ومن يعمل خطيئة بغير عمد، أو يرتكب ذنبًا متعمدًا ثم يقذف بما ارتكبه نفسًا بريئة لا جناية لها، فقد تحمَّل كذبًا وذنبًا بيّنا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ومن يكسب خطيئة» ذنبا صغيرا «أو إثما» ذنبا كبيرا «ثم يرم به بريئا» منه «فقد احتمل» تحمل «بهتانا» برميه «وإثما مبينا» بينا بكسبه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أي: ذنبا كبيرا أَوْ إِثْمًا ما دون ذلك. ثُمَّ يَرْمِ بِهِ أي يتهم بذنبه بَرِيئًا من ذلك الذنب، وإن كان مذنبا. فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا أي: فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء وإثمًا ظاهرًا بينًا، وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها، فإنه قد جمع عدة مفاسد: كسب الخطيئة والإثم، ثم رَمْي مَن لم يفعلها بفعلها، ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء، ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية، تندفع عمن وجبت عليه، وتقام على من لا يستحقها. ثم ما يترتب على ذلك أيضا من كلام الناس في البريء إلى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ومن يكسب خطيئة ) أي : سرقة الدرع ، ( أو إثما ) يمينه الكاذبة ، ( ثم يرم به ) أي : يقذف بما جنى ( بريئا ) منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي ( فقد احتمل بهتانا ) البهتان : هو البهت ، وهو الكذب الذي يتحير في عظمه ، ( وإثما مبينا ) أي : ذنبا بينا ، وقوله ( ثم يرم به ) ولم يقل بهما بعد ذكر الخطيئة والإثم ، رد الكناية إلى الإثم ، أو جعل الخطيئة والإثم كالشيء الواحد .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- المصير السيئ الذي ينتظر أولئك الذين يرتكبون السوء ثم يرمون به غيرهم فقال: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً.وقد قيل: إن الخطيئة والإثم هنا بمعنى واحد وقد جيء بهما على اختلاف لفظيهما للتأكيد المعنوي. ولم يرتض كثير من العلماء هذا القيل بل قالوا هما متغايران. وأن المراد بالخطيئة:المعصية الصغيرة. والمراد بالإثم: المعصية الكبيرة. وقال آخرون: الفرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد. والإثم لا يكون إلا عن عمد.ويبدو لنا من تعبير القرآن عن الخطيئة أن المراد بها الذنوب التي يرتكبها صاحبها عن استهانة وعدم اكتراث، لأنه لكثرة ولوغه في الشرور صار يأتيها بلا مبالاة. قال- تعالى- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ وقال- تعالى- مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً.وأن المراد بالإثم هنا: الذنوب التي يرتكبها الإنسان عن تعمد وإصرار فتؤدى به إلى الإبطاء عن الاتجاه إلى الله بالاستغفار والتوبة، لأن الإثم كما يقول الراغب-: اسم للأفعال المبطئة عن الثواب .والبهتان كما يقول القرطبي من البهت- بمعنى الدهش والتحير من فظاعة ما رمى به الإنسان من كذب- وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه برىء. وروى مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال. ذكرك أخاك بما يكره قال. أفرأيت إن كان في أخى ما أقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه فقد بهته. ثم قال القرطبي وهذا نص. فرمى البريء بهت له. يقال. بهته بهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله .والمعنى: «ومن يكسب خطيئة» أى ذنبا من الذنوب التي يرتكبها صاحبها عن استهانة لكثرة تعوده على ارتكاب السيئات، أو يرتكب إِثْماًمن الآثام التي تبطئه عن رضا الله ورحمته «ثم يرم به بريئا» أى: ينسبه إلى غيره من الأبرياء مع أنه هو الذي اقترفه فَقَدِ احْتَمَلَأى: فقد تحمل بسبب فعله ذلك بُهْتاناًأى كذبا يجعل من رمى به في حيرة ودهشة، وتحمل أيضا إِثْماً مُبِيناًأى ذنبا واضحا بينا لا خفاء فيه يؤدى به إلى غضب الله وسخطه.قال الجمل وقوله (به) في هذه الهاء أقوال:أحدها: أنها تعود على إِثْماًوالمتعاطفان بأو يجوز أن يعود الضمير على المعطوف كما في هذه الآية وعلى المعطوف عليه كما في قوله- تعالى- وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً.الثاني: أنها تعود على الكسب المدلول عليه بالفعل نحو (اعدلوا هو أقرب للتقوى) أى العدل.الثالث: أنها تعود على أحد المذكورين الدال عليه العطف بأو فإنه في قوة ثم يرم بأحد المذكورين .وقال الفخر الرازي: واعلم أن صاحب البهتان مذموم في الدنيا أشد الذم ومعاقب في الآخرة أشد العقاب. فقوله: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناًإشارة إلى ما يلحقه من الذم العظيم في الدنيا. وقوله وَإِثْماً مُبِيناًإشارة إلى ما يلحقه من العقاب العظيم في الآخرة .وبهذا نرى أن هذه الآيات الثلاثة قد بينت مراتب العصاة أمام الله- تعالى وفتحت لهم باب التوبة ليثوبوا إلى رشدهم، وتوعدت المصرين على معاصيهم بسوء المصير.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال : ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا [ فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ] ) يعني : كما اتهم بنو أبيرق بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح ، وهو لبيد بن سهل ، كما تقدم في الحديث ، أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الآخرون ، وقد كان بريئا وهم الظلمة الخونة ، كما أطلع الله على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم . ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف مثل صفتهم وارتكب مثل خطيئتهم ، فعليه مثل عقوبتهم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ومن يكسب خطيئة أو إثما قيل : هما بمعنى واحد كرر لاختلاف اللفظ تأكيدا . وقال الطبري : إنما فرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد ، والإثم لا يكون إلا عن عمد . وقيل : الخطيئة ما لم تتعمده خاصة كالقتل بالخطأ . وقيل : الخطيئة الصغيرة ، والإثم الكبيرة ، وهذه الآية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم .قوله تعالى : ثم يرم به بريئا قد تقدم اسم البريء في البقرة . والهاء في به للإثم أو للخطيئة . لأن معناها الإثم ، أو لهما جميعا . وقيل : ترجع إلى الكسب . فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا تشبيه ؛ إذ الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات . وقد قال تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . والبهتان من البهت ، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء . وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ قال : ذكرك أخاك بما يكره . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته . وهذا نص ؛ فرمي البريء بهت له . يقال : بهته بهتا وبهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله . وهو بهات والمقول له مبهوت . ويقال : بهت الرجل ( بالكسر ) إذا دهش وتحير . وبهت ( بالضم ) مثله ، وأفصح منهما بهت ، كما قال الله تعالى : فبهت الذي كفر لأنه يقال : رجل مبهوت ولا يقال : باهت ولا بهيت ، قاله الكسائي
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يعمل خطيئة، وهي الذنب=" أو إثمًا "، وهو ما لا يحلّ من المعصية. (65)* * *وإنما فرق بين " الخطيئة " و " الإثم "، لأن " الخطيئة "، قد تكون من قبل العَمْد وغير العمد، و " الإثم " لا يكون إلا من العَمْد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال: ومن يأت " خطيئة " على غير عمد منه لها=" أو إثمًا " على عمد منه.* * *=" ثم يرم به بريئًا "، (66) يعني: ثم يُضيف ماله من خطئه أو إثمه الذي تعمده (67) =" بريئًا " مما أضافه إليه ونحله إياه=" فقد احتمل بُهتانًا وإثمًا مبينًا "، يقول: (68) فقد تحمّل بفعله ذلك فريَة وكذبًا وإثمًا عظيمًا= يعني، وجُرْمًا عظيمًا، على علم منه وعمدٍ لما أتى من معصيته وذنبه.* * *واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: " بريئًا "، بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البريءَ من الإثم الذي كان أتاه، ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل.فقال بعضهم: عنى الله عز وجل بالبريء، رجلا من المسلمين يقال له: " لبيد بن سهل ". (69)* * *وقال آخرون: بل عنى رجلا من اليهود يقال له: " زيد بن السمين "، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى. (70)* * *وممن قال: " كان يهوديًّا "، ابنُ سيرين.10425- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين: " ثم يرم به بريئًا "، قال: يهوديًّا.10426- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا بدل بن المحبر قال، حدثنا شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين، مثله. (71)* * *وقيل: " يرم به بريئًا "، بمعنى: ثم يرم بالإثم الذي أتى هذا الخائن، من هو بريء مما رماه به= ف" الهاء " في قوله: " به " عائدة على " الإثم ". ولو جعلت كناية من ذكر " الإثم " و " الخطيئة "، كان جائزًا، لأن الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها، فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعلٌ. (72)* * *= وأما قوله: " فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا "، فإن معناه: فقد تحمل - هذا الذي رمَى بما أتى من المعصية وركب من الإثم الخطيئة، مَنْ هو بريء مما رماه به من ذلك=" بهتانًا "، وهو الفرية والكذب (73) =" وإثمًا مبينًا "، يعني وِزْرًا " مبينًا "، يعني: أنه يبين عن أمر متحمِّله وجراءته على ربه، (74) وتقدّمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمرَه.--------------------الهوامش :(65) انظر تفسير"خطيئة" فيما سلف 2: 110 ، 284 ، 285.(66) في المطبوعة زيادة حذفتها ، كان الكلام: "ثم يرم به بريئًا ، يعني بالذي تعمده بريئًا ، يعني ..." وهو فساد في التفسير ، فحذفته لذلك وتابعت المخطوطة.(67) في المطبوعة: "ثم يصف ما أتى من خطئه ..." وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.(68) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف 5 : 432 / 8 : 124.(69) انظر الأثر رقم: 10411.(70) انظر رقم: 10412 ، 10416.(71) الأثر: 10426 -"بدل بن المحبر بن المنبه التميمي اليربوعي" روى عن شعبة ، والخليل بن أحمد صاحب العروض ، وغيرهما. وروى عنه البخاري ، والأربعة بواسطة محمد بن بشار. ثقة.و"بدل" بفتحتين.(72) هذا مختصر مقالة الفراء في معاني القرآن 1 : 286 ، 287.(73) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف ص: 197 ، تعليق: 4.(74) انظر تفسير"مبين" فيما سلف ص: 3 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك. وكان في المطبوعة: "يبين عن أمر عمله" ، والصواب من المخطوطة.
﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ﴾