
إعراب الآية 47 من سورة النجم - إعراب القرآن الكريم - سورة النجم : عدد الآيات 62 - - الصفحة 528 - الجزء 27.
(وَأَنَّ) حرف مشبه بالفعل (عَلَيْهِ) خبر مقدم (النَّشْأَةَ) اسم أن المؤخر (الْأُخْرى) صفة.
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47(
كان مقتضى الظاهر من التنظير أن يقدم قوله : { وأنه هو أغنى وأقنى } [ النجم : 48 ] على قوله : { وأن عليه النشأة الأخرى } لما في قوله : { وأنه هو أغنى وأقنى } من الامتنان وإظهار الاقتدار المناسبين لقوله : { وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين } [ النجم : 43 45 ] الخ .
إذ ينتقل من نعمة الخلق إلى نعمة الرزق كما في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم { الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين } [ الشعراء : 78 ، 79 ] وقوله تعالى : { الله الذي خلقكم ثم رزقكم } [ الروم : 40 ] ولكن عدل عن ذلك على طريقة تشبه الاعتراض ليُقرن بين البيانين ذكر قدرته على النشأتين .
ومما يشابه هذا ما قاله الواحدي في شرح قول المتنبي في سيف الدولة :
وقفتَ وما في الموت شك لواقف .
.
.
كأنك في جن الردى وهو نائم
تَمُرُّ بك الأبطال كلْمَى هَزِيمةً .
.
.
ووجهُكَ وَضاء وَثَغرك باسم
أنه لما أنشد هذين البيتين أنكر عليه سيف الدولة تطبيق عَجزي البيتين على صدريْهما وقال : ينبغي أن تطبق عجز الأول على الثاني وعجز الثاني على الأول ثم قال له : وأنت في هذا مثلُ امرىء القيس في قوله :
كأني لم أركب جواداً للذة .
.
.
ولم أتَبطَّن كاعبا ذات خَلخال
ولم أسبإِ الزق الرويّ ولم أقل .
.
.
لخيليَ كُرّي كَرَّة بعد إجفال
ووجه الكلام في البيتين على ما قاله أهل العلم بالشعر أن يكون عجُز الأول على الثاني والثاني على الأول ( أي مع نقل كلمة ( لَلذة ( من صدر الأول إلى الثاني ، وكلمة ( ولم أقل ( من صدر الثاني إلى الأول ليستقيم الكلام ( فيكون ركوب الخيل مع الأمر للخيل بالكرّ وسَبْأُ الخمر مع تبطّننِ الكاعب فقال أبو الطيب : «أدام الله عز مولانا إن صح أن الذي استدرك هذا على امرىء القيس أعلم منه بالشعر فقد أخطأ أمرؤ القيس وأخطأتُ أنا ، ومولانا يعرف أن البزَّاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك لأن البزاز يعرف جملته والحائك يعرف جملته وتفصيله ، وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد وقَرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء ، وإنما لما ذكرتُ الموت في أول البيت اتبعتُه بذكر الردى ليجانسه ، ولما كان وجه المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوساً وعينهُ من أن تكون باكية قلت : ووجهك وضاءُ ، لأجمع بين الأضداد في المعنى» اه .
ولو أن أبا الطيب شعر بهذه الآية لذكرها لسيف الدولة فكانت له أقوى حجة من تأويله شعر امرىء القيس .
وفي جملة { وأن عليه النشأة } تحقيق لفعله إياها شَبهاً بالحق الواجب على المحقوق به بحيث لا يتخلف فكأنه حق واجب لأن الله وعد بحصول بما اقتضته الحكمة الإِلهية لظهور أن الله لا يكرهه شيء ، فالمعنى : أن الله أراد النشأة الأخرى كقوله تعالى :
{ كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة } [ الأنعام : 12 ] .
و { النشأة } : المرة من الإِنشاء ، أي الإِيجاد والخلق .
و { الأخرى } : مؤنث الأخير ، أي النشأة التي لا نشأة بعدها ، وهي مقابل النشأة الأولى التي يتضمنها قوله تعالى : { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى } [ النجم : 45 ] .
وهذه المقابلة هي مناسبة ذكر هذه النشأة الأخرى .
وقرأ الجمهور { النشأة } بوزن الفعلة وهو اسم مصدر أَنشأ ، وليس مصدراً ، إذ ليس نشأ المجرد بمتعد وإنما يقال : أنشأ .
وقرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب { النشاءة } بألف بعد الشين المفتوحة بوزن الفَعالة وهو من أوزان المصادر لكنه مقيس في مصدر الفعل المضموم العين في الماضي نحو الجزالة والفصاحة .
ولذلك فالنشاءة بالمد مصدر سماعي مثل الكآبة .
ولعل مدّتَها من قبيل الإشباع مثل قول عنترة :
ينْبَاع من ذفرَى غَضوب جَسْرة .
.
.
أي : ينبع .
وتقديم الخبر على اسم { أن } للاهتمام بالتحقيق الذي أفادته ( على ( تنبيها على زيادة تحقيقه بعد أن حقق بما في ( أن ( من التوكيد .
المصدر : إعراب : وأن عليه النشأة الأخرى