إعراب الآية 64 من سورة المائدة - إعراب القرآن الكريم - سورة المائدة : عدد الآيات 120 - - الصفحة 118 - الجزء 6.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ) فعل ماض وفاعل وحركت تاء التأنيث بالكسر منعا لالتقاء الساكنين والجملة مستأنفة.
(يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) مبتدأ وخبر ولفظ الجلالة مضاف إليه والجملة الاسمية مفعول به بعد القول (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعله والجملة مستأنفة (وَلُعِنُوا) فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعله كذلك والجملة معطوفة (بِما قالُوا) ما مصدرية والمصدر المؤول في محل جر بحرف الجر والتقدير ولعنوا بسبب قولهم. وجملة قالوا في محل جر صفة ما (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) بل حرف إضراب ويداه مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى وكذلك مبسوطتان خبر مرفوع بالألف والجملة استئنافية (يُنْفِقُ) فعل مضارع فاعله هو (كَيْفَ) اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال والجملة مستأنفة (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وليزيدن الواو استئنافية واللام واقعة في جواب القسم المحذوف ويزيدن مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، كثيرا مفعوله الأول تعلق به الجار والمجرور بعده واسم الموصول ما فاعله، وأنزل فعل ماض مبني للمجهول تعلق به الجار والمجرور بعده إليك ونائب الفاعل هو، من ربك متعلقان بمحذوف حال (طُغْياناً) مفعول به ثان (وَكُفْراً) معطوف وجملة ليزيدن لا محل لها لأنها جواب القسم وجملة القسم وجوابه مستأنفة.
(وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ) فعل ماض تعلق به الظرف بعده ونا فاعله والعداوة مفعوله (وَالْبَغْضاءَ) معطوف.
(إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال: دائبين إلى يوم القيامة والقيامة مضاف إليه.
(كُلَّما) شرطية مبنية على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية (أَوْقَدُوا) فعل ماض تعلق به الجار والمجرور للحرب والواو فاعله و(ناراً) مفعوله والجملة في محل جر بالإضافة.
(أَطْفَأَهَا اللَّهُ) فعل ماض والهاء مفعول به مقدم واللّه لفظ الجلالة فاعله والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم.
(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور والواو فاعله وفسادا حال بمعنى مفسدين أو مفعول مطلق أو مفعول لأجله والجملة مستأنفة.
(وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) لفظ الجلالة مبتدأ جملة لا يحب المفسدين خبر وجملة واللّه مستأنفة.
عطف على جملة { وإذا جاؤوكم قالوا آمنّا } [ المائدة : 61 ] ، فإنّه لمّا كان أولئك من اليهود والمنافقين انتقل إلى سوء معتقدهم وخبث طويتهم ليظهر فرط التنافي بين معتقدهم ومعتقد أهل الإسلام ، وهذا قول اليهود الصرحاء غير المنافقين فلذلك أسند إلى اسم ( اليهود ) .
ومعنى { يد الله مغلولة } الوصف بالبخل في العطاء لأنّ العرب يجعلون العطاء معبَّراً عنه باليد ، ويجعلون بَسْط اليد استعارة للبذل والكرم ، ويجعلون ضدّ البسط استعارة للبخل فيقولون : أمسك يدَه وقبَض يده ، ولم نسمع منهم : غَلّ يدَه ، إلاّ في القرآن كما هنا ، وقوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عُنقك } في سورة الإسراء ( 29 ) ، وهي استعارة قويّة لأنّ مغلول اليد لا يستطيع بسطها في أقلّ الأزمان ، فلا جرم أن تكون استعارة لأشدّ البخل والشحّ .
