فاتركهم يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يوم القيامة الذي يوعدون فيه بالعذاب، يوم يخرجون من القبور مسرعين، كما كانوا في الدنيا يذهبون إلى آلهتهم التي اختلقوها للعبادة مِن دون الله، يهرولون ويسرعون، ذليلة أبصارهم منكسرة إلى الأرض، تغشاهم الحقارة والمهانة، ذلك هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا، وكانوا به يهزؤون ويُكَذِّبون.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يوم يخرجون من الأجداث» القبور «سراعا» إلى المحشر «كأنهم إلى نَصْبِ» وفي قراءة بضم الحرفين، شيء منصوب كعلم أو راية «يوفضون» يسرعون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم ذكر حال الخلق حين يلاقون يومهم الذي يوعدون، فقال: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ أي: القبور، سِرَاعًا مجيبين لدعوة الداعي، مهطعين إليها كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ أي: [كأنهم إلى علم] يؤمون ويسرعون أي: فلا يتمكنون من الاستعصاء للداعي، والالتواء لنداء المنادي، بل يأتون أذلاء مقهورين للقيام بين يدي رب العالمين.
﴿ تفسير البغوي ﴾
. ( يوم يخرجون من الأجداث ) من القبور ( سراعا ) إلى إجابة الداعي ( كأنهم إلى نصب ) قرأ ابن عامر [ وابن عباس ] وحفص : " نصب " بضم النون والصاد ، وقرأ الآخرون بفتح النون وسكون الصاد يعنون إلى شيء منصوب ، يقال : فلان نصب عيني . وقال الكلبي : إلى علم وراية . ومن قرأ بالضم ، قال مقاتل والكسائي : يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله [ كقوله : " وما ذبح على النصب " ( المائدة - 3 ) قال الحسن : يسرعون إليها أيهم يستلمها أولا ( يوفضون ) يسرعون .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً بدل من يَوْمَهُمُ. والأجداث جمع جدث- بفتح الجيم والدال- وهو القبر. أى: اتركهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم المحتوم. وهو اليوم الذي يخرجون فيه من قبورهم مسرعين إلى الداعي.كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ والنصب- بضمتين- حجارة كانوا يعظمونها. وقيل:هي الأصنام، وسميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها ويقيمونها للعبادة.يُوفِضُونَ أى: يسرعون. يقال: وفض فلان يفض وفضا- كوعد- إذا أسرع في سيره. أى: يخرجون من قبورهم مسرعين إلى الداعي، مستبقين إليه، كما كانوا في الدنيا يسرعون نحو أصنامهم وآلهتهم لكي يستلموها، ويلتمسوا منها الشفاعة.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ) أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب ، تبارك وتعالى ، لموقف الحساب ، ينهضون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون .قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إلى علم يسعون . وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير : إلى غاية يسعون إليها .وقد قرأ الجمهور : " نصب " بفتح النون وإسكان الصاد ، وهو مصدر بمعنى المنصوب . وقرأ الحسن البصري : ( نصب ) بضم النون والصاد ، وهو الصنم ، أي : كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه يوفضون ، يبتدرون ، أيهم يستلمه أول ، وهذا مروي عن مجاهد ، ويحيى بن أبي كثير ، ومسلم البطين ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وأبي صالح ، وعاصم بن بهدلة ، وابن زيد وغيرهم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون يوم بدل من " يومهم " الذي قبله ، وقراءة العامة " يخرجون " بفتح الياء وضم الراء على أنه مسمى الفاعل . وقرأ السلمي والمغيرة والأعشى عن عاصم " يخرجون " بضم الياء وفتح الراء على الفعل المجهول . والأجداث القبور ; واحدها جدث . وقد مضى في سورة " يس " ." سراعا " حين يسمعون الصيحة الآخرة إلى إجابة الداعي ; وهو نصب على الحال كأنهم إلى نصب يوفضون قراءة العامة بفتح النون وجزم الصاد . وقرأ ابن عامر وحفص بضم النون والصاد . وقرأ عمرو بن ميمون وأبو رجاء وغيرهما بضم النون وإسكان الصاد . والنصب والنصب لغتان مثل الضعف والضعف . الجوهري : والنصب ما نصب فعبد من دون الله ، وكذلك النصب بالضم ; وقد يحرك . قال الأعشى :وذا النصب المنصوب لا تنسكنه لعافية والله ربك فاعبداأراد " فاعبدن " فوقف بالألف ; كما تقول : رأيت زيدا . والجمع الأنصاب . وقوله : " وذا النصب " بمعنى إياك وذا النصب . والنصب الشر والبلاء ; ومنه قوله تعالى : أني مسني الشيطان بنصب وعذاب . وقال الأخفش والفراء : النصب جمع النصب مثل رهن ورهن ، والأنصاب جمع نصب ; فهو جمع الجمع . وقيل : النصب والأنصاب واحد . وقيل : النصب جمع نصاب ، هو حجر أو صنم يذبح عليه ; ومنه قوله تعالى : وما ذبح على النصب . وقد قيل : نصب ونصب ونصب بمعنى واحد ; كما قيل عمر وعمر وعمر . ذكره النحاس . قال ابن عباس : إلى نصب إلى غاية ، وهي التي تنصب إليها بصرك . وقال الكلبي : إلى شيء منصوب ; علم أو راية . وقال الحسن : كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوي أولهم على آخرهم ." يوفضون " يسرعون ، والإيفاض الإسراع . قال الشاعر :فوارس ذبيان تحت الحدي د كالجن يوفضن من عبقرعبقر : موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن . قال لبيد :كهول وشبان كجنة عبقروقال الليث : وفضت الإبل تفض وفضا ; وأوفضها صاحبها . فالإيفاض متعد ، والذي في الآية لازم . يقال : وفض وأوفض واستوفض بمعنى أسرع .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)وقوله: ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ ) بيان وتوجيه عن اليوم الأولّ الذي في قوله: يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ، وتأويل الكلام: حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون من الأجداث وهي القبور: واحدها جدث ( سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) .كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا ) : أي من القبور سراعا.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقد بيَّنا الجدث فيما مضى قبل بشواهده، وما قال أهل العلم فيه.وقوله: ( إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) يقول: كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون.وأجمعت قرّاء الأمصار على فتح النون من قوله: ( نَصْبٍ ) غير الحسن البصري، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد؛ وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل: نصبت الشيء أنصبه نصبا. وكان تأويله عندهم: كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا. وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجه إلى أنه واحد الأنصاب، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها.وأما قوله: ( يُوفِضُونَ ) فإن الإيفاض: هو الإسراع؛ ومنه قول الشاعر:لأنْعَتَنْ نَعامَةً مِيفاضَاخَرْجاءَ تَغْدو تطْلُبُ الإضَاضَا (2)يقول: تطلب ملجأ تلجأ إليه؛ والإيفاض: السرعة؛ وقال رؤبة:تَمْشِي بنا الجِدّ على أوْفاضٍ (3)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا ابن أبي عدي عن عوف، عن أبي العالية، أنه قال في هذه الآية ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) قال: إلى علامات يستبقون.حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) قال: إلى علم يسعون.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( يُوفِضُونَ ) قال: يستبقون.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) : إلى علم يسعون.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) قال: إلى عَلَم يوفضون، قال: يسعون.حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت أبا عمر يقول: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) قال: إلى غاية يستبقون.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) إلى علم ينطلقون.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) قال: إلى علم يستبقون.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) قال: النصب: حجارة كانوا يعبدونها، حجارة طوال يقال لها نصب.وفي قوله: ( يُوفِضُونَ ) قال: يُسرعون إليه كما يُسرعون إلى نصب يوفضون؛ قال ابن زيد: والأنصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها، كان أحدهم يحمله معه، فإذا رأى أحسن منه أخذه، وألقى هذا، فقال له: كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا مرّة، عن الحسن، في قوله: ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) قال: يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أوّل.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرّة، عن الحسن، مثله.
﴿ يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ﴾