القرآن الكريم الفهرس التفسير الإعراب الترجمة القرآن mp3
القرآن الكريم

تفسير و معنى الآية 143 سورة البقرة - وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على

سورة البقرة الآية رقم 143 : سبع تفاسير معتمدة

سورة وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على - عدد الآيات 286 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .

تفسير و معنى الآية 143 من سورة البقرة عدة تفاسير - سورة البقرة : عدد الآيات 286 - - الصفحة 22 - الجزء 2.

سورة البقرة الآية رقم 143


﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ﴾
[ البقرة: 143]

﴿ التفسير الميسر ﴾

وكما هديناكم -أيها المسلمون- إلى الطريق الصحيح في الدين، جعلناكم أمة خيارًا عدولا لتشهدوا على الأمم في الآخرة أن رسلهم بلَّغتهم رسالات ربهم، ويكون الرسول في الآخرة كذلك شهيدًا عليكم أنَّه بلَّغكم رسالة ربه. وما جعلنا -أيها الرسول- قبلة "بيت المقدس" التي كنت عليها، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة بـ "مكة"، إلا ليظهر ما علمناه في الأزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز مَن يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت، ومَن هو ضعيف الإيمان فينقلب مرتدًا عن دينه لشكه ونفاقه. وإن هذه الحال التي هي تحول المسلم في صلاته من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إلا على الذين هداهم ومنّ عليهم بالإيمان والتقوى وما كان الله ليضيع إيمانكم به واتباعكم لرسوله، ويبطل صلاتكم إلى القبلة السابقة. إنه سبحانه وتعالى بالناس لرءوف رحيم.

﴿ تفسير الجلالين ﴾

«وكذلك» كما هديناكم إليه «جعلناكم» يا أمة محمد «أمة وسطا» خيارا عدولا «لتكونوا شهداء على الناس» يوم القيامة أنَّ رسلهم بلَّغتهم «ويكون الرسول عليكم شهيدا» أنه بلغكم «وما جعلنا» صيرنا «القبلة» لك الآن الجهة «التي كنت عليها» أولا وهي الكعبة وكان يصلى إليها فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس تألُّفا لليهود فصلى إليه ستة أو سبعة عشر شهرا ثم حول «إلا لنعلم» علم ظهور «من يتبع الرسول» فيصدقه «ممن ينقلب على عقبيه» أي يرجع إلى الكفر شكا في الدين وظنا أن النبي في حيرة من أمره وقد ارتد لذلك جماعة «وإن» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي وإنها «كانت» أي التولية إليها «لكبيرة» شاقة على الناس «إلا على الذين هدى الله» منهم «وما كان الله ليضيع إيمانكم» أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل «إن الله بالناس» المؤمنين «لرؤوف رحيم» في عدم إضاعة أعمالهم، والرأفةُ شدة الرحمة وقدَّم الأبلغ للفاصلة.

﴿ تفسير السعدي ﴾

ذكر في هذه الآية السبب الموجب لهداية هذه الأمة مطلقا بجميع أنواع الهداية, ومنة الله عليها فقال: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أي: عدلا خيارا، وما عدا الوسط, فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة, وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء, بين من غلا فيهم, كالنصارى, وبين من جفاهم, كاليهود, بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة, لا تشديدات اليهود وآصارهم, ولا تهاون النصارى.
وفي باب الطهارة والمطاعم, لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم, ولا يطهرهم الماء من النجاسات, وقد حرمت عليهم الطيبات, عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا, ولا يحرمون شيئا, بل أباحوا ما دب ودرج.
بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها، وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح, وحرم عليهم الخبائث من ذلك، فلهذه الأمة من الدين أكمله, ومن الأخلاق أجلها, ومن الأعمال أفضلها.
ووهبهم الله من العلم والحلم, والعدل والإحسان, ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا أُمَّةً وَسَطًا [كاملين] ليكونوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط, يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان, ولا يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول, فهو مقبول, وما شهدت له بالرد, فهو مردود.
فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم, والحال أن كل مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين, لوجود التهمة فأما إذا انتفت التهمة, وحصلت العدالة التامة, كما في هذه الأمة, فإنما المقصود, الحكم بالعدل والحق، وشرط ذلك, العلم والعدل, وهما موجودان في هذه الأمة, فقبل قولها.
فإن شك شاك في فضلها, وطلب مزكيا لها, فهو أكمل الخلق, نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ومن شهادة هذه الأمة على غيرهم, أنه إذا كان يوم القيامة, وسأل الله المرسلين عن تبليغهم, والأمم المكذبة عن ذلك, وأنكروا أن الأنبياء بلغتهم، استشهدت الأنبياء بهذه الأمة, وزكاها نبيها.
وفي الآية دليل على أن إجماع هذه الأمة, حجة قاطعة, وأنهم معصومون عن الخطأ, لإطلاق قوله: وَسَطًا فلو قدر اتفاقهم على الخطأ, لم يكونوا وسطا, إلا في بعض الأمور, ولقوله: ولتكونوا شهداء على الناس يقتضي أنهم إذا شهدوا على حكم أن الله أحله أو حرمه أو أوجبه، فإنها معصومة في ذلك.
وفيها اشتراط العدالة في الحكم, والشهادة, والفتيا, ونحو ذلك.
يقول تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا وهي استقبال بيت المقدس أولا إِلَّا لِنَعْلَمَ أي: علما يتعلق به الثواب والعقاب, وإلا فهو تعالى عالم بكل الأمور قبل وجودها.
ولكن هذا العلم, لا يعلق عليه ثوابا ولا عقابا, لتمام عدله, وإقامة الحجة على عباده، بل إذا وجدت أعمالهم, ترتب عليها الثواب والعقاب، أي: شرعنا تلك القبلة لنعلم ونمتحن مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ويؤمن به, فيتبعه على كل حال, لأنه عبد مأمور مدبر، ولأنه قد أخبرت الكتب المتقدمة, أنه يستقبل الكعبة، فالمنصف الذي مقصوده الحق, مما يزيده ذلك إيمانا, وطاعة للرسول.
وأما من انقلب على عقبيه, وأعرض عن الحق, واتبع هواه, فإنه يزداد كفرا إلى كفره, وحيرة إلى حيرته, ويدلي بالحجة الباطلة, المبنية على شبهة لا حقيقة لها.
وَإِنْ كَانَتْ أي: صرفك عنها لَكَبِيرَةٌ أي: شاقة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فعرفوا بذلك نعمة الله عليهم, وشكروا, وأقروا له بالإحسان, حيث وجههم إلى هذا البيت العظيم, الذي فضله على سائر بقاع الأرض، وجعل قصده, ركنا من أركان الإسلام, وهادما للذنوب والآثام, فلهذا خف عليهم ذلك, وشق على من سواهم.
ثم قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ أي: ما ينبغي له ولا يليق به تعالى, بل هي من الممتنعات عليه، فأخبر أنه ممتنع عليه, ومستحيل, أن يضيع إيمانكم، وفي هذا بشارة عظيمة لمن مَنَّ الله عليهم بالإسلام والإيمان, بأن الله سيحفظ عليهم إيمانهم, فلا يضيعه, وحفظه نوعان: حفظ عن الضياع والبطلان, بعصمته لهم عن كل مفسد ومزيل له ومنقص من المحن المقلقة, والأهواء الصادة، وحفظ له بتنميته لهم, وتوفيقهم لما يزداد به إيمانهم, ويتم به إيقانهم، فكما ابتدأكم, بأن هداكم للإيمان, فسيحفظه لكم, ويتم نعمته بتنميته وتنمية أجره, وثوابه, وحفظه من كل مكدر، بل إذا وجدت المحن المقصود منها, تبيين المؤمن الصادق من الكاذب، فإنها تمحص المؤمنين, وتظهر صدقهم، وكأن في هذا احترازا عما قد يقال إن قوله: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين إيمانهم, فدفع هذا الوهم بقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ بتقديره لهذه المحنة أو غيرها.
ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة, فإن الله لا يضيع إيمانهم, لكونهم امتثلوا أمر الله وطاعة رسوله في وقتها، وطاعة الله, امتثال أمره في كل وقت, بحسب ذلك، وفي هذه الآية, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الإيمان تدخل فيه أعمال الجوارح.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ أي: شديد الرحمة بهم عظيمها، فمن رأفته ورحمته بهم, أن يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها، وأن ميَّزَ عنهم من دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه، وأن امتحنهم امتحانا, زاد به إيمانهم, وارتفعت به درجتهم، وأن وجههم إلى أشرف البيوت, وأجلها.


﴿ تفسير البغوي ﴾

وكذلك جعلناكم أمة وسطاً نزلت في رؤساء اليهود، قالوا لمعاذ ابن جبل: "ما ترك محمد قبلتنا إلا حسداً، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس، فقال معاذ: إنا على حق وعدل فأنزل الله تعالى: وكذلك.
.
أي وهكذا"، وقيل: الكاف للتشبيه أي كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهموكذلك جعلناكم أمة وسطا مردودة على قوله: ولقد اصطفيناه في الدنيا [130-البقرة] أي عدلا خياراً قال الله تعالى: قال أوسطهم [28-القلم] أي خيرهم وأعدلهم وخير الأشياء أوسطها، وقال الكلبي: "يعني أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنهما مذمومان في الدين".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد بن الحسين الوراق أنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى أنا أبو الصلت أنا حماد بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد العصر فما ترك شيئاً إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان، قال: "أما أنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا بقي من يومكم هذا، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأخيرها وأكرمها على الله تعالى"".
قوله تعالى: لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة أن الرسل قد بلغتهم.
قال ابن جريج: "قلت لعطاء ما معنى قوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس؟ قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على من يترك الحق من الناس أجمعين.
ويكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
عليكم شهيداً معدلاً مزكياً لكم، وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم الماضية: ألم يأتكم نذير [8-الملك] فينكرون ويقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيسأل الله تعالى الأنبياء عليهم السلام عن ذلك فيقولون: كذبوا قد بلغناهم فيسألهم البينة - وهو أعلم بهم - إقامة للحجة، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم أنهم قد بلغوا، فتقول الأمم الماضية: من أين علموا وإنما أتوا بعدنا؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون أرسلت إلينا رسولاً، وأنزلت عليه كتاباً، أخبرتنا فيه تبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة قال الأعمش أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يارب، فيسأل أمته هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقال: من شهودك فيقول محمد وأمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً".
قوله تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها أي تحويلها يعني بيت المقدس، فيكون من باب حذف المضاف ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفاً، على تقدير وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة، وقيل: معناه التي أنت عليها، وهي الكعبة كقوله تعالى كنتم خير أمة أي أنتم.
إلا لنعلم من يتبع الرسول فإن قيل ما معنى قوله: ((إلا لنعلم)) وهو عالم بالأشياء كلها قبل يتعلق بما يوجد معناه ليعلم العلم الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب، وقيل: إلا لنعلم أي: لنرى ونميز من يتبع الرسول في القبلة.
ممن ينقلب على عقبيه فيرتد وفي الحديث إن القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية، وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه، وقال أهل المعاني: معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن على عقبيه كأنه سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم، وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي كما قال الله تعالى: فلم تقتلون أنبياء الله [91-البقرة] أي فلم قتلتموهم.
وإن كانت أي قد كانت أي تولية الكعبة، وقيل: الكناية راجعة إلى القبلة، وقيل: إلى الكعبة.
قال الزجاج: "وإن كانت التحويلة لكبيرة ثقيلة شديدة.
إلا على الذين هدى الله أي هداهم الله، قال سيبويه: "(( وإن )) تأكيد يشبه اليمين ولذلك دخلت اللام في جوابها".
وما كان الله ليضيع إيمانكم وذلك أن حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس، إن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها، ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة، فقال المسلمون إنما الهدى ما أمر الله به، والضلالة مانهى الله عنه.
قالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة من المسلمين أسعد بن زرارة من بني النجار، والبراء بن معرور من بني سلمة، وكانوا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم يعني صلاتكم إلى بيت المقدس.
إن الله بالناس لرؤوف رحيم قرأ أهل الحجاز وابن عامر وحفص (لرؤوف) مشبع على وزن فعول، لأن أكثر أسماء الله تعالى على فعول وفعيل، والشكور والرحيم والكريم وغيرها، و أبو جعفر يلين الهمزة وقرأ الآخرون بالاختلاس على وزن فعل.
قال جرير: "ترى للمسلمين عليك حقاً كفعل الواحد الرؤف الرحيم والرأفة أشد الرحمة".

﴿ تفسير الوسيط ﴾

- ثم وصف الله- تعالى- الأمة الإسلامية، بأنها أمة خيرة عادلة مزكاة بالعلم والعمل فقال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
والمعنى: ومثل ما جعلنا قبلتكم- أيها المسلمون- وسطا لأنها البيت الحرام الذي هو المثابة للناس، والأمن لهم، جعلناكم- أيضا- أُمَّةً وَسَطاً أى: خيارا عدولا بين الأمم ليتحقق التناسب بينكم وبين القبلة التي تتوجهون إليها في صلواتكم، تشهدون على الأمم السابقة بأن أنبياءهم قد بلغوهم الرسالة، ونصحوهم بما ينفعهم، ولكي يشهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم عليكم بأنكم صدقتموه وآمنتم به.
أخرج البخاري عن أبى سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقال له: هل بلغت ما أرسلت به؟ فيقول نعم، فيقال لأمته هل بلغكم.
فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقال له: من يشهد لك.
فيقول:محمد وأمته.
فيشهدون أنه قد بلغ، فذلك قوله- جل ذكره- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
ثم بين الله- تعالى- الحكمة في تحويل القبلة إلى الكعبة فقال تعالى:وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ.
أى وما شرعنا التوجه إلى القبلة التي كنت عليها قبل وقتك هذا وهي بيت المقدس، إلا لنعامل الناس معاملة الممتحن المختبر، فنعلم من يتبع الرسول ويأتمر بأوامره في كل حال ممن لم يدخل الدين في قرارة نفسه، وإنما دخل فيه على حرف، بحيث يرتد عنه لأقل شبهة، وأدنى ملابسة كما حصل ذلك من ضعاف الإيمان عند تحويل القبلة إلى الكعبة والله- تعالى- عالم بكل شيء، ولكنه شاء أن يكون معلومه الغيبى مشاهدا في العيان، إذ تعلق الشيء واقعا في العيان، هو الذي تقوم عليه الحجة، ويترتب عليه الثواب والعقاب.
ولذا قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قال لنعلم ولم يزل عالما بذلك؟ قلت معناه لنعلمه علما يتعلق به الجزاء، وهو أن يعلمه موجودا حاصلا، ونحوه وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وقيل ليعلم رسول الله والمؤمنون، وإنما أسند علمهم إلى ذاته، لأنهم خواصه وأهل الزلفى عنده، وقيل معناه.
ليميز التابع من الناكص كما قال- تعالى-: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ فوضع العلم موضع التمييز لأن العلم يقع التمييز به» .
ثم بين الله- تعالى- آثار تحويل القبلة في نفوس المؤمنين وغيرهم فقال تعالى: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ.
أى: إنما شرعنا لك- يا محمد- القبلة أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكمية ليظهر حال من يتبعك ويطيعك في كل حالة ممن لا يطيعك، وإن كانت هذه الفعلة- وهي تحويلنا لك من بيت المقدس إلى الكعبة- لكبيرة وشاقة، إلا على الذين خلق الله الهداية في قلوبهم فتلقوا أوامرنا بالخضوع والإذعان، وقالوا سمعنا وأطعنا كل من عند ربنا.
وقوله- تعالى-: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
.
.
.
بشارة عظيمة للمؤمنين، وجواب لما جاشت به الصدور، وتكذيب لما ادعاه اليهود من أن عبادة المؤمنين في الفترة التي سبقت تحويل القبلة إلى الكعبة ضائعة وباطلة.
فقد أخرج البخاري من حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه- أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما تقول فيهم، فأنزل الله- تعالى- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
وقال ابن عباس: كان رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ماتوا على القبلة الأولى، منهم: أسعد بن زرارة، وأبو أمامة .
.
.
وأناس آخرون فجاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله: مات إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا، فأنزل الله- تعالى- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
وروى أن حيي بن أخطب وجماعة من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس إن كانت على هدى لقد تحولتم عنه، وإن كانت على ضلالة فقد عبدتم الله بها مسافة، ومن مات عليها فقد مات على ضلالة فقال المسلمون إنما الهدى فيما أمر الله- تعالى- والضلالة فيما نهى الله عنه فقالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ - وكان قد مات من المسلمين جماعة قبل تحويل القبلة- فانطلق عشائرهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله: كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
والمعنى- وما كان الله- تعالى- ليذهب صلاتكم وأعمالكم الصالحة التي قمتم بها خلال توجهكم إلى بيت المقدس، لأنه- سبحانه- بعباده رءوف رحيم ولا يضيع أجر من أحسن عملا.

﴿ تفسير ابن كثير ﴾

وقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) يقول تعالى : إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم ، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم ; لأن الجميع معترفون لكم بالفضل . والوسط هاهنا : الخيار والأجود ، كما يقال : قريش أوسط العرب نسبا ودارا ، أي : خيرها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه ، أي : أشرفهم نسبا ، ومنه الصلاة الوسطى ، التي هي أفضل الصلوات ، وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها ، ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب ، كما قال تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ الحج : 78 ]وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ؟ فيقول : نعم . فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد ، فيقال لنوح : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته " قال : فذلك قوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .قال : الوسط : العدل ، فتدعون ، فتشهدون له بالبلاغ ، ثم أشهد عليكم .رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش ، [ به ] .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء النبي يوم القيامة [ ومعه الرجل والنبي ] ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه ، فيقال [ لهم ] هل بلغكم هذا ؟ فيقولون : لا . فيقال له : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم . فيقال [ له ] من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته . فيدعى بمحمد وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم ؟ فيقولون : جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا " فذلك قوله عز وجل : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) " .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا " .وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم من حديث عبد الواحد بن زياد ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن المغيرة بن عتيبة بن نهاس : حدثني مكتب لنا عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق . ما من الناس أحد إلا ود أنه منا . وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه ، عز وجل " .وروى الحاكم ، في مستدركه وابن مردويه أيضا ، واللفظ له ، من حديث مصعب بن ثابت ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة ، في بني سلمة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : والله يا رسول الله لنعم المرء كان ، لقد كان عفيفا مسلما وكان . . . وأثنوا عليه خيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت بما تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . ثم شهد جنازة في بني حارثة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، بئس المرء كان ، إن كان لفظا غليظا ، فأثنوا عليه شرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم : " أنت بالذي تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت " .قال مصعب بن ثابت : فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأ : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود أنه قال : أتيت المدينة فوافقتها ، وقد وقع بها مرض ، فهم يموتون موتا ذريعا . فجلست إلى عمر بن الخطاب ، فمرت به جنازة ، فأثني على صاحبها خير . فقال : وجبت وجبت . ثم مر بأخرى فأثني عليها شر ، فقال عمر : وجبت [ وجبت ] . فقال أبو الأسود : ما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت : كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " . قال : فقلنا . وثلاثة ؟ قال : " وثلاثة " . قال ، فقلنا : واثنان ؟ قال : " واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد .وكذا رواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات ، به .قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثني أبو الوليد ، حدثنا نافع بن عمر ، حدثني أمية بن صفوان ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة يقول : " يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بالثناء الحسن والثناء السيئ ، أنتم شهداء الله في الأرض " . ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون . ورواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وعبد الملك بن عمر وشريح ، عن نافع عن ابن عمر ، به .وقوله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) يقول تعالى : إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس ، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه ، أي : مرتدا عن دينه ( وإن كانت لكبيرة ) أي : هذه الفعلة ، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، أي : وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس ، إلا على الذين هدى الله قلوبهم ، وأيقنوا بتصديق الرسول ، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه ، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فله أن يكلف عباده بما شاء ، وينسخ ما يشاء ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك ، بخلاف الذين في قلوبهم مرض ، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا ، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق ، كما قال الله تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) [ التوبة : 124 ، 125 ] وقال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] . ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك ، وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب ، من سادات الصحابة . وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين .وقال البخاري في تفسير هذه الآية :حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال : قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها . فتوجهوا إلى الكعبة .وقد رواه مسلم من وجه آخر ، عن ابن عمر . ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده : أنهم كانوا ركوعا ، فاستداروا كما هم إلى الكعبة ، وهم ركوع . وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، مثله ، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ورسوله ، وانقيادهم لأوامر الله عز وجل ، رضي الله عنهم أجمعين .وقوله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك لا يضيع ثوابها عند الله ، وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء ، قال : مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقال الناس : ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) .[ ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه ] .وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، واتباعه إلى القبلة الأخرى . أي : ليعطيكم أجرهما جميعا . ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )وقال الحسن البصري : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : ما كان الله ليضيع محمدا صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها ، فجعلت كلما وجدت صبيا من السبي أخذته فألصقته بصدرها ، وهي تدور على ولدها ، فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ، وهي تقدر على ألا تطرحه ؟ " قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فوالله ، لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .

﴿ تفسير القرطبي ﴾

قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيمفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا ، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم .
والوسط : العدل ، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها .
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : ( عدلا ) .
قال : هذا حديث حسن صحيح .
وفي التنزيل : قال أوسطهم أي أعدلهم وخيرهم .
وقال زهير :هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظمآخر :أنتم أوسط حي علموا بصغير الأمر أو إحدى الكبروقال آخر :لا تذهبن في الأمور فرطا لا تسألن إن سألت شططاوكن من الناس جميعا وسطاووسط الوادي : خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء .
ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا ، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم .
وفي الحديث : خير الأمور أوسطها .
وفيه عن علي رضي الله عنه : " عليكم بالنمط الأوسط ، فإليه ينزل العالي ، وإليه يرتفع النازل " .
وفلان من أوسط قومه ، وإنه لواسطة قومه ، ووسط قومه ، أي من خيارهم وأهل الحسب منهم .
وقد وسط وساطة وسطة ، وليس من الوسط الذي بين شيئين في شيء .
والوسط ( بسكون السين ) الظرف ، تقول : صليت وسط القوم .
وجلست وسط الدار ( بالتحريك ) لأنه اسم .
قال الجوهري : وكل موضع صلح فيه " بين " فهو وسط ، وإن لم يصلح فيه " بين " فهو وسط بالتحريك ، وربما يسكن وليس بالوجه .
الثانية : قوله تعالى : لتكونوا نصب بلام كي ، أي لأن تكونوا .
شهداء على الناس خبر كان .
على الناس أي في المحشر للأنبياء على أممهم ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا فذلك قوله عز وجل : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .
وذكر هذا الحديث مطولا ابن المبارك بمعناه ، وفيه : فتقول تلك الأمم كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب سبحانه كيف تشهدون على من لم تدركوا فيقولون ربنا بعثت إلينا رسولا وأنزلت إلينا عهدك وكتابك وقصصت علينا أنهم قد بلغوا فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب صدقوا فذلك قوله عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا - والوسط العدل - لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .
قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد عليه السلام ، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه .
وقالت طائفة : معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت ، كما ثبت في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين مرت به جنازة فأثني عليها خير فقال : وجبت وجبت وجبت .
ثم مر عليه بأخرى فأثني عليها شر فقال : وجبت وجبت وجبت .
فقال عمر : فدى لك أبي وأمي ، مر بجنازة فأثني عليها خير فقلت : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت : وجبت وجبت وجبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض .
أخرجه البخاري بمعناه .
وفي بعض طرقه في غير الصحيحين وتلا : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .
وروى أبان وليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء ؛ كان الله إذا بعث نبيا قال له ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني أستجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس .
خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في " نوادر الأصول " .
الثالثة : قال علماؤنا : أنبأنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه بما أنعم علينا من تفضيله لنا باسم العدالة وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه ، فجعلناه أولا مكانا وإن كنا آخرا زمانا ، كما قال عليه السلام : نحن الآخرون الأولون .
وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول ، ولا ينفذ قول الغير على الغير إلا أن يكون عدلا .
وسيأتي بيان العدالة وحكمها في آخر السورة إن شاء الله تعالى .
الرابعة : وفيه دليل على صحة الإجماع ووجوب الحكم به ; لأنهم إذا كانوا عدولا شهدوا على الناس .
فكل عصر شهيد على من بعده فقول الصحابة حجة وشاهد على التابعين ، وقول التابعين على من بعدهم .
وإذ جعلت الأمة شهداء فقد وجب قبول قولهم .
ولا معنى لقول من قال : أريد به جميع الأمة لأنه حينئذ لا يثبت مجمع عليه إلى قيام الساعة .
وبيان هذا في كتب أصول الفقه .
قوله تعالى : ويكون الرسول عليكم شهيدا قيل : معناه بأعمالكم يوم القيامة .
وقيل : " عليكم " بمعنى لكم ، أي يشهد لكم بالإيمان .
وقيل : أي يشهد عليكم بالتبليغ لكم .
قوله تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قيل : المراد بالقبلة هنا القبلة الأولى ، لقوله كنت عليها .
وقيل : الثانية ، فتكون الكاف زائدة ، أي أنت الآن عليها ، كما تقدم ، وكما قال : كنتم خير أمة أخرجت للناس أي أنتم ، في قول بعضهم ، وسيأتي .
قوله تعالى : إلا لنعلم من يتبع الرسول قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : معنى لنعلم لنرى .
والعرب تضع العلم مكان الرؤية ، والرؤية مكان العلم ، كقوله تعالى : ألم تر كيف فعل ربك بمعنى ألم تعلم .
وقيل : المعنى إلا لتعلموا أننا نعلم ، فإن المنافقين كانوا في شك من علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها .
وقيل : المعنى لنميز أهل اليقين من أهل الشك ، حكاه ابن فورك ، وذكره الطبري عن ابن عباس .
وقيل : المعنى إلا ليعلم النبي وأتباعه ، وأخبر تعالى بذلك عن نفسه ، كما يقال : فعل الأمير كذا ، وإنما فعله أتباعه ، ذكره المهدوي وهو جيد .
وقيل : معناه ليعلم محمد ، فأضاف علمه إلى نفسه تعالى تخصيصا وتفضيلا ، كما كنى عن نفسه سبحانه في قوله : يا بن آدم مرضت فلم تعدني الحديث .
والأول أظهر ، وأن معناه علم المعاينة الذي يوجب الجزاء ، وهو سبحانه عالم الغيب والشهادة ، علم ما يكون قبل أن يكون ، تختلف الأحوال على المعلومات ، وعلمه لا يختلف بل يتعلق بالكل تعلقا واحدا .
وهكذا كل ما ورد في الكتاب من هذا المعنى من قوله تعالى : وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين وما أشبه .
والآية جواب لقريش في قولهم : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وكانت قريش تألف الكعبة ، فأراد الله عز وجل أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه .
وقرأ الزهري إلا ليعلم ف من في موضع رفع على هذه القراءة ; لأنها اسم ما لم يسم فاعله .
وعلى قراءة الجماعة في موضع نصب على المفعول .
يتبع الرسول يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة .
ممن ينقلب على عقبيه يعني ممن يرتد عن دينه ; لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم ونافق قوم ; و لهذا قال : وإن كانت لكبيرة أي تحويلها ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة .
والتقدير في العربية : وإن كانت التحويلة .
قوله تعالى : وإن كانت لكبيرة ذهب الفراء إلى أن إن واللام بمعنى ما وإلا ، والبصريون يقولون : هي إن الثقيلة خففت .
وقال الأخفش : أي وإن كانت القبلة أو التحويلة أو التولية لكبيرة ، إلا على الذين هدى الله أي خلق الهدى الذي هو الإيمان في قلوبهم ، كما قال تعالى : أولئك كتب في قلوبهم الإيمان .
قوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس ، كما ثبت في البخاري من حديث البراء بن عازب على ما تقدم .
وخرج الترمذي عن ابن عباس قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : يا رسول الله ، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم الآية ، قال : هذا حديث حسن صحيح .
فسمى الصلاة إيمانا لاشتمالها على نية وقول وعمل .
وقال مالك : إني لأذكر بهذه الآية قول المرجئة : إن الصلاة ليست من الإيمان .
وقال محمد بن إسحاق : وما كان الله ليضيع إيمانكم أي بالتوجه إلى القبلة وتصديقكم لنبيكم ، وعلى هذا معظم المسلمين والأصوليين .
وروى ابن وهب وابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب عن مالك وما كان الله ليضيع إيمانكم قال : صلاتكم .
قوله تعالى : إن الله بالناس لرءوف رحيم الرأفة أشد من الرحمة .
وقال أبو عمرو بن العلاء : الرأفة أكثر من الرحمة ، والمعنى متقارب .
وقد أتينا على لغته وأشعاره ومعانيه في الكتاب " الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " فلينظر هناك .
وقرأ الكوفيون وأبو عمرو " لرؤف " على وزن فعل ، وهي لغة بني أسد ، ومنه قول الوليد بن عقبة :وشر الطالبين فلا تكنه يقاتل عمه الرؤف الرحيموحكى الكسائي أن لغة بني أسد " لرأف " ، على فعل .
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " لروف " مثقلا بغير همز ، وكذلك سهل كل همزة في كتاب الله تعالى ، ساكنة كانت أو متحركة .

﴿ تفسير الطبري ﴾

وكذلك جعلناكم أمة وسطايعني جل ثناؤه بقوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام , وبما جاءكم به من عند الله , فخصصناكم التوفيق لقبلة إبراهيم وملته , وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل ; كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمة وسطا .
وقد بينا أن الأمة هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم .
وأما الوسط فإنه في كلام العرب : الخيار , يقال منه : فلان وسط الحسب في قومه : أي متوسط الحسب , إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه , وهو وسط في قومه وواسط , كما يقال شاة يابسة اللبن , ويبسة اللبن , وكما قال جل ثناؤه : فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا 20 77 وقال زهير بن أبي سلمى في الوسط : هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم قال : وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين , مثل " وسط الدار " , محرك الوسط مثقله , غير جائز في سينه التخفيف .
وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه , ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به ; ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه , فوصفهم الله بذلك , إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها .
وأما التأويل فإنه جاء بأن الوسط العدل , وذلك معنى الديار لأن الخيار من الناس عدولهم .
ذكر من قال : الوسط العدل .
1789 - حدثنا سالم بن جنادة ويعقوب بن إبراهيم , قالا : ثنا حفص بن غياث , عن الأعمش , عن أبي صالح عن أبي سعيد , عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : " عدولا " * - حدثنا مجاهد بن موسى ومحمد بن بشار , قالا : ثنا جعفر بن عون , عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد , عن النبي صلى الله عليه وسلم , مثله .
1790 - حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي صالح , عن أبي سعيد الخدري : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : " عدولا " .
1791 - حدثني علي بن عيسى , قال : ثنا سعيد بن سليمان , عن حفص بن غياث , عن أبي صالح , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : جعلناكم أمة وسطا قال : " عدولا " .
1792 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن يمان , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : عدولا .
1793 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : عدولا .
* - حدثني المثنى , قال : ثنا حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله .
1794 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : أمة وسطا قال : عدولا .
1795 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : أمة وسطا قال : عدولا .
1796 - حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : أمة وسطا قال : عدولا .
1797 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : وكذلك جعلناكم أمة وسطا يقول : جعلكم أمة عدولا .
1798 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن راشد بن سعد , قال : أخبرنا ابن العم المعافري عن حبان بن أبي جبلة بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : " الوسط : العدل " .
1799 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عطاء مجاهد وعبد الله بن كثير : أمة وسطا قالوا : عدولا , قال مجاهد : عدولا .
1800 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : هم وسط بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأمم .
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداالقول في تأويل قوله تعالى : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا والشهداء جمع شهيد .
فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدولا [ لتكونوا ] شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها , ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدا عليكم بإيمانكم به , وبما جاءكم به من عندي .
كما : 1801 - حدثني أبو السائب , قال : ثنا حفض , عن الأعمش , عن أبي صالح , عن أبي سعيد , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة , فيقال له : هل بلغت ما أرسلت به ؟ فيقول : نعم فيقال لقومه : هل بلغكم ؟ فيقول : ما جاءنا من نذير , فيقال له : من يعلم ذلك ؟ فيقول محمد وأمته فهو قوله وكذلك جعلناك أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا 1802 - حدثنا مجاهد بن موسى , قال : ثنا جعفر بن عون , قال , ثنا الأعمش , عن أبي صالح , عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه , إلا أنه زاد فيه .
" فيدعون ويشهدون أنه قد بلغ " .
1803 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي صالح , عن أبي سعيد : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس بأن الرسل قد بلغوا ويكون الرسول عليكم شهيدا : بما عملتم أو فعلتم .
1804 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن فضيل , عن أبي مالك الأشجعي , عن المغيرة بن عيينة بن النهاس , أن مكاتبا لهم حدثهم عن جابر بن عبد الله .
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وإني وأمتي لعلى كوم يوم القيامة مشرفين على الخلائق ما أحد من الأمم إلا ود أنه منها أيتها الأمة وما من نبي كذبه قومه إلا نحن شهداؤه يوم القيامة أنه قد بلغ رسالات ربه ونصح لهم " قال : " ويكون الرسول عليكم شهيدا " .
1805 - حدثني عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني , قال : ثنا أبي قال : ثنا الأوزاعي , عن يحيى بن أبي كثير , عن عبد الله بن الفضل , عن أبي هريرة قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة , فلما صلى على الميت قال الناس : نعم الرجل ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم .
" وجبت " .
ثم خرجت معه في جنازة أخرى , فلما صلوا على الميت قال الناس : بئس الرجل ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وجبت " .
فقام إليه أبي بن كعب فقال , يا رسول الله ما قولك وجبت ؟ قال : " قول الله عر وجل : لتكونوا شهداء على الناس .
* - حدثني علي بن سهل الرملي , قال : ثنا الوليد بن مسلم , قال : حدثني أبو عمرو عن يحيى , قال : حدثني عبد الله بن أبي الفضل المديني , قال : حدثني أبو هريرة قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة , فقال الناس : نعم الرجل , ثم ذكر نحو حديث عصام عن أبيه .
1806 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا زيد بن حباب , قال : ثنا عكرمة بن عمار , قال : حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع , عن أبيه , قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم , فمر عليه بجنازة فأثني عليها بثناء حسن , فقال : " وجبت " , ومر عليه بجنازة أخرى , فأثني عليها دون ذلك , فقال : " وجبت " , قالوا : يا رسول الله ما وجبت ؟ قال : " الملائكة شهداء الله في السماء وأنتم شهداء الله في الأرض فما شهدتم عليه وجب " .
ثم قرأ : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون 9 105 الآية .
1807 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : لتكونوا شهداء على الناس تكونوا شهداء لمحمد عليه الصلاة والسلام على الأمم اليهود والنصارى والمجوس .
* - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .
1808 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا عاصم , عن عيسى عن ابن أبي نجيح , قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بإذنه ليس معه أحد فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغهم .
* - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير , مثله .
* - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , عن ابن جريج , قال : حدثني ابن أبي نجيح , عن أبيه قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة , فذكر مثله , ولم يذكر عبيد بن عمير مثله .
1809 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : لتكونوا شهداء على الناس أي أن رسلهم قد بلغت قومها عن ربها , ويكون الرسول عليكم شهيدا على أنه قد بلغ رسالات ربه إلى أمته .
1810 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن زيد بن أسلم : أن قوم نوح يقولون يوم القيامة : لم يبلغنا نوح .
فيدعى نوح عليه السلام فيسأل : هل بلغتهم ؟ فيقول : نعم , فيقال : من شهودك ؟ فيقول : أحمد صلى الله عليه وسلم وأمته .
فتدعون فتسألون , فتقولون : نعم قد بلغهم .