واليهودُ أهل إيمان ودين فلا يجوز في دينهم وصف الله تعالى بصفات الذمّ . فقولهم هذا : إمّا أن يكون جرى مجرى التهكّم بالمسلمين إلزاماً لهذا القول الفاسد لهم ، كما روي أنّهم قالوا ذلك لمّا كان المسلمون في أوّل زمن الهجرة في شدّة ، وفَرَض الرسول عليهم الصدقات ، وربّما استعان باليهود في الديات . وكما روي أنّهم قالوه لمّا نزل قوله تعالى : { من ذا الّذي يُقرض الله قرضاً حسناً } [ البقرة : 245 ] فقالوا : إنّ ربّ محمّد فقير وبخيل . وقد حكي عنهم نظيره في قوله تعالى : { لقد سمع الله قول الّذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء } [ البقرة : 181 ] . ويؤيّد هذا قوله عقبهُ { وليزيدنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً } . وإمّا أن يكونوا قالوه في حالة غضب ويأس؛ فقد روي في سبب نزولها أنّ اليهود نزلت بهم شدّة وأصابتهم مجاعة وجَهد ، فقال فنحاص بن عَازُورا هذه المقالة ، فإمّا تلقَّفُوها منه على عادة جهل العامّة ، وإمّا نسب قول حبرهم إلى جميعهم لأنّهم يقلّدونه ويقتدون به .
وقد ذمّهم الله تعالى على كلا التقديرين ، إذ الأول استخفاف بالإسلام وبدينهم أيضاً ، إذ يجب تنزيه الله تعالى عن هذه المقالات ، ولو كانت على نيّة إلزام الخصم ، والثّاني ظاهر ما فيه من العجرفة والتأفّف من تصرّف الله ، فقابل الله قولهم بالدّعاء عليهم . وذلك ذمّ على طريقة العَرب .
وجملة { غُلَّت أيديهم } معترضة بين جملة { وقالت اليهود } وبين جملة { بل يداه مبسوطتان } . وهي إنشاء سبّ لهم . وأخذ لهم من الغُلّ المجازي مُقابِلُه الغلّ الحقيقي في الدعاء على طريقة العرب في انتزاع الدعاء من لفظ سببه أو نحوه ، كقول النّبيء صلى الله عليه وسلم « عُصَيَّةُ عَصت الله ورسوله ، وأسلم سَلَّمها الله ، وغِفَار غَفر الله لها »
وجملة { ولعنوا بما قالوا } يجوز أن تكون إنشاء دعاء عليهم ، ويجوز أن تكون إخباراً بأنّ الله لعنهم لأجل قولهم هذا ، نظير ما في قوله تعالى :
{ وإن يَدْعون إلاّ شيطاناً مريداً لعنه الله } في سورة النّساء ( 117 ، 118 ) .
وقوله : بل يداه مبسوطتان } نقض لكلامهم وإثبات سعة فضله تعالى . وبسط اليدين تمثيل للعطاء ، وهو يتضمّن تشبيه الإنعام بأشياء تعطى باليدين .
وذكر اليد هنا بطريقة التثنية لزيادة المبالغة في الجُود ، وإلاّ فاليَدُ في حال الاستعارة للجود أو للبُخل لا يقصد منها مفرد ولا عدد ، فالتثنية مستعملة في مطلق التّكرير ، كقوله تعالى : { ثُم ارجع البصر كرّتين } [ الملك : 4 ] ، وقولهم : «لبّيك وسعديك» . وقال الشّاعر ( أنشده في «الكشاف» ولم يعْزه هو ولا شارحوه ) :
جَادَ الْحِمَى بَسِطُ اليدَيْن بوابلٍ ... شكرَتْ نَدَاه تلاعُه ووهَاده
وجملة { ينفق كيف يشاء } بيان لاستعارة { يداه مبسوطتان } . و { كيف } اسم دالّ على الحالة وهو مبني في محلّ نصب على الحال . وفي قوله : { كيف يشاء } زيادة إشارة إلى أن تقتيره الرزق على بعض عبيده لمصلحة ، مثل العقاب على كفران النعمة ، قال تعالى : { ولو بَسط الله الرزق لعباده لبَغَوا في الأرض } [ الشورى : 27 ] .
{ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طغيانا وَكُفْراً } .
عطف على جملة { وقالت اليهود يد الله مغلولة } . وقع معترضاً بين الردّ عليهم بجملة { بل يداه مبسوطتان } وبين جملة { وألقيْنا بينهم العداوة والبغضاء } ، وهذا بيان للسبب الّذي بعثهم على تلك المقالة الشنيعة ، أي أعماهم الحسد فزادهم طغياناً وكفراً ، وفي هذا إعداد للرسول عليه الصلاة والسلام لأخذ الحذر منهم ، وتسلية له بأنّ فَرط حنقهم هو الّذي أنطقهم بذلك القول الفظيع .
{ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضآء إلى يَوْمِ القيامة } .
عطف على جملة { ولعنوا بما قالوا } عطفَ الخبر على الإنشاء على أحد الوجهين فيه . وفي هذا الخبر الإيماء إلى أنّ الله عاقبهم في الدّنيا على بغضهم المسلمين بأن ألقَى البغضاء بين بعضهم وبعض ، فهو جزاء من جنس العمل ، وهو تسلية للرّسول صلى الله عليه وسلم أن لا يهمّه أمر عداوتهم له ، فإنّ البغضاء سجيتهم حتّى بين أقوامهم وأنّ هذا الوصف دائم لهم شأنَ الأوصاف الّتي عمي أصحابها عن مداواتها بالتخلّق الحسن . وتقدّم القول في نظيره آنفاً .
{ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله وَيَسْعَوْنَ فِى الارض فَسَاداً والله لاَ يُحِبُّ المفسدين } .
تركيب { أوقدوا ناراً للحرب أطفاها الله } تمثيل ، شُبّه به حال التهيّؤ للحرب والاستعداد لها والحَزَامةِ في أمرها ، بحال من يُوقد النّار لحاجة بها فتنطفىء ، فإنّه شاعت استعارات معاني التسعير والحَمْي والنّار ونحوها للحرب ، ومنه حَمِيَ الوَطيس ، وفلان مِسْعَرُ حرب ، ومِحَشّ حرب ، فقوله : { أوقدوا ناراً للحرب } كذلك ، ولا نارَ في الحقيقة ، إذ لم يُؤْثر عن العرب أنّ لهم ناراً تختصّ بالحرب تُعَدّ في نِيرَان العرب الّتي يُوقِدُونها لأغراض . وقد وهم من ظنّها حقيقة ، ونبَّه المحقّقون على وهمه .
وشبّه حال انحلال عزمهم أو انهزامُهم وسرعةُ ارتدادهم عنها ، وإحجامُهم عن مصابحة أعدائهم ، بحال من انطفأت ناره الّتي أوقدها .
ومن بداعة هذا التمثيل أنّه صالحٌ لأن يعتبر فيه جَمْعُه وتفريقه ، بأن يُجعل تمثيلاً واحداً لِحالة مجموعة أو تمثيلين لحالتين ، وقبول التمثيل للتفريق أتمّ بلاغة . والمعنى أنّهم لا يلتئم لهم أمر حرب ولا يستطيعون نكاية عدوّ ، ولو حاربوا أو حُوربوا انهزموا ، فيكون معنى الآية على هذا كقوله : { ضُرِبت عليهم الذلّة أينَما ثُقِفوا } [ آل عمران : 112 ] .
وأمّا ما يروى أنّ مَعَدّا كلّها لمّا حاربوا مذبح يوم ( خَزَازَى ) ، وسيادتُهم لِتغلب وقائدُهم كُليب ، أمر كليب أن يوقدوا ناراً على جبل خَزَازَى ليهتدي بها الجيش لكثرته ، وجعلوا العلامة بينهم أنّهم إذا دهمتهم جيوش مذحج أوقدوا نارين على ( خَزَازَى ) ، فلمّا دهمتهم مَذحج أوقدوا النّار فتجمّعت مَعدّ كلّها إلى ساحة القتال وانهزمت مَذحج . وهذا الّذي أشار إليه عمرو بن كلثوم بقوله :
وَنَحْنُ غداة أوقِدَ في خَزازَى ... رَفَدْنَا فَوْقَ رفْد الرافِدِينَا
فتلك شعار خاصّ تواضعوا عليه يومئذٍ فلا يعدّ عادة في جميع الحروب . وحيث لا تعْرف نار للحرب تعيّن الحَمْل على التمثيل ، ولذلك أجمع عليه المفسّرون في هذه الآية فليس الكلامُ بحقيقة ولا كناية .
وقوله : { ويسعون في الأرض فساداً } القولُ فيه كالقول في نظيره المتقدّم آنفاً عند قوله تعالى : { إنّما جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً } [ المائدة : 33 ] .
المصدر : إعراب : وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه