إعراب الآية 133 من سورة النساء - إعراب القرآن الكريم - سورة النساء : عدد الآيات 176 - - الصفحة 99 - الجزء 5.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) فعل الشرط وجوابه المجزومان (أَيُّهَا النَّاسُ) منادى نكرة مقصودة الناس بدل والجملة معترضة (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) عطف على يذهبكم مجزوم بحذف حرف العلة بآخرين متعلقان بالفعل قبلهما وفاعله مستتر (وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) الجار والمجرور متعلقان بالخبر قديرا والجملة مستأنفة.
وجملة { إن يشأ يذهبكم } واقعة موقع التفريع عن قوله : { غنيّاً حميداً } . والخطاب بقوله : { أيها الناس } للناس كلّهم الذين يسمعون الخطاب تنبيهاً لهم بهذا النداء . ومعنى { يَأت بآخرين } يُوجد ناساً آخرين يكونون خيراً منكم في تلقيّ الدين .
وقد علم من مقابلة قوله : { أيها الناس } بقوله : { آخرين } أنّ المعنى بناس آخرين غير كافرين ، على ما هو الشائع في الوصف بكلمة آخرَ أو أخرى ، بعد ذكرِ مقابِل للموصوف ، أن يكون الموصوف بكلمة آخر بعضاً من جنس ما عطف هو عليه باعتبار ما جعله المتكلّم جنساً في كلامه ، بالتصريح أو التقدير . وقد ذهب بعض علماء اللغة إلى لزوم ذلك ، واحتفل بهذه المسألة الحريري في «درّة الغوّاص» . وحاصلها : أنّ الأخفش الصغير ، والحريري ، والرضيّ ، وابن يسعون ، والصقلي ، وأبا حيان ، ذهبوا إلى اشتراط اتّحاد جنس الموصوف بكلمة آخرَ وما تصرّف منها مع جنس ما عطف هو عليه ، فلا يجوز عندهم أن تقول : ركبت فرساً وحماراً آخر ، ومثّلوا لما استكمل الشرط بقوله تعالى : { أيّاماً معدودات } [ البقرة : 184 ] ثم قال : { فعدّة من أيّام أخَر } [ البقرة : 185 ] وبقوله : { أفرأيتم اللاتَ والعُزّى ومناةَ الثالثةَ الأخرى } [ النجم : 19 ، 20 ] فوصف مناة بالأخرى لأنّها من جنس اللات والعزّى في أنّها صنم ، قالوا : ومِثل كلمة آخر في هذا كلمات : سائر ، وبقية ، وبعض ، فلا تقول : أكرمت رجلاً وتركت سائر النساء .
ولقد غلا بعض هؤلاء النحاة فاشترطوا الاتحاد بين الموصوف بآخر وبين ما عطف هو عليه حتّى في الإفراد وضدّه . قاله ابن يسعون والصقلي ، وردّه ابن هشام في «التذكرة» محتجّاً بقول ربيعة بن مكدم :
ولقد شفعتهما بآخر ثالث ... وأبى الفرار لي الغداة تكرمي
وبقول أبي حيّة النميري :
وكنتُ أمشي على رجلين معتدلاً ... فصرت أمشي على أخرى من الشَّجَر
وقال قوم بلزوم الاتّحاد في التذكير وضدّه ، واختاره ابن جنّي ، وخالفهم المبّرد ، واحتجّ المبرّد بقول عنترة :
والخيلُ تقتحم الغبارَ عَوابسا ... من بين شَيْظَمةٍ وآخرَ شَيْظم
وذهب الزمخشري وابن عطية إلى عدم اشتراط اتّحاد الموصوف بآخر مع ما عطف هو عليه ، ولذلك جوزا في هذه الآية أن يكون المعنى : ويأت بخلق آخرين عير الإنس .
واتّفقوا على أنّه لا يجوز أن يوصف بكلمة آخر موصوف لم يتقدّمه ذكرُ مقابل له أصلاً ، فلا تقول : جاءني آخَر ، من غير أن تتكلّم بشيء قبلُ ، لأنّ معنى آخر معنى مغاير في الذات مجانس في الوصف . وأمّا قول كُثير :
صلّى على عَزّةَ الرحمانُ وابنتِها ... لُبْنَى وصلّى على جارَاتها الأُخَر
فمحمول على أنّه جعل ابنتها جارة ، أو أنّه أراد : صلى على حبائبي : عزّة وابنتها وجاراتها حبائبي الأُخَر .
وقال أبو الحسن لا يجوز ذلك إلا في الشعر ، ولم يأت عليه بشاهد .
قال أبو الحسن : وقد يجوز ما امتنع من ذلك بتأويل . نحو : رأيت فرساً وحماراً آخر بتأويل أنّه دابّة ، وقول امرىء القيس :
إذا قلت هذا صاحبي ورضيتُه ... وقَرّتْ به العينان بُدِّلْتُ آخرا
قلت : وقد يجعل بيت كثير من هذا ، ويكون الاعتماد على القرينة .
وقد عدّ في هذا القبيل قول العرب : «تربت يمين الآخِر» ، وفي الحديث : قال الأعرابي للنبيء صلى الله عليه وسلم «إنّ الآخر وقع على أهله في رمضان» كناية عن نفسه ، وكأنّه من قبيل التجريد . أي جرّد من نفسه شخصاً تنزيهاً لنفسه من أن يتحدّث عنها بما ذكره . وفي حديث الأسلمي في «الموطأ» : أنّه قال لأبي بكر " إنّ الآخر قد زنى " وبعض أهل الحديث يضبطونه بالقصر وكسر الخاء ، . وصوّبه المحقّقون .
وفي الآية إشارة إلى أنّ الله سيخلف من المشركين قوماً آخرين مؤمنين ، فإنّ الله أهلك بعضَ المشركين على شركه بعد نزول هذه الآية ، ولم يشأ إهلاك جميعهم . وفي الحديث : لعلّ الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده .
المصدر : إعراب : إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا