ويُظْهر هؤلاء المعرضون، وهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، طاعتهم للرسول وما جاء به، فإذا ابتعدوا عنه وانصرفوا عن مجلسه، دبَّر جماعة منهم ليلا غير ما أعلنوه من الطاعة، وما علموا أن الله يحصي عليهم ما يدبرون، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء، فتول عنهم -أيها الرسول- ولا تبال بهم، فإنهم لن يضروك، وتوكل على الله، وحسبك به وليّاً وناصرًا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ويقولون» أي المنافقون إذا جاءوك أمرنا «طاعةٌ» لك «فإذا برزوا» خرجوا «من عندك بيَّت طائفة منهم» بإدغام التاء في الطاء وتركه أي أضمرت «غير الذي تقول» لك في حضورك من الطاعة أي عصيانك «والله يكتب» يأمر بكتب «ما يبيِّتون» في صحائفهم ليجازوا عليه «فأعرض عنهم» بالصفح «وتوكل على الله» ثق به فانه كافيك «وكفى بالله وكيلا» مفوضا إليه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ولا بد أن تكون طاعة الله ورسوله ظاهرًا وباطنًا في الحضرة والمغيب. فأما مَنْ يظهر في الحضرة والطاعة والالتزام فإذا خلا بنفسه أو أبناء جنسه ترك الطاعة وأقبل على ضدها، فإن الطاعة التي أظهرها غير نافعة ولا مفيدة، وقد أشبه من قال الله فيهم: وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ أي: يظهرون الطاعة إذا كانوا عندك. فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ أي: خرجوا وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم. بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ أي: بيتوا ودبروا غير طاعتك ولا ثَمَّ إلا المعصية. وفي قوله: بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ دليل على أن الأمر الذي استقروا عليه غير الطاعة؛ لأن التبييت تدبير الأمر ليلا على وجه يستقر عليه الرأي، ثم توعدهم على ما فعلوا فقال: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ أي: يحفظه عليهم وسيجازيهم عليه أتم الجزاء، ففيه وعيد لهم. ثم أمر رسوله بمقابلتهم بالإعراض وعدم التعنيف، فإنهم لا يضرونه شيئا إذا توكل على الله واستعان به في نصر دينه، وإقامة شرعه. ولهذا قال: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ويقولون طاعة ) يعني : المنافقين يقولون باللسان للرسول صلى الله عليه وسلم : إنا آمنا بك فمرنا فأمرك طاعة ، قال النحويون : أي أمرنا وشأننا أن نطيعك ، ( فإذا برزوا ) خرجوا ، ( من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول ) قال قتادة والكلبي : بيت أي : غير وبدل الذي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون التبييت بمعنى التبديل ، وقال أبو عبيدة والقتيبي : معناه : قالوا وقدروا ليلا غير ما أعطوك نهارا ، وكل ما قدر بليل فهو تبييت ، وقال أبو الحسن الأخفش : تقول العرب للشيء إذا قدر ، قد بيت ، يشبهونه بتقدير بيوت الشعر ، ( والله يكتب ) أي : يثبت ويحفظ ، ( ما يبيتون ) ما يزورون ويغيرون ويقدرون ، وقال الضحاك عن ابن عباس : يعني ما يسرون من النفاق ، ( فأعرض عنهم ) يا محمد ولا تعاقبهم ، وقيل : لا تخبر بأسمائهم ، منع الرسول صلى الله عليه وسلم من الإخبار بأسماء المنافقين ، ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) أي : اتخذه وكيلا وكفى بالله وكيلا وناصرا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والضمير في قوله وَيَقُولُونَ للمنافقين ومن يلفون لفهم.أى: أن هؤلاء المنافقين إذا أمرتم يا محمد بأمر وهم عندك يقولون طاعة أى أمرنا وشأننا طاعة. يقولون ذلك بألسنتهم أما قلوبهم فهي تخالف ألسنتهم.وقوله طاعَةٌ خبر لمبتدأ محذوف وجوبا أى: أمرنا طاعة. ويجوز النصب على معنى:أطعناك طاعة. كما يقول المأمور لمن أمره: سمعا وطاعة، وسمع وطاعة.قال صاحب الكشاف: ونحوه قول سيبويه: سمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له:كيف أصبحت؟ فيقول: حمد الله وثناء عليه، كأنه قال: أمرى وشأنى حمد الله. ولو نصب «حمد الله» كان على الفعل. والرفع يدل على ثبات الطاعة واستقرارها.ثم حكى- سبحانه- ما يكون عليه أمر هؤلاء المنافقين بعد خروجهم من عند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ.وقوله بَيَّتَ من التبييت واشتقاقه- كما يقول الفخر الرازي- من البيتوتة، لأن أصلح الأوقات للفكر أن يجلس الإنسان في بيته بالليل، فهناك تكون الخواطر أخلى، والشواغل أقل.لا جرم سمى الفكر المستقصى مبيتا. أو من بيت الشعر، لأن العرب إذا أرادوا قرض الشعر بالغوا في التفكر فيه ...والمراد: زوّر وموّه ودبّر.والمعنى: أن هؤلاء المنافقين إذا كانوا عندك- يا محمد- وأمرتهم بأمر قالوا: طاعة، فإذا ما خرجوا من عندك وفارقوك دبر وأضمر طائفة منهم وهم رؤساؤهم «غير الذي تقول» أى خلاف ما قلت لتلك الطائفة أو قالت لك من ضمان الطاعة. فهم أمامك يظهرون الطاعة المطلقة، ومن خلفك يدبرون ويضمرون ما يناقض هذه الطاعة ويخالفها.والتعبير عن الخروج بالبروز للإشارة إلى تفاوت ما بين أحوالهم، وتناقض مظهرهم مع خبيئتهم.وإسناد هذا التبييت إلى طائفة منهم، لبيان أنهم هم المتصدون له بالذات، أما الباقون فتابعون لهم في ذلك، لا أنهم ثابتون على الطاعة.وقوله وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ أى يثبته في صحائف أعمالهم. وبفضحهم بسبب سوء أعمالهم في الدنيا، ثم يجازيهم على هذا النفاق بما يستحقون في الآخرة، فالجملة الكريمة تهديد لهم على سوء صنيعهم، لعلهم يكفون عن هذا النفاق، وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه- سبحانه- سيطلعه على مكرهم السيئ لكي يتقى شرهم، ولذا فقد أمره- سبحانه- بعدم الالتفات إليهم، وبالتوكل عليه- تعالى- وحده فقال:فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا. أى: إذا كان هذا هو شأنهم يا محمد.فلا تكثرت بهم، ولا تلتفت إليهم، وسر في طريقك متوكلا على الله، ومعتمدا على رعايته وحفظه، وكفى بالله وكيلا وكفيلا لمن توكل عليه، واتبع أمره ونهيه. فأنت ترى أن الآية الكريمة قد كشفت عن جانب من صفات المنافقين وأحوالهم، ثم هددتهم على جرائمهم، ورسمت للنبي صلى الله عليه وسلم الخطة الحكيمة لعلاجهم واتقاء شرهم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( ويقولون طاعة ) يخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يظهرون الموافقة والطاعة ( فإذا برزوا من عندك ) أي : خرجوا وتواروا عنك ( بيت طائفة منهم غير الذي تقول ) أي : استسروا ليلا فيما بينهم بغير ما أظهروه . فقال تعالى : ( والله يكتب ما يبيتون ) أي : يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين ، الذين هم موكلون بالعباد . يعلمون ما يفعلون . والمعنى في هذا التهديد ، أنه تعالى أخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم ، وما يتفقون عليه ليلا من مخالفة الرسول وعصيانه ، وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة ، وسيجزيهم على ذلك . كما قال تعالى : ( ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا [ ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ] ) [ النور : 47 ] .وقوله : ( فأعرض عنهم ) أي : اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم ، ولا تكشف أمورهم للناس ، ولا تخف منهم أيضا ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) أي : كفى به وليا وناصرا ومعينا لمن توكل عليه وأناب إليه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون أي أمرنا طاعة ، ويجوز " طاعة " بالنصب ، أي نطيع طاعة ، وهي قراءة نصر بن عاصم والحسن والجحدري . وهذا في المنافقين في قول أكثر المفسرين ؛ أي يقولون إذا كانوا عندك : أمرنا طاعة ، أو نطيع طاعة ، وقولهم هذا ليس بنافع ؛ لأن من لم يعتقد الطاعة ليس بمطيع حقيقة ، لأن الله تعالى لم يحقق طاعتهم بما أظهروه ، فلو كانت الطاعة بلا اعتقاد حقيقة لحكم بها لهم ؛ فثبت أن الطاعة بالاعتقاد مع وجودها . فإذا برزوا أي خرجوا من عندك بيت طائفة منهم فذكر الطائفة لأنها في معنى رجال . وأدغم الكوفيون التاء في الطاء ؛ لأنهما من مخرج واحد ، واستقبح ذلك الكسائي في الفعل وهو عند البصريين غير قبيح . ومعنى بيت زور وموه . وقيل : غير وبدل وحرف ؛ أي بدلوا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما عهده إليهم وأمرهم به . والتبييت التبديل ؛ ومنه قول الشاعر الأسود بن يعفر :أتوني فلم أرض ما بيتوا وكانوا أتوني بأمر نكر لأنكح أيمهم منذراوهل ينكح العبد حر لحرآخر الأسود بن عامر الطائيبيت قولي عبد الملي ك قاتله الله عبدا كفوراوبيت الرجل الأمر إذا دبر ليلا ؛ قال الله تعالى : إذ يبيتون ما لا يرضى من القول . والعرب تقول : أمر بيت بليل إذا أحكم . وإنما خص الليل بذلك لأنه وقت يتفرغ فيه . قال الشاعر :أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاءومن هذا بيت الصيام . والبيوت : الماء يبيت ليلا . والبيوت : الأمر يبيت عليه صاحبه مهتما به ؛ قال الهذلي :وأجعل فقرتها عدة إذا خفت بيوت أمر عضالوالتبييت والبيات أن يأتي العدو ليلا . وبات يفعل كذا إذا فعله ليلا ؛ كما يقال : ظل بالنهار . وبيت الشيء قدر . فإن قيل : فما وجه الحكمة في ابتدائه بذكر جملتهم ثم قال : بيت طائفة منهم ؟ قيل : إنما عبر عن حال من علم أنه بقي على كفره ونفاقه ، وصفح عمن علم أنه سيرجع عن ذلك . وقيل : إنما عبر عن حال من شهد وحار في أمره ، وأما من سمع وسكت فلم يذكره . والله أعلم . والله يكتب ما يبيتون أي يثبته في صحائف أعمالهم ليجازيهم عليه . وقال الزجاج : المعنى ينزله عليك في الكتاب . وفي هذه الآية دليل على أن مجرد القول لا يفيد شيئا كما ذكرنا ؛ فإنهم قالوا : طاعة ، ولفظوا بها ولم يحقق الله طاعتهم ولا حكم لهم بصحتها ؛ لأنهم لم يعتقدوها . فثبت أنه لا يكون المطيع مطيعا إلا باعتقادها مع وجودها .قوله تعالى : فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاقوله تعالى : فأعرض عنهم أي لا تخبر بأسمائهم ؛ عن الضحاك ، يعني المنافقين . وقيل : لا تعاقبهم . ثم أمره بالتوكل عليه والثقة به في النصر على عدوه . ويقال : إن هذا منسوخ بقوله تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه بقوله: " ويقولون طاعة "، يعني: الفريق الذي أخبر الله عنهم أنهم لما كتب عليهم القتال خَشُوا الناس كخشية الله أو أشد خشية، يقولون لنبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بأمر: أمرك طاعة، ولك منا طاعة فيما تأمرنا به وتنهانا عنه =" وإذا برزوا من عندك "، يقول: فإذا خرجوا من عندك، (2) يا محمد =" بيّت طائفة منهم غير الذي تقول "، يعني بذلك جل ثناؤه: غيَّر جماعة منهم ليلا الذي تقول لهم.وكل عمل عُمِل ليلا فقد " بُيِّت "، ومن ذلك " بيَّت " العدو، وهو الوقوع بهم ليلا ومنه قول عبيدة بن همام: (3)أَتَوْنِي فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا,وَكَانُوا أَتَوْنِي بِشَيْءٍ نُكُرْ (4)لأنْكِحَ أَيِّمَهُمْ مُنْذِرًا,وَهَلْ يُنْكِحَ الْعَبْدَ حُرٌّ لِحُرْ?! (5)يعني بقوله: " فلم أرض ما بيتوا "، ليلا أي: ما أبرموه ليلا وعزموا عليه،ومنه قول النمر بن تولب العُكْليّ:هَبَّتْ لِتَعْذُلَنِي مِنَ اللَّيْل اسْمَعِ!سَفَهًا تُبَيِّتُكِ المَلامَةُ فَاهْجَعِي (6)يقول الله جل ثناؤه: " والله يكتب ما يبيتون "، يعني بذلك جل ثناؤه: والله يكتب ما يغيِّرون من قولك ليلا في كُتب أعمالهم التي تكتبها حَفَظته.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:9980 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيَّت طائفة منهم غير الذي تقول "، قال: يغيِّرون ما عهد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم:9981 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف بن خالد قال، حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " بيّت طائفة منهم غير الذي تقول "، قال: غيَّر أولئك ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.9982 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، قال: غيّر أولئك ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.9983 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون)، قال: هؤلاء المنافقون الذين يقولون إذا حضروا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأمر قالوا: " طاعة "، فإذا خرجوا من عنده، غيّرت طائفة منهم ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم =" والله يكتب ما يبيتون "، يقول: ما يقولون.9984 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، قال: يغيرون ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.9985 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، وهم ناس كانوا يقولون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمنا بالله ورسوله "، ليأمنوا على دمائهم وأموالهم. وإذا برزوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، (7) خالفوا إلى غير ما قالوا عنده، فعابهم الله، فقال: " بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، يقول: يغيرون ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.9986 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " بيت طائفة منهم غير الذي تقول "، هم أهل النفاق.* * *وأما رفع " طاعة "، فإنه بالمتروك الذي دلّ عليه الظاهر من القول وهو: أمرُك طاعة، أو: منا طاعة. (8) وأما قوله: " بيت طائفة "، فإن " التاء " من " بيّت " تحرِّكها بالفتح عامة قرأة المدينة والعراق وسائر القرأة، لأنها لام " فَعَّل ".* * *وكان بعض قرأة العراق يسكّنها، ثم يدغمها في" الطاء "، لمقاربتها في المخرج (9) .قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك ترك الإدغام، لأنها = أعني" التاء " و " الطاء " = من حرفين مختلفين. وإذا كان كذلك، كان ترك الإدغام أفصح اللغتين عند العرب، واللغة الأخرى جائزةٌ = أعني الإدغام في ذلك = محكيّةٌ.* * *القول في تأويل قوله : فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (81)قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم: " فأعرض "، يا محمد، عن هؤلاء المنافقين الذين يقولون لك فيما تأمرهم: " أمرك طاعة "، (10) فإذا برزوا من عندك خالفوا ما أمرتهم به، وغيَّروه إلى ما نهيتهم عنه، وخلّهم وما هم عليه من الضلالة، وارض لهم بي منتقمًا منهم =" وتوكل " أنت يا محمد =" على الله "، يقول: وفوِّض أنت أمرك إلى الله، وثق به في أمورك، وولِّها إياه (11) =" وكفى بالله وكيلا "، يقول: وكفاك بالله = أي: وحسبك بالله =" وكيلا "، أي: فيما يأمرك، ووليًّا لها، ودافعًا عنك وناصرًا. (12)----------------الهوامش :(2) انظر تفسير"برز" فيما سلف 5: 354 / 7: 324.(3) عبيدة بن همام ، أخو بني العدوية ، من بني مالك بن حنظلة ، من بني تميم ، وظنه ناشر مجاز القرآن لأبي عبيدة"عبيدة بن همام التغلبي" ، وكلا ، فهذا إسلامي ، وذلك جاهلي! واستظهرت من نسب"يعلى بن أمية" في جمهرة الأنساب: 217 ، وغيرها أنه"عبيدة بن همام بن الحارث بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وخبر هذا الشعر دال على أنه جاهلي ، فقد ذكر الجاحظ في الحيوان 4: 376 خبر هذه الأبيات ، في خبر للنعمان بن المنذر ومثالبه ، وذلك أن أخاه المنذر بن المنذر خطب إلى عبيدة بن همام ، فرده أقبح الرد ، وذكر الأبيات.(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 133 ، الحيوان 4: 376 ، الكامل 2: 35 ، 106 ، الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1: 263 ، ديوان الأسود بن يعفر لنهشلي ، أعشى بني نهشل ، في ديوان الأعشين: 298 ، اللسان (نكر). وروى: "فقد طرقوني بشيء"."طرقوني": أتوني ليلا. و"نكر" بضمتين ، مثل"نكر" بضم فسكون: الأمر المنكر الذي تنكره. والبيت يتممه الذي بعده.(5) "الأيم" من النساء ، التي لا زوج لها ، بكرًا كانت أو ثيبًا. و"رجل أيم" ، لا زوجة له. و"منذر" يعني: المنذر بن المنذر ، أخا النعمان بن المنذر. وقوله: "هل ينكح العبد حر لحر" أي: هل ينكح الحر الذي ولدته الأحرار ، عبدًا من العبيد ، وذلك تعريض منه بالمنذر وأخيه النعمان ، الذي جعل امرأته ظئرًا لبعض ولد كسرى ، وسماه كسرى"عبدًا". وقوله: "حر لحر" ، أي: حر قد ولدته الأحرار ، كما تقول: "هو كريم لكرام ، وحر لأحرار" ، اللام فيه للنسب ، كأنه قال: كريم ينسب إلى آباء كرام ، وحر ينسب إلى آباه أحرار. وهذا الذي قلته لا تجده في كتاب ، فاحفظه.وكان في المخطوطة: "لأنكح إليهم منذرًا" ، وهو فاسد جدًا كما ترى ، وفيها أيضًا: "حر بحر" ، والصواب ما أثبت.(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 133 ، والخزانة 1: 153 ، والعيني (بهامش الخزانة) 2: 536 ، وشرح شواهد المغني: 161 ، وغيرها. وكان في المطبوعة: "بليل اسمع" ، وهو خطأ ، ومثله في المخطوطة: "بليل اسمع" ، ولكني أثبت رواية أبي عبيدة فهي أجود الروايات.وقوله: "اسمع" ، هذا قول امرأته أو أمه التي كانت تلومه على الكرم والسخاء. ويعني بذلك أنها كانت تكثر من مقالة"اسمع ، واسمع مني". وقوله: "سفها" ، أي باطلا وخفة عقل. وقوله"تبيتك الملامة" ليس من معنى ما أراد الطبري ، وإن كان الشراح قد فسروه كذلك. وهو عندي من قولهم: "بات الرجل" إذا سهر ، ومنه: "بت أراعي النجوم" ، أي سهرت أنظر إليها ، فقوله: "تبيتك الملامة" ، أي تسهرك ملامتي وعتابي ، يقول: سهرك المضني هذا من السفه ، فنامى واهجعي ، فهو أروح لك!فاستشهاد أبي عبيدة ، والطبري على أثره ، بهذا البيت ، ليس في تمام موضعه ، وإن كان الأمر قريب بعضه من بعض.(7) في المطبوعة: "فإذا برزوا" بالفاء ، وأثبت ما في المخطوطة.(8) انظر معاني القرآن للفراء 1: 378.(9) انظر معني القرآن للفراء 1: 379.(10) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف 2: 298 ، 299 / 6: 291 / 8: 88.(11) انظر تفسير"التوكل" فيما سلف: 7: 346.(12) انظر تفسير"الوكيل" فيما سلف 7: 405.
﴿ ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ﴾