فاعلم -أيها النبي- أنه لا معبود بحق إلا الله، واستغفر لذنبك، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات. والله يعلم تصرفكم في يقظتكم نهارًا، ومستقركم في نومكم ليلا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
(فاعلم أنه لا إله إلا الله) أي دم يا محمد على علمك بذلك النافع في القيامة (واستغفر لذنبك) لأجله قيل له ذلك مع عصمته لتستن به أمته، وقد فعله قال صلى الله عليه وسلم: "" إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة "" (وللمؤمنين والمؤمنات) فيه إكرام لهم بأمر نبيهم بالاستغفار لهم (والله يعلم متقلبكم) متصرفكم لأشغالكم في النهار (ومثواكم) مأواكم إلى مضاجعكم بالليل، أي هو عالم بجميع أحوالكم لا يخفى عليه شيء منها فاحذروه، والخطاب للمؤمنين وغيرهم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
العلم لا بد فيه من إقرار القلب ومعرفته، بمعنى ما طلب منه علمه، وتمامه أن يعمل بمقتضاه.وهذا العلم الذي أمر الله به -وهو العلم بتوحيد الله- فرض عين على كل إنسان، لا يسقط عن أحد، كائنا من كان، بل كل مضطر إلى ذلك. والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا هو أمور: أحدها بل أعظمها: تدبر أسمائه وصفاته، وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلالته فإنها توجب بذل الجهد في التأله له، والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال.الثاني: العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية.الثالث: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته، والتأله له وحده لا شريك له.الرابع: ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به، فإن هذا داع إلى العلم، بأنه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها.الخامس: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عبدت مع الله، واتخذت آلهة، وأنها ناقصة من جميع الوجوه، فقيرة بالذات، لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا ينصرون من عبدهم، ولا ينفعونهم بمثقال ذرة، من جلب خير أو دفع شر، فإن العلم بذلك يوجب العلم بأنه لا إله إلا هو وبطلان إلهية ما سواه.السادس: اتفاق كتب الله على ذلك، وتواطؤها عليه.السابع: أن خواص الخلق، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقا وعقولا، ورأيا وصوابا، وعلما -وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون- قد شهدوا لله بذلك.الثامن: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة، وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته، وبديع حكمته، وغرائب خلقه.فهذه الطرق التي أكثر الله من دعوة الخلق بها إلى أنه لا إله إلا الله، وأبداها في كتابه وأعادها عند تأمل العبد في بعضها، لا بد أن يكون عنده يقين وعلم بذلك، فكيف إذا اجتمعت وتواطأت واتفقت، وقامت أدلة التوحيد من كل جانب، فهناك يرسخ الإيمان والعلم بذلك في قلب العبد، بحيث يكون كالجبال الرواسي، لا تزلزله الشبه والخيالات، ولا يزداد -على تكرر الباطل والشبه- إلا نموا وكمالا.هذا، وإن نظرت إلى الدليل العظيم، والأمر الكبير -وهو تدبر هذا القرآن العظيم، والتأمل في آياته- فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره.وقوله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ أي: اطلب من الله المغفرة لذنبك، بأن تفعل أسباب المغفرة من التوبة والدعاء بالمغفرة، والحسنات الماحية، وترك الذنوب والعفو عن الجرائم. و استغفر أيضا للمؤمنين وَالْمُؤْمِنَات فإنهم -بسبب إيمانهم- كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة.ومن جملة حقوقهم أن يدعو لهم ويستغفر لذنوبهم، وإذا كان مأمورا بالاستغفار لهم المتضمن لإزالة الذنوب وعقوباتها عنهم، فإن من لوازم ذلك النصح لهم، وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه، ويأمرهم بما فيه الخير لهم، وينهاهم عما فيه ضررهم، ويعفو عن مساويهم ومعايبهم، ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم، ويزول ما بينهم من الأحقاد المفضية للمعاداة والشقاق، الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ أي: تصرفاتكم وحركاتكم، وذهابكم ومجيئكم، وَمَثْوَاكُمْ الذي به تستقرون، فهو يعلمكم في الحركات والسكنات، فيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله - عز وجل - : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) قيل : الخطاب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به غيره ، وقيل : معناه فاثبت عليه . وقال الحسين بن الفضل : فازدد علما على علمك . وقال أبو العالية وابن عيينة : هو متصل بما قبله معناه : إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا ملجأ ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله . وقيل : فاعلم أنه لا إله إلا الله ، أن الممالك تبطل عند قيامها ، فلا ملك ولا حكم لأحد إلا لله ( واستغفر لذنبك ) أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستن به أمته .