وإذا سُئلت -أيها الرسول- عن مدة لبثهم في الكهف، وليس عندك علم في ذلك وتوقيف من الله، فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل: الله أعلم بمدة لبثهم، له غيب السموات والأرض، أَبْصِرْ به وأسمع، أي: تعجب من كمال بصره وسمعه وإحاطته بكل شيء. ليس للخلق أحد غيره يتولى أمورهم، وليس له شريك في حكمه وقضائه وتشريعه، سبحانه وتعالى.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قل الله أعلموا بما لبثوا» ممن اختلفوا فيه وهو ما تقدم ذكره «له غيب السماوات والأرض» أي علمه «أبصرْ به» أي بالله هي صيغة تعجب «وأسمعْ» به كذلك بمعنى ما أبصرهُ وما أسمعهُ وهما على جهة المجاز والمراد أنه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه شيء «ما لهم» لأهل السماوات والأرض «من دونه من ولي» ناصر «ولا يشرك في حكمه أحدا» لأنه غني عن الشريك.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وقوله: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات. ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون، الولي لعباده المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ولهذا قال: مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف، بلطفه وكرمه، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق. وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا وهذا يشمل الحكم الكوني القدري، والحكم الشرعي الديني، فإنه الحاكم في خلقه، قضاء وقدرا، وخلقا وتدبيرا، والحاكم فيهم، بأمره ونهيه، وثوابه وعقابه.ولما أخبر أنه تعالى، له غيب السماوات والأرض، فليس لمخلوق إليها طريق، إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده، وكان هذا القرآن، قد اشتمل على كثير من الغيوب
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قل الله أعلم بما لبثوا ) روي عن علي أنه قال : عند أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاث مائة شمسية والله تعالى ذكر ثلاث مائة قمرية والتفاوت بين الشمسية والقمرية في كل مائة سنة ثلاث سنين فيكون في " ثلاث مائة " تسع سنين فلذلك قال : " وازدادوا تسعا " .( له غيب السماوات والأرض ) فالغيب ما يغيب عن إدراك والله عز وجل لا يغيب عن إدراكه شيء .( أبصر به وأسمع ) أي : ما أبصر الله بكل موجود وأسمعه لكل مسموع . أي : لا يغيب عن سمعه وبصره شيء .( ما لهم ) أي : ما لأهل السموات والأرض ( من دونه ) أي من دون الله ( من ولي ) ناصر ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) قرأ ابن عامر ويعقوب : " ولا تشرك " بالتاء على المخاطبة والنهي وقرأ الآخرون بالياء أي : لا يشرك الله في حكمه أحدا . وقيل : " الحكم " هنا علم الغيب أي : لا يشرك في علم غيبه أحدا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
أى: أن أصحاب الكهف مكثوا في كهفهم راقدين ثلاثمائة سنين، وازدادوا فوق ذلك تسع سنين.فالآية الكريمة إخبار منه- سبحانه- عن المدة التي لبثها هؤلاء الفتية مضروبا على آذانهم.وقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا تقرير وتأكيد لكون المدة التي لبثوها هي ما سبق بيانه في الآية السابقة.فكأنه- سبحانه- يقول: هذا هو فصل الخطاب في المدة التي لبثوها راقدين في كهفهم، وقد أعلمك الله- تعالى- بذلك- أيها الرسول الكريم-، وما أعلمك به فهو الحق الصحيح الذي لا يحوم حوله شك، فلا تلتفت إلى غيره من أقوال الخائضين في أمر هؤلاء الفتية، فإن الله- تعالى- هو الأعلم بحقيقة ذلك.ويرى بعضهم أن قوله- تعالى-: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ حكاية لكلام أهل الكتاب في المدة التي لبثها أهل الكهف نياما في كهفهم، وأن قوله قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا للرد عليهم.وقد حكى الإمام ابن كثير القولين. ورجح الأول منهما فقال: هذا خبر من الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، منذ أن أرقدهم الله إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان. كان مقداره ثلاثمائة سنين وتسع سنين بالهلالية وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين، فلهذا قال بعد الثلاثمائة وَازْدَادُوا تِسْعاً.وقال قتادة في قوله: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ.. وهذا قول أهل الكتاب وقد رده الله- تعالى- بقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا.وفي هذا الذي قاله قتادة نظر، فإن الذي بأيدى أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع ولو كان الله- تعالى- قد حكى قولهم لما قال: وَازْدَادُوا تِسْعاً، وظاهر الآية أنه خبر عن الله لا حكاية عنهم.. .وقوله- تعالى-: لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تأكيد لاختصاصه- عز وجل- بعلم المدة التي لبثوها، أى: له- سبحانه- وحده علم ما خفى وغاب من أحوال السموات والأرض، وأحوال أهلهما، كما قال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ.وقوله- سبحانه-: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ صيغتا تعجب: أى: ما أبصره وما أسمعه- تعالى- والمراد أنه- سبحانه- لا يغيب عن بصره وسمعه شيء.وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره- تعالى- في الإدراك خارج عما عليه إدراك المبصرين والسامعين. إذ لا يحجبه شيء، ولا يتفاوت عنده لطيف وكثيف، وصغير وكبير، وجلى وخفى.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً.أى: ليس لأهل السموات ولا لأهل الأرض ولا لغيرهما غير الله- تعالى- نصير ينصرهم، أو ولى يلي أمرهم. ولا يشرك- سبحانه- في حكمه أو قضائه أحدا كائنا من كان من خلقه. كما قال- تعالى- أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.هذا، وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات مسائل منها.(أ) مكان الكهف الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية، والزمن الذي ظهروا فيه، أما مكان الكهف فللعلماء فيه أقوال: من أشهرها أنه كان بالقرب من مدينة تسمى «أفسوس» وهي من مدن تركيا الآن، قالوا إنها تبعد عن مدينة «أزمير» بحوالى أربعين ميلا، وتعرف الآن باسم: «أيازبوك» .وقيل: إنه كان ببلدة تدعى «أبسس» - بفتح الهمزة وسكون الباء وضم السين- وهذه البلدة من ثغور «طرسوس» بين مدينة حلب بسوريا، وبلاد أرمينية وأنطاكية.وقيل: إنه كان ببلدة تسمى «بتراء» بين خليج العقبة وفلسطين.. إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة، التي لا نرى داعيا لذكرها، لقلة فائدتها.وأما الزمن الذي ظهروا فيه، فيرى كثير من المفسرين أنه كان في القرن الثالث الميلادى في عهد الإمبراطور الرومانى «دقيانوس» الذي كان يحمل الناس حملا على عبادة الأصنام، ويعذب من يخالف ذلك.(ب) العبر والعظات والأحكام التي تؤخذ من هذه القصة- ومن أهمها:1- إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، حيث أخبر- عن طريق ما أوحاه الله إليه من قرآن- عن قصة هؤلاء الفتية، وبين وجه الحق في شأنهم ورد على ما خاضه الخائضون في أمرهم، وصدق الله إذ يقول: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ....2- الكشف عن جانب من بلاغة القرآن الكريم في قصصه، حيث ساق هذه القصة مجملة في الآيات الأربع الأولى منها، ثم ساقها مفصلة بعد ذلك تفصيلا حكيما. وفي ذلك ما فيه من تمكن أحداثها وهداياتها في القلوب.والمرشد العاقل هو الذي ينتفع بهذا الأسلوب القرآنى في وعظه وإرشاده.3- بيان أن الإيمان متى استقر في القلوب، هان كل شيء في سبيله. فهؤلاء الفتية آثروا الفرار بدينهم، على البقاء في أوطانهم، لكي تسلم لهم عقيدتهم.. فهم كما قال- سبحانه- في شأنهم: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً.4- بيان أن على المؤمن أن يلجأ إلى الله بالدعاء- لا سيما عند الشدائد والكروب، وأنه متى اتقى الله- تعالى- وأطاعه، جعل له- سبحانه- من كل ضيق فرجا، ومن كل هم مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وصانه من السوء.فهؤلاء الفتية عند ما لجئوا إلى الكهف، تضرعوا إلى الله بقولهم: رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً.فأجاب الله دعاءهم، حيث ضرب على آذانهم في الكهف سنين عددا، وجعل الشمس لا تصل إليهم مع أنهم في فجوة من الكهف، وصان أجسادهم من البلى والتعفن بأن قلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وأنام كلبهم بعتبة باب الكهف حتى لكأنه حارس لهم: وألقى الهيبة عليهم بحيث لو رآهم الرائي لولى منهم فرارا. ولملئ قلبه رعبا من منظرهم.وسخر أصحاب النفوذ والقوة للدفاع عنهم. وللتعبير عن تكريمهم لهم بقولهم: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً.5- بيان أن التفكير السليم- المصحوب بالنية الطيبة والعزيمة الصادقة، يؤدى إلى الاهتداء إلى الحق، وأن القلوب النقية الطاهرة تتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. وأن فضح الباطل والكشف عن زيفه.. دليل على سلامة اليقين.فهؤلاء الفتية اجتمعوا على الحق، وربط الله على قلوبهم إذ قاموا للوقوف في وجه الباطل، وهداهم تفكيرهم السليم إلى أن المستحق للعبادة هو ربهم رب السموات والأرض، وأن من يعبد غيره يكون قد افترى على الله كذبا.وأن اعتزال الكفر يوصل إلى نشر الرحمة، والظفر بالسداد والتوفيق. ولذا تواصوا فيما بينهم بقولهم: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً.6- بيان أن مباشرة الأسباب المشروعة لا تنافى التوكل على الله.فهؤلاء الفتية عند ما خرجوا من ديارهم، أخذوا معهم بعض النقود، وبعد بعثهم من رقادهم أرسلوا أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم طعاما طاهرا حلالا، وأوصوه بالتلطف في أخذه وعطائه وبكتمان أمره وأمرهم حتى لا يعرف الأعداء مكانهم.وهكذا العقلاء، لا يمنعهم توكلهم على الله- تعالى- من أخذ الحيطة والحذر في كل شئونهم التي تستدعى ذلك.7- إقامة أوضح الأدلة وأعظمها على أن البعث حق. فقد أطلع الله- تعالى- الناس على هؤلاء الفتية، ليوقنوا بأنه- سبحانه- قادر على إحياء الموتى.. لأن من يقدر على بعث الراقدين من رقادهم بعد مئات السنين، فهو قادر على إحياء الموتى يوم القيامة.8- بيان أن من الواجب على المؤمن إذا أراد فعل شيء أن يقرن ذلك بمشيئة الله- تعالى- لأنه- سبحانه- بيده الأمر كله، وصدق الله إذ يقول: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.هذه بعض العظات والأحكام التي ترشدنا إليها هذه القصة، وقد ذكرنا جانبا آخر منها خلال تفسيرنا للآيات التي اشتملت عليها. ومن أراد المزيد فليرجع إلى ما كتبه المفسرون في ذلك .ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بمداومة التلاوة لما أوحاه إليه- سبحانه-، فإن فيه فصل الخطاب وبالحفاوة بالمؤمنين الصادقين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى، وبإعلان كلمة الحق فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( قل الله أعلم بما لبثوا ) أي : إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك [ علم ] في ذلك وتوقيف من الله عز وجل فلا تتقدم فيه بشيء ، بل قل في مثل هذا : ( الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض ) أي : لا يعلم ذلك إلا هو أو من أطلعه الله عليه من خلقه ، وهذا الذي قلناه ، عليه غير واحد من علماء التفسير كمجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف .وقال قتادة في قوله : ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) هذا قول أهل الكتاب ، وقد رده الله تعالى بقوله : ( قل الله أعلم بما لبثوا ) قال : وفي قراءة عبد الله : " وقالوا : ولبثوا " ، يعني أنه قاله الناسوهكذا قال - كما قال قتادة - مطرف بن عبد الله .وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر ، فإن الذي بأيدي أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة من غير تسع ، يعنون بالشمسية ، ولو كان الله قد حكى قولهم لما قال : ( وازدادوا تسعا ) وظاهر من الآية إنما هو إخبار من الله ، لا حكاية عنهم . وهذا اختيار ابن جرير ، رحمه الله . ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة ، ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها ، والله أعلم .وقوله : ( أبصر به وأسمع ) أي : إنه لبصير بهم سميع لهم .قال ابن جرير : وذلك في معنى المبالغة في المدح ، كأنه قيل : ما أبصره وأسمعه ، وتأويل الكلام : ما أبصر الله لكل موجود ، وأسمعه لكل مسموع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء .ثم روي عن قتادة في قوله : ( أبصر به وأسمع ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع .وقال ابن زيد : ( أبصر به وأسمع ) يرى أعمالهم ، ويسمع ذلك منهم ، سميعا بصيرا .وقوله : ( ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ) أي : أنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر ، الذي لا معقب لحكمه ، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك ولا مشير ، تعالى وتقدس .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداقوله تعالى : قل الله أعلم بما لبثوا قيل بعد موتهم إلى نزول القرآن فيهم ، على قول مجاهد . أو إلى أن ماتوا ; على قول الضحاك . أو إلى وقت تغيرهم بالبلى ; على ما تقدم . وقيل : بما لبثوا في الكهف ، وهي المدة التي ذكرها الله - تعالى - عن اليهود وإن ذكروا زيادة ونقصانا . أي لا يعلم علم ذلك إلا الله أو من علمه ذلك له غيب السماوات والأرض .قوله تعالى : أبصر به وأسمع أي ما أبصره وأسمعه . قال قتادة : لا أحد أبصر من الله ولا أسمع . وهذه عبارات عن الإدراك . ويحتمل أن يكون المعنى أبصر به أي بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور ، وأسمع به العالم ; فيكونان أمرين لا على وجه التعجب . وقيل . المعنى أبصرهم وأسمعهم ما قال الله فيهم .ما لهم من دونه من ولي أي لم يكن لأصحاب الكهف ولي يتولى حفظهم دون الله . ويحتمل أن يعود الضمير في لهم على معاصري محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكفار . والمعنى : ما لهؤلاء المختلفين في مدة لبثهم ولي دون الله يتولى تدبير أمرهم ; فكيف يكونون أعلم منه ، أو كيف يتعلمون من غير إعلامه إياهم .قوله تعالى : ولا يشرك في حكمه أحدا قرئ بالياء ورفع الكاف ، على معنى الخبر عن الله - تعالى - . وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري " ولا تشرك " بالتاء من فوق وإسكان الكاف على جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويكون قوله " ولا يشرك " عطفا على قوله : أبصر به وأسمع . وقرأ مجاهد " يشرك " بالياء من تحت والجزم . قال يعقوب : لا أعرف وجهه .مسألة : اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا ، أو هم نيام وأجسادهم محفوظة ; فروي عن ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله ، فمشى الناس معه إليه فوجدوا عظاما فقالوا : هذه عظام أهل الكهف . فقال لهم ابن عباس : أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة ; فسمعه راهب فقال : ما كنت أحسب أن أحدا من العرب يعرف هذا ; فقيل له : هذا ابن عم نبينا - صلى الله عليه وسلم - . وروت فرقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليحجن عيسى ابن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد . ذكره ابن عطية .قلت : ومكتوب في التوراة والإنجيل أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ، وأنه يمر بالروحاء حاجا أو معتمرا أو يجمع الله له ذلك فيجعل الله حواريه أصحاب الكهف والرقيم ، فيمرون حجاجا فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا . وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في كتاب " التذكرة " . فعلى هذا هم نيام ولم يموتوا إلى يوم القيامة ، بل يموتون قبيل الساعة .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : ( لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول تعالى ذكره: لله علم غيب السماوات والأرض، لا يعزب عنه علم شيء منه، ولا يخفى عليه شيء ، يقول: فسلموا له علم مبلغ ما لبثت الفتية في الكهف إلى يومكم هذا، فإن ذلك لا يعلمه سوى الذي يعلم غيب السماوات والأرض، وليس ذلك إلا الله الواحد القهار.وقوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) يقول: أبصر بالله وأسمع، وذلك بمعنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه.وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكلّ موجود، وأسمعه لكلّ مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع، تبارك وتعالى!.حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) قال: يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعا بصيرا.وقوله: ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) يقول جلّ ثناؤه: ما لخلقه دون ربهم الذي خلقهم وليّ ، يلي أمرهم وتدبيرهم، وصرفهم فيما هم فيه مصرفون.( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) يقول: ولا يجعل الله في قضائه ، وحكمه في خلقه أحدا سواه شريكا، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم، وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحبّ.
﴿ قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ﴾