قال الله تعالى لآدم وحواء: اهبطا من الجنة إلى الأرض جميعًا مع إبليس، فأنتما وهو أعداء، فإن يأتكم مني هدى وبيان فمن اتبع هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا، ويهتدي، ولا يشقى في الآخرة بعقاب الله.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قال اهبطا» أي آدم وحواء بما اشمتلنا عليه من ذريتكما «منها» من الجنة «جميعاً بعضكم» بعض الذرية «لبعض عدو» من ظلم بعضهم بعضاً «فإما» فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة «يأتينكم مني هدى فمن اتبع هدايَ» القرآن «فلا يضل» في الدنيا «ولا يشقى» في الآخرة.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يخبر تعالى، أنه أمر آدم وإبليس أن يهبطا إلى الأرض، وأن يتخذوا [آدم وبنوه] الشيطان عدوا لهم، فيأخذوا الحذر منه، ويعدوا له عدته ويحاربوه، وأنه سينزل عليهم كتبا، ويرسل إليهم رسلا يبينون لهم الطريق المستقيم الموصلة إليه وإلى جنته، ويحذرونهم من هذا العدو المبين، وأنهم أي: وقت جاءهم ذلك الهدى، الذي هو الكتب والرسل، فإن من اتبعه اتبع ما أمر به، واجتنب ما نهي عنه، فإنه لا يضل في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يشقى فيهما، بل قد هدي إلى صراط مستقيم، في الدنيا والآخرة، وله السعادة والأمن في الآخرة.وقد نفى عنه الخوف والحزن في آية أخرى، بقوله: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ واتباع الهدى، بتصديق الخبر، وعدم معارضته بالشبه، وامتثال الأمر بأن لا يعارضه بشهوة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي ) يعني الكتاب والرسول ، ( فلا يضل ولا يشقى ) روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله في الدنيا من الضلالة ، ووقاه الله يوم القيامة سوء الحساب ، وذلك بأن الله يقول : ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) .وقال الشعبي عن ابن عباس : أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا ويشقى في الآخرة ، وقرأ هذه الآية .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات ببيان ما آل إليه أمر آدم فقال- تعالى- قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً....أى: انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين، فألف الاثنين هنا تعود إلى آدم وحواء.أما الآيات الأخرى التي جاءت بضمير الجمع، والتي منها قوله- تعالى-: قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ... .فالضمير فيها يعود إلى آدم وزوجته وذريتهما.وقوله: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أى: بعض ذريتكما لبعض عدو، بسبب التخاصم والتنازع والتدافع على حطام هذه الدنيا.فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً يا بنى آدم عن طريق إرسال الرسل وإنزال الكتب فعليكم أن تتبعوا رسلي، وتعملوا بما اشتملت عليه كتبي.فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ بأن آمن برسلي وصدق بكتبي.فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى لا في الدنيا ولا في الآخرة، بسبب استمساكه بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.وشبيه هذه الآية قوله- تعالى-: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً، فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .وبعد أن بين- سبحانه- حسن عاقبة من اتبع هداه، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة من أعرض عن ذكره وطاعته فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس : اهبطوا منها جميعا ، أي : من الجنة كلكم . وقد بسطنا ذلك في سورة البقرة " .( بعضكم لبعض عدو ) قال : آدم وذريته ، وإبليس وذريته .وقوله : ( فإما يأتينكم مني هدى ) قال أبو العالية : الأنبياء والرسل والبيان .( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) قال ابن عباس : لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قال اهبطا منها جميعا خطاب آدم وإبليس . منها أي من الجنة . وقد قال لإبليس : اخرج منها مذءوما مدحورا فلعله أخرج من الجنة إلى موضع من السماء ، ثم أهبط إلى الأرض . بعضكم لبعض عدو تقدم في ( البقرة ) أي أنت عدو للحية ولإبليس وهما عدوان لك . وهذا يدل على أن قوله : اهبطا ليس خطابا لآدم وحواء ؛ لأنهما ما كانا متعاديين ؛ وتضمن هبوط آدم هبوط حواء . فإما يأتينكم مني هدى أي رشدا وقولا حقا . وقد تقدم في ( البقرة ) . فمن اتبع هداي يعني الرسل والكتب . فلا يضل ولا يشقى قال ابن عباس : ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، وتلا الآية . من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب ، ثم تلا الآية .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123)يقول تعالى ذكره: قال الله تعالى لآدم وحوّاء ( اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا إِلَى الأرْضِ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) يقول: أنتما عدوّ إبليس وذرّيته، وإبليس عدوّكما وعدوّ ذرّيتكما.وقوله ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ) يقول: فإن يأتكم يا آدم وحواء وإبليس مني هدى: يقول: بيان لسبيلي، وما أختاره لخلقي من دين ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ) يقول: فمن اتبع بياني ذلك وعمل به، ولم يزغ منه ( فَلا يَضِلُّ ) يقول: فلا يزول عن محجة الحق، ولكنه يرشد في الدنيا ويهتدي (ولا يَشْقَى) في الآخرة بعقاب الله، لأن الله يدخله الجنة، وينجيه من عذابه.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: تضمن الله لمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا هذه الآية ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ).حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: ثنا حكام الرازيّ، عن أيوب بن موسى، عن مرو ثنا الملائي عن ابن عباس أنه قال: إن الله قد ضمن.... فذكر نحوه.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أيوب بن يسار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، عن رجل عن ابن عباس، بنحوه.حدثنا عليّ بن سهل الرملي، قال: ثنا أحمد بن محمد النسائي، عن أبي سلمة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، قال: قال ابن عباس: من قرأ القرآن واتبع ما فيه عصمه الله من الضلالة، ووقاه، أظنه أنه قال: من هول يوم القيامة، وذلك أنه قال ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) في الآخرة.
﴿ قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