إعراب الآية 49 من سورة الفرقان - إعراب القرآن الكريم - سورة الفرقان : عدد الآيات 77 - - الصفحة 364 - الجزء 19.
(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) اللام لام التعليل والمضارع المنصوب فاعله مستتر ومفعول به والجار والمجرور متعلقان بنحيي وميتا صفة لبلدة أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور باللام وهما متعلقان بأنزلنا (وَنُسْقِيَهُ) الواو عاطفة والمضارع معطوف على ما قبله منصوب وفاعله مستتر والهاء مفعول به أول (مِمَّا) ما اسم الموصول مجرور بمن متعلقان بنسقيه (خَلَقْنا) ماض وفاعله والجملة صلة (أَنْعاماً) مفعول به ثان (وَأَناسِيَّ) معطوف على أنعاما (كَثِيراً) صفة
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) والبلدة : الأرض . ووصفها بالحياة والموت مجازان للري والجفاف لأن ري الأرض ينشأ عنه النبات وهو يشبه الحي ، وجفاف الأرض يجفّ به النبات فيشبه الميّت .
ولماء المطر خاصية الإحياء لكل أرض لأنه لخلّوه من الجراثيم ومن بعض الأجزاء المعدنية والترابية التي تشتمل عليها مياه العيون ومياه الأنهار والأودية كان صالحاً بكل أرض وبكل نبات على اختلاف طباع الأرضين والمنابت .
والبلدة : البلد . والبلد يذكر ويؤنث مثل كثير من أسماء أجناس البقاع كما قالوا : دار ودَارة . : ووصفت البلدة بميت ، وهو وصف مذكر لتأويل { بلدة } بمعنى مكان لقصد التخفيف . وقال في «الكشاف» ما معناه : إنه لما دل على المبالغة في الاتصاف بالموت ولم يكن جارياً على أمثلة المبالغة نزّل منزلة الاسم الجامد )أي فلم يغير ). وأحسن من هذا أنه أريد به اسم الميت ، ووصف البلدة به وصف على معنى التشبيه البليغ .
وفي قوله { لنحي به بلدة ميتاً } إيماء إلى تقريب إمكان البعث .
و { نُسقيه } بضم النون مضارع أسقى مثل الذي بفتح النون فقيل هما لغتان يقال : أسقى وسَقى . قال تعالى : { قالتا لا نَسقي } [ القصص : 23 ] بفتح النون . وقيل : سقى : أعطى الشراب ، وأسقى : هيَّأ الماء للشرب . وهذا القول أسدّ لأن الفروق بين معاني الألفاظ من محاسن اللغة فيكون المعنى هيَّأناه لشرب الأنعام والأناسي فكل من احتاج للشرب شرب منه سواء من شرب ومن لم يشرب .
و { أنعاماً } مفعول ثان ل { نسقيه } . وقوله : { مما خلقنا } حال من { أنعاماً وأناسي } . و )مِن )تبعيضية . و )مَا )موصولة ، أي بعض ما خلقناه ، والموصول للإيماء إلى علة الخبر ، أي نسقيهم لأنهم مخلوقات . ففائدة هذا الحال الإشارة إلى رحمة الله بها لأنها خلقه . وفيه إشارة إلى أن أنواعاً أخرى من الخلائق تُسقى بماء السماء ، ولكن الاقتصار على ذكر الأنعام والأناسي لأنهما موقع المنة ، فالأنعام بها صلاح حال البَادين بألبانها وأصوافها وأشعارها ولُحومها ، وهي تشرب من مياه المطر من الأحواض والغدران .
والأناسيّ : جمع إنسيّ ، وهو مرادف إنسان . فالياء فيه ليست للنسب . وجُمع على فَعالِيّ مثل كُرسي وكَراسِي .