فتقول قوم نوح عليه السلام : كيف تشهدون علينا ولم تدركونا ؟ قالوا : قد جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أنه قد بلغكم , وأنزل عليه أنه قد بلغكم , فصدقناه .
قال : فيصدق نوح عليه السلام ويكذبونهم .
قال : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : لتكونوا شهداء على الناس لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم , ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا , أن قد بلغ ما أرسل به .
1811 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن زيد بن أسلم : أن الأمم يقولون يوم القيامة : والله لقد كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلهم ! لما يرون الله أعطاهم .
1812 - حدثنا المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : ثنا ابن المبارك عن راشد بن سعد , قال : أخبرني ابن أنعم المعافري , عن حبان بن أبي جبلة بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جمع الله عباده يوم القيامة , كان أول من يدعى إسرافيل , فيقول له ربه : ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم رب قد بلغته جبريل عليهما السلام , فيدعى جبريل فيقال له هل بلغت إسرافيل عهدي ؟ فيقول : نعم رب قد بلغني .
فيخلى عن إسرافيل , ويقال لجبريل : هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم قد بلغت الرسل فتدعى الرسل فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي " فيقول نعم ربنا فيخلى عن جبريل , ثم يقال للرسل : ما فعلتم بعهدي ؟ فيقول : بلغنا أممنا .
فتدعى الأمم فيقال : هل بلغكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق , فتقول الرسل إن لنا عليهم شهودا يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك .
فيقول : من يشهد لكم ؟ فيقول أمة محمد .
فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم , فيقول : أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه ؟ فيقولون : نعم ربنا شهدنا أن قد بلغوا فتقول تلك الأمم .
كيف يشهد علينا من لم يدركنا ؟ فيقول لهم الرب تبارك وتعالى : كيف يشهدون على من لم يدركوا ؟ فيقولون : ربنا بعثت إلينا رسولا , وأنزلت إلينا عهدك وكتابك , وقصصت علينا أنهم قد بلغوا , فشهدنا بما عهدت إلينا .
فيقول الرب : صدقوا فذلك قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا .
والوسط : العدل .
" لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من كان في قلبه حنة على أخيه .
1813 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : لتكونوا شهداء على الناس يعني بذلك الذين استقاموا على الهدى , فهم الذين يكونون شهداء على الناس يوم القيامة لتكذيبهم رسل الله , وكفرهم بآيات الله .
1814 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : لتكونوا شهداء على الناس يقول : لتكونوا شهداء على الأمم الذين خلوا من قبلكم بما جاءتهم رسلهم , وبما كذبوهم , فقالوا يوم القيامة وعجبوا : أن أمة لم يكونوا في زماننا , فآمنوا بما جاءت به رسلنا , وكذبنا نحن بما جاءوا به .
فعجبوا كل العجب .
قوله : ويكون الرسول عليكم شهيدا يعني بإيمانهم به , وبما أنزل عليه .
1815 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس : لتكونوا شهداء على الناس يعني أنهم شهدوا على القرون بما سمى الله عز وجل لهم .
1816 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : قلت لعطاء : ما قوله : لتكونوا شهداء على الناس ؟ قال : أمة محمد شهدوا على من ترك الحق حين جاءه الإيمان والهدى ممن كان قبلنا قالها عبد الله بن كثير .
قال : وقال عطاء : شهداء على من ترك الحق ممن تركه من الناس أجمعين , جاء ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم : ويكون الرسول عليكم شهيدا على أنهم قد آمنوا بالحق حين جاءهم وصدقوا به .
1817 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته , وهم شهداء على الأمم , وهم أحد الأشهاد الذي قال الله عز وجل : ويوم يقوم الأشهاد 40 51 الأربعة الملائكة الذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا .
وقرأ قوله : وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد 50 21 وقال : هذا يوم القيامة قال : والنبيون شهداء على أممهم .
قال : وأمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على الأمم , [ قال : والأطوار : الأجساد والجلود ] .
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيهالقول في تأويل قوله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه يعني جل ثناؤه بقوله : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ولم نجعل صرفك عن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد فصرفناك عنها إلا لنعلم من يتبعك ممن لا يتبعك ممن ينقلب على عقبيه .
والقبلة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها التي عناها الله بقوله : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها هي القبلة التي كنت تتوجه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة .
كما : 1818 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها يعني بيت المقدس .
1819 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قال : القبلة : بيت المقدس .
وإنما ترك ذكر الصرف عنها اكتفاء بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره .
وإنما قلنا ذلك معناه لأن محنة الله أصحاب رسوله في القبلة إنما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة , حتى ارتد فيما ذكر رجال ممن كان قد أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأظهر كثير من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم , وقالوا : ما بال محمد يحولنا مرة إلى ها هنا , ومرة إلى ها هنا ؟ وقال المسلمون فيما مضى من إخوانهم المسلمين , وهم يصلون نحو بيت المقدس : بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت .
وقال المشركون : تحير محمد صلى الله عليه وسلم في دينه .
فكان ذلك فتنة للناس وتمحيصا للمؤمنين , فلذلك قال جل ثناؤه : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه أي : وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها , وتحويلك إلى غيرها , كما قال جل ثناؤه : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس 17 60 بمعنى : وما جعلنا خبرك عن الرؤيا التي أريناك وذلك أنه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحد فتنة , وكذلك القبلة الأولى التي كانت نحو بيت المقدس لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحد فتنة ولا محنة .
ذكر الأخبار التي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا : 1820 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة , قال : كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبي الله صلى الله عليه وسلم وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا , ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام , فقال في ذلك قائلون من الناس : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها لقد اشتاق الرجل إلى مولده ! قال الله عز وجل : قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فقال أناس لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله عز وجل : وما كان الله ليضيع إيمانكم وقد يبتلي الله العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر , ليعلم من يطيعه ممن يعصيه .
وكل ذلك مقبول إذا كان في إيمان بالله , وإخلاص له , وتسليم لقضائه .
1821 - حدثني موسى قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس , فنسختها الكعبة .
فلما وجه قبل المسجد الحرام , اختلف الناس فيها , فكانوا أصنافا ; فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ وقال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس , هل تقبل الله منا ومنهم أو لا ؟ وقالت اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده , ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر .
وقال المشركون من أهل مكة : تحير على محمد دينه , فتوجه بقبلته إليكم , وعلم أنكم كنتم أهدى منه , ويوشك أن يدخل في دينكم .
فأنزل الله جل ثناؤه في المنافقين : سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها إلى قوله وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وأنزل في الآخرين الآيات بعدها .
1822 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ؟ فقال عطاء : يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره .
قال ابن جريج : بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا : مرة ههنا ومرة ههنا .
فإن قال لنا قائل : أو ما كان الله عالما بمن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه إلا بعد اتباع المتبع , وانقلاب المنقلب على عقبيه , حتى قال : ما فعلنا الذي فعلنا من تحويل القبلة إلا لنعلم المتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنقلب على عقبيه ؟ قيل : إن الله جل ثناؤه هو العالم بالأشياء كلها قبل كونها وليس قوله : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه يخبر أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجوده .
فإن قال : فما معنى ذلك ؟ قيل له : أما معناه عندنا فإنه : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه .
فقال جل ثناؤه : إلا لنعلم ومعناه : ليعلم رسولي وأوليائي , إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه من حزبه , وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس إلى الرئيس , وما فعل بهم إليه ; نحو قولهم : فتح عمر بن الخطاب سواد العراق , وجبى خراجها , وإنما فعل ذلك أصحابه عن سبب كان منه في ذلك .
وكالذي روي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول الله جل ثناؤه : مرضت فلم يعدني عبدي , واستقرضته فلم يقرضني , وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني " .
1823 - حدثنا أبو كريب قال : ثنا خالد عن محمد بن جعفر , عن العلاء بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله : استقرضت عبدي فلم يقرضني , وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول : وادهراه وأنا الدهر أنا الدهر " .
* - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن العلاء بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
فأضاف تعالى ذكره الاستقراض والعيادة إلى نفسه , وقد كان ذلك بغيره إذ كان ذلك عن سببه .
وقد حكي عن العرب سماعا : أجوع في غير بطني , وأعرى في غير ظهري , بمعنى جوع أهله وعياله وعري ظهورهم , فكذلك قوله : إلا لنعلم بمعنى يعلم أوليائي وحزبي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : 1824 - حدثني المثنى , قال : حدثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه قال ابن عباس : لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة .
وقال بعضهم : إنما قيل ذلك من أجل أن العرب تضع العلم مكان الرؤية , والرؤية مكان العلم , كما قال جل ذكره : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل 105 1 فزعم أن معنى : ألم تر : ألم تعلم , وزعم أن معنى قوله : إلا لنعلم بمعنى : إلا لنرى من يتبع الرسول .
وزعم أن قول القائل : رأيت وعلمت وشهدت حروف تتعاقب فيوضع بعضها موضع بعض , كما قال جرير بن عطية : كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا وعمرو بن عمرو إذا دعا يال دارم بمعنى : كأنك لم تعلم لقيطا ; لأن بين هلك لقيط وحاجب وزمان جرير ما لا يخفى بعده من المدة .
وذلك أن الذين ذكرهم هلكوا في الجاهلية , وجرير كان بعد برهة مضت من مجيء الإسلام وهذا تأويل بعيد , من أجل أن الرؤية وإن استعملت في موضع العلم من أجل أنه مستحيل أن يرى أحد شيئا , فلا توجب رؤيته إياه علما بأنه قد رآه إذا كان صحيح الفطرة فجاز من الوجه الذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إياه علما , وصح أن يدل بذكر الرؤية على معنى العلم من أجل ذلك .
فليس ذلك وإن كان في الرؤية لما وصفنا بجائز في العلم , فيدل بذكر الخبر عن العلم على الرؤية لأن المرء قد يعلم أشياء كثيرة لم يرها ولا يراها ويستحيل أن يرى شيئا إلا علمه , كما قد قدمنا البيان , مع أنه غير موجود في شيء من كلام العرب أن يقال : علمت كذا بمعنى رأيته , وإنما يجوز توجيه معاني ما في كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم من الكلام إلى ما كان موجودا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودا في كلامها , فموجود في كلامها " رأيت " بمعنى " علمت " , وغير موجود في كلامها " علمت " بمعنى " رأيت " , فيجوز توجيه إلا لنعلم إلى معنى : إلا لنرى .
وقال آخرون : إنما قيل : إلا لنعلم من أجل أن المنافقين واليهود وأهل الكفر بالله أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يعلم الشيء قبل كونه , وقالوا إذ قيل لهم : إن قوما من أهل القبلة سيرتدون على أعقابهم , إذا حولت قبلة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة : ذلك غير كائن , أو قالوا : ذلك باطل .
فلما فعل الله ذلك , وحول القبلة , وكفر من أجل ذلك من كفر , قال الله جل ثناؤه : ما فعلت إلا لنعلم ما عندكم أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الأشياء قبل كونه , أني عالم بما هو كائن مما لم يكن بعد .
فكأن معنى قائل هذا القول في تأويل قوله : إلا لنعلم إلا لنبين لكم أنا نعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه .
وهذا وإن كان وجها له مخرج , فبعيد من المفهوم .
وقال آخرون : إنما قيل : إلا لنعلم وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال , على وجه الترفق بعباده , واستمالتهم إلى طاعته , كما قال جل ثناؤه : قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين 34 24 وقد علم أنه على هدى وأنهم على ضلال مبين , ولكنه رفق بهم في الخطاب , فلم يقل : أنا على هدى , وأنتم على ضلال .
فكذلك قوله : إلا لنعلم معناه عندهم : إلا لتعلموا أنتم إذ كنتم جهالا به قبل أن يكون ; فأضاف العلم إلى نفسه رفقا بخطابهم .
وقد بينا القول الذي هو أولى في ذلك بالحق .
وأما قوله : من يتبع الرسول فإنه يعني : الذي يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يأمره الله به , فيوجه نحو الوجه الذي يتوجه نحوه محمد صلى الله عليه وسلم .
وأما قوله : ممن ينقلب على عقبيه فإنه يعني : من الذي يرتد عن دينه , فينافق , أو يكفر , أو مخالف محمدا صلى الله عليه وسلم في ذلك ممن يظهر اتباعه .
كما : 1825 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه قال : من إذا دخلته شبهة رجع عن الله , وانقلب كافرا على عقبيه .
وأصل المرتد على عقبيه : هو المنقلب على عقبيه الراجع مستدبرا في الطريق الذي قد كان قطعه منصرفا عنه , فقيل ذلك لكل راجع عن أمر كان فيه من دين أو خير , ومن ذلك قوله : فارتدا على آثارهما قصصا 18 64 بمعنى رجعا في الطريق الذي كانا سلكاه .
وإنما قيل للمرتد مرتد , لرجوعه عن دينه وملته التي كان عليها .
وإنما قيل رجع على عقبيه لرجوعه دبرا على عقبه إلى الوجه الذي كان فيه بدء سيره قبل رجعه عنه , فيجعل ذلك مثلا لكل تارك أمرا وأخذ آخر غيره إذا انصرف عما كان فيه إلى الذي كان له تاركا فأخذه , فقيل ارتد فلان على عقبه , وانقلب على عقبيه .
وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى اللهالقول في تأويل قوله تعالى : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله .
اختلف أهل التأويل في التي وصفها الله جل وعز بأنها كانت كبيرة إلا على الذين هدى الله .
فقال بعضهم : عنى جل ثناؤه بالكبيرة : التولية من بيت المقدس شطر المسجد الحرام والتحويل , وإنما أنث الكبيرة لتأنيث التولية .
ذكر من قال ذلك : 1826 - حدثني المثنى قال : ثنا عبد الله بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : قال الله : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله يعني تحويلها .
1827 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى بن ميمون , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال : ما أمروا به من التحويل إلى الكعبة من بيت المقدس .
* - حدثني المثنى قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .
1828 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال : كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام , فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله .
وقال آخرون : بل الكبيرة هي القبلة بعينها التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل .
ذكر من قال ذلك .
1829 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , عن أبي العالية : وإن كانت لكبيرة أي قبلة بيت المقدس , إلا على الذين هدى الله وقال بعضهم : بل الكبيرة : هي الصلاة التي كانوا يصلونها إلى القبلة الأولى .
ذكر من قال ذلك .
1830 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال : صلاتكم حتى يهديكم صلى الله عليه وسلم الله عز وجل القبلة .
1831 - وقد حدثني به يونس مرة أخرى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : وإن كانت لكبيرة قال : صلاتك ها هنا - يعني إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - وانحرافك ها هنا وقال بعض نحويي البصرة : أنثت الكبيرة لتأنيث القبلة , وإياها عنى جل ثناؤه بقوله : وإن كانت لكبيرة .
وقال بعض نحويي الكوفة : بل أنثت الكبيرة لتأنيث التولية والتحويلة فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة : وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليناك عنها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه , وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليناك لكبيرة إلا على الذين هدى الله .
وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب , لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى لا عين القبلة ولا الصلاة ; لأن القبلة الأولى والصلاة قد كانت وهى غير كبيرة عليهم إلا أن يوجه موجه تأنيث الكبيرة إلى القبلة , ويقول : اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التولية والتحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك , كما قد وصفنا لك في نظائره , فيكون ذلك وجها صحيحا ومذهبا مفهوما .
ومعنى قوله : كبيرة عظيمة .
كما : 1832 - حدثنا يونس .
قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال : كبيرة في صدور الناس فيما يدخل الشيطان به ابن آدم .
قاله : ما لهم صلوا إلى ها هنا ستة عشر شهرا ثم انحرفوا ! فكبر ذلك في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين .
فقالوا : أي شيء هذا الدين ؟ وأما الذين آمنوا فثبت الله جل ثناؤه ذلك قي قلوبهم .
وقرأ قول الله وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله قال صلاتكم حتى يهديكم إلى القبلة .
قال أبو جعفر : وأما قوله : إلا على الذين هدى الله فإنه يعني به : وإن كان تقليبتناك عن القبلة التي كنت عليها لعظيمة إلا على من وفقه الله جل ثناؤه فهداه لتصديقك , والإيمان بك وبذلك , واتباعك فيه وفيما أنزل الله تعالى ذكره عليك .
كما : 1833 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله يقول : إلا على الخاشعين , يعني المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى .
وما كان الله ليضيع إيمانكمالقول في تأويل قوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم قيل : عنى بالإيمان في هذا الموضع الصلاة .
ذكر الأخبار التي رويت بذلك وذكر قول من قاله : 1834 - حدثنا أبو كريب .
قال ثنا وكيع وعبيد الله , وحدثنا سفيان بن وكيع , قال ثنا عبيد الله بن موسى جميعا عن إسرائيل , عن سماك , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : لما وجه رسوله الله إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلون نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : وما كان الله ليضيع إيمانكم .
1835 - حدثني إسماعيل بن موسى , قال : أخبرنا شريك , عن أبي إسحاق , عن البراء في قول الله عز وجل : وما كان الله ليضيع إيمانكم قال : صلاتكم نحو بيت المقدس .
* - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا شريك , عن أبي إسحاق , عن البراء نحوه .
1836 - وحدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن محمد بن نفيل عن الحراني , قال : ثنا زهير , قال : ثنا أبو إسحاق , عن البراء قال : مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت رجال وقتلوا , فلم ندر ما نقول فيهم , فأنزل الله تعالى ذكره : وما كان الله ليضيع إيمانكم 1837 - حدثنا بشر بن معاذ العقدي , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : قال أناس من الناس لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : وما كان الله ليضيع إيمانكم .
1838 - حدثني موسى بن هارون , قال : حدثني عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام , قال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس , هل تقبل الله منا ومنهم أم لا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : وما كان الله ليضيع إيمانكم قال : صلاتكم قبل بيت المقدس , يقول : إن تلك طاعة وهذه طاعة .
1839 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قال : قال ناس لما صرفت القبلة إلى البيت الحرام : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : وما كان الله ليضيع إيمانكم الآية 1840 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : أخبرني داود بن أبي عاصم , قال : لما صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة , قال المسلمون : هلك أصحابنا الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس فنزلت : وما كان الله ليضيع إيمانكم .
1841 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس في قوله : وما كان الله ليضيع إيمانكم يقول : صلاتكم التي صليتموها من قبل أن تكون القبلة فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا تقبل صلاتهم .
1842 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : وما كان الله ليضيع إيمانكم صلاتكم .
1843 - حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري , قال : أخبرنا المؤمل قال : ثنا سفيان , ثنا يحيى بن سعيد , عن سعيد بن المسيب في هذه الآية : وما كان الله ليضيع إيمانكم قال : صلاتكم نحو بيت المقدس .
قد دللنا فيما مضى على أن الإيمان التصديق , وأن التصديق قد يكون بالقول وحده وبالفعل وحده وبهما جميعا ; فمعنى قوله : وما كان الله ليضيع إيمانكم على ما تظاهرت به الرواية من أنه الصلاة : وما كان الله ليضيع تصديق رسوله عليه الصلاة والسلام بصلاتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره لأن ذلك كان منكم تصديقا لرسولي , واتباعا لأمري , وطاعة منكم لي .
قال : وإضاعته إياه جل ثناؤه لو أضاعه ترك إثابة أصحابه وعامليه عليه , فيذهب ضياعا ويصير باطلا , كهيئة إضاعة الرجل ماله , وذلك إهلاكه إياه فيما لا يعتاض منه عوضا في عاجل ولا آجل فأخبر الله جل ثناؤه أنه لم يكن يبطل عمل عامل عمل له عملا وهو له طاعة فلا يثيبه عليه , وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إياه على ما كلفه من عمله .
فإن قال قائل : وكيف قال الله جل ثناؤه : وما كان الله ليضيع إيمانكم فأضاف الإيمان إلى الأحياء المخاطبين , والقوم المخاطبون بذلك إنما كانوا أشفقوا على إخوانهم الذين كانوا ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس , وفي ذلك من أمرهم أنزلت هذه الآية ؟ قيل : إن القوم وإن كانوا أشفقوا من ذلك , فإنهم أيضا قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس قبل التحويل إلى الكعبة , وظنوا أن عملهم ذلك قد بطل وذهب ضياعا , فأنزل الله جل ثناؤه هذه الآية حينئذ , فوجه الخطاب بها إلى الأحياء , ودخل فيهم الموتى منهم لأن من شأن العرب إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب أن يغلبوا المخاطب , فيدخل الغائب في الخطاب , فيقولوا لرجل خاطبوه على وجه الخبر عنه وعن آخر غائب غير حاضر : فعلنا بكما وصنعنا بكما , كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران , ولا يستجيزون أن يقولوا فعلنا بهما وهم يخاطبون أحدهما فيردوا المخاطب إلى عداد الغيب .
إن الله بالناس لرءوف رحيمالقول في تأويل قوله تعالى : إن الله بالناس لرءوف رحيم ويعني بقوله جل ثناؤه : إن الله بالناس لرءوف رحيم إن الله بجميع عباده ذو رأفة .
والرأفة أعلى معاني الرحمة , وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة .
وأما الرحيم , فإنه ذو الرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة على ما قد بينا فيما مضى قبل .
وإنما أراد جل ثناؤه بذلك أن الله عز وجل أرحم بعباده من أن يضيع لهم طاعة أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها , وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم .
أي ولا تأسوا على موتاكم الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس , فإني لهم على طاعتهم إياي بصلاتهم التي صلوها كذلك مثيب , لأني أرحم بهم من أن أضيع لهم عملا عملوه لي .
ولا تحزنوا عليهم , فإني غير مؤاخذهم بتركهم الصلاة إلى الكعبة , لأني لم أكن فرضت ذلك عليهم , وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله .
وفي الرءوف لغات : إحداها " رءوف " على مثال " فعل " كما قال الوليد بن عقبة : وشر الطالبين ولا تكنه بقاتل عمه الرءوف الرحيم وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة .
والأخرى رءوف " على مثال " فعول " , وهي قراءة عامة قراء المدينة .
و " رئف " , وهي لغة غطفان , على مثال " فعل " مثل " حذر " .
و " رأف " على مثال " فعل " بجزم العين , وهي لغة لبني أسد , والقراءة على أحد الوجهين الأولين .

﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ﴾

قراءة سورة البقرة

المصدر : تفسير : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على