سورة ياأيها المدثر - عدد الآيات 56 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .
تفسير و معنى الآية 1 من سورة المدّثر عدة تفاسير - سورة المدّثر : عدد الآيات 56 - - الصفحة 575 - الجزء 29.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ﴾ [ المدّثر: 1]
﴿ التفسير الميسر ﴾
يا أيها المتغطي بثيابه، قم مِن مضجعك، فحذِّر الناس من عذاب الله، وخُصَّ ربك وحده بالتعظيم والتوحيد والعبادة، وَطَهِّر ثيابك من النجاسات؛ فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن، ودُمْ على هَجْر الأصنام والأوثان وأعمال الشرك كلها، فلا تقربها، ولا تُعط العطيَّة؛ كي تلتمس أكثر منها، ولمرضاة ربك فاصبر على الأوامر والنواهي.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يا أيها المدثر» النبي صلى الله عليه وسلم وأصله المتدثر أدغمت التاء في الدال، أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
تقدم أن المزمل والمدثر بمعنى واحد، وأن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، بالاجتهاد في عبادة الله القاصرة والمتعدية، فتقدم هناك الأمر له بالعبادات الفاضلة القاصرة، والصبر على أذى قومه،
﴿ تفسير البغوي ﴾
مكية[ ( يا أيها المدثر ) ] ، أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة [ بن ] عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن ؟ قال : " يا أيها المدثر " قلت : يقولون : " اقرأ باسم ربك الذي خلق " ( العلق - 1 ) ؟ فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، فقلت له مثل الذي قلت ، فقال جابر : لا أحدثك إلا بما حدثنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت ، فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فرأيت شيئا فأتيت خديجة فقلت : دثروني وصبوا علي ماء باردا [ قال ] فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال فنزلت : " يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن عقيل قال ابن شهاب : سمعت أبا سلمة قال : أخبرني جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث عن فترة الوحي : " فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فخشيت حتى هويت على الأرض ، فجئت أهلي فقلت : زملوني زملوني [ فزملوني ] فأنزل الله تعالى : " يا أيها المدثر قم فأنذر " إلى قوله : " فاهجر " قال أبو سلمة : والرجز الأوثان ، ثم حمي الوحي وتتابع " .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
تفسير سورة المدثرمقدمة وتمهيد1- سورة «المدثر» من أوائل السور التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ويغلب على الظن أن نزولها كان بعد نزول صدر سورة «اقرأ» .ويشهد لذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة- رضى الله عنها-: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الوحى وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ.وروى الشيخان- أيضا- وغيرهما، عن يحيى بن أبى كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن؟ فقال: يا أيها المدثر. قلت: يقولون: اقرأ باسم ربك..فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله عن ذلك، فقال: يا أيها المدثر لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاورت بحراء، فلما قضيت جواري: هبطت الوادي، فنوديت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا.. فرفعت رأسى، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرجعت على أهلى فقلت:دثروني، دثروني. فنزلت يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ.قال الآلوسى ما ملخصه: وظاهر هذا الحديث يقتضى نزول هذه السورة قبل سورة اقرأ، مع أن المروي في الصحيحين عن عائشة أن سورة «اقرأ» أول ما نزل على الإطلاق، وهو الذي ذهب إليه أكثر الأمة، حتى قال بعضهم وهو الصحيح.وللجمع بين هذين الحديثين وجوه منها: أن مراد جابر بالأولية أولية مخصوصة، بما نزل بعد فترة الوحى، لا أولية مطلقة كما هو الحال بالنسبة لسورة اقرأ. أو أن السؤال في حديث جابر، كان عن نزول سورة كاملة، فبين أن سورة المدثر نزلت بكمالها. أو أن جابرا قد قال ذلك باجتهاده، ويقدم على هذا الاجتهاد ما ذكرته عائشة من أن أول ما نزل على الإطلاق، هو صدر سورة اقرأ.. .أقول: وفي هذا الحديث ما يدل على أن الملك قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء قبل رؤيته في هذه المرة، وفي غار حراء بدأ الوحى ونزل قول الله تعالى: «اقرأ باسم ربك الذي خلق ... » وذلك يدل على أن «اقرأ» أول ما نزل على الإطلاق، وهو ما جاء في الصحيحين عن السيدة عائشة رضى الله عنها.وعلى أية حال فسورة المدثر تعتبر من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن، كما يرى ذلك من تدبر آياتها التي تحض الرسول صلى الله عليه وسلم على إنذار الناس بدعوته.وعدد آياتها: ست وخمسون آية في المصحف الكوفي، وخمس وخمسون في البصري.2- ومن أهم مقاصدها: تكريم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بتبليغ ما أوحاه الله- تعالى- إليه الى الناس، وتسليته عما أصابه من أذى، وتهديد أعدائه بأشد ألوان العقاب، وبيان حسن عاقبة المؤمنين، وسوء عاقبة المكذبين، والرد عليهم بما يبطل دعاواهم..قد افتتح الله- تعالى- سورة المدثر، بالملاطفة والمؤانسة في النداء والخطاب، كما افتتح سورة المزمل. والمدثر اسم فاعل من تدثر فلان، إذا لبس الدثار، وهو ما كان من الثياب فوق الشعار الذي يلي البدن، ومنه حديث: «الأنصار شعار والناس دثار» .قال القرطبي: قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب، إذ ناداه بحاله، وعبر عنه بصفته، ولم يقل يا محمد ويا فلان، ليستشعر اللين والملاطفة من ربه، كما تقدم في سورة المزمل. ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلىّ إذ نام في المسجد «قم أبا تراب» .وكان قد خرج مغاضبا لفاطمة- رضى الله عنها-، فسقط رداؤه وأصابه التراب. ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان ليلة الخندق «قم يا نومان» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
تفسير سورة المدثر وهي مكية .ثبت في صحيح البخاري [ من حديث يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ] عن جابر أنه كان يقول : أول شيء نزل من القرآن : ( يا أيها المدثر )وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا قوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) كما سيأتي [ بيان ] ذلك هناك .قال البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن ، قال : ( يا أيها المدثر ) قلت : يقولون : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ؟ فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك ، وقلت له مثل ما قلت لي ، فقال جابر : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جاورت بحراء ، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت أمامي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت شيئا ، فأتيت خديجة فقلت : دثروني ، وصبوا علي ماء باردا . قال : فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال : فنزلت ( يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر )هكذا ساقه من هذا الوجه . وقد رواه مسلم من طريق عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة قال : أخبرني جابر بن عبد الله : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي : " فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض ، فجئت إلى أهلي ، فقلت : زملوني زملوني ، فزملوني ، فأنزل الله ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) إلى : ( فاهجر ) - قال أبو سلمة : والرجز : الأوثان - ثم حمي الوحي وتتابع " .هذا لفظ البخاري وهذا السياق هو المحفوظ ، وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا ، لقوله : " فإذا الملك الذي جاءني بحراء " ، وهو جبريل حين أتاه بقوله : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) ثم إنه حصل بعد هذا فترة ، ثم نزل الملك بعد هذا . ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة ، كما قال الإمام أحمد :حدثنا حجاج ، حدثنا ليث ، حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ثم فتر الوحي عني فترة ، فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني [ بحراء الآن ] قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجثت منه فرقا ، حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت لهم : زملوني زملوني ، فزملوني ، فأنزل الله : ( يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ) ثم حمي الوحي [ بعد ] وتتابع " . أخرجاه من حديث الزهري ، به .وقال الطبراني : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار ، حدثنا الحسن بن بشر البجلي ، حدثنا المعافى بن عمران ، عن إبراهيم بن يزيد ، سمعت ابن أبي مليكة يقول : سمعت ابن عباس يقول : إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما ، فلما أكلوا . قال : ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم : ساحر . وقال بعضهم ليس بساحر . وقال بعضهم : كاهن . وقال بعضهم : ليس بكاهن . وقال بعضهم : شاعر . وقال بعضهم ليس بشاعر . وقال بعضهم : [ بل ] سحر يؤثر ، فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحزن وقنع رأسه ، وتدثر ، فأنزل الله ( يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر ) .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
سورة المدثرمكية في قول الجميع . وهي ست وخمسون آيةبسم الله الرحمن الرحيميا أيها المدثرقوله تعالى : يا أيها المدثر أي يا ذا الذي قد تدثر بثيابه ، أي تغشى بها ونام ، وأصله المتدثر فأدغمت التاء في الدال لتجانسهما . وقرأ أبي ( المتدثر ) على الأصل .وقال مقاتل : معظم هذه السورة في الوليد بن المغيرة . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحدث - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي - قال في حديثه : " فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض " . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فجئثت منه فرقا ، فرجعت فقلت زملوني زملوني ، فدثروني ، فأنزل الله تعالى : يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر في رواية - قبل أن تفرض الصلاة - وهي الأوثان قال : " ثم تتابع الوحي " . خرجه الترمذي أيضا وقال : حديث حسن صحيح .قال مسلم : وحدثنا زهير بن حرب ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا الأوزاعي قال : سمعت يحيى يقول : سألت أبا سلمة : أي القرآن أنزل قبل ؟ قال : يا أيها المدثر فقلت : أو اقرأ ؟ فقال : سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل ؟ قال : يا أيها المدثر فقلت : أو اقرأ ؟ فقال جابر : أحدثكم ما حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " جاورت بحراء شهرا ، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي ، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا ، ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا ، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء - يعني جبريل - صلى الله عليه وسلم - فأخذتني رجفة شديدة ، فأتيت خديجة فقلت دثروني ، فدثروني فصبوا علي ماء ، فأنزل الله - عز وجل - : يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر " خرجه البخاري وقال فيه : " فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا ، فدثروني وصبوا علي ماء باردا فنزلت : يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر .ابن العربي : وقد قال بعض المفسرين إنه جرى على النبي - صلى الله عليه وسلم - من عقبة بن ربيعة أمر ، فرجع إلى منزله مغموما ، فقلق واضطجع ، فنزلت : يا أيها المدثر وهذا باطل .وقال القشيري أبو نصر : وقيل بلغه قول كفار مكة أنت ساحر ، فوجد من ذلك غما وحم ، فتدثر بثيابه ، فقال الله تعالى : قم فأنذر أي لا تفكر في قولهم ، وبلغهم الرسالة .وقيل : اجتمع أبو لهب وأبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل ومطعم بن عدي وقالوا : قد اجتمعت وفود العرب في أيام الحج ، وهم يتساءلون عن أمر محمد ، وقد اختلفتم في الإخبار عنه ; فمن قائل يقول مجنون ، وآخر يقول كاهن ، وآخر يقول شاعر ، وتعلم العرب أن هذا كله لا يجتمع في رجل واحد ، فسموا محمدا باسم واحد يجتمعون عليه ، وتسميه العرب به ، فقام منهم رجل فقال : شاعر ; فقال الوليد : سمعت كلام ابن الأبرص ، وأمية بن أبي الصلت ، وما يشبه كلام محمد كلام واحد منهما ; فقالوا : كاهن . فقال : الكاهن يصدق ويكذب وما كذب محمد قط ; فقام آخر فقال : مجنون ; فقال الوليد : المجنون يخنق الناس وما خنق محمد قط . وانصرف الوليد إلى بيته ، فقالوا : صبأ الوليد بن المغيرة ; فدخل عليه أبو جهل وقال : ما لك يا أبا عبد شمس ! هذه قريش تجمع لك شيئا يعطونكه ، زعموا أنك قد احتجت وصبأت . فقال الوليد : ما لي إلى ذلك حاجة ، ولكني فكرت في محمد ، فقلت : ما يكون من الساحر ؟ فقيل : يفرق بين الأب وابنه ، وبين الأخ وأخيه ، وبين المرأة وزوجها ، فقلت : إنه ساحر . شاع هذا في الناس وصاحوا يقولون : إن محمدا ساحر . ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته محزونا فتدثر بقطيفة ، ونزلت : يا أيها المدثر . وقال عكرمة : معنى يا أيها المدثر أي المدثر بالنبوة وأثقالها . ابن العربي : وهذا مجاز بعيد ; لأنه لم يكن تنبأ بعد . وعلى أنها أول القرآن لم يكن تمكن منها بعد أن كانت ثاني ما نزل .قوله تعالى : يا أيها المدثر : ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذ ناداه بحاله ، وعبر عنه بصفته ، ولم يقل يا محمد ويا فلان ، ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم في سورة ( المزمل ) . ومثله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي إذ نام في المسجد : " قم أبا تراب " وكان خرج مغاضبا لفاطمة - رضي الله عنها - فسقط رداؤه وأصابه ترابه ; خرجه مسلم . ومثله قوله - عليه الصلاة والسلام - لحذيفة ليلة الخندق : " قم يا نومان " وقد تقدم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول جلّ ثناؤه: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) يا أيها المتدثر بثيابه عند نومه.وذُكر أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذلك، وهو متدثر بقطيفة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) قال: كان متدثرا في قطيفة.وذُكر أن هذه الآية أول شيء نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قيل له: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .كما حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث عن فترة الوحي: " بَيْنا أنا أمْشِي سَمِعْت صَوْتا مِنَ السَّماءِ، فَرَفَعْتُ رأسِي، فإذَا المَلَك الَّذِي جاءَنِي بحرَاءَ جالِسٌ عَلى كُرْسِي بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقا (1) ، وجِئْتُ أهْلِيفَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فدَثَّرُونِي" فأنزل الله ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ .. ) إلى قوله: ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) قال: ثم تتابع الوحي.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا الأوزاعي، قال: ثني يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة: أيّ القرآن أُنزل أوّل، فقال: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) فقلت: يقولون اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله: أيّ القرآن أنزل أوّل؟ فقال: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ )، فقلت: يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقال: لا أخبرك إلا ما حدثنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: جاورت في حِراء ؛ فلما قضيت جواري هبطت، فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت عن يميني وعن شمالي وخلفي وقدّامي، فلم أر شيئا، فنظرت فوق رأسي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فخشيت منه، هكذا قال عثمان بن عمرو، إنما هو: فجثثت منه، ولقيت خديجة، فقلت دثروني، فدثروني، وصبوا عليّ ماءً، فأنزل الله عليّ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) .حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عليّ بن مبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال سألت أبا سلمة عن أوّل ما نزل من القرآن، قال: نزلت ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) أوّل ؛ قال: قلت: إنهم يقولون اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، فقال: سألت جابر بن عبد الله، فقال: لا أحدّثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاوَرْتُ بِحِراء ؛ فلمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلمْ أرَ شَيْئا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أرَ شَيْئا، فَرَفَعْتُ رأسي فرأيْتُ شَيْئا، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصبُّوا عَليَّ ماء بارِدًا، فنزلت ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، قال: فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة، فحزن حزنًا، فجعل يعدو إلى شواهق رءوس الجبال ليتردّى منها، فكلما أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل عليه السلام فيقول: إنك نبيّ الله، فيسكن جأشه، وتسكن نفسه ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحدث عن ذلك، قال: " بَيْنَما أنا أَمْشِي يَوْما إذ رأيْتُ المَلَكَ الَّذِي كان يأتِيني بِحرَاءَ على كُرْسِيّ بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، فَجَثَثْتُ مِنْهُ رُعْبا، فَرَجَعْتُ إلى خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: " زَمِّلُونِي"، فزملناه: أي فدثرناه، فأنزل الله: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّر ) قال الزهري: فكان أوّل شيء أنزل عليه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... حتى بلغ مَا لَمْ يَعْلَمْ .واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ )، فقال بعضهم: معنى ذلك: يأيُّها النائم في ثيابه.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) قال: يأيها النائم.حدثنا بشر، ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) يقول: المتدثر في ثيابه.وقال آخرون: بل معنى ذلك: يا أيُّها المتدثر النبوّة وأثقالها.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: وسُئل داود عن هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) فحدثنا عن عكرِمة أنه قال: دثِّرت هذا الأمر فقم به.------------------------الهوامش:(1) جثثت منه بالبناء للمجهول: فزعت وخفت.