إعراب الآية 9 من سورة الرحمن - إعراب القرآن الكريم - سورة الرحمن : عدد الآيات 78 - - الصفحة 531 - الجزء 27.
(وَأَقِيمُوا) أمر مبني على حذف النون والواو فاعله (الْوَزْنَ) مفعول به (بِالْقِسْطِ) متعلقان بالفعل والجملة معطوفة على ما قبلها (وَلا تُخْسِرُوا) الواو حرف عطف ومضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعله (الْمِيزانَ) مفعول به والجملة معطوفة على ما قبلها.
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9(
ولفظ { الميزان } يسمح بإرادة المعنيين على طريقة استعمال المشترك في معنييه . وفي لفظ الميزان وما قارنه من فعل { وضع } وفعلي { لا تَطْغَوْا } و { أقيموا } وحرف الباء في قوله : { بالقسط } وحرف { في } من قوله : { في الميزان } ولفظ { القسط } ، كل هذه تظاهرت على إفادة هذه المعاني وهذا من إعجاز القرآن .
والطغيان : دحض الحق عمداً واحتقاراً لأصحابه ، فمعنى الطغيان في العدل الاستخفاف بإضاعته وضعف الوازع عن الظلم . ومعنى الطغيان في وزن المقدرات تطفيفه .
و { في } من قوله : { في الميزان } ظرفية مجازية تفيد النهي عن أقل طغيان على الميزان ، أي ليس النهي عن إضاعة الميزان كله بل النهي عن كل طغيان يتعلق به على نحو الظرفية في قوله تعالى : { وارزقوهم فيها واكسوهم } [ النساء : 5 ] ، أي ارزقوهم من بعضها وقول سَبرة بننِ عَمْرو الفقعسي :
سَبرةَ بننِ عَمْرو الفقعسي ... ونَشرب في أثمانها ونُقامر
إذْ أراد أنهم يشربون الخمر ببعض أثمان إبلهم ويقامرون ، أي أن لهم فيها منافع أخرى وهي العطاء والأكل منها لقوله في صدر البيت :
نُحابي بها أكفاءنا ونُهينُها ... وقوله تعالى : { وأقيموا الوزن بالقسط } عطف على جملة { ألا تطغوا في الميزان } على احتمال كون المعطوف عليها تفسيرية . وعلى جملة { ووضع الميزان } على احتمال كون المعطوف عليها تعليلاً .
والإِقامة : جعل الشيء قائماً ، وهو تمثيل للإِتيان به على أكمل ما يراد له وقد تقدم عند قوله : { ويقيمون الصلاة } في سورة البقرة ( 3 ( .
والوزن حقيقته : تحقيق تعادل الأجسام في الثقل ، وهو هنا مراد به ما يشمل تقدير الكميات وهو الكيل والمقياس . ٍ
والقسط : العدل وهو معرب من الرومية وأصله قسطاس ثم اختصر في العربية فقالوا مرة : قسطاس ، ومرة : قسط ، وتقدم في قوله تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } في سورة الأنبياء ( 47 ( .
والباء للمصاحبة . والمعنى : اجعلوا العدل ملازماً لما تقوّمونه من أموركم كما قال تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } [ الأنعام : 152 ] وكما قال : { ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا } [ المائدة : 8 ] ، فيكون قوله : { بالقسط } ظرفاً مستقراً في موضع الحال ، أو الباء للسببية ، أي راعوا في إقامة التمحيص ما يقتضيه العدل ، فيكون قوله : { بالقسط } طرفاً لغواً متعلقاً ، وقد كان المشركون يعهدون إلى التطفيف في الوزن كما جاء في قوله تعالى : { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } [ المطففين : 1 3 ] .
فلما كان التطفيف سنة من سنن المشركين تصدت للآية للتنبيه عليه ، ويجيء على الاعتبارين تفسير قوله : { ولا تخسروا الميزان } فإن حُمل الميزان فيه على معنى العدل كان المعنى النهي عن التهاون بالعدل لغفلة أو تسامح بعد أن نهى عن الطغيان فيه ، ويكون إظهار لفظ الميزان في مقام ضميره تنبيهاً على شدة عناية الله بالعدل ، وإنْ حُمل فيه على آلة الوزن كان المعنى النهي عن غبن الناس في الوزن لهم كما قال تعالى في سورة المطففين ( 3 ( { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } والإِخسار : جعل الغير خاسرا والخسارة النقص .
فعلى حمل الميزان على معنى العدل يكون الإِخسار جعل صاحب الحق خاسراً مغبوناً؛ ويكون الميزان } منصوباً على نزع الخافص ، وعلى حمل الميزان على معنى آلة الوزن يكون الإِخسار بمعنى النقص ، أي لا تجعلوا الميزان ناقصاً كما قال تعالى : { ولا تنقصوا المكيال والميزان } [ هود : 84 ] ، وقد علمت هذا النظم البديع في الآية الصالح لهذه المحامل .