ولو كانت ياؤه نَسب لَجُمع على أنَاسِيَةٍ كما قالوا : صيرفي وصيارفة . ووصف الأناسيّ ب { كثيراً } لأن بعض الأناسيّ لا يشربون من ماء السماء وهم الذين يشربون من مياه الأنهار كالنيل والفرات ، والآبار والصهاريج ، ولذلك وصف العرب بأنهم بنو ماء السماء . فالمنة أخص بهم ، قال زيادة الحارثي :
ونحن بنو ماء السماء فلا نرى ... لأنفسنا من دون مملكةٍ قصراً
وفي أحاديث ذكر هاجر زوج إبراهيم عليه السلام قال أبو هريرة « فتلك أمّكم يا بني ماءِ السماء » يعني العرب . وماء المطر لنقاوته التي ذكرناها صالح بأمعاء كل الناس وكل الأنعام دون بعض مياه العيون والأنهار .
ووصف أناسي وهو جمع بكثير وهو مفرد لأن فعيلاً قد يراد به المتعدد مثل رفيق وكذلك قليل قال تعالى : { واذكروا إذ كنتم قليلاً } [ الأعراف : 86 ] .
وتقديم ذكر الأنعام على الأناسيّ اقتضاه نسج الكلام على طريقة الأحكام في تعقيبه بقوله : { ولقد صرفناه بينهم ليذكروا } ، ولو قدم ذكر { أناسيَّ } لتفكك النظم . ولم يقدم ذكر الناس في قوله تعالى : { متاعاً لكم ولأنعامكم } في سورة النازعات )33 )لانتفاء الداعي للتقديم فجاء على أصل الترتيب .
وضمير صرفناه } عائد إلى { ماء طهوراً } . والتصريف : التغيير . والمراد هنا تغيير أحوال الماء ، أي مقاديره ومواقعه .
وتوكيد الجملة بلام القسم و )قد )لتحقيق التعليل لأن تصرف المطر محقق لا يحتاج إلى التأكيد وإنما الشيء الذي لم يكن لهم علم به هو أن من حكمة تصريفه بين الناس أن يذكُروا نعمة الله تعالى عليهم مع نزوله عليهم وفي حالة إمساكه عنهم ، لأن كثيراً من الناس لا يقدُر قدرَ النعمة إلا عند فقدها فيعلموا أن الله هو الربّ الواحد المختار في خلق الأسباب والمسببات وقد كانوا لا يتدبرون حكمة الخالق ويسندون الآثار إلى مؤثرات وهمية أو صورية .
ولما كان التذكر شاملاً لشكر المنعم عليهم بإصابة المطر ولتفطن المحرومين إلى سبب حرمانهم إياه لعلهم يستغفرون ، جيء في التعليل بفعل { ليذكروا } ليكون علة لحالتي التصريف بينهم .
وقوله : { فأبى أكثر الناس إلا كفوراً } تركيب جرى بمادّته وهيئته مجرى المَثَل في الإخبار عن تصميم المخبر عنه على ما بعد حرف الاستثناء ، وذلك يقتضي وجود الصارف عن المستثنى ، أي فصمموا على الكفور لا يرجعون عنه لأن الاستثناء من عموم أشياء مبهمة جعلت كلها مما تعلق به الإباء كأنّ الآبين قد عرضت عليهم من الناس أو من خواطرهم أمورٌ وراجعوا فلم يقبلوا منها إلا الكُفور ، وإن لم يكن هنالك عَرض ولا إباء ، ومنه قوله تعالى في سورة براءة : )32 ){ ويأبى الله إلاّ أن يُتِمّ نورَه } ؛ ألاَ ترى أن ذلك استعمل هنا في مقام معارضة المشركين للتوحيد وفي سورة براءة في مقام معارضة أهل الكتاب للإسلام . وشدّةُ الفريقين في كفرهم معلومة مكشوفة ولم يُستعمل في قوله تعالى في سورة الصّفّ : )8 ):
المصدر : إعراب : لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا