إعراب الآية 29 من سورة الفرقان - إعراب القرآن الكريم - سورة الفرقان : عدد الآيات 77 - - الصفحة 362 - الجزء 19.
(لَقَدْ) اللام واقعة في جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق (أَضَلَّنِي) ماض ومفعوله وفاعله مستتر والجملة لا محل لها لأنها جواب قسم (عَنِ الذِّكْرِ) متعلقان بأضلني (بَعْدَ إِذْ) ظرف أضيف إلى ظرف متعلق بمحذوف حال (جاءَنِي) ماض ومفعول به وفاعله مستتر والجملة مضاف إليه (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا) الواو واو الحال وكان واسمها وخبرها والجار والمجرور متعلقان بخذولا والجملة في محل نصب على الحال
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)
وجملة { لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني } تعليلية لتمنِّيه أن لا يكون اتخذ فلاناً خليلاً بأنه قد صدر عن خُلته أعظم خسران لخليله إذ أضله عن الحق بعد أن كاد يتمكن منه .
وقوله : { أضلني عن الذكر } معناه سوّل لي الانصراف عن الحق . والضلال : إضاعة الطريق وخطؤه بحيث يسلك طريقاً غيرَ المقصود فيقع في غير المكان الذي أراده ، وإنما وقع في أرض العدوّ أو في مَسبَعة . ويستعار الضلال للحياد عن الحق والرشد إلى الباطل والسفه كما يستعار ضده وهو الهُدى )الذي هو إصابة الطريق )لمعرفة الحق والصواب حتى تساوى المعنيان الحقيقيان والمعنيان المجازيان لكثرة الاستعمال ، ولذلك سموا الدليل الذي يَسلك بالركب الطريقَ المقصود هَادياً .
والإضلال مستعار هنا للصرف عن الحق لمناسبة استعارة السبيل لهدى الرسول وليس مستعملاً هنا في المعنى الذي غلب على الباطل بقرينة تعديته بحرف { عن } في قوله : { عن الذكر } فإنه لو كان الإضلال هو تسويل الضلال لما احتاج إلى تعديته ولكن أريد هنا متابعة التمثيل السابق . ففي قوله : { أضلني } مكنية تقتضي تشبيه الذكر بالسبيل الموصل إلى المنجَى ، وإثبات الإضلال عنه تخييل كإثبات الأظفار للمنية ، فهذه نكت من بلاغة نظْم الآية .
و { الذكر } : هو القرآن ، أي نهاني عن التدبر فيه والاستماع له بعد أن قاربت فهمه .
والمجيء في قوله : { إذ جاءني } مستعمل في إسماعه القرآن فكأنَّ القرآن جاءٍ حلَّ عنده . ومنه قولهم : أتاني نبأ كذا ، قال النابغة :
أتاني أبيْتَ اللعن أنك لُمتَني ... فإذا حُمل الظالم في قوله : { ويوم يعضّ الظالم على يديه } على معيّن وهو عقبة بن أبي مُعيْط فمعنى مَجيء الذكر إياه أنه كان يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويأنس إليه حتى صرفه عن ذلك أُبيُّ بن خلف وحمله على عداوته وأذاته ، وإذا حُمِل الظالم على العموم فمجيء الذكر هو شيوع القرآن بينهم ، وإمكان استماعهم إياه . وإضلال خِلاّنهم إياهم صرفُ كل واحد خليلَه عن ذلك ، وتعاوُن بعضهم على بعض في ذلك .
وقيل : { الذكر } : كلمة الشهادة ، بناء على تخصيص الظالم بعقبة بن أبي معيط كما تقدم ، وتأتي في ذلك الوجوه المتقدمة ، فإن كلمة الشهادة لما كانت سببَ النجاة مثلت بسبيل الرسول الهادي ، ومُثل الصرف عنها بالإضلال عن السبيل .
و { إذْ } ظرف للزمن الماضي ، أي بعد وقتتٍ جاءني فيه الذكر ، والإتيان بالظرف هنا دون أن يقال : بعد ما جاءني ، أو بعد أن جاءني ، للإشارة إلى شدة التمكن من الذكر لأنه قد استقر في زمن وتحقق ، ومنه قوله تعالى : { وما كان الله لِيُضِلّ قوماً بعد إذْ هداهم } [ التوبة : 115 ] أي تمكن هديه منهم .
وجملة { وكان الشيطان للإنسان خَذولاً } تذييل من كلام الله تعالى لا من كلام الظالم تنبيها للناس على أن كل هذا الإضلال من عمل الشيطان فهو الذي يسوّل لخليل الظالم إضلال خليله لأن الشيطان خذول الإنسان ، أي مجبول على شدة خذله .
والخذل : ترك نصر المستنجِد مع القدرة على نصره ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { وإن يَخْذُلْكم فَمَنْ ذَا الذي يَنصرُكُم مِن بَعده } في سورة [ آل عمران : 160 ] .
فإذا أعان على الهزيمة فهو أشد الخذل ، وهو المقصود من صيغة المبالغة في وصف الشيطان بخذل الإنسان لأن الشيطان يكيد الإنسان فيورطه في الضر فهو خذول .
المصدر : إعراب : لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا