﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ بأن سلبهم العقول والأسماع وشبههم في ضلالهم بالأنعام السائمة التي لا تسمع إلا دعاء ونداء، صم بكم عمي فهم لا يعقلون بل هم أضل من الأنعام لأن الأنعام يهديها راعيها فتهتدي وتعرف طريق هلاكها فتجتنبه وهي أيضا أسلم عاقبة من هؤلاء، فتبين بهذا أن الرامي للرسول بالضلال أحق بهذا الوصف وأن كل حيوان بهيم فهو أهدى منه.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أضاف- سبحانه- إلى توبيخهم السابق توبيخا أشد وأنكى فقال- تعالى-:أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ..و «أم» هنا: هي المنقطعة، وهي تجمع في معناها بين الإضراب الانتقالى، والاستفهام الإنكارى.أى: بل أتحسب أن أكثر هؤلاء الكافرين يسمعون ما ترشدهم إليه سماع تدبر وتعقل، أو يعقلون ما تأمرهم به أو تنهاهم عنه بانفتاح بصيرة، وباستعداد لقبول الحق..كلا إنهم ليسوا كذلك، لاستيلاء الجحود والحسد على قلوبهم.وقال- سبحانه- أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ ... لأن هناك قلة منهم كانت تعرف الحق معرفة حقيقية، ولكن المكابرة والمعاندة ومتابعة الهوى.. حالت بينها وبين الدخول فيه، واتباع ما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم.وقوله- سبحانه-: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ذم لهم على عدم انتفاعهم بالهداية التي أرسلها الله- تعالى- إليهم.أى: هؤلاء المشركون ليسوا إلا كالأنعام في عدم الانتفاع بما يقرع قلوبهم وأسماعهم من توجيهات حكيمة، بل هم أضل سبيلا من الأنعام: لأن الأنعام تنقاد لصاحبها الذي يحسن إليها، أما هؤلاء فقد قابلوا نعم الله بالكفر والجحود.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى ذكر الأكثر؟ قلت: كان فيهم من لا يصده عن الإسلام إلا داء واحد، وهو حب الرياسة، وكفى به داء عضالا.فإن قلت: كيف جعلوا أضل من الأنعام؟ قلت: لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتتجنب ما يضرها، وتهتدى لمراعيها ومشاربها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم، من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك.. .وهكذا نرى الآيات الكريمة تصف هؤلاء المستهزئين برسولهم صلّى الله عليه وسلّم بأوصاف تهبط بهم عن درجة الأنعام، وتتوعدهم بما يستحقونه من عذاب مهين.ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله- تعالى- وعن جانب من الآلاء التي أنعم بها على عباده، فإن من شأن هذه النعم المبثوثة في هذا الكون، أن تهدى المتفكر فيها إلى منشئها وواهبها وإلى وجوب إخلاص العبادة له، قال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون ) ما تقول سماع طالب الإفهام ، ) ( أو يعقلون ) ما يعاينون من الحجج والإعلام ، ) ( إن هم ) ما هم ، ( إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها وتنقاد لأربابها الذين يتعهدونها ، وهؤلاء الكفار لا يعرفون طريق الحق ، ولا يطيعون ربهم الذي خلقهم ورزقهم ، ولأن الأنعام تسجد وتسبح لله وهؤلاء الكفار لا يفعلون .