهم كثيرا من الخلق، وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا أي: لو كان ضلالهم عند دعوتي إياهم بحق، لكان مصلحة، ولكن لا يزيدون بدعوة الرؤساء إلا ضلالا أي: فلم يبق محل لنجاحهم ولا لصلاحهم، ولهذا ذكر الله عذابهم وعقوبتهم الدنيوية والأخروية،
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- تعالى-: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا معمول لقول مقدر، وهذا القول المقدر معطوف على أقوال نوح السابقة.أى: قال نوح مناجيا ربه بعد أن يئس من إيمان قومه: يا رب، إن قومي قد عصوني، وإنهم قد اتبعوا رؤساءهم المغرورين، وإن هؤلاء الرؤساء قد مكروا بي وبأتباعى مكرا عظيما، ومن مظاهر مكرهم أنهم حرضوا السفهاء على العكوف على عبادة أصنامهم.. وأنهم قد أضلوا خلقا كثيرا بأن حببوهم في الكفر وكرهوا إليهم الإيمان.وقال نوح- أيضا- وأسألك يا رب أن لا تزيد الكافرين إلا ضلالا على ضلالهم، فأنت الذي أخبرتنى بأنه لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ.وإذا فدعاء نوح- عليه السلام- عليهم بالازدياد من الضلال الذي هو ضد الهدى، إنما كان بعد أن يئس من إيمانهم، وبعد أن أخبره ربه أنهم لن يؤمنوا.قال صاحب الكشاف: قوله: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً الضمير للرؤساء، ومعناه: وقد أضلوا كثيرا قبل هؤلاء الذين أمروهم بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام.. ويجوز أن يكون الضمير للأصنام، كقوله- تعالى- إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ.فإن قلت: علام عطف قوله: وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا؟ قلت: على قوله رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي على حكاية كلام نوح.. ومعناه: قال رب إنهم عصون، وقال: ولا تزد الظالمين إلا ضلالا.فإن قلت: كيف جاز أن يريد لهم الضلال، ويدعو الله بزيادته؟ قلت: لتصميمهم على الكفر، ووقوع اليأس من إيمانهم.. ويجوز أن يريد بالضلال: الضياع والهلاك.. .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وقد أضلوا كثيرا ) أي : ضل بسبب الأصنام كثير من الناس كقوله - عز وجل - : " رب إنهن أضللن كثيرا من الناس " ( إبراهيم - 36 ) وقال مقاتل : أضل كبراؤهم كثيرا من الناس ( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) هذا دعاء عليهم بعدما أعلم الله نوحا أنهم لا يؤمنون ، وهو قوله : " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " ( هود - 36 ) .