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أبي بردة ، عن الأغر المزني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة " .قوله - عز وجل - : ( وللمؤمنين والمؤمنات ) هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة حيث أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم ( والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) قال ابن عباس والضحاك : " متقلبكم " متصرفكم [ ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ، " ومثواكم " مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار .وقال مقاتل وابن جرير : " متقلبكم " منصرفكم ] لأشغالكم بالنهار ، " ومثواكم " مأواكم إلى مضاجعكم بالليل .وقال عكرمة : " متقلبكم " من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات . " ومثواكم " مقامكم في الأرض .وقال ابن كيسان : " متقلبكم " من ظهر إلى بطن ، " ومثواكم " مقامكم في القبور .والمعنى : أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يداوم على استغفاره وطاعته لله- تعالى- وأن يأمر اتباعه بالاقتداء به في ذلك فقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ.والفاء في قوله: فَاعْلَمْ للإفصاح عن جواب شرط معلوم مما مر من آيات.والتقدير: إذا تبين لك ما سقناه عن حال السعداء والأشقياء، فاعلم أنه لا إله إلا الله، واثبت على هذا العلم، واعمل بمقتضاه، واستمر على هذا العمل وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ أى:واستغفر الله- تعالى- من أن يقع منك ذنب، واعتصم بحبله لكي يعصمك من كل مالا يرضيه. واستغفر- أيضا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بأن تدعو لهم بالرحمة والمغفرة وَاللَّهُ- تعالى- بعد كل ذلك يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ أى يعلم كل متقلب وكل إقامة لكم سواء أكانت في بر أم في بحر أم في غيرهما.والمقصود: أنه- تعالى- يعلم جميع أحوالكم ولا يخفى عليه شيء منها، والمتقلب:المتصرف، من التقلب وهو التصرف والانتقال من مكان إلى آخر. والمثوى: المسكن الذي يأوى إليه الإنسان، ويقيم به.قال الإمام ابن كثير: وقوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ هذا إخبار بأنه لا إله إلا الله، ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك، ولهذا عطف عليه بقوله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ.وفي الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافى في أمرى، وما أنت أعلم به منى. اللهم اغفر لي هزلى وجدي، وخطئى وعمدي، وكل ذلك عندي» .وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت. وما أنت أعلم به منى، أنت إلهى لا إله إلا أنت» .وفي الصحيح أنه قال: «يا أيها الناس. توبوا إلى ربكم فإنى أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» .ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة: وجوب المداومة على استغفار الله- تعالى- والتوبة إليه توبة صادقة نصوحا.لأنه إذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- قد أمره- سبحانه- بالاستغفار، فأولى بغيره أن يواظب على ذلك، لأن الاستغفار بجانب أنه ذكر لله- تعالى- فهو- أيضا شكر له- سبحانه- على نعمه.وقد توسع الإمام الآلوسى في الحديث عن معنى قوله- تعالى-: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ.. فارجع إليه إن شئت .ثم بين- سبحانه- بعد ذلك حال المنافقين عند ما يدعون إلى القتال في سبيل الله، وكيف أنهم يستولى عليهم الذعر والهلع عند مواجهة هذا التكليف، وكيف سيكون مصيرهم إذا ما استمروا على هذا النفاق. فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) هذا إخبار : بأنه لا إله إلا الله ، ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك ; ولهذا عطف عليه بقوله : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هزلي وجدي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي " . وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة : " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت إلهي لا إله إلا أنت " . وفي الصحيح أنه قال : " يا أيها الناس ، توبوا إلى ربكم ، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة "وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال : سمعت عبد الله بن سرجس قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلت معه من طعامه ، فقلت : غفر الله لك يا رسول الله ، فقلت : أستغفر لك ؟ فقال : " نعم ، ولكم " ، وقرأ : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) ، ثم نظرت إلى نغض كتفه الأيمن أو : كتفه الأيسر - شعبة الذي شك - فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل .رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم من طرق ، عن عاصم الأحول به .وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو يعلى : حدثنا محرز بن عون ، حدثنا عثمان بن مطر ، حدثنا عبد الغفور ، عن أبي نصيرة ، عن أبي رجاء ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما ، فإن إبليس قال : أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني ب " لا إله إلا الله " والاستغفار ، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، فهم يحسبون أنهم مهتدون " .وفي الأثر المروي : " قال إبليس : وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني "والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جدا .وقوله : ( والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) أي : يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم ، كقوله : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) [ الأنعام : 60 ] ، وكقوله : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] . وهذا القول ذهب إليه ابن جريج ، وهو اختيار ابن جرير . وعن ابن عباس : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في الآخرة .وقال السدي : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في قبوركم .والأول أولى وأظهر ، والله أعلم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم .قوله تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله قال الماوردي : وفيه - وإن كان الرسول عالما بالله - ثلاثة أوجه : يعني اعلم أن الله أعلمك أن لا إله إلا الله . الثاني : ما علمته استدلالا فاعلمه خبرا يقينا . الثالث : يعني فاذكر أن لا إله إلا الله ؛ فعبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه . وعن سفيان بن عيينة أنه سئل عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك فأمر بالعمل بعد العلم وقال : اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله سابقوا إلى مغفرة من ربكم وقال : واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ثم قال بعد : فاحذروهم وقال تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ثم أمر بالعمل بعد .قوله تعالى : واستغفر لذنبك يحتمل وجهين : أحدهما : يعني استغفر الله أن يقع منك ذنب . الثاني : استغفر الله ليعصمك من الذنوب . وقيل : لما ذكر له حال الكافرين والمؤمنين أمره بالثبات على الإيمان ، أي : اثبت على ما أنت عليه من التوحيد والإخلاص والحذر عما تحتاج معه إلى استغفار . وقيل : الخطاب له والمراد به الأمة ، وعلى هذا القول توجب الآية استغفار الإنسان لجميع المسلمين . وقيل : كان - عليه السلام - يضيق صدره من كفر الكفار والمنافقين ، فنزلت الآية أي : فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك إلا الله ، فلا تعلق قلبك بأحد سواه . وقيل : أمر بالاستغفار لتقتدي به الأمة . وللمؤمنين والمؤمنات أي ولذنوبهم . وهذا أمر بالشفاعة . وروى مسلم عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس المخزومي قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكلت من طعامه فقلت : يا رسول الله ، غفر الله لك فقال له صاحبي : هل استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، ولك . ثم تلا هذه الآية : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ثم تحولت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، جمعا عليه خيلان كأنه الثآليل .والله يعلم متقلبكم ومثواكم فيه خمسة أقوال : أحدها : يعلم أعمالكم في تصرفكم وإقامتكم . الثاني : متقلبكم في أعمالكم نهارا ومثواكم في ليلكم نياما . وقيل : متقلبكم في الدنيا . ومثواكم في الدنيا والآخرة ، قاله ابن عباس والضحاك . وقال عكرمة : متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات . ومثواكم مقامكم في الأرض . وقال ابن كيسان : متقلبكم من ظهر إلى بطن الدنيا . ومثواكم في القبور .قلت : والعموم يأتي على هذا كله ، فلا يخفى عليه سبحانه شيء من حركات بني آدم وسكناتهم ، وكذا جميع خلقه . فهو عالم بجميع ذلك قبل كونه جملة وتفصيلا أولى وأخرى . سبحانه! لا إله إلا هو .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهة, ويجوز لك وللخلق عبادته, إلا الله الذي هو خالق الخلق, ومالك كل شيء, يدين له بالربوبية كل ما دونه ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) وسل ربك غفران سالف ذنوبك وحادثها, وذنوب أهل الإيمان بك من الرجال والنساء ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) يقول: فإن الله يعلم متصرفكم فيما تتصرّفون فيه في يقظتكم من الأعمال, ومثواكم إذا ثويتم في مضاجعكم للنوم ليلا لا يخفى عليه شيء من ذلك, وهو مجازيكم على جميع ذلك.وقد حدثنا أبو كُريب, قال: ثنا عثمان بن سعيد, قال: ثنا إبراهيم بن سليمان, عن عاصم الأحول, عن عبد الله بن سرجس, قال: " أكلت مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , فقلت: غفر الله لك يا رسول الله, فقال رجل من القوم: أستغفر لك يا رسول الله, قال: نَعَمْ وَلَكَ, ثم قرأ ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) .
﴿ فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ﴾