القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 113 سورة النساء - ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة

سورة النساء الآية رقم 113 : سبع تفاسير معتمدة

سورة ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة - عدد الآيات 176 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 113 من سورة النساء عدة تفاسير - سورة النساء : عدد الآيات 176 - - الصفحة 96 - الجزء 5.

سورة النساء الآية رقم 113


﴿ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا ﴾
[ النساء: 113]

﴿ التفسير الميسر ﴾

ولولا أن الله تعالى قد مَنَّ عليك -أيها الرسول- ورحمك بنعمة النبوة، فعصمك بتوفيقه بما أوحى إليك، لعزمت جماعة من الذين يخونون أنفسهم أن يُزِلُّوكَ عن طريق الحق، وما يُزِلُّونَ بذلك إلا أنفسهم، وما يقدرون على إيذائك لعصمة الله لك، وأنزل الله عليك القرآن والسنة المبينة له، وهداك إلى علم ما لم تكن تعلمه مِن قبل، وكان ما خصَّك الله به من فضلٍ أمرًا عظيمًا.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«ولولا فضل الله عليك» يا محمد «ورحمته» بالعصمة «لهمَّت» أضمرت «طائفة منهم» من قوم طعمة «أن يضلوك» عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك «وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من» زائدة «شيء» لأن وبال إضلالهم عليهم «وأنزل الله عليك الكتاب» القرآن «والحكمة» ما فيه من الأحكام «وعلَّمك ما لم تكن تعلم» من الأحكام والغيب «وكان فضل الله عليك» بذلك وغيره «عظيما».

﴿ تفسير السعدي ﴾

ثم ذكر منته على رسوله بحفظه وعصمته ممن أراد أن يضله فقال: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وذلك أن هذه الآيات الكريمات قد ذكر المفسرون أن سبب نزولها: أن أهل بيت سرقوا في المدينة، فلما اطلع على سرقتهم خافوا الفضيحة، وأخذوا سرقتهم فرموها ببيت من هو بريء من ذلك.
واستعان السارق بقومه أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يبرئ صاحبهم على رءوس الناس، وقالوا: إنه لم يسرق وإنما الذي سرق من وجدت السرقة ببيته وهو البريء.
فهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ صاحبهم، فأنزل الله هذه الآيات تذكيرا وتبيينا لتلك الواقعة وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم من المخاصمة عن الخائنين، فإن المخاصمة عن المبطل من الضلال، فإن الضلال نوعان: ضلال في العلم، وهو الجهل بالحق.
وضلال في العمل، وهو العمل بغير ما يجب.
فحفظ الله رسوله عن هذا النوع من الضلال [كما حفظه عن الضلال في الأعمال] وأخبر أن كيدهم ومكرهم يعود على أنفسهم، كحالة كل ماكر، فقال: وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لكون ذلك المكر وذلك التحيل لم يحصل لهم فيه مقصودهم، ولم يحصل لهم إلا الخيبة والحرمان والإثم والخسران.
وهذه نعمة كبيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم تتضمن النعمة بالعمل، وهو التوفيق لفعل ما يجب، والعصمة له عن كل محرم.
ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ أي: أنزل عليك هذا القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي فيه تبيان كل شيء وعلم الأولين والآخِرين.
والحكمة: إما السُّنَّة التي قد قال فيها بعض السلف: إن السُّنَّة تنزل عليه كما ينزل القرآن.
وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة على معرفة أحكامها، وتنزيل الأشياء منازلها وترتيب كل شيء بحسبه.
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى.
فإنه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ثم لم يزل يوحي الله إليه ويعلمه ويكمله حتى ارتقى مقاما من العلم يتعذر وصوله على الأولين والآخرين، فكان أعلم الخلق على الإطلاق، وأجمعهم لصفات الكمال، وأكملهم فيها، ولهذا قال: وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من فضله على كل مخلوق وأجناس الفضل الذي قد فضله الله به لا يمكن استقصاؤها ولا يتيسر إحصاؤها

﴿ تفسير البغوي ﴾

قوله تعالى : ( ولولا فضل الله عليك ورحمته ) يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ( لهمت ) لقد همت أي : أضمرت ، ( طائفة منهم ) يعني : قوم طعمة ، ( أن يضلوك ) يخطئوك في الحكم ويلبسوا عليك الأمر حتى تدافع عن طعمة ، ( وما يضلون إلا أنفسهم ) يعني يرجع وباله عليهم ، ( وما يضرونك من شيء ) يريد أن ضرره يرجع إليهم ، ( وأنزل الله عليك الكتاب ) يعني : القرآن ، ( والحكمة ) يعني : القضاء بالوحي ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) من الأحكام ، وقيل : من علم الغيب ، ( وكان فضل الله عليك عظيما ) .

﴿ تفسير الوسيط ﴾

ثم بين- سبحانه- مظاهر فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ.
أى: ولولا فضل الله عليك ورحمته بك- يا محمد- بأن وهبك النبوة، وعصمك من كيد الناس وأذاهم، وأحاطك علما بما يبيتونه من سوء لولا ذلك لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْأى: من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم وهم طعمة وأشياعه الذين دافعوا عنه، ومن كان على شاكلتهم في النفاق والجدال بالباطل أَنْ يُضِلُّوكَأى: لهمت طائفة من هؤلاء الذين في قلوبهم مرض أن يضلوك عن القضاء بالحق بين الناس، ولكن الله- تعالى- حال بينهم وبين هذا الهم بإشعارهم بأن ما يفعلونه معك من سوء سيكشفه الله لك عن طريق الوحى.
وقوله وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْأى: أنهم بمحاولتهم إخفاء الحق والدفاع عن الخائن، وتعاونهم على الإثم والعدوان، ما يضلون إلا أنفسهم، لأن سوء عاقبة ذلك ستعود عليهم وحدهم، أما أنت يا محمد فقد عصمك الله من شرورهم، وحماك من كل انحراف عن الحق والعدل.
وقوله وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍمعطوف على ما قبله.
أى هم بمحاولتهم إخفاء الحقما يضرونك بأى قدر من الضر.
لأنك إنما قضيت بينهم بما هو الظاهر من أحوالهم، وهو الذي تحكم بمقتضاه، أما الأمور الخفية التي تخالف الحق فمرجع علمها إلى الله وحده.
ومِنْفي قوله مِنْ شَيْءٍزائدة لتأكيد النفي.
وشيء أصله النصب على أنه مفعول مطلق لقوله يَضُرُّونَكَ.
أى: وما يضرونك شيئا من الضرر وقد جر لأجل حرف الجر الزائد.
وقوله وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماًمعطوف على قوله وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍلزيادة التقرير، ولزيادة بيان ما وهبه الله- تعالى- لنبيه من خير ورعاية وعصمة أى: أن الله- تعالى- قد امتن عليك يا محمد بأن أنزل عليك القرآن الذي يهدى للتي هي أقوم، وأنزل عليك الحكمة أى العلم النافع الذي يجعلك تصيب الحق في قولك وعملك «وعلمك ما لم تكن تعلم» من أخبار الأولين والآخرين، ومن خفيات الأمور، ومن أمور الدين والشرائع.
وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماًأى وكان فضل الله عليك عظيما عظما لا تحده عبارة، ولا تحيط به إشارة.
فالآية الكريمة فيها ما فيها من التنويه بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن مظاهر فضل الله عليه ورحمته به.
وبعد فإن المتأمل في هذه الآيات الكريمة، ليراها تهدى الناس إلى ما يسعدهم في كل زمان ومكان متى اتبعوا توجيهاتها وإرشاداتها.
إنها تأمرهم في شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يلتزموا الحق في كل أقوالهم وأعمالهم، حتى ولو كان الذي عليه الحق من أقرب الناس إليهم، وكان الذي له الحق من أعدى أعدائهم، وتنهاهم عن الدفاع عن الخائنين الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، وتبين لهم أن دفاعهم عنهم لن يفيده أمام الله- تعالى-.
ثم تفتح للعصاة باب التوبة لكي يفيئوا إلى رشدهم ويعودوا إلى طاعة ربهم وتخبرهم أن شؤم المعصية سيعود إليهم وحدهم .
.
.
وتنبههم إلى أن من أشد الذنوب عند الله- تعالى- أن يفعل الشخص فاحشة ثم يقذف بها غيره.
ثم تسوق الآيات في ختامها جانبا من فضل الله على نبيه ورحمته به، لكي يزداد ثباتا واطمئنانا» ويزداد أعداؤه خوفا وضعفا واضطرابا.
وهكذا نرى الآيات الكريمة تهدى الناس إلى الحق الذي لا يميل مع الهوى، ولا مع العصبية.
ولا يترجح مع الحب أو البغض حتى ولو كان الذي عليه الحق ممن يظهرون الإسلام ويعاملون معاملة المسلمين، وكان الذي له الحق من اليهود الذين لم يتركوا مسلكا لمحاربة الدعوة الإسلامية إلا سلكوه والذين يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم ومع ذلك أنكروه وحاربوه.
فهل رأيت- أخى القارئ- عدالة تقترب من هذه العدالة في سموها ونقائها واستقامة منهجها؟إن هذه الآيات لتشهد بأن هذا القرآن من عند الله، لأن البشر مهما استقامت طبائعهم، فإنهم ليس في استطاعتهم أن يصلوا إلى هذا المستوي الرفيع الذي تشير إليه الآيات، والذي يكشف لكل عاقل أن هذا القرآن من عند الله وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن كثيرا من كلام الناس لا خير فيه، وأن العاقل هو الذي يحرص على القول النافع والعمل الطيب.
وأن الذين يتبعون الطريق المخالف لطريق الحق سينالهم عذاب شديد من خالقهم فقال- سبحانه-:

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

وقوله : ( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ) قال الإمام ابن أبي حاتم : أنبأنا هاشم بن القاسم الحراني فيما كتب إلي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق . عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن أبيه ، عن جده قتادة بن النعمان - وذكر قصة بني أبيرق ، فأنزل الله : ( لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ) يعني : أسير بن عروة وأصحابه . يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولاموا قتادة بن النعمان في كونه اتهمهم ، وهم صلحاء برآء ، ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ولهذا أنزل الله فصل القضية وجلاءها لرسوله صلى الله عليه وسلم .ثم امتن عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال ، وعصمته له ، وما أنزل عليه من الكتاب ، وهو القرآن ، والحكمة ، وهي السنة : ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) أي : [ من ] قبل نزول ذلك عليك ، كقوله : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب [ ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ] ) [ الشورى : 52 ، 53 ] وقال تعالى : ( وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ) [ القصص : 86 ] ; ولهذا قال تعالى : ( وكان فضل الله عليك عظيما )

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماقوله تعالى : ولولا فضل الله عليك ورحمته ما بعد لولا مرفوع بالابتداء عند سيبويه ، والخبر محذوف لا يظهر ، والمعنى : ولولا فضل الله عليك ورحمته بأن نبهك على الحق ، وقيل : بالنبوءة والعصمة .
لهمت طائفة منهم أن يضلوك عن الحق ؛ لأنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ ابن أبيرق من التهمة ويلحقها اليهودي ، فتفضل الله عز وجل على رسوله عليه السلام بأن نبهه على ذلك وأعلمه إياه .
وما يضلون إلا أنفسهم لأنهم يعملون عمل الضالين ، فوباله لهم راجع عليهم .
وما يضرونك من شيء لأنك معصوم .
وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة هذا ابتداء كلام .
وقيل : الواو للحال ، كقولك : جئتك والشمس طالعة ، ومنه قول امرئ القيس :وقد أغتدي والطير في وكناتها فالكلام متصل ، أي ما يضرونك من شيء مع إنزال الله عليك القرآن .
والحكمة القضاء بالوحي .
وعلمك ما لم تكن تعلم يعني من الشرائع والأحكام .
وتعلم في موضع نصب ؛ لأنه خبر كان .
وحذفت الضمة من النون للجزم ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين .

﴿ تفسير الطبري ﴾

القول في تأويل قوله : وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " ولولا فضل الله عليك ورحمته "، ولولا أن الله تفضل عليك، يا محمد، (75) فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن، فكففت لذلك عن الجدال عنه، ومدافعة أهل الحق عن حقهم قِبَله=" لهمت طائفة منهم "، يقول: لهمت فرقة منهم، (76) يعني: من هؤلاء الذين يختانون أنفسهم=" أن يضلوك "، يقول: يزلُّوك عن طريق الحق، (77) وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم للخائن عنده بأنه بريء مما ادعى عليه، ومسألتهم إياه أن يعذره ويقوم بمعذرته في أصحابه، فقال الله تبارك وتعالى: وما يضل هؤلاء الذين هموا بأن يضلوك عن الواجب من الحكم في أمر هذا الخائن درعَ جاره،" إلا أنفسهم ".
* * *فإن قال قائل: ما كان وجه إضلالهم أنفسَهم؟قيل: وجهُ إضلالهم أنفسهم: أخذُهم بها في غير ما أباح الله لهم الأخذَ بها فيه من سبله.
وذلك أن الله جل ثناؤه قد كان تقدّم إليهم فيما تقدّم في كتابه على لسان رسوله إلى خلقه، بالنهي عن أن يتعاونوا على الإثم والعدوان، والأمر بالتعاون على الحق.
فكان من الواجب لله فيمن سعى في أمر الخائنين الذين وصف الله أمرهم بقوله: وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ، معاونة من ظلموه، دون من خاصمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب حقه منهم.
فكان سعيهم في معونتهم، دون معونة من ظلموه، أخذًا منهم في غير سبيل الله.
وذلك هو إضلالهم أنفسهم الذي وصفه الله فقال: " وما يضلون إلا أنفسهم ".
* * *=" وما يضرونك من شيء "، وما يضرك هؤلاء الذين هموا لك أن يزلُّوك عن الحق في أمر هذا الخائن من قومه وعشيرته=" من شيء "، لأن الله مثبِّتك ومسدِّدك في أمورك، ومبيِّن لك أمر من سعوا في إضلالك عن الحق في أمره وأمرهم، ففاضِحُه وإياهم.
= وقوله: " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة "، يقول: ومن فضل الله عليك، يا محمد، مع سائر ما تفضَّل به عليك من نعمه، أنه أنزل عليك " الكتاب "، وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدًى وموعظة=" والحكمة "، يعني: وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة، وهي ما كان في الكتاب مجملا ذكره، من حلاله وحرامه، وأمره ونهيه، وأحكامه، ووعده ووعيده (78) =" وعلمك ما لم تكن تعلم " من خبر الأولين والآخرين، وما كان وما هو كائن، فكل ذلك من فضل الله عليك، يا محمد، مُذْ خلقك، (79) فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك، بالتمسك بطاعته، والمسارعة إلى رضاه ومحبته، ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدّك عن سبيله، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن.
ولا أحد دونه ينقذك من سوء إن أراد بك، إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه، واتبعت هوى من حاول صدَّك عن سبيله.
* * *وهذه الآية تنبيهٌ من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم على موضع خطئه، (80) وتذكيرٌ منه له الواجبَ عليه من حقه.
* * *---------------(75) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف من فهارس اللغة.
(76) انظر تفسير"طائفة" فيما سلف 141 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(77) انظر تفسير"الإضلال" فيما سلف 8 : 507 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(78) انظر تفسير"الحكمة" فيما سلف 3 : 87 ، 88 ، 211 / 5 : 15 ، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة.
(79) في المطبوعة والمخطوطة: "وما كان وما هو كائن قبل ذلك من فضل الله عليك" ، وهو غير مستقيم ، والصواب ما أثبت ، "فكل" مكان"قبل".
(80) في المطبوعة: "موضع حظه" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها موافقا لسياق القصة.

﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنـزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ﴾

قراءة سورة النساء

المصدر : تفسير : ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة