إعراب الآية 42 من سورة النساء - إعراب القرآن الكريم - سورة النساء : عدد الآيات 176 - - الصفحة 85 - الجزء 5.
(يَوْمَئِذٍ) يوم مفعول فيه ظرف زمان متعلق بيود إذ ظرف لما مضى من الزمن مبني على السكون في محل جر بالإضافة والتنوين والظرف عوض الجملة المحذوفة التقدير: يوم إذ جئنا يود الذين.
(يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) فعل مضارع واسم الموصول فاعله والجملة بعده صلة الموصول وجملة يود استئنافية (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) فعل مضارع مبني للمجهول تعلق به الجار والمجرور ونائب فاعله لو حرف مصدري مؤول مع الفعل بعده بمصدر في محل نصب مفعول به أي: تسوية (وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله اللّه لفظ الجلالة مفعوله الأول حديثا مفعوله الثاني والجملة معطوفة على جملة (يَوَدُّ).
وقوله : { يومئذٍ يود الذين كفروا } الآية استئناف بياني ، لأنّ السامع يَتساءل عن الحالة المبهمة المدلولة لقوله : { كيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } ويتطلّب بيانها ، فجاءت هذه الجملة مبيّنة لبعض تلك الحالة العجيبة ، وهو حال الذين كفروا حين يرون بوارق الشرّ : من شهادة شهداء الأمم على مؤمنهم وكافرهم ، ويوقنون بأنّ المشهود عليهم بالكفر مأخوذون إلى العذاب ، فينالهم من الخوف ما يودّون منه لو تَسَّوى بهم الأرض
وجملة { لو تسوى بهم الأرض } بيان لجملة يودّ أي يودّون وُدَّا يبيّنه قوله : { لو تسوى بهم الأرض } ، ولكون مضمونها أفاد معنى الشيء المودود صارت الجملة الشرطية بمنزلة مفعول ( يودّ ) ، فصار فعلها بمنزلة المصدر ، وصارت لو بمنزلة حرف المصدر ، وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى : { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة } في سورة البقرة ( 96 ) .
وقوله : تسوى } قرأه نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر بفتح التاء وتشديد السين فهو مضارع تَسَوَّى الذي هو مطاوع سَوَّاه إذا جعله سَواءً لشيءٍ آخر؛ أي مماثلا ، لأنّ السواء المثل فأدْغِمت إحدى التاءين في السين؛ وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف بفتح التاء وتخفيف السين على معنى القرَاءة السابقة لكن بحذف إحدى التاءين للتخفيف؛ وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، ويعقوب { تسوى } بضمّ التاء وتخفيف السين مبنيّا للمجهول ، أي تُمَاثَل .
والمماثلة المستفادة من التسوية تحتمل أن تكون مماثلة في الذات ، فيكون المعنى أنّهم يصيرون تُراباً مثل الأرض لظهور أن لا يقصد أن تصير الأرض ناسا ، فيكون المعنى على هذا هو معنى قوله تعالى : { ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا } [ النبأ : 40 ] . وهذا تفسير الجمهور ، وعلى هذا فالكلام إطناب ، قصد من إطنابه سلوك طريقة الكناية عن صيرورتهم تراباً بالكناية المطلوب بها نِسبةٌ ، كقولهم : المجدُ بين ثوبيْه ، وقول زياد الأعجم :
إنَّ السَّماحةَ والمُرُوءَة والنَّدى ... في قُبَّة ضُربت على ابن الحشرج
أي أنّه سمح ذو مروءة كريم؛ ويحتمل أن تكون مماثلة في المقدار ، فقيل : يودّون أنّهم لم يبعثوا وبَقُوا مستوين مع الأرض في بطنها ، وقيل : يودّون أن يُدفنوا حينئذ كما كانوا قبل البعث .
والأظهر عندي : أنّ المعنى التسويةُ في البروز والظهور ، أي أن ترتفع الأرض فتُسَوَّى في الارتفاع بأجسادهم ، فلا يظهروا ، وذلك كناية عن شدّة خوفهم وذلّهم ، فينقبضون ويتضاءلون حتّى يودّوا أن يصيروا غير ظَاهرين على الأرض ، كما وَصف أحدُ الأعراب يهجو قوماً من طَيّءٍ أنشده المبرّد في الكامل :
إذَا ما قيل أيُّهُمُ لأَي ... تَشَابَهَتْ المَنَاكِبُ والرُّؤُوسُ
وهذا أحسن في معنى الآية وأنسب بالكناية .
وجملة { ولا يكتمون الله حديثاً } يجوز أن تكون مستأنفة والواو عاطفة لها على جملة { يود } ؛ ويجوز أن تكون حالية ، أي يودّون لو تسوّى بهم الأرض في حال عدم كتمانهم ، فكأنّهم لمّا رأوا استشهاد الرسل ، ورأوا جزاء المشهود عليهم من الأمم السالفة ، ورأوا عاقبة كذب المرسَل إليهم حتّى احتيج إلى إشهاد رسلهم ، علموا أنّ النَّوبة مفضية إليهم ، وخامرهم أن يكتموا الله أمْرَهم إذا سألَهم الله ، ولم تساعدهم نفوسهم على الاعتراف بالصدق ، لِمَا رأوا من عواقب ثبوت الكفر ، من شدّة هلعهم ، فوقعوا بين المقتضي والمانع ، فتمنّوا أن يَخفَوْا ولا يظهروا حتّى لا يُسألوا فلا يضطرّوا إلى الاعتراف الموبِق ولا إلى الكتمان المهلك .
المصدر : إعراب : يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون