أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ أي: في ميدان التسارع في أفعال الخير، همهم ما يقربهم إلى الله، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه، فكل خير سمعوا به، أو سنحت لهم الفرصة إليه، انتهزوه وبادروه، قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه، أمامهم، ويمنة، ويسرة، يسارعون في كل خير، وينافسون في الزلفى عند ربهم، فنافسوهم. ولما كان السابق لغيره المسارع قد يسبق لجده وتشميره، وقد لا يسبق لتقصيره، أخبر تعالى أن هؤلاء من القسم السابقين فقال: وَهُمْ لَهَا أي: للخيرات سَابِقُونَ قد بلغوا ذروتها، وتباروا هم والرعيل الأول، ومع هذا، قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة، أنهم سابقون.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمعنى على القراءة الأولى- وهي قراءة الجمهور: السبعة وغيرهم- أظهر لأنه قال- بعد ذلك-: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ فجعلهم من السابقين، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى، لأوشك أن لا يكونوا من السابقين، بل من المقتصدين أو المقتصرين .وجملة وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ حال من الفاعل في قوله- تعالى- يُؤْتُونَ.وجملة أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ تعليلية بتقدير اللام، وهي متعلقة بقوله: وَجِلَةٌ.أى: وقلوبهم خائفة من عدم القبول لأنهم إلى ربهم راجعون، فيحاسبهم على بواعث أقوالهم وأعمالهم، وهم- لقوة إيمانهم- يخشون التقصير في أى جانب من جوانب طاعتهم له- عز وجل-.وقد جاءت هذه الصفات الكريمة- كما يقول الإمام الرازي- في نهاية الحسن، لأن الصفة الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز عما لا ينبغي، والثانية: دلت على قوة إيمانهم بآيات ربهم، والثالثة دلت على شدة إخلاصهم، والرابعة: دلت على أن المستجمع لتلك الصفات يأتى بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير، وذلك هو نهاية مقامات الصديقين، رزقنا الله- سبحانه- الوصول إليها .واسم الإشارة في قوله- تعالى-: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ يعود إلى هؤلاء المؤمنين الموصوفين بتلك الصفات الجليلة.وهذه الجملة خبر عن قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وما عطف عليه، فاسم «إن» : أربع موصولات، وخبرها جملة أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ...أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات، يبادرون برغبة وسرعة إلى فعل الخيرات، وإلى الوصول إلى ما يرضى الله- تعالى- وَهُمْ لَها أى: لهذه الخيرات وما يترتب عليها من فوز وفلاح سابِقُونَ لغيرهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( أولئك يسارعون في الخيرات ) يبادرون إلى الأعمال الصالحات ، ( وهم لها سابقون ) أي : إليها سابقون ، كقوله تعالى : " لما نهوا " أي : إلى ما نهوا ، ولما قالوا ونحوها ، وقال ابن عباس في معنى هذه الآية : سبقت لهم من الله السعادة . وقال الكلبي : سبقوا الأمم إلى الخيرات .