إعراب الآية 17 من سورة الروم - إعراب القرآن الكريم - سورة الروم : عدد الآيات 60 - - الصفحة 406 - الجزء 21.
(فَسُبْحانَ) الفاء حرف استئناف (سبحان اللَّهِ) مفعول مطلق لفعل محذوف ولفظ الجلالة مضاف إليه (حِينَ تُمْسُونَ) ظرف زمان ومضارع تام مرفوع والواو فاعله والجملة في محل جر بالإضافة (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) معطوف على ما قبله.
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) الفاء تقتضي اتصال ما بعدها بما قبلها وهي فاء فصيحة ، أو عطف تفريع على ما قبلها وقد كان أول الكلام قوله { أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } [ الروم : 8 ] ، والضمير عائد إلى أكثر الناس في قوله { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [ الروم : 6 ] والمراد بهم الكفار فالتفريع أو الإفصاح ناشىء عن ذلك فيكون المقصود من { سبحان الله } إنشاء تنزيه الله تعالى عما نسبوه إليه من العجز عن إحياء الناس بعد موتهم وإنشاء ثناء عليه .
والخطاب في { تُمْسُونَ } و { تُصْبِحُونَ } تابع للخطاب الذي قبله في قوله { ثُمَّ إليهِ تُرْجعون } [ الروم : 11 ] ، وهو موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات من ضمائر الغيبة المبتدئة من قوله { أو لم يتفكروا في أنفسهم } [ الروم : 8 ] إلى آخرها كما علمت آنفاً . وهذا هو الأنسب باستعمال مصدر ( سبحان ) في مواقع استعماله في الكلام وفي القرآن مثل قوله تعالى { سبحانه وتعالى عما يشركون } [ الزمر : 67 ] وهو الغالب في استعمال مصدر { سبحان في الكلام إن لم يكن هو المتعين كما تقتضيه أقوال أيمة اللغة . وهذا غير استعمال نحو قوله تعالى { فسبِّح بحَمْد ربِّك حِينَ تقُوم } [ الطور : 48 ] وقول الأعشى في داليته :
وسبّح على حين العشيات والضحى ... وقوله { حين تمْسُون ، } و { حين تَصبحون } ، و { عشياً ، وحين تظْهرون } ظروف متعلقة بما في إنشاء التنزيه من معنى الفعل ، أي يُنْشأ تنزيه الله في هذه الأوقات وهي الأجزاء التي يتجزأ الزمان إليها ، والمقصود التأبيد كما تقول : سبحان الله دَوْماً . وسلك به مسلك الإطناب لأنه مناسب لمقام الثناء . وجوّز بعض المفسرين أن يكون { سبحان } هنا مصدراً واقعاً بدلاً عن فعل أمر بالتسبيح كأنه قيل : فسبحوا الله سبحاناً . وعليه يخرج ما روي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم . وتلا قوله تعالى { فسُبْحان الله حِينَ تمْسُون وحين تُصْبِحون } إلى قوله { وحِينَ تظهرون } فإذا صح ما روي عنه فتأويله : أن { سبحان } أمر بأن يقولوا : سبحان الله ، وهو كناية عن الصلاة لأن الصلاة تشتمل على قول : سبحان ربي الأعلى وبحمده .
وقوله { حين تمسون } إلى آخره إشارة إلى أوقات الصلوات وهو يقتضي أن يكون الخطاب موجهاً إلى المؤمنين . والمناسبة مع سابقه أنه لما وعدهم بحسن مصيرهم لقّنهم شكر نعمة الله بإقامة الصلاة في أجزاء اليوم والليلة . وهذا التفريع يؤذن بأن التسبيح والتحميد الواقعين إنشاءً ثناء على الله كناية عن الشكر عن النعمة لأن التصدي لإنشاء الثناء عقب حصول الإنعام أو الوعد به يدل على أن المادح ما بعثه على المدح في ذلك المقام إلا قصد الجزاء على النعمة بما في طوقه ، كما ورد ( فإن لم تقدروا على مكافأته فادعوا له ) .
وليست الصلوات الخمس وأوقاتها هي المراد من الآية ولكن نسجت على نسج صالح لشموله الصلوات الخمس وأوقاتها وذلك من إعجاز القرآن ، لأن الصلاة وإن كان فيها تسبيح ويطلق عليها السُبحة فلا يطلق عليها : سبحان الله .
وأضيف الحين إلى جملتي { تمسون وتصبحون } . وقدم فعل الإمساء على فعل الإصباح : إما لأن الاستعمال العربي يعتبرون فيه الليالي مبدأ عدد الأيام كثيراً قال تعالى { سيروا فيها ليَالِيَ وأياماً آمنين } [ سبأ : 18 ] ، وإما لأن الكلام لما وقع عقب ذكر الحشر من قوله { الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه تُرجعون } [ الروم : 11 ] وذكر قيام الساعة ناسب أن يكون الإمساء وهو آخر اليوم خاطراً في الذهن فقُدم لهم ذكره .
و { عَشيّاً } عطف على { حينَ تمْسُون . } وقوله { وله الحمد في السماوات والأرض } جملة معترضة بين الظروف تفيد أن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة الله تعالى بل لمنفعة المسبحين لأن الله محمود في السماوات والأرض فهو غني عن حمدنا .