﴿ ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ولما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات وسبقهم إليها، ربما وهم واهم أن المطلوب منهم ومن غيرهم أمر غير مقدور أو متعسر، أخبر تعالى أنه لا يكلف نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أي: بقدر ما تسعه، ويفضل من قوتها عنه، ليس مما يستوعب قوتها، رحمة منه وحكمة، لتيسير طريق الوصول إليه، ولتعمر جادة السالكين في كل وقت إليه. وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وهو الكتاب الأول، الذي فيه كل شيء، وهو يطابق كل واقع يكون، فلذلك كان حقا، وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ أي لا ينقص من إحسانهم، ولا يزداد في عقوبتهم وعصيانهم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة المشتملة على صفات المؤمنين الصادقين، ببيان أن هذه الصفات الجليلة لم تكلف أصحابها فوق طاقتهم، لأن الإيمان الحق إذا خالطت بشاشته القلوب يجعلها لا تحس بالمشقة عند فعل الطاعات، وإنما يجعلها تحس بالرضا والسعادة والإقدام على فعل الخير بدون تردد، فقال- تعالى- وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ...أى: وقد جرت سنتنا فيما شرعناه لعبادنا من تشريعات، أننا لا نكلف نفسا من النفوس إلا في حدود طاقتها وقدرتها. كما قال- تعالى-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها .والمراد بالكتاب في قوله- تعالى-: وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ.. كتاب الأعمال الذي يحصيها الله- تعالى- فيه ويشهد لذلك قوله- سبحانه-: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وقوله- تعالى- وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ.. .والمراد بنطق الكتاب بالحق: أن كل ما فيه حق وصدق. أى: ولدينا صحائف أعمالكم، التي سجلها عليكم الكرام الكاتبون، وفيها جميع أقوالكم وأفعالكم في الدنيا، بدون زيادة أو نقصان، بل هي مشتملة على كل حق وصدق فقد اقتضت حكمتنا وعدالتنا أننا لا نظلم أحدا وإنما نعطى كل إنسان ما يستحقه من خير، ونعفو عن كثير من الهفوات.وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد مدحت المؤمنين الصادقين، ووصفتهم بما هم أهله من صفات كريمة.ثم تعود السورة مرة أخرى إلى الحديث عن أحوال الكافرين، فتوبخهم على استمرارهم في غفلتهم، وتصور جزعهم وجؤارهم عند ما ينزل بهم العذاب فتقول:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله : ( ولا نكلف نفسا إلا وسعها ) أي : طاقتها ، فمن لم يستطع القيام فليصل قاعدا ، ومن لم يستطع الصوم فليفطر ، ( ولدينا كتاب ينطق بالحق ) وهو اللوح المحفوظ ، " ينطق بالحق " يبين بالصدق ، ومعنى الآية : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلا ما أطاقت من العمل ، وقد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ ، فهو ينطق به ويبينه . وقيل : هو كتب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة ، ( وهم لا يظلمون ) ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم . ثم ذكر الكفار ، فقال